
بلومبرغ
تتولى شركات الطاقة العملاقة في الخليج العربي دوراً مباشراً في تسخير النفط، أقدم موارد المنطقة، لتمويل رهان بمليارات الدولارات على مورد جديد هو الذكاء الاصطناعي.
ففي السعودية، استحوذت "أرامكو"، أكبر منتج نفط بالعالم، على "حصة أقلية مؤثرة" في شركة "هيوماين" (Humain) المتخصصة بالذكاء الاصطناعي والمملوكة لصندوق الاستثمارات العامة. وفي أبوظبي، تملك "شركة بترول أبوظبي الوطنية" (أدنوك) حصة قدرها 49% في "AIQ"، التي تطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي باستخدام الحواسيب العملاقة، بينما تعود النسبة المتبقية إلى شركة تابعة لـ"G42" التي يرأسها الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، المشرف على إمبراطورية مالية تتجاوز قيمتها 1.5 تريليون دولار وتضم عدة صناديق سيادية.
دعم خليجي لمبادرات الذكاء الاصطناعي
تعكس هذه التحركات دعماً حكومياً رفيع المستوى لمبادرات الذكاء الاصطناعي في الخليج، وتبرز الدور المحوري لعائدات النفط في تمويل جهود التنويع الاقتصادي بعيداً عن الهيدروكربونات. فشركتا "أرامكو" و"أدنوك" تمثلان المصدر الرئيسي للإيرادات في السعودية والإمارات، ويُحوّل جزء كبير من عائداتهما إلى الصناديق السيادية التي تستثمر في قطاعات استراتيجية، من بينها الذكاء الاصطناعي، ما يجعل شركات الطاقة لاعباً أساسياً بمشهد الإنفاق الاستثماري في التكنولوجيا المتقدمة.
وتمنح صفقة "هيوماين" شركة أرامكو دوراً أكثر فعالية في هذا المجال. تشير جورجيا آدمسون، الزميلة في "Institute for Progress" بواشنطن، إلى أن شركات مثل "أرامكو" و"أدنوك" تُعدُّ من أبرز الجهات الداعمة لطموحات الخليج في الذكاء الاصطناعي، سواء من خلال تمويل أدوات الاستثمار في هذا المجال، أو عبر استخدامها الفعلي للتقنيات. منوّهةً بأن رؤوس الأموال الضخمة التي تمتلكها الشركتان تمنح السعودية والإمارات قدرة على خوض رهانات عالية المخاطر، مع توافر شبكة أمان مالية في حال تعثر الاستثمارات.
اقرأ أيضاً: "هيوماين تشات" السعودي يتوسع إلى الخليج والأردن وسوريا قبل نهاية العام
يقود "هيوماين" طارق أمين، الرئيس التنفيذي السابق لـ"أرامكو ديجيتال"، إلى جانب عدد من التنفيذيين السابقين في الوحدة نفسها. وجرى دمج عدة كيانات حكومية في "هيوماين" من بينها "الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي" و"الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي"، ما عزز نفوذ "أرامكو" برسم ملامح التوجه السعودي في هذا القطاع.
أرامكو.. "شركة تقنية تقدم الطاقة"
وقال أمين الناصر، الرئيس وكبير الإداريين التنفيذين في "أرامكو"، في تصريح سابق: "نحن نعتبر أنفسنا شركة تقنية تقدم الطاقة". وكشف أن الشركة وفرت نحو 6 مليارات دولار خلال العامين الماضيين بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، وتخطط لاستثمار نحو ملياري دولار إضافية في ذراعها الرقمية خلال السنوات الثلاث المقبلة.
من جانبه، وصف ستيف بلمسول، كبير مسؤولي الاستراتيجية في "هيوماين" الشركة بأنها "أرامكو عصر الذكاء الاصطناعي". بينما أكد رئيسه طارق أمين، خلال كلمته في "مبادرة مستقبل الاستثمار" بالرياض هذا الأسبوع، أن المملكة تطمح لأن تكون ثالث أكبر مزود للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين.
وتنسجم هذه التصريحات مع توجه الصندوق السيادي السعودي، الذي يركز على قطاعات يُنظر إليها كقاطرة لتحول اقتصادي أوسع، من ضمنها الذكاء الاصطناعي.
الصناديق السيادية في قلب قطاع التقنية
تجدر الإشارة إلى أن الصناديق السيادية في السعودية والإمارات وقطر والكويت تمتلك مجتمعة أكثر من 4 تريليونات دولار، ووضعت معظمها الذكاء الاصطناعي في صلب استراتيجيات التنويع الاقتصادي، ما جعلها فاعلاً رئيسياً في صناعة يُتوقع أن تعيد تشكيل أنماط الحياة التقليدية.
اقرأ أيضاً: سباق الذكاء الاصطناعي السيادي يشتعل من أوروبا إلى الخليج
وفي أحدث خطوة بهذا المجال، أعلنت "بلاكستون" هذا الأسبوع عن شراكة مع "هيوماين" لإنشاء مراكز بيانات في السعودية باستثمار أولي يناهز 3 مليارات دولار. في المقابل، تستضيف أبوظبي شركة "MGX" التي استثمرت في كل من "OpenAI" و"xAI" التابعة لإيلون ماسك.
رغم الموارد الهائلة المتاحة، تواجه الأسواق الخليجية تحديات تتعلق بندرة الكفاءات الهندسية اللازمة لتوسيع نطاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي إقليمياً، بالإضافة إلى اعتمادها على استيراد أشباه الموصلات في ظل قيود السياسة الأميركية.
الذكاء الاصطناعي يحدد ملامح القوة العالمية
مع ذلك، تعتبر دول الخليج العربي الاستثمار في هذا القطاع ضرورياً للحفاظ على ثقلها السياسي في عالم قد لا يضمن فيه النفط وحده الاستمرار في الصدارة الجيوسياسية.
اقرأ أيضاً: لماذا تمنح أميركا دول الخليج وصولاً إلى الرقائق المتقدمة؟
وكتب بول سالم، الزميل في "معهد الشرق الأوسط" بواشنطن، في مايو الماضي: "الذكاء الاصطناعي سيحدد ملامح القوة العالمية في القرن الحادي والعشرين، ومراكز المعالجة تتطلب كميات ضخمة من الطاقة. ودول الخليج تمتلك الطاقة والاحتياطيات النقدية اللازمة لتلبية جزء كبير من هذا الطلب".





