
بلومبرغ
أحدثت الحكومة الأميركية هزة في أسواق الطاقة عندما فرضت عقوبات على أكبر منتجين للنفط الخام في روسيا في 22 أكتوبر، وتتجه الأنظار الآن إلى كيفية تأثير العقوبات على إمدادات النفط وأسعاره في شتى أنحاء العالم.
إن صادرات روسيا التي تبلغ حوالي 7.3 مليون برميل يومياً، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية تشكل حوالي 7% من استهلاك النفط الخام والوقود المكرر العالمي. وتعني أحدث العقوبات المفروضة على شركتي ”روسنفت“ (Rosneft) و“لوك أويل“ (Lukoil)، بالإضافة إلى العقوبات المفروضة في وقت سابق من هذا العام، أن الشركات التي تشحن غالبية نفط موسكو إلى الأسواق الخارجية أصبحت الآن مدرجة على القائمة السوداء.
واشنطن تعاقب قطاع النفط الروسي مستهدفة "روسنفت" و"لوك أويل"
إن الهند والصين حالياً أكبر مشتريين للنفط الخام الروسي، فهما تستوردان نحو 3.6 مليون برميل يومياً. قالت شركات تكرير النفط الهندية إنها تتوقع الآن إيقاف جميع مشترياتها تقريباً من النفط الخام الروسي. إذا حدث ذلك، ستواجه روسيا تحدياً في العثور على عملاء بديلين. لم يتضح ما إذا كانت الصين مستعدةً لشراء المزيد، وقد ألغى المشترون الحكوميون هناك بعض المشتريات.
قد لا تضع هذه الإجراءات أيضاً ضغطاً فورياً كافياً على الرئيس فلاديمير بوتين لإنهاء حربه في أوكرانيا.
مع ذلك، فإن المقاطعة الكاملة الهندية والصينية لنفط روسيا ستزيد بلا شك حدة المنافسة على النفط من الدول المنتجة الأخرى، ما يدفع الأسعار إلى الارتفاع. ارتفعت أسعار النفط في الشرق الأوسط في اليوم التالي لإعلان العقوبات، ما يشير إلى ارتفاع الطلب على نفطه.
أسعار النفط تسجل مكاسب أسبوعية بعد فرض عقوبات على روسيا
ما هي العقوبات الجديدة؟
أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنها فرضت عقوبات على شركتين نفطيتين روسيتين عملاقتين - شركتا ”روسنفت“ و“لوك أويل“؛ بالإضافة إلى جميع الكيانات التي تمتلكان فيها حصة مباشرة أو غير مباشرة بنسبة 50% أو أكثر، للعمل في قطاع الطاقة الروسي.
نتيجة لذلك، يمنع جميع الكيانات والأفراد الأميركيين أو المقيمين في الولايات المتحدة من التعامل مع الكيانات الخاضعة للعقوبات. قد يكون غير الأميركيين أيضاً معرضين لخطر العقوبة إذا ثبت تعاملهم مع ”روسنفت“ أو ”لوك أويل“ أو الشركات التابعة لهما الخاضعة للعقوبات. قالت وزارة الخزانة إنه يجب تصفية المعاملات التي تشمل الشركتين بحلول 21 نوفمبر. استهدفت الإدارة الأميركية السابقة لجو بايدن بالفعل شركتين نفطيتين روسيتين، هما ”غازبروم نفت“ و"سورغوت نفت غاز"، في يناير.
كماشة الغرب تحاصر بوتين بين العقوبات والمساومات.. وأسعار النفط تقفز 5%
في خطوة منفصلة في 23 أكتوبر، قال الاتحاد الأوروبي إنه سيحظر التعامل مع ”روسنفت“ وشركة الطاقة الروسية الكبرى ”غازبروم نفت“.
قد لا يكون أمام مشتري النفط والتجار في معظم أنحاء العالم خيار سوى تجنب الشركات الخاضعة للعقوبات إذ يعتمد جزء كبير من التجارة العالمية على الخدمات المصرفية والتجارية والتأمينية العاملة خارج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. أنبوب نفط في محطة ضخ تديرها شركة ”روسنفت“ في حقل ساموتلور النفطي بالقرب من نيجنفارتوفسك، روسيا، في عام 2017.
لماذا فرضت الولايات المتحدة العقوبات؟
أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن العقوبات كانت رداً على رفض بوتين وقف الحرب في أوكرانيا. والفكرة هي تقييد عائدات ضريبة النفط والغاز التي تمثل حوالي ربع الميزانية الاتحادية لروسيا، ما يؤدي إلى استنزاف الأموال التي يحتاجها بوتين لإطالة أمد الصراع.
تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإنهاء الصراع في غضون 24 ساعة من عودته إلى منصبه، لكنه استمر على الرغم من العقوبات الأميركية الحالية على روسيا. وتعد الإجراءات الأخيرة أول عقوبات مباشرة تفرضها إدارته على قطاع النفط الروسي، ما يمثل تحولا في نهجه.
ما الهدف من المزيد من العقوبات؟
تجنبت الحكومة الأميركية إلى حد كبير فرض عقوبات مباشرة على شركات النفط الروسية لصالح آلية غير عادية لتحديد سقف الأسعار، التي تبنتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن. كان الهدف هو الحد من عائدات الكرملين من الطاقة مع منع حدوث انخفاض حاد في إمدادات النفط الروسية التي قد تؤدي إلى صدمة أسعار عالمية.
لقد حدد السقف الذي أقرته مجموعة الدول الصناعية السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا في عام 2022، سعراً أقصى لنفط موسكو عند 60 دولاراً للبرميل، وتبعه قيود على الوقود المكرر. يفقد المشترون الذين يدفعون ما يفوق هذه الأسعار إمكانية الوصول إلى الخدمات الرئيسية مثل الشحن والتأمين والتمويل التي تقدمها الشركات الغربية.
روسيا تسعى للتحايل على العقوبات النفطية لتخفيف التأثير على موازنتها
كما يحظر على معظم الدول الأوروبية استيراد النفط الروسي المنقول بحراً بموجب عقوبات الاتحاد الأوروبي، بغض النظر عن السعر، على الرغم من أن بعض النفط الخام ما يزال يصل إلى أوروبا بشكل غير مباشر كمنتجات مكررة من الدول التي تعالج النفط الروسي.
لم يستخدم ترمب سلاح سقف الأسعار مع النفط الروسي
كما استهدفت الدول الغربية كيانات في دول ثالثة شاركت في تجارة النفط الخام الروسي. من خلال العقوبات، عاقبت مئات الناقلات وأصحابها ومشغليها. وأدرج بعض المشترين والمشغلين الأجانب في هذا القطاع في القائمة السوداء، بما في ذلك شركة ”نايارا إينرجي“ (Nayara Energy) الهندية -التي تملك ”روسنفت“ حصة فيها- وشركة التكرير الصينية”شاندونغ يولونغ“.
الاتحاد الأوروبي يعتمد حزمة عقوبات جديدة تستهدف قطاع الطاقة الروسي
مع ذلك، فيما أن صادرات النفط الروسي غالبا ما تتباطأ في الأسابيع الأولى بعد فرض العقوبات، إلا أنها عادة ما تنتعش مع تكيف مقدمي الخدمات اللوجستية. ينقل "أسطول الظل" المكون في الغالب من ناقلات قديمة الخام الروسي، بدعم من القطاع المصرفي الموازي والبنية التحتية للموانئ.
على الرغم من تحديد سقف السعر الأصلي والعقوبات، فإن الصين والهند، وهما من أكبر مشتري النفط في العالم كانتا تستوردان النفط الخام الروسي المنقول بحراً بمعدل إجمالي يبلغ 2.8 مليون برميل يومياً. كما تتلقى الصين حوالي 800 ألف برميل يومياً عبر خطوط الأنابيب. عادت شحنات النفط الخام الروسية المنقولة بحراً إلى ما يقرب من المستويات التي شوهدت آخر مرة منذ أكثر من عامين.
مع انخفاض أسعار النفط في الأشهر الأخيرة، خفض الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة سقف سعر النفط الروسي. لكن الولايات المتحدة لم تفعل ذلك، ولم يستخدم فريق ترمب هذا السقف أبدا كوسيلة لفرض عقوبات لاحقة.
كيف ستؤثر العقوبات الجديدة على روسيا؟
ساعدت صادرات روسيا النفطية القوية في الحد من التأثير على مواردها المالية من انخفاض أسعار النفط هذا العام. وصلت صادرات موسكو المنقولة بحراً إلى أعلى مستوياتها في 11 شهراً عند 1.5 مليار دولار أسبوعياً خلال الأسابيع الأربعة التي سبقت 19 أكتوبر، وفقا لحسابات بلومبرغ.
تزيد الخطوة الأخيرة من فرص قيام أي طرف في سلسلة التوريد الروسية بالتعامل مع براميل من كيان خاضع للعقوبات. في حين أن المسؤولين الروس لا يتجاهلون العقوبات الأخيرة، فقد أعربوا عن ثقتهم في أن البلاد ستجد طرقاً للتخفيف من تأثيرها.
سيعتمد الكثير على ما إذا كانت التوقعات الأولية لمصافي التكرير الهندية دقيقةً، فقد قلصوا وارداتهم بشدة، كما أن الدول الأخرى حذرة جداً تجاه العقوبات فلا تدخل كمشترين بديلين.
إن سجل ترمب في صنع السياسات غير المتوقعة، وحقيقة وجود فترة سماح قبل سريان العقوبات، يعني أن مشتري النفط قد يتبنون موقف الانتظار والترقب راهناً.
كيف ستؤثر هذه العقوبات على الهند؟
صرح مسؤولون في عدة شركات تكرير هندية كبرى لبلومبرغ أنه يستحيل تقريباً مواصلة شراء النفط الخام الروسي. أصرت الحكومة في نيودلهي سابقاً على أنه يسمح لها بأخذ النفط الخام الروسي نظراً لأنه قانوني بموجب سقف السعر، بينما تتجنب النفط الخام الإيراني أو الفنزويلي، الذي تفرض عليه الولايات المتحدة عقوبات صريحة.
فرضت إدارة ترمب رسوماً جمركيةً عقابيةً على الهند بسبب مشترياتها الروسية. وقد يساعد انخفاض الواردات في إبرام اتفاقية تجارية لتخفيف تلك الرسوم.
ماذا ستفعل الصين؟
لم يتضح كيف ستستجيب أكبر دولة تشتري النفط في العالم وأكبر مشترٍ للنفط الروسي للعقوبات الأميركية الجديدة.
لقد نجت الصين حتى الآن من تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية ثانوية على مشترياتها من النفط الخام الروسي، على عكس الهند. ويبدو أن بكين تشجعت بنجاحها في نزع فتيل حرب تجارية مع واشنطن، والتي فرض خلالها ترمب لفترة وجيزة رسوماً جمركية بنسبة 145% على السلع الصينية.
العقوبات على روسيا تنعش صادرات النفط من الخليج إلى الهند
لكن فيما أن العلاقات بين بكين وموسكو وثيقة، لم يتضح ما إذا كانت الصين سترغب في تحمل إمدادات النفط الروسية الإضافية التي ترفضها الهند. يتباطأ اقتصاد البلاد، ومخزوناتها من النفط الخام مرتفعة، وكان تنوع الإمدادات أولوية طويلة الأمد.
يصل معظم النفط الروسي المتجه إلى الهند عن طريق البحر. قد يكون صعباً تحويل هذه الشحنات إلى الصين إذا رفض التجار الدوليون وشركات الشحن والبنوك المشاركة في هذه التجارة خوفاً من التعرض إلى العقوبات الجديدة. قد يكون أحد الخيارات استخدام نفس "الأسطول الظل" وشبكات المصارف الموازية والبنية التحتية للموانئ التي استخدمها التجار لنقل النفط الخام الإيراني الخاضع للعقوبات إلى مصافي التكرير الصينية الخاصة، وهذه المرة لشراء النفط الخام والمنتجات النفطية الروسية المنقولة بحراً.





