
الشرق
فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية إضافية بنسبة 25% على البضائع الهندية، لتصل بذلك إلى 50%، بسبب استمرارها في شراء الطاقة الروسية، مما أدى إلى تصعيد الخلاف مع شريك آسيوي رئيسي، عشية دخول تعريفاته الجمركية واسعة النطاق حيز التنفيذ.
وقال البيت الأبيض يوم الأربعاء، إن ترمب وقع أمراً تنفيذياً يحدد المعدل الجديد والذي سيُضاف إلى ضريبة بنسبة 25% على الواردات من الهند سبق وأعلنها الأسبوع الماضي. ووفقاً للأمر التنفيذي، ستدخل الضريبة المرتفعة حيز التنفيذ في غضون 21 يوماً.
انخفض مؤشر "iShares MSCI India ETF" إلى أدنى مستوياته خلال الجلسة بعد إعلان ترمب، بينما قفزت أسعار النفط. واستقرت الروبية الهندية عند مستوى 87.91 مقابل الدولار في السوق الخارجية.
تعثر في محادثات التجارة
جاءت خطوة ترمب بعد ساعات من فشل المحادثات بين واشنطن وموسكو بشأن الحرب في أوكرانيا في تحقيق أي تقدم فوري. وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد صرّح بأن بلاده تُستهدف بشكل غير عادل من قبل الولايات المتحدة، مدافعاً عن استهلاك النفط الروسي باعتباره ضرورياً لدعم الاقتصاد الهندي. لكن ذلك لم يقنع ترمب.
وقال الرئيس الأميركي في مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي" يوم الثلاثاء: "إنهم يموّلون آلة الحرب، وإذا كانوا سيفعلون ذلك، فلن أكون سعيداً".
من جهته، وصف متحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الهندية إعلان ترمب يوم الأربعاء بأنه "غير عادل، وغير مبرر، وغير معقول"، وتعهد بأن "تتخذ الحكومة جميع الإجراءات اللازمة لحماية مصالحها الوطنية".
الرسوم الجديدة تهدد العلاقات التجارية مع الشركاء
من المقرر أن تبدأ الرسوم الجمركية على الواردات من عشرات الشركاء التجاريين للولايات المتحدة بالارتفاع اعتباراً من يوم الخميس، بما في ذلك الهند، التي ستواجه الرسم السابق البالغ 25%.
وتُعد هذه الرسوم حجر الأساس في مساعي ترمب لتقليص العجز التجاري، وإحياء الصناعة المحلية، وزيادة إيرادات الحكومة الفيدرالية. لكنها تنطوي أيضاً على مخاطر تهدد الاقتصاد العالمي، من ضمنها ارتفاع التكاليف وانقطاع سلاسل الإمداد.
وقال أجاي ساهاي، المدير العام لاتحاد منظمات التصدير الهندية، إن الخطوة الأميركية الأخيرة تُشكّل "انتكاسة كبيرة" للشركات الهندية، مشيراً إلى أن "الطلبات معلّقة بالفعل، وهذه الضربة الإضافية قد تُجبر المصدّرين على فقدان عملاء قدامى".
اقرأ أيضاً: ترمب يفتح نار الرسوم على الهند وأوروبا والأدوية.. وأول زيادة بعد 24 ساعة
قضت بعض الحكومات الساعات الأخيرة قبل دخول الرسوم الجديدة حيز التنفيذ في الضغط على إدارة ترمب للحصول على شروط أكثر ملاءمة. والتقت رئيسة سويسرا كارين كيلر-سوتر بوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الأربعاء، في محاولة أخيرة لتخفيض الرسم البالغ 39% الذي فرضه ترمب.
وقال ترمب إنه منفتح على المزيد من المفاوضات، لكنه لا يزال في مواجهة محتدمة مع بعض الشركاء، بما في ذلك الهند.
توتر في العلاقات الأميركية الهندية
فرض ترمب الرسوم الجمركية بنسبة 25% على السلع الهندية بشكل أحادي بعد أشهر من المفاوضات غير المثمرة مع نيودلهي.
كما اتهم حكومة مودي برفض تسهيل وصول السلع الأميركية إلى السوق الهندية، وانتقد انضمام الهند إلى مجموعة "بريكس" للاقتصادات النامية. وكانت الهند مترددة في فتح أسواقها أمام المنتجات الزراعية الأميركية على وجه الخصوص، بهدف حماية قطاعي الزراعة والألبان.
وتصطدم تهديدات ترمب بالرسوم مع الهدف الأميركي طويل الأمد المتمثل في تعزيز العلاقات مع الهند، الدولة الأكثر سكاناً في العالم، باعتبارها قوة موازنة للصين. ويمثل هذا التصعيد تحوّلاً عن ولاية ترمب الأولى، حينما كانت علاقته برئيس الوزراء مودي ودية.
وقد كثف ترمب هجماته ضد الهند في الأيام الأخيرة، واصفاً اقتصادها بـ"الميت"، وحواجزها الجمركية بـ"البغيضة"، وشعبها بأنه غير مبالٍ بمعاناة الأوكرانيين. كما أبدى مسؤولون هنود انزعاجهم من طريقة ترمب في تصوير دوره في حل النزاع بين الهند وباكستان في وقت سابق من هذا العام.
التهديدات تطال صناعة الأدوية وتوسع دائرة العقوبات
في سياق منفصل، قد تُوجّه تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية على قطاع الأدوية ضربة قوية للهند، إذ يُعد هذا القطاع من أكبر ثلاثة قطاعات تصديرية هندية إلى الولايات المتحدة.
وبلغت واردات أميركا من الأدوية الهندية أكثر من 10.5 مليار دولار في الفترة 2024–2025، وفقاً لبيانات وزارة التجارة الهندية. وقد تؤدي الرسوم الجمركية على الأدوية إلى التأثير سلباً على أكثر من 40% من صادرات الهند إلى أميركا، وهو ما يُضاف إلى الرسوم الحالية على الصلب والألمنيوم والسيارات.
ورغم تصعيد الضغوط، حافظ المسؤولون الهنود على موقفهم في المفاوضات التجارية، معتبرين أن الرسوم والعقوبات التي يفرضها ترمب غير مبررة، واتهموا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالنفاق لاستمرارهم في استيراد بعض السلع الروسية.
ترمب يستخدم الرسوم للضغط على موسكو وأصدقائها
يستخدم ترمب الرسوم الجمركية كأداة لمحاولة إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، التي دخلت عامها الرابع. وكان قد تفاخر خلال حملته الانتخابية لعام 2024 بأنه قادر على إنهاء الحرب في يومه الأول بالمنصب، لكنه أعرب بشكل متزايد عن إحباطه من عدم تحقيق أي تقدم في جهود الوساطة.
وحدّد ترمب مهلة لموسكو تنتهي في 8 أغسطس للتوصل إلى وقف إطلاق نار، مهدداً بفرض عقوبات جديدة، وبتوسيع ما يُعرف بـ"الرسوم الثانوية" ضد الدول التي تواصل شراء الطاقة من روسيا.
اقرأ أيضاً: عقوبات ترمب "الثانوية": تهديد لروسيا أم ضغط على الحلفاء؟
من جهته، قال الكرملين إن اجتماعاً بين الرئيس فلاديمير بوتين والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف يوم الأربعاء لم يُسفر سوى عن تبادل "إشارات".
وقال يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي للشؤون الخارجية، للصحفيين: "نُقلت من جانبنا بعض الإشارات بشأن القضية الأوكرانية"، مضيفاً: "وقد تلقينا إشارات مقابلة من الرئيس ترمب". ولم يوضح أوشاكوف طبيعة هذه الإشارات.
وأوضح أوشاكوف أن المفاوضات، التي استمرت نحو ثلاث ساعات، كانت "مفيدة وبنّاءة"، وتناولت أيضاً آفاق تطوير العلاقات الأميركية الروسية. وأضاف أن موسكو ستنتظر عودة ويتكوف إلى واشنطن لعرض نتائج اللقاء على ترمب، قبل إصدار أي تعليق إضافي.
وقبل الاجتماع، لمح ترمب إلى أنه سيزيد الرسوم على دول أخرى، مثل الصين، التي تشتري الطاقة من روسيا، كما تفعل الهند. وقال ترمب للصحفيين: "سنقوم بالكثير من ذلك"، مضيفاً: "سنرى ما سيحدث خلال فترة زمنية قصيرة جداً".
ويؤكد حلفاء أوكرانيا أن مشتريات الطاقة من جانب الهند والصين ودول أخرى تُسهم في دعم اقتصاد بوتين وتُقوض الضغوط الرامية إلى إنهاء الحرب التي لا تزال مستمرة في عامها الرابع.





