الشرق
في أول توضيح للموقف السعودي الرسمي إزاء المفاوضات الجارية في قمة المناخ "كوب 29" المنعقدة في أذربيجان، وسط تقارير عن تباين أولويات الدول بما يتعلق بتقليل الانبعاثات ومصادر الطاقة، قال وفد المملكة إلى باكو لـ"الشرق" إنهم يتطلعون إلى "قرار متوازن".
وصف الوفد السعودي في تصريحه القرار الذي تسانده المملكة بأنه "يتوافق مع الاتفاقية الاطارية للتغير المناخي واتفاق باريس، ويناسب جميع الأطراف، في مواضيع تمويل المناخ، والتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره، وتدابير الاستجابة، وعدالة تحولات الطاقة، على نحو يأخذ في الاعتبار الظروف والأولويات الوطنية المختلفة للدول، ويدعم اختلاف النهج وتنوع المسارات في الطاقة المستقبلية".
كان تقرير لـ"بلومبرغ" نقل عن أشخاص مطلعين قبل يومين وجود خلافات في محادثات قمة المناخ، بسبب رغبة مفاوضين غربيين باستصدار تجديد للتعهد الصادر عن مؤتمر العام الماضي بالتحول عن الوقود الأحفوري.
بالإضافة إلى الخلاف المتكرر حول تكلفة وتمويل تحول الدول النامية إلى الاقتصاد الأخضر، أشارت "بلومبرغ" إلى خلاف آخر يتعلق بتفسير قرارات "كوب 28"، لاسيما ما يخص الإجراءات المقترحة لمعالجة آثار الانبعاثات، حيث ترى مجموعة من الدول أن القرار يتيح الاختيار بين هذه الخطوات، بينما يقول ممثلو الولايات المتحدة ودول أوروبية أن القرار يلزم الدول بتنفيذ جميع تلك الإجراءات، والتي تشمل مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة على مستوى العالم، ومضاعفة المعدل السنوي لتحسين كفاءة الطاقة، وتسريع الجهود نحو التخلص التدريجي من طاقة الفحم بشكل نهائي.
وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان طالب خلال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي، في أبريل، بوضع ضوابط وحوافز للتحول إلى الطاقة النظيفة. موضحاً أن "العالم يحتاج إلى المزيد من الطاقة، لمواجهة الزيادة المتوقعة في عدد السكان.. النهج الجاد هو أننا جميعاً بحاجة إلى كل أنواع الطاقة وسيظل استخدامها في المستقبل، فيجب أن نترك الخيار للناس، مع العمل بجد على مجابهة التغير المناخي".
"أوبك" تدعو للتركيز على الانبعاثات
الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" هيثم الغيص عبّر بوضوح، في كلمته البارحة الأربعاء أمام المؤتمر، عن تحفظ الدول المنتجة للنفط على أي قرار يدعو للتخلي عن الوقود الأحفوري، مطالباً بأن تركز محادثات الاحتباس الحراري على تقليل الانبعاثات بدلاً من اختيار مصادر الطاقة.
وانتقد الغيص دعوات التخلي عن النفط، معتبراً أن تنفيذ ذلك يؤثر سلباً على إنتاج الغذاء ونقله، وإجراء الأبحاث الطبية، وتصنيع الدواء، وغيرها من القطاعات الحيوية. مشدّداً على أن "حكومات العالم التي وافقت (في اتفاق باريس عام 2015) على الحد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، يمكنها متابعة تحقيق أهدافها المناخية دون التخلي عن استخدام البترول".
في أبريل، أشار تقرير صادر عن شبكة "سياسة الطاقة المتجددة للقرن الحادي والعشرين" (REN21) إلى أن "العالم شهد عاماً آخر من النمو القياسي في قطاع الطاقة المتجددة، غير أن الطلب على الطاقة يتزايد في الوقت نفسه، ولم تكن وتيرة تبني وانتشار الطاقة المتجددة كافية للحاق بارتفاع الطلب".
الوفد السعودي أكد في تصريحاته لـ"الشرق" أن "المملكة ملتزمة بالعمل مع الشركاء الدوليين لتحقيق أهداف اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، وترى التعاون الدولي السبيل الأمثل لإيجاد حلول فعالة لتحديات تغير المناخ الذي يؤثر على جميع الدول دون استثناء".
ومع أن المملكة تُعدُّ أكبر دولة مصدّرة للنفط الخام في العالم، فإنها تشهد تنامياً في تبنّي المشاريع الخضراء بينما تسعى إلى تنفيذ خطة بمليارات الدولارات للحد من اعتماد الاقتصاد على النفط.
أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عام 2021 "مبادرة السعودية الخضراء"، التي تستهدف ضخ استثمارات بنحو 266 مليار دولار لتوليد طاقة نظيفة، فضلاً عن خفض انبعاثات الكربون بمقدار 278 مليار طن سنوياً حتى 2030.
يتمثل الهدف الرئيسي لمفاوضات هذا العام في استبدال التعهد الحالي بتمويل المناخ سنوياً بمبلغ 100 مليار دولار، بتعهد آخر يقدّم المزيد لمساعدة الدول الأكثر فقراً على بناء اقتصادات خضراء، وتعزيز قدراتها على الصمود بمواجهة الاحتباس الحراري العالمي. يُقدّر المبلغ المطلوب بأكثر من تريليون دولار سنوياً. وتريد الولايات المتحدة ودول أوروبا أن يساهم المزيد من الدول في التمويل، لاسيما المنتجة للنفط.
كان أمين عام "أوبك" أفصح لـ"الشرق" خلال شهر مايو الماضي أن دول "أوبك" وتحالف "أوبك+" سيكون لها صوت مهم في قضية التغير المناخي، مشدّداً على أنه "عند مناقشة التغير المناخي ليس هناك حل واحد مناسب للجميع، ولكي نمضي إلى الأمام يجب أن تكون هناك عدّة مسارات وليس مساراً واحداً".
وطالب الغيص، في منشور على منصة X البارحة الأربعاء، "الدول المتقدمة بالوفاء بالتزاماتها لسد فجوات التمويل وزيادة تمويل المناخ، والمساهمة في تطوير ونقل كافة أشكال التكنولوجيا" اللازمة لخفض الانبعاثات إلى الدول الأكثر فقراً.