كنوز اللوفر المسروقة.. كيف سيبيع اللصوص مجوهرات لا تُقدر بثمن؟

بيع تلك القطع أو ارتداؤها علناً مستحيل تقريباً.. وعرضها في الأسواق السوداء سيخفض سعرها بشدة

time reading iconدقائق القراءة - 8
بروش الإمبراطورة أوجيني - بلومبرغ
بروش الإمبراطورة أوجيني - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

وصفت السلطات الفرنسية بروشاً مرصعاً بالألماس بأنه لا يُقدر بثمن، لكن هذه القطعة، التي كانت تملكها الإمبراطورة أوجيني، بيعت في آخر مرة بمبلغ 6.72 مليون يورو (7.8 مليون دولار). أما اليوم، وبعد مرور ثلاثة أيام على سرقتها ضمن عملية سطو استهدفت متحف "اللوفر" في باريس، فقد بات تحديد قيمتها الحقيقية أمراً صعباً.

ما لم تكن السرقة نُفذت بطلب مسبق، فإن نهب القلائد والتيجان والأقراط الملكية يُعد في سوق الفن "مُحترقاً"، أي فقد قيمته في حالته الأخيرة المعروفة قبل السرقة. فالسطو، الذي جرى على غرار أفلام "أوشن إليفن"، حظي بتغطية إعلامية واسعة، ما يجعل من بيع تلك القطع أو ارتدائها علناً أمراً مستحيلاً، بينما تُباع المسروقات عادة في الأسواق السوداء بأسعار منخفضة جداً. أما بيع المجوهرات بشكل منفصل فقد يكون أقل لفتاً للانتباه، لكنه لن يكون سهلاً أيضاً.

البديل هو تفكيك وصهر المجوهرات الثمينة، من ماس وزمرد وياقوت أزرق، والذهب أيضاً. وتبلغ القيمة الرسمية للقطع الثمانية 88 مليون يورو، لكن هذه القيمة تتغير إذا بيعت الأحجار الكريمة الصغيرة والكبيرة، التي يبلغ عددها نحو 9000 حجر، كلٌّ على حدة، بحسب ما ذكرته المدعية العامة في باريس لور بيكو.

عادةً ما تلفت دقة عملية السطو انتباه صانعي الأفلام، لكن المرحلة التالية، المتمثلة في محاولة التصرف في المسروقات الثمينة، لا تقل خطورة عن تنفيذ العملية نفسها.

في هذا السياق، قالت شارلوت تشامبرز-فرح، مديرة العملاء في سجل خسائر الفن بلندن: "غالباً ما يدرك اللصوص أن مستوى المخاطرة كبير جداً. فإذا لم يتمكنوا من التصرف في المسروقات خلال ستة أشهر إلى عام، يصبح العبء ثقيلاً للغاية".

تفكيك وصهر مسروقات "اللوفر"

من المرجح أن تكون الأحجار الكريمة هي الأعلى قيمة وسط المسروقات، لكنها غالباً ما تتضمن خصائص مميزة مثل حجم الحجر ووزنه. ولتجاوز ذلك، يمكن تفكيك هذه الأحجار وإعادة قطعها ثم تجميعها بطريقة تجعلها شبه غير مميزة، بحسب تشامبرز-فرح.

قدر توبياس كورميند، المدير الإداري لشركة المجوهرات "77 دايموندز" (77 Diamonds)، أن قيمة الأحجار الكريمة المسروقة قد تقدر بنحو 10 ملايين جنيه إسترليني (13.4 مليون دولار)، وأن جزءاً كبيراً من قيمتها يعود إلى أربع ماسات كبيرة كانت مثبتة في أحد البروشات المسروقة.

متحف اللوفر يفتح أبوابه مجدداً بعد أكبر سرقة فنية في تاريخه

قال كورميند إن "شخص ما قد يدفع الآن عُشر قيمتها السوقية، ويحتفظ بها إذا استطاع لعشرة سنوات، ثم يبدأ تدريجياً بتفكيكها. وإذا ظهر بعد عامين شخص يريد إعادة قطع حجر ما، فلن يكون ذلك مستغرباً، إذ تمر العملية بشخص وآخر حتى تصل في النهاية إلى شخص ثالث يُعتبر موثوقاً نسبياً".

يكاد يكون من المستحيل تتبّع الذهب بعد صهره، فيما ارتفع سعره بنحو 60% هذا العام ليقترب من مستويات قياسية. وعلى عكس مرحاض الذهب الخالص الذي سُرق من قصر بلينهايم عام 2019، فإن كمية المعدن الموجودة في المجوهرات المسروقة لا تكفي لجعلها الدافع الأساسي وراء السرقة.

فرنسا تواجه انتقادات أمنية واسعة

وُجهت انتقادات لاذعة إلى الساسة والشرطة الفرنسية وأفراد أمن متحف "اللوفر" عقب فشلهم في إحباط عملية السطو، إذ يُعتقد أن ضعف المراقبة الخارجية، التي سمحت بوقوف رافعة أثاث أمام المتحف دون أن يلاحظها أحد، جعل الموقع هدفاً أكثر إغراءً من متاجر المجوهرات شديدة الحراسة في ساحة فاندوم.

قال آرثر براند، المحقق المتخصص في جرائم الفن: "شهدنا تحولاً ملحوظاً خلال السنوات العشر الماضية، إذ لم تعد المتاحف تُستهدف لسرقة اللوحات الفنية، بل بشكل متزايد من أجل المعادن الثمينة أو الألماس".

ويتوقع معظم سارقي الأعمال الفنية الحصول على نحو ثلث قيمة القطعة عند إعادة بيعها، إلا أنه من الصعب تحديد مدى اتساع السوق التي قد تستوعب مثل هذه المجوهرات الثمينة.

إن بيع الكنز على شكل أجزاء منفصلة سيتيح استغلال قيمته المادية، لكنه في الوقت نفسه يُفقده معناه التاريخي، ما يدفع الشرطة الفرنسية إلى سباق مع الزمن لاستعادته قبل حدوث ذلك.

وفي الشهر الماضي، أعلنت وزارة الداخلية المصرية أن سواراً ذهبياً عمره 3000 عام، كان قد سُرق من المتحف المصري في القاهرة، تم صهره بالكامل.

تاريخ مسروقات اللوفر

رغم أن وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانان وصفها بأنها "مجوهرات لا تُقدّر بثمن"، إلا أن العديد من القطع كانت تحمل أسعاراً محددة قبل عرضها في واجهات متحف باريس.

فقد اشترى المتحف البروش الكبير الخاص بالإمبراطورة أوجيني، الذي سُرق يوم الأحد، عام 2008 بمساعدة جمعية أصدقاء متحف اللوفر مقابل نحو 6.72 مليون يورو. وكانت القطعة معدة للطرح في مزاد دار "كريستيز" بنيويورك قبل أن يتدخل المتحف لشرائها بشكل خاص. ولم تعد هذه القطعة جزءاً من المجوهرات الملكية الفرنسية منذ 121 عاماً، حين بيعت في مزاد علني لأحد الصاغة مقابل 42200 فرنك فرنسي، أي ما يعادل تقريباً 85 ألف يورو آنذاك.

وفي عام 2004، اشترى متحف "اللوفر" عقداً وأقراطاً من الزمرد تعود للإمبراطورة ماري لويز من البارون إيلي دي روتشيلد، وفقاً لسجلات المتحف التي لم تذكر قيمة الصفقة. وتُظهر السجلات أن زوجته الراحلة كانت المالك السابق لهذه القطع، وأنها كانت قد انتقلت قبل ذلك عبر دار المجوهرات "فان كليف أند آربلز" (Van Cleef and Arpels).

أما تاج الإمبراطورة أوجيني، فبيع في مزاد نظمته دار "سوذبيز" (Sotheby’s) في جنيف عام 1992 بأكثر من مليون دولار، قبل أن تتبرع به مجموعة المانحين لصالح المتحف، بحسب ما ورد في سجلات المتحف ودار المزاد.

إغلاق متحف اللوفر في فرنسا بعد السطو على "مجوهرات لا تُقدر بثمن"

تضمنت المسروقات أيضاً تاجاً وقلادة من الياقوت مع أقراط متطابقة، كانت ضمن مجموعة الملكتين ماري أميلي وهورتنس، وقد اقتناها متحف "اللوفر" عام 1985 بحسب سجلاته. أما أقدم المقتنيات، فهي بروش تذكاري أُضيف إلى مجموعة المتحف عام 1887.

قال روب فان بيوردن، خبير ألماس مقيم في مدينة أنتويرب وصاحب خبرة تمتد إلى 45 عاماً بهذا المجال، إنه رغم أن إعادة قطع الأحجار الكريمة أمر ممكن، إلا أنه من المرجح أن عملية السرقة نُفذت بناء على طلب مسبق.

وأضاف بيوردن: "يُقال دائماً إن الألماس المسروق، سواء كان من باريس أو براغ أو مدريد، غالباً ما يجد طريقه إلى أنتويرب، غير أنني لا أظن أن أحداً سيجرؤ على التورط في صفقة بهذه الخطورة".

وتابع: "إذا لم تكن السرقة قد نُفذت بتكليفٍ مسبق، فمن المرجح أن ينتهي المطاف بالمسروقات في مكان ما داخل أنتويرب، ويا للأسف إن كان ذلك من أجل قيمتها كخردة فقط. وإذا حدث يوماً أن بيعت هذه القطع لمجرد قيمتها المادية، سواء كخردة أو مقابل الألماس فقط، فسيكون العائد زهيداً للغاية".

أخطاء فادحة في تنفيذ السرقات

أُثيرت تساؤلات حول مستوى احترافية العصابة، إذ بينما نجح أفرادها في الاستيلاء على القلادات وقطع أخرى، تركوا ماسة "ريجنت" التي تزن 140 قيراطاً دون مساس، وأسقطوا تاجاً مرصعاً بأكثر من 1000 ماسة.

لا غرابة أن تُترك القطع المسروقة لاحقاً في مكان عام أو تعود للظهور مجدداً بعد عقود.

ففي عام 2018، سرق لصوص تاجين وكرة ملكية تعودان للعائلة المالكة السويدية، قبل العثور عليهما لاحقاً فوق سلة مهملات في إحدى ضواحي ستوكهولم. كما وُجدت مجموعة من علب السعوط الذهبية العتيقة التي سُرقت من قصر في مدينة ليدز بعد أربعين عاماً بحالتها الأصلية.

أحياناً تُسرق قطع فنية وتُستخدم كورقة ضغط من قِبل العصابات للحصول على تخفيف في عقوبة أحد أعضائها المسجونين. إذ يدرك اللصوص أنهم غير قادرين على بيع المسروقات، لكنهم يحاولون رغم ذلك استغلالها لتحقيق مكاسب، وفقاً لما قاله جوليان رادكليف، مؤسس "سجل الأعمال الفنية المفقودة" (Art Loss Register).

قال الرئيس إيمانويل ماكرون إن الهدف المنشود هو استعادة المجوهرات الملكية بحالتها الأصلية. وأوضح في منشور عبر منصة "إكس" في وقت سابق من الأسبوع: "سنستعيد الأعمال الفنية، وسيمثل الجناة أمام العدالة".

تصنيفات

قصص قد تهمك