
يروي ملصق على زجاج سيارة "تسلا" مركونة في وسط باريس خلاصة الحكاية، إذ كُتب عليه: "اشتريت هذه قبل أن يُجنّ إيلون". يكتسح أوروبا منطق جيوسياسي مشابه فيما يخص الفضاء، إذ يُساعد الاعتماد المُهين على تقنية إيلون ماسك المهيمنة في الدفاع عن منطقة حيوية في أوكرانيا، ولكنه يسمح أيضاً للملياردير بمضايقة حلفاء كييف وتعزيز التنمر الأميركي. لكن البدائل الناجحة تتطلب أكثر من مجرد ملصق.
واضح أن الحكومات والشركات تُريد إعادة ترتيب أوضاعها بعد سنوات من الاعتماد المُرهق على صواريخ ”سبيس إكس تكنولوجيز“ القابلة لإعادة الاستخدام وشركة الإنترنت عريض النطاق ”ستارلينك“ التابعة لها، التي كان لانقطاع خدمتها المؤقت هذا الأسبوع أثر على خط المواجهة الأوكراني.
تزويد أوكرانيا بخدمات "ستارلينك" للإنترنت يسلط الضوء على سباق الفضاء الجديد
تأمل شركات ”إيرباص“، و“تاليس“ (Thales)، و“ليوناردو“ (Leonardo) في بناء نشاط فضاء رائد. وتعتزم إطلاق رحلات تجريبية لصواريخ من الجيل التالي العام المقبل. أُعيد تمويل شركة ”يوتلسات كوميونيكشنز“ (Eutelsat Communications)، وحصلت على عقود فضائية جديدة مع الجيش الفرنسي. ويخصص الاتحاد الأوروبي 6 مليارات يورو (7.1 مليار دولار) لتمويل شبكة أقمار صناعية "سيادية" هي ”أيريس2“ (Iris2).
قال جان فرانسوا فالاشر، رئيس ”يوتلسات“، لبلومبرغ خلال قمة لصناعة الفضاء في باريس: "هناك زخم هائل... تقدّر حكومات وجهات معنى السيادة".
تخلف كبير عن ركب "ستارلينك"
لكن ”ستارلينك“ ما تزال متقدمة بسنوات ضوئية عمّا سواها. تحلم أوروبا بمئات الأقمار الاصنطاعية منخفضة المدار بتمويل بمليارات الدولارات، بينما تُشير التقارير إلى أن تقييم ”سبيس إكس“ يدنو من 400 مليار دولار، وتُحقق أقمار ”ستارلينك“ الصناعية، وعددها 8000، إيرادات سنوية تُقدّر بنحو 15 مليار دولار.
لم تكن أوروبا الموضوع الذي جذب اهتمام المديرين التنفيذيون والمصرفيين هذا الأسبوع، بل صفقة شراء ”سبيس إكس“ الضخمة للطيف اللاسلكي من شركة ”إيكوستار“ مقابل حوالي 17 مليار دولار، أي ما يعادل 10 أضعاف القيمة السوقية لشركة ”يوتلسات“.
يمنح هذا ”سبيس إكس“ أفضلية في مجال الاتصالات عبر الأقمار الصناعية المباشرة إلى الأجهزة، كما بيّن زميلي توماس بلاك.
إيلون ماسك لم ينس الأرض بعدما بلغ الفضاء
بما أن منافسات ”ستارلينك“ من اللاعبين العريقين الذين يديرون نشاطات مربحة في مجال المرئيات يزيد الضغط. لم يعد بث التلفزيون عبر الأقمار الصناعية عالية المدار إلى غرف معيشة الناس يتماشى مع عالم ما بعد ”نتفلكس“ وما بعد ”ستارلينك“. بين عامي 2005 و2015، تضاعفت إيرادات ”يوتلسات“ إلى حوالي 1.5 مليار يورو. ومنذئذ، انخفضت إلى حوالي 1.2 مليار يورو، ومع ذلك ما يزال بث المرئيات يمثل نصف ذلك.
كانت هناك موجة صفقات في هذا القطاع لتعزيزها، بما في ذلك استحواذ ”يوتلسات“ على شركة ”ون ويب“ (OneWeb) البريطانية، نظراً لمزيج من الضغط التنافسي والحاجة إلى الاستثمار في تقنيات الجيل التالي. بينما تُركز "يوتلسات" على عملاء الأعمال التجارية، ولا تستهدف سوقاً واسعةً مثل ”سبيس إكس“، ويبين اختيار ”إير فرانس--كي إل إم“ شبكة ”ستارلينك“ أن الأمر ليس سهلاً.
شراكات دولية
مع بدء ”يوتلسات“ بتحديث شامل لأقمارها الصناعية منخفضة المدار، وتوقع تشغيل ”إيريس 2“ في عام 2030، فقد حان الوقت لأوروبا لتوحيد صفوفها وإضفاء طابع الاستعجال على الإجراءات. وسيكون إنشاء تحالف من الراغبين خارج الاتحاد الأوروبي للدفاع عن الفضاء والأرض بدايةً جيدة.
بيّن جون ديفيز، محلل بلومبرغ إنتليجنس، أن دولاً أخرى قد تنضم إلى ”إيريس 2“، وتُعتبر المملكة المتحدة مرشحاً واضحاً نظراً لاستعدادها لتمويل ”يوتلسات“ مع إحباط حكومتها من استفزاز ماسك. وقد يكون لدى كندا أيضاً سبب استراتيجي وجيه للانضمام إلى التحالف عبر شبكة ”لايت سبيد“ التابعة لشركة ”تيليسات“ (Telesat).
"سبيس42" الإماراتية تخطط للتوسع في أفريقيا ومنافسة "ستارلينك"
إن الضغط لضخ مزيد من السيولة يعني أيضاً الحاجة إلى مزيد من الاندماجات في قطاعٍ شهد فعلاً كثير من الاندماجات، مثل استحواذ شركة ”إس إي إس“ (SES) على شركة ”إنتلسات“ (Intelsat) أو استحواذ شركة ”إيندرا“ (Indra) على شركة ”هيسباسات“ (Hispasat).
قال فالاتشر، الرئيس التنفيذي لشركة ”يوتلسات“، إنه بينما ينصب تركيز الشركة على إطلاق أقمارها الصناعية، فإنه يراقب إندماجات القطاع.
إن هذه الأمور جوهرية في عصرٍ تجعل فيه الولايات المتحدة من اعتماد أوروبا على التقنية والدفاع سلاحاً، ويبدي فيه المليارديرات ميولاً احتكارية بدلًا من ريادة الأعمال. إلى أن تظهر بدائل مجدية لشركتي”سبيس إكس“ و“ستارلينك“، سيظل الانفصال عن تقنية ماسك حلماً بعيد المنال. إن منطق الشعارات مغرٍ، لكن أفضل طريقة لتطبيقه في الفضاء هي تحقيق التوازي وليس الغضب.
















