الشرق
يسعى المغرب لتطوير صناعة الدفاع لتكرار تجربة صناعتي السيارات والطيران اللتين ضختا إلى البلاد أكثر من 16.3 مليار دولار من العملة الصعبة العام الماضي، مع توفير مئات الآلاف من الوظائف.
في عام 2020، اعتمدت المملكة قانوناً يسمح بتصنيع محلي لعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة، وخلال الشهر الجاري أقرت الحكومة إعفاءً للاستثمارات في هذا المجال من ضريبة الشركات لمدة خمس سنوات الأولى في خطوة لجذب الاستثمارات الأجنبية.
يهدف المغرب من خلال هذه الإجراءات لـ"تطوير أسس صناعة دفاعية متطورة تلعب دوراً في التنمية الاقتصادية والتحقيق التدريجي للاستقلالية في مجال الصناعة الدفاعية والاستفادة من نقل التكنولوجيات المتطورة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية"، بحسب ما أفاد به عبد اللطيف لوديي وزير إدارة الدفاع الوطني، خلال مناقشة ميزانية القطاع مع المُشرعين خلال الشهر الجاري.
مناطق صناعية خاصة
استباقاً لجذب الاستثمارات لهذا المجال، أحدثت البلاد لأول مرة في يونيو الماضي منطقتين صناعيتين للمشاريع الاستثمارية في مجال الصناعة الدفاعية المتعلقة بمعدات وآليات الدفاع والأمن وأنظمة الأسلحة والذخيرة. أشار وزير الدفاع إلى أن "الهدف من هذه المناطق هو دعم الاستثمارات في هذه الصناعة للحد من الاعتماد بشكل كلي على المصادر الخارجية لتلبية احتياجات البلاد من الأسلحة والذخيرة والمركبات ووسائل النقل والاتصالات".
خصصت البلاد 13.2 مليار دولار في ميزانية العام الجاري لشراء وإصلاح معدات الجيش ودعم تطوير صناعة الدفاع. وانخفض، خلال العام الماضي، الإنفاق العسكري للمغرب للسنة الثانية على التوالي ليتراجع بنسبة 2.5% ليصل إلى 5.2 مليار دولار، بحسب معطيات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
تسعى الحكومة من الإعفاء المؤقت لصناعة الدفاع إلى جذب الاستثمارات، حيث قالت في بيان صحافي إن الهدف "جذب الاستثمارات والمساهمة في تعزيز استراتيجية تطوير صناعة الدفاع بالنظر لخصوصية القطاع".
من شأن "إعفاء صناعة الدفاع من ضريبة الشركات لمدة خمس سنوات المساهمة في تشجيع الاستثمار الأجنبي في هذا القطاع"، بحسب الشرقاوي الروداني، الخبير في الدراسات الجيوستراتيجية والأمنية. وأضاف في حديث لـ"الشرق": "الشركات تبحث عن عوائد على الاستثمار وأيضاً عن استقرار سياسي، وهذا متوفر. كما سيكون بإمكان المغرب التموقع كمنصة لصناعة الدفاع واستهداف التصدير نحو أفريقيا".
بدأت بالفعل الشركات الأجنبية في الاهتمام بهذه الصناعة، حيث وقعت شركة "إمبراير" (Embraer) البرازيلية لصناعة الطيران الشهر الماضي مع الحكومة اتفاقية لضخ نحو مليار دولار في المملكة حتى عام 2035، لإنشاء منظومة توريد متكاملة تشمل الطيران التجاري والدفاع، وخدمات الصيانة والإصلاح والتكوين.
دواعي توطين صناع الدفاع
توجه المغرب لتوطين صناعة الدفاع يأتي في سياق حالة غياب اليقين الاستراتيجي الذي يعيشه العالم، وفقاً لتصريحات الشرقاوي الروداني. مضيفاً في هذا السياق أن "هذا الوضع دفع المملكة لخلق شراكات استراتيجية لتوطين الصناعة الدفاعية للاستجابة لحاجيات الجيش المغربي".
في سبتمبر وقعت المملكة اتفاقية استثمارية مع مجموعة (تاتا) الهندية لتنفيذ مشروع للإنتاج المحلي للمركبة القتالية البرية (WhAP 8x8). وتستهدف البلاد من هذا الاستثمار سيوجه للطلب المحلي وللتصدير نحو الأسواق الخارجية، وإرساء قطب إقليمي لإنتاج معدات التنقل الدفاعية".
وراء توجه المغرب لتشجيع صناعة الدفاع عدة عوامل، أهمها السعي للتحول إلى قوة إقليمية تضمن توفير العتاد العسكري وعلى الأقل السلاح الذي لا يتسم بتكنولوجيا عالية جداً، إضافة إلى تقليص فاتورة استيراد الأسلحة سنوياً، بحسب محمد شقير، باحث في الشؤون العسكرية في حديث لـ"الشرق".
كما ذكر شقير أن المغرب يبحث عن "الاستقلالية الدفاعية في ظل كل التحديات والتغيرات التي تعرفها المنطقة على الصعيد الإقليمي والدولي، وضمان تصنيع محلي على الأقل على مستوى قطع الغيار والسلاح".
تجربة السيارات والطيران
جهزت المملكة الإطار القانوني لتطوير هذه الصناعة، حيث "تراهن على الاستفادة من الخبرة المتراكمة والتجربة الناجحة في قطاعي صناعة السيارات والطيران، إضافة إلى القانون الذي يتيح شراكات استراتيجية في إطار ميثاق الاستثمار الجديد مع الشركات الأجنبية"، بحسب الروداني وهو عضو سابق بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في البرلمان المغربي.
تمثل صناعة السيارات أول قطاع تصديري في المملكة بفضل منظومة صناعية متكاملة، تضم المركبات وقطع الغيار الداخلية والخارجية، تقودها شركتا "رينو" و"ستيلانتيس". وتبلغ نسبة المكوّن المحلي في منتجات الصناعة 69%، بينما يُقدّر عدد الوظائف بنحو 230 ألفاً في 260 شركة، توفر قدرة إنتاجية إجمالية تناهز 700 ألف سيارة سنوياً، ويُرتقب أن تبلغ مليون وحدة السنة المقبلة.
من جهته، يقول شقير إن "سعي المملكة سينجح لأنها ستعتمد على ما تمت مراكمته في الصناعة المدنية، مثل السيارات والطيران التي توفر أرضية صناعية متطورة، إضافة إلى مهارات وكفاءات من مختلف المجالات". ونوه بأن "الموقع الاستراتيجي للمغرب سيمكن الاستثمارات الأجنبية في مجال صناعة الدفاع للتصدير نحو دول أخرى خصوصاً الأفريقية، وبالتالي توسيع أسواقها".
تضم منظومة صناعة الطيران في المملكة 145 شركة صدّرت العام الماضي بقيمة 2.1 مليار دولار. وتقود شركات عالمية هذه المنظومة، بما في ذلك "إيرباص" و"بوينغ" و"سافران" و"هكسيل"، ما يجعل المملكة أول منصة لهذه الصناعة في أفريقيا.