هل ما زالت الجامعات مكاناً للتعليم في عصر ChatGPT؟

الطلاب والأساتذة على حد سواء يستعينون بالذكاء الاصطناعي في ظاهرة أصبحت بحاجة للتنظيم والجدية

time reading iconدقائق القراءة - 5
كلية وارتون للأعمال في جامعة بنسلفانيا - المصدر: بلومبرغ
كلية وارتون للأعمال في جامعة بنسلفانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

بالنسبة لكثيرٍ من طلاب الجامعات في هذه الأيام، تبدو الحياة سهلةً للغاية. الواجبات التي كانت تتطلب أياماً من البحث الدؤوب يمكن إنجازها الآن في دقائق. المقالات المصقولة متوفرة عند الطلب، لأي موضوعٍ كان. لا حاجة للخوض في كتابات ديكنز أو ديموستينس؛ فكل المواد ذات الصلة يمكن تلخيصها فوراً بمجرد إرسال سؤال واحد إلى روبوت الدردشة.

أهلاً بكم في العالم الأكاديمي في عصر الذكاء الاصطناعي. أظهرت تقارير حديثة عديدة أن تفويض أداء الواجبات للذكاء الاصطناعي أصبح أمراً روتينياً. والمفارقة أن الطلاب الذين لا يزالون يبذلون الجهد غالباً ما يبدون أقل كفاءة مقارنة بزملائهم الذين لا يفعلون.

الطلاب والأساتذة يستعينون بالذكاء الاصطناعي

 يجد الأساتذة صعوبة أقرب إلى الاستحالة في التمييز بين النصوص التي أنتجتها الحواسيب وتلك التي كتبها الطلاب— والأدهى، أنهم بدأوا باستخدام الذكاء الاصطناعي بأنفسهم لتقييم أعمال طلابهم.

إنه وضع لا يمكن تحمله: حواسيب تقوم بتصحيح أبحاث كتبتها حواسيب، وطلاب وأساتذة يراقبون بلا اكتراث، وآباء يدفعون عشرات آلاف الدولارات سنوياً مقابل هذه الميزة. وفي وقتٍ تتعرض فيه المؤسسات الأكاديمية لهجوم من زوايا عدة، يبدو أن هذه أزمة على وشك الانفجار.

إدخال الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج الجامعية يبدو منطقياً من نواحٍ عدة إذ تشير بعض الأدلة إلى أنه قد يعزز التفاعل. كما أنه يعيد بالفعل تشكيل أوصاف الوظائف عبر مختلف الصناعات، وسيُتوقع من الخريجين بشكل متزايد أن يكونوا بارعين في استخدامه. وبوجه عام، هذا أمر جيد نتيجة لتحسن الإنتاجية وتسارع الابتكار.

الذكاء الاصطناعي يختزل العملية الفكرية

لكن أغلب التعلم الذي يتم في الجامعات ليس مهنياً. فالعلوم الإنسانية، على وجه الخصوص، لها رسالة أسمى: تشجيع التفكير النقدي، تكوين عادات ذهنية، توسيع الآفاق الفكرية لتعريف الطلاب بـ"أفضل ما قيل وفُكر فيه"، على حد تعبير ماثيو أرنولد. يتطلب إتقان فكر أرسطو أو توما الأكويني أو آدم سميث أكثر بكثير من مجرد عبارة مقتضبة نلقن بها روبوت الدردشة، وله منافع أكثر بكثير.

اقرأ أيضاً: الإمارات تدرج الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج الدراسية الحكومية

وليس هذا مجرد هاجس لهواة الفنون؛ فالقدرة على توليف وجهات نظر متعارضة واتخاذ حكم مدروس، وتقييم عمل أدبي وكتابة رد نقدي، وفهم، بفضل العمل الجاد، الأساس الفلسفي للقيم الحديثة تعد مهارات لا تجعل الفرد أكثر قابلية للتوظيف فحسب، بل تشكل أيضاً الشخصية، وتمنح نظرة واسعة، وتكوّن مواطنين صالحين. كما أن امتلاك معرفة عملية بأساسيات التربية المدنية والتاريخ لا يضير.

سياسات ضبابية تجاه الذكاء الاصطناعي

أما بالنسبة للكليات، فيجب أن تكون الخطوة الأولى هي التعامل مع الأمر بجدية. فكثير منها لديه سياسات ضبابية أو مبهمة بشأن الذكاء الاصطناعي، ويبدو أن عديد منها يأمل أن تختفي المشكلة من تلقاء نفسها. يجب عليها أن توضح بدقة متى يكون استخدام هذه الأدوات مقبولاً —من الناحية المثالية، تحت إشراف أستاذ وضمن غرض تربوي واضح— وما هي العواقب المترتبة على سوء الاستخدام. وهناك سوابق عدة: على سبيل المثال، أظهرت مواثيق الشرف أنها تقلل من الغش، لا سيما عندما تأخذ الكليات هذه المواثيق على محمل الجد، ويعرف الطلاب تماماً ما هو السلوك غير المقبول، وتُفرض العقوبات على المخالفات حسب الأصول.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يخادع أحياناً ليضمن بقاءه.. فهل من مهتم؟

خطوة أخرى واضحة هي زيادة التقييمات داخل الصف إذ أن مطالبة الطلاب بإجراء اختبارات باستخدام الورقة والقلم لا يمنع فقط الغش في يوم الامتحان، بل يوفر أيضاً حافزاً طوال الفصل الدراسي لإتقان المادة. وكذلك الحال بالنسبة للامتحانات الشفهية؛ يجب على الكليات أن تجرب أساليب تقييم أخرى مبتكرة وصارمة تأخذ الذكاء الاصطناعي في الاعتبار. لا شك أن كل هذا سيتطلب مزيداً من العمل من الأساتذة، لكن عليهم  إدراك أن ذلك يصب في مصلحتهم المباشرة.

التكنولوجيا جزء من الحل

على المدى الطويل، قد تكون التكنولوجيا جزءاً من الحل. وجدت تحقيقات "بلومبرغ بيزنس ويك" العام الماضي أن أدوات كشف النصوص التي ينتجها الذكاء الاصطناعي لا تزال محدودة القدرات: فهي سهلة المراوغة ومعرضة لإعطاء أخطاء إيجابية كاذبة. لكن مع تشديد الكليات إجراءاتها، يجب أن ينضج السوق، ويتحسن أداء البرمجيات، وتتراجع إغراءات الغش. بالفعل، بدأ الطلاب باستخدام تسجيلات الشاشة ووسائل أخرى لإثبات أنهم قاموا بالعمل بأنفسهم؛ وإذا أصبح ذلك أمراً مألوفاً، فذلك أفضل بكثير.

لطالما غش طلاب الجامعات، وسيستمرون في ذلك دائماً. الفكرة هي تصعيب الأمر، وفرض عواقب، والأهم من ذلك، البدء في تشكيل الأعراف داخل الحرم الجامعي وفق عصر جديد وغريب للغاية. قد يعتمد مستقبل الجامعات على ذلك.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

نيويورك

5 دقائق

26°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى 24°/27°
6.4 كم/س
84%