
الشرق
تقف المنطقة العربية حالياً أمام تحديات في علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة، بعد موجة غير مسبوقة من الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إطار سياسة "أميركا أولاً"، حيث أعلن ترمب في الثاني من أبريل عن فرض مجموعة واسعة مما يُعرف بالرسوم "المتبادلة" على الشركاء التجاريين لبلاده. ولاحقاً، أعلن ترمب عن مهلة مدتها 90 يوماً تُجمد فيها تلك الرسوم مع الإبقاء مؤقتاً على نسبة التعريفات الأساسية البالغة 10%.
ولم تقتصر آثار هذه الرسوم على الصادرات النفطية فحسب، بل امتدت لتشمل سلعاً غير نفطية حيوية تمثل جزءاً متزايداً من الصادرات العربية. وفي حين تُظهر بعض الدول مرونة نسبية وفرصاً لتعزيز تنافسيتها، تواجه دول أخرى ضغوطاً مباشرة وغير مباشرة تمسّ استقرارها الاقتصادي وماليّتها العامة.
وفي ضوء هذا الواقع، يتعين على صناع السياسات في الدول العربية تبني استراتيجيات دقيقة تجمع بين حماية المكاسب الحالية، واستثمار التحولات التجارية العالمية، وتعزيز القدرات الذاتية للتكيّف مع بيئة دولية تتسم بالتقلب وعدم اليقين.
1) أين تقف العلاقات التجارية بين المنطقة العربية والولايات المتحدة؟
انخفضت الصادرات العربية من السلع إلى الولايات المتحدة من 91 مليار دولار في عام 2013 (6% من الإجمالي) إلى 48 مليار دولار في عام 2024 (3.5% من الإجمالي)، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تراجع واردات الولايات المتحدة من النفط الخام والمنتجات البترولية، وفق اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا). والمنظمة هي واحدة من خمس لجان إقليمية تخضع لولاية المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة.
تحافظ الولايات المتحدة على فائض تجاري مع المنطقة العربية منذ عام 2015، وبلغ حوالي 20 مليار دولار في عام 2024. وتتمتع معظم الدول العربية بحصة متوسطة أو منخفضة من الصادرات إلى السوق الأميركية، باستثناء الأردن. وتهيمن صادرات الطاقة والمنتجات المعدنية على الصادرات العربية إلى الولايات المتحدة.
فيما ارتفعت الصادرات غير النفطية من المنطقة العربية إلى الولايات المتحدة من 14 مليار دولار في عام 2013 إلى 22 مليار دولار في عام 2024.
الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على السلع العربية سيكون لها تأثير مباشر على هذه الصادرات غير النفطية إلى السوق الأميركية، في حين أُعفيت صادرات النفط والمنتجات البترولية من الزيادات الجمركية الجديدة.
2) كيف تؤثر الرسوم الجمركية على الدول العربية؟
من المتوقع أن تواجه 6 دول عربية تأثيراً كبيراً، و5 دول تأثيراً طفيفاً و11 دولة تأثيراً ضئيلاً أو منعدماً. فمن المتوقع أن تتأثر صادرات ست دول عربية وهي البحرين ومصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس، بشكل كبير من زيادات الرسوم الجمركية الجديدة، ما يعني أن نسبة 5% أو أكثر من إجمالي صادراتها تتأثر بشكل مباشر، حسب " الإسكوا". كما يُعد الأردن الأكثر تأثراً بشكل مباشر، حيث يتم تصدير نحو 25% من سلعِه إلى الولايات المتحدة.
صادرات خمس دول عربية وهي الجزائر، سلطنة عُمان، قطر، السعودية والإمارات العربية المتحدة، ستتأثر بشكل طفيف، مما يعني أن أقل من 5% من إجمالي صادراتها ستكون معرّضة للتأثر.
كما أن سوق إعادة التصدير في الإمارات العربية المتحدة، وتبلغ قيمتها نحو 10 مليارات دولار إلى الولايات المتحدة، قد تتأثر بالرسوم المفروضة على الدول المصدّرة الأصلية.
كما أن ثلاث دول عربية وهي العراق والكويت وليبيا لا تصدّر إطلاقاً أو تصدّر كميات ضئيلة فقط من السلع غير النفطية إلى السوق الأميركية، وبالتالي لا تتعرض حالياً لتأثير مباشر من الزيادات الجمركية.
وتوجد ثماني دول في المنطقة، وهي جزر القمر وجيبوتي وموريتانيا ودولة فلسطين والصومال والسودان والجمهورية العربية السورية واليمن، لم تصدّر سلعاً إلى الولايات المتحدة في عام 2024، ما يشير إلى أن انكشافها المباشر على الزيادات في الرسوم ضئيل للغاية.
3) ماذا عن التأثيرات غير المباشرة المحتملة للرسوم؟
رغم أن الرسوم الجمركية الجديدة لها تأثير مباشر محدود على صادرات الدول العربية إلى السوق الأميركية، ويتركز بشكل رئيسي في السلع غير النفطية، فإن الاقتصادات العربية قد تواجه تأثيرات سلبية غير مباشرة بسبب ضعف الطلب العالمي، خصوصاً من الصين والاتحاد الأوروبي، وهما من كبار المشترين للسلع العربية.
يستوعب الاتحاد الأوروبي 72% من صادرات تونس و68% من صادرات المغرب، ويمثل وجهة لـ17% من إجمالي الصادرات العربية. كما تستورد الصين 22% من النفط والمنتجات الكيميائية لدول مجلس التعاون الخليجي، و15% من إجمالي صادرات الدول العربية.
4) هل تؤثر الرسوم الأميركية الجديدة على الصادرات العربية؟
الأثر الصافي لزيادة الرسوم الجمركية على الصادرات العربية إلى العالم محدود، لكنّ التأثيرات تختلف بين مجموعات الدول العربية، وفق " الإسكوا". من جانبه، اعتبر كريم عوض الرئيس التنفيذي لمجموعة "إي إف جي القابضة" أن الرسوم على مصر ودول الخليج "غير مخيفة"، موضحاً في مقابلة سابقة مع "الشرق" أن التعريفات تمثل الحد الأدنى مقارنة مع النسب المفروضة على بقية دول العالم.
وفي نفس السياق، قال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، إنه من المتوقع أن تكون التأثيرات المباشرة للرسوم الجمركية الأميركية محدودة على دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالنظر لانكشافها التجاري المحدود مع واشنطن والإعفاءات الممنوحة لمنتجات الطاقة.
ومن المتوقع أن تواجه دول اتفاقية أغادير (مصر، الأردن، المغرب، تونس) تأثيراً صافياً متوسطاً في عام 2025، ويُعزى ذلك أساساً إلى آثار تحوّل التجارة التي تقلل من الأثر السلبي المباشر على صادراتها الأولية إلى السوق الأميركية، وفق "الإسكوا".
كما يُتوقع أن يكون الأثر الصافي على دول مجلس التعاون الخليجي محدوداً. بل قد يتحقق تأثير إيجابي أكبر إذا أحسنت هذه الدول استغلال تنافسيتها في قطاعي النقل والخدمات اللوجستية، وهو ما ينطبق بشكل خاص على دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وقد تتيح الرسوم الجمركية الأميركية فرصاً أكبر لدخول الصادرات المصرية والمغربية إلى الأسواق الأوروبية والأميركية، خاصة في ظل القاعدة الصناعية القوية في البلدين، حسبما يرى رئيس قطاع البحوث في "إي إف جي" القابضة أحمد شمس الدين لـ"الشرق". وأضاف أن الدول العربية والخليجية يمكن أن تضطلع بدور رئيسي في سلاسل الإمدادات العالمية للدول الغربية، بما تمتلكه من قطاع خاص قوي.
مع ذلك، قد تتكبد دول الخليج خسائر كبيرة في إيرادات النفط، بسبب انخفاض أسعار النفط وتراجع حجم الصادرات. ونتيجة لذلك، قد ينخفض فائض الميزان التجاري الذي تحققه الولايات المتحدة مع المنطقة العربية حالياً.
ومن المرجّح أن تتجه الدول العربية إلى تنويع مصادر استيرادها، مع احتمال زيادة وارداتها من الاتحاد الأوروبي والصين كبدائل للسلع الأعلى تكلفة القادمة من الولايات المتحدة. كما توجد إمكانية لزيادة حجم التجارة البينية العربية، لا سيما بين دول اتفاقية أغادير.
5) هل هناك تأثير للرسوم على المستثمرين والمواطنين؟
تؤدي زيادة الرسوم الجمركية إلى آثار سلبية غير مباشرة على الاستقرار المالي العالمي وثقة المستثمرين، ما يؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في عوائد السندات السيادية.
الارتفاع في العوائد أيضاً قد يرفع تكلفة التمويل من الأسواق، ويؤثر بشكل خاص على الدول متوسطة الدخل التي تتحمل أعباء كبيرة في خدمة الديون. ففي الفترة بين 2 و9 أبريل 2025، ارتفعت عوائد السندات لأجل 10 سنوات بمقدار 32 نقطة أساس في دول مجلس التعاون الخليجي، و36 نقطة أساس في الدول العربية متوسطة الدخل.
ومع ارتفاع العوائد، تواجه الدول العربية متوسطة الدخل –والتي تعاني بالفعل من ضغوط إعادة تمويل الديون- ارتفاعاً في تكاليف الاقتراض، مما يزيد من عبء مدفوعات الفوائد.
كيف تواجه الدول العربية تأثيرات الرسوم؟
قدمت "الإسكوا" في ورقة بحثية حديثة، عدة توصيات للدول العربية لمواجهة تأثير الرسوم وكيفية الاستفادة منها تشمل، الاستعداد لتأثيرات متباينة وغير متناظرة، إذ قد تستفيد بعض الدول من تحسن تنافسيتها السعرية، بينما قد تواجه دول أخرى خسائر مباشرة في الصادرات أو ضغوطاً مالية نتيجة انخفاض أسعار الطاقة المرتبط بتراجع الطلب في الصين والهند.
إلى جانب تعميق التكامل الإقليمي لتعزيز المرونة، من خلال أطر مثل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والاتحاد الجمركي الخليجي واتفاقية أغادير، لتعزيز القدرة التفاوضية الجماعية وزيادة التجارة البينية كوسيلة لامتصاص الصدمات الخارجية.
وتنويع الشراكات التجارية والاستثمارية، فدول المنطقة بحاجة لإعادة تقييم استراتيجيتها التجارية وتنويع أسواقها والتفاوض الجماعي لحماية مصالحها الاقتصادية الإقليمية وتعزيز مرونتها أمام صدمات الرسوم الأحادية وتحولات الطلب العالمي.
مع الانخراط النشط في مفاوضات استراتيجية مع الولايات المتحدة، إذ ينبغي للدول العربية أن تسعى إلى حوار بنّاء مع الولايات المتحدة، بالتوازي مع أطراف عالمية أخرى تسعى لإعادة التفاوض بشأن الرسوم الجمركية. ويجب أن تركز المشاركة على الحفاظ على فرص الوصول إلى الأسواق وضمان المعاملة التفضيلية كلما أمكن ذلك.
وختاماً، يمكنها الاستفادة من الاستثناءات القانونية والتفضيلية، فبدلاً من الرد بالمثل، ينبغي للدول العربية أن تسعى بشكل استراتيجي للحصول على استثناءات بموجب اتفاقيات التجارة الحرة القائمة أو أطر خاصة مثل المناطق الصناعية المؤهلة.