
بلومبرغ
تواجه كولومبيا مجدداً أزمةً تجاريةً ودبلوماسيةً محتملةً مع الولايات المتحدة، وهي الثانية في أقل من عام. مع ضيق مجال التسوية وارتفاع خطر التصعيد، يهدد هذا الموقف بتوتر العلاقات مع واشنطن، ويلقي بثقله على اقتصاد كولومبيا الهش أصلاً.
يبدو أن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو يستغل الصراع لصرف الانتباه عن القضايا الداخلية، ولإثارة المشاعر القومية قبل انتخابات العام المقبل. في غضون ذلك، يقدم الرئيس الأميركي دونالد ترمب أجندته المتعلقة بالتجارة والهجرة والأمن، مصوّراً كولومبيا كقصة تحذيرية للدول التي تعارض سلطته.
لن يكون لخطة ترمب لوقف جميع المساعدات الخارجية الأميركية لكولومبيا سوى تأثير متواضع، لكنها ستفاقم التوقعات الاقتصادية المتدهورة أصلاً.
اقرأ أيضاً: ترمب يقطع المساعدات المالية عن كولومبيا ويصف رئيسها بـ"تاجر مخدرات"
ستؤثر الرسوم الجمركية المرتفعة على الواردات الأميركية من كولومبيا سلباً على الصادرات غير السلعية، وستوسّع عجز الحساب الجاري، وستثقل كاهل القطاعات الصناعية والزراعية الرئيسية، بالإضافة إلى النشاط الاقتصادي العام. كما ستُشكل القيود على التأشيرات، وتعزيز عمليات التفتيش الجمركي والعقوبات المصرفية والمالية، وغيرها من الإجراءات المحتملة، مخاطر إضافية كبيرة.
ستُضيف الرسوم الجمركية الانتقامية على الواردات من الولايات المتحدة، والتي هدّد بها بيترو، رياحاً معاكسةً للاقتصاد الكولومبي. إلى جانب استمرار الضغط على البيزو لإضعافه، ستشكل هذه الرسوم ضغطاً تصاعدياً على الأسعار وترفع توقعات التضخم، ما يقلّل هامش قدرة البنك المركزي على خفض أسعار الفائدة.
كما يُرجح أن تواصل المخاطر الضغط على البيزو والأسهم وأصول الدخل الثابت المحلية والخارجية.
كم تبلغ المساعدات الأميركية لكولومبيا؟
في عام 2024، صرفت الولايات المتحدة 720 مليون دولار كمساعدات لكولومبيا- أي ما يقارب 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا متسق مع متوسط العقدين السابقين. وقد أتى ثلثا هذا التمويل دعماً للاستجابة للطوارئ والصراعات والأمن والنفقات التشغيلية.
أعلن البيت الأبيض هذا العام عن تخفيضات أوسع في المساعدات، ويشير إعلان ترمب الأخير يوم الأحد إلى أن حصة كولومبيا ستنخفض أكثر. رغم أن التأثير الاقتصادي والمالي سلبي، إلا أنه ما يزال محدوداً في حجمه.
لن تغيّر صدمة تصل إلى 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملموس توقعات البنك المركزي لعجز الحساب الجاري، الذي يُتوقع أن يتسع من 1.7% في عام 2024 إلى 2.5% في عام 2025 و3.2% في عام 2026. بما يشابه ذلك، تظل أهداف الحكومة للعجز المالي عند 7.1% في عام 2025 و6.2% في عام 2026 دون تغيير، برغم أن المنتظر يزداد صعوبةً.
طالع أيضاً: لماذا سحب ترمب اعتماد كولومبيا في مكافحة تجارة الكوكايين؟
إن الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لكولومبيا. في عام 2024، بلغ إجمالي الصادرات إلى الولايات المتحدة 14.3 مليار دولار، 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي و29% من إجمالي صادرات السلع.
تصدّر النفط والوقود القائمة وقد بلغت قيمتهما 5.75 مليار دولار أي 40% من إجمالي القائمة، يليهما الذهب والزمرد والزهور والقهوة والفواكه والأغذية والمشروبات والتبغ والمنتجات المعدنية والآلات الكهربائية.
اتفاقية التجارة الحرة بين كولومبيا وأميركا
وقعت كولومبيا اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة عام 2006. وفعّلتها عام 2012. إلا أن ذلك لم يعفِ كولومبيا من الرسوم الجمركية الأميركية المعلنة هذا العام.
سجلت كولومبيا عجزاً تجارياً قدره 1.19 مليار دولار مع الولايات المتحدة في عام 2024. وقد حافظت على عجز تجاري مع الولايات المتحدة سنوياً منذ عام 2014. وقد وضع العجز التجاري الثنائي المستمر كولومبيا ضمن الدول التي تأثرت برسوم جمركية متبادلة أقل نسبتها 10% في أبريل.
حتى الآن، لم تلحق الرسوم الجمركية ضرراً كبيراً بالصادرات. خلال أغسطس، ارتفعت الصادرات 4.9% على أساس سنوي لتصل إلى 9.9 مليار دولار. وانخفضت صادرات الوقود 10.4% بسبب انخفاض أسعار النفط، بينما ارتفعت الصادرات غير النفطية 15.5%، مدفوعة بالقهوة والأغذية والمشروبات والفواكه والآلات.
قد يهمك: الصين تعرض تمويل مشاريع في كولومبيا حال جمدت واشنطن القروض
في يوليو 2025، بلغ متوسط الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية الخاضعة للرسوم الجمركية من كولومبيا 8%، ارتفاعاً من 0.6% في العام السابق- وهو ما يزال الأدنى بين أكبر ستة اقتصادات في أميركا اللاتينية. بلغ متوسط الرسوم الجمركية على جميع الواردات الأميركية من كولومبيا 4%.
إذا واجهت كولومبيا رسوماً جمركية معدّة لكل بلد على حدة، مشابهة لتلك المفروضة على البرازيل أو الهند، فقد ترتفع المعدلات بحدة- ربما يصل إلى 50%. هذا من شأنه أن يُضر بالصادرات غير السلعية، ويضعف القدرة التنافسية لكولومبيا، ويقوّض فرص توسيع التصنيع وجذب الاستثمار.
ما هو تأثير إجراءات ترمب على كولومبيا؟
هدد ترمب بتجاوز خفض المساعدات وفرض الرسوم الجمركية. ما تزال التفاصيل غير واضحة، لكن التدابير المحتملة مثل قيود التأشيرات وتعزيز عمليات التفتيش الجمركي والعقوبات المالية المستندة إلى قانون الاقتصاد الدولي، ستُشكل مخاطر إضافية.
بلغت صادرات كولومبيا من الخدمات 17.8 مليار دولار في عام 2024، مدفوعةً بشكل رئيسي بالنقل والسياحة، ومعظمها مع الولايات المتحدة. بينما لم يذكر ترمب الرسوم الجمركية على الخدمات، فإن تشديد عمليات التفتيش والعقوبات قد يعطل هذه التدفقات.
بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر 14.2 مليار دولار في نفس الفترة وكان أكثر من ثلثه يأتي من الولايات المتحدة. يُرجح أن تؤدي الرسوم الجمركية والعقوبات وتدهور العلاقات إلى الحد من هذه التدفقات.
لطالما كان البنك الدولي وبنك التنمية للبلدان الأميركية مصدرين رئيسيين للتمويل الخارجي لكولومبيا. كما كان دعم صندوق النقد الدولي مهماً. قد يكون هذا الأمر أصعب إن تدهورت العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة بقدر مؤثر.
اقرأ أيضاً: المستثمرون يتحضرون لخضة في أصول كولومبيا بعد توترات مع ترمب
أعلن بيترو أنه إذا نفذ ترمب تهديداته، فإن كولومبيا سترد، على الرغم من أنه لم يقدم تفاصيل. قد يمنح هذا بيترو فرصة لفرض رسوم جمركية يعتقد أنها ستُساعد الاقتصاد. كما أنها ستوفر مصدراً مناسباً للإيرادات الإضافية في وقت تكافح فيه الحكومة لاحتواء عجز مالي كبير.
الولايات المتحدة المصدر الرئيسي لواردات كولومبيا من البضائع. بلغت الواردات السائبة من الولايات المتحدة 15.5 مليار دولار العام الماضي، وشكلت 26% من الإجمالي في عام 2024. وبلغت نسبة واردات منتجات النفط المكرر وغيره من الوقود 30% من الواردات من الولايات المتحدة. كما كانت الحبوب والكيماويات والبلاستيك والآلات والمعدات الكهربائية والسيارات ومعدات النقل الأخرى من الواردات الرئيسية.
ستزيد الرسوم الجمركية على هذه الواردات الضغط التصاعدي على الأسعار وتوقعات التضخم، ما يزيد من مخاوف البنك المركزي ويحد من مجال خفض أسعار الفائدة.
كما هدد بيترو بإنهاء اتفاقية التجارة الثنائية، ورغم أن الولايات المتحدة قد انتهكت الاتفاق عندما فرضت الرسوم الجمركية هذا العام، فإنه ما يزال يوفر حماية تنظيمية حاسمة للشركات الأميركية العاملة في كولومبيا، وإنهاء الاتفاق من شأنه أن يزيد من الضغوط على الاستثمار.





