ماذا يعني اتفاق "مار إيه لاغو" بالنسبة للدولار؟

ترمب يعبر منذ فترة طويلة عن مخاوفه بشأن حجم العجز التجاري الأميركي البالغ 1.2 تريليون دولار العام الماضي

time reading iconدقائق القراءة - 9
لوحة رقمية تعرض سعر صرف الدولار الأميركي - المصدر: بلومبرغ
لوحة رقمية تعرض سعر صرف الدولار الأميركي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أثارت خطة الرئيس دونالد ترمب الجريئة لإعادة تشكيل طريقة تعامل الولايات المتحدة التجارية مع بقية العالم تكهنات بشأن احتمال التوصل إلى اتفاق متعدد الأطراف يهدف إلى إضعاف الدولار عمداً، مما يساعد المصدرين الأميركيين على التنافس مع نظراء آخرين في دول مثل الصين واليابان.

ترمب لم يصرح بأنه يرتب اتفاقاً دولياً يؤدي إلى إضعاف الدولار عمداً، لكن ذلك لم يمنع التكهنات في "وول ستريت". واستقر المحللون بالفعل على اسم 'اتفاق مار-إيه-لاغو'، تيمناً بنادي ترمب الخاص في بالم بيتش بولاية فلوريدا.

تركز قدر كبير من الاهتمام على ورقة بحثية كتبها ستيفن ميران، مرشح ترمب لرئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، نُشرت في نوفمبر 2024 عندما كان كبير الاستراتيجيين في صندوق التحوط "هدسون باي كابيتال" (Hudson Bay Capital). في هذه الورقة، طرح ميران خيارات سياسية محتملة لإصلاح النظام التجاري العالمي ومعالجة الاختلالات الاقتصادية الناجمة عن "المبالغة المستمرة في تقييم الدولار". 

ميران ليس الوحيد في دائرة ترمب الذي يفكر بهذه الطريقة. قبل اختياره وزيراً للخزانة، توقع سكوت بيسنت في يونيو حدوث "نوع من إعادة الهيكلة الاقتصادية الكبرى" في السنوات المقبلة.

ما الذي قد يسعى "اتفاق مار إيه لاغو" إلى تحقيقه؟ 

المفهوم الأساسي هو كالتالي: وعد ترمب بتطبيق العصر الذهبي يتضمن إحداث نهضة في التصنيع والصادرات الأميركية. كما أنه يعبر منذ فترة طويلة عن مخاوفه بشأن حجم العجز التجاري الأميركي، الذي سجل رقماً قياسياً بلغ 1.2 تريليون دولار في 2024، واصفاً إياه بأنه في الواقع يمثل نقلاً للثروة إلى الخارج. وتكمن المشكلة في أن سعر صرف الدولار كان قوياً تاريخياً، مما أضعف القدرة التنافسية الأميركية بجعل الواردات أرخص نسبياً. 

في الواقع، يرى بعض المحللين أن الدولار اليوم مُبالَغ في قيمته، استناداً إلى نماذج اقتصادية تأخذ في الاعتبار عوامل مثل القوة الشرائية المحلية للعملة. ومن شأن المبالغة في التقييم، وما يترتب عليها من آثار، أن تمنح واشنطن دافعاً للتوصل إلى نوع من الاتفاق مع دول أخرى لمعالجة قوة العملة.

هل سبق التوصل إلى اتفاقات مماثلة؟

نعم بالطبع، ففي 1985، اتفقت مجموعة من الحكومات على "اتفاق بلازا"، الذي سُمِّي على اسم الفندق الذي اجتمع فيه المسؤولون في نيويورك، وذلك في ظل ظروف مشابهة تشمل ارتفاع التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، وقوة الدولار. وتم التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وفرنسا واليابان والمملكة المتحدة و(آنذاك) ألمانيا الغربية لإضعاف الدولار مقابل عملاتها. وتم التوصل إلى الاتفاق بناءً على أن الارتفاع الكبير للدولار يُلحق ضرراً بالاقتصاد العالمي.

جاء ارتفاع الدولار حينذاك مدفوعاً بالسياسة النقدية المتشددة التي انتهجها رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بول فولكر، لخفض التضخم، بالإضافة إلى السياسة المالية التوسعية التي تبناها الرئيس رونالد ريغان، والتي شملت خفض الضرائب وزيادة الإنفاق.

في ذلك الوقت، كانت اليابان تشهد طفرة في صادراتها، مما أثار قلق المشرعين الأميركيين الذين بدأوا في تبني سياسات حمائية، تماماً كما هو الحال مع الصين اليوم. رغم نجاح الاتفاق في خفض قيمة الدولار،  فقد أُلقي عليه اللوم لاحقاً في تعزيز قيمة الين أكثر مما ينبغي. وفي 1987، تم التوصل إلى "اتفاق اللوفر" عقب "اتفاق بلازا"، في محاولة لكبح تراجع الدولار وتهدئة مكاسب الين. 

وفي اليابان، أُلقي اللوم على الاتفاقيات لأنها لعبت دوراً في دفع البلاد إلى الركود الاقتصادي في التسعينيات -وهي الفترة المعروفة بـ"العقد الضائع"- وهو درس لن تغفله الصين في حين تواجه ضغوط الانكماش وأزمة العقارات وتخمة المعروض في قطاع التصنيع.

"كيف يمكن لاتفاق "مار إيه لاغو" أن ينجح؟ 

يتضمن النهج التقليدي تعهّد الشركاء التجاريين للولايات المتحدة بزيادة الاستهلاك المحلي للسلع التي ينتجونها، والحد من اعتماد شركات التصنيع لديهم على الصادرات إلى الولايات المتحدة. 

قد يشمل هذا النهج أيضاً اتفاقيات للتدخل في سوق الصرف الأجنبي لدفع العملات بقوة في الاتجاه المطلوب، إلا أن الحجم الهائل للتداول اليومي في السوق -والبالغ 7.5 تريليون دولار وفقاً لأحدث الإحصاءات- من شأنه أن يجعل هذا تحدياً كبيراً.

قد تشمل هذه الاتفاقيات أيضاً بنوداً تتعلق بتعديل أسعار الفائدة، لكن البنوك المركزية اليوم أكثر استقلالية مما كانت عليه خلال اتفاقيات الثمانينيات، مما يجعل أي تعهدات في هذا المجال موضع شك.

تصريحات ميران وبيسنت خلال العام الماضي تشير إلى أنهما يفضلان تجاوز الاتفاقيات الاقتصادية السابقة. ويتبنى تحليل ميران الاعتقاد بأن عجز الحساب الجاري (عندما تتجاوز قيمة واردات دولة ما صادراتها) هو الوجه الآخر للتدفقات الرأسمالية الصافية (عندما يكون تدفق الأموال إلى الدولة أكبر من التدفقات الخارجة منها). 

ولكون الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية، فإن الدول الأخرى تستمر في شرائه. الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة الخضراء بشكل مستمر، مما يثقل كاهل قطاع التصنيع في الولايات المتحدة. لذا فأي اتفاق دولي يجب أن يحُدّ من هذه العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار.

كيف سيؤثر الدين الأميركي في أي اتفاق اقتصادي محتمل؟ 

تركزت بعض التكهنات مؤخراً حول فكرة إصدار وزارة الخزانة الأميركية لسندات حكومية بدون فائدة، تُعرف باسم السندات ذات التوزيعات الصفرية، وتستحق بعد 100 عام. 

في مقالته التي نُشرت خلال نوفمبر، استشهد ميران باقتراح ورد في ورقة بحثية كتبها زولتان بوزار المحلل السابق في "كريدي سويس" ومؤسس شركة الأبحاث "إكس أونو بلوريس" (Ex Uno Plures)، خلال يونيو، حول اتفاق بين الولايات المتحدة وشركائها العسكريين، حيث يُطلب من الحلفاء شراء السندات المستحقة بعد 100 عام في مقابل ضمانات أمنية أميركية.

طرح آخرون فكرة مقايضة وزارة الخزانة بعض الحيازات الأجنبية الحالية من ديون الحكومة الأميركية بسندات طويلة الأجل ذات قسائم صفرية. وقد يتم سحب ضمانات الأمن من الحلفاء الذين يرفضون المشاركة، أو فرض تعريفات جمركية عليهم، أو كلا الأمرين معاً. 

ما عواقب إعادة هيكلة الديون الأميركية بهذه الطريقة؟

الفكرة هي أنها قد تساعد في خفض أسعار الفائدة والعجز المالي في الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى إضعاف الدولار. لكن مثل هذه الفكرة الجذرية قد تنطوي أيضاً على مخاطر حدوث أزمة ثقة في سوق سندات الخزانة الأميركية، البالغة قيمتها 29 تريليون دولار.

الواقع أن شعار الحكومة الفيدرالية الذي طالما أعلنته بشأن إصدار الديون هو أن تكون "منتظمة وقابلة للتنبؤ". ومن شأن الضغط على الحلفاء للانخراط في مبادلة الديون أو شراء سندات لأجل 100 عام أن يلحق ضرراً غير متوقع بسمعة سوق سندات الخزانة.

ومن الأسباب الرئيسية التي جعلت هذه الأوراق المالية معياراً عالمياً لفترة طويلة أنها تُعتبر شديدة السيولة- أو بعبارة أخرى، سهلة التداول، كما أنها تخضع لسيادة القانون المتعارف عليه عالمياً، مما يعزز الثقة بها. لذا، فإن احتمال تغيير الوضع الراهن بشكل جذري يجعل من الصعب على الكثيرين تصور اتفاق "مار إيه لاغو" يتضمن مبادلات الديون.

ولكن، ألم يدافع ترمب عن الدولار القوي؟

قال ترمب وفريقه الاقتصادي إن الولايات المتحدة تظل ملتزمة بالحفاظ على الدولار القوي، وهددوا بفرض تعريفات جمركية على اقتصادات الأسواق الناشئة التي تسعى إلى الابتعاد عن استخدام الدولار لتسوية التعاملات التجارية. 

إن اتباع سياسة تجمع بين الحفاظ على قوة الدولار كعملة أساسية في الاقتصاد العالمي وبين السعي لإضعافه، يتطلب تحقيق توازن دقيق بين المصالح الاقتصادية المختلفة، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً.

ما مخاطر ضعف الدولار على الاقتصاد الأميركي؟

ضعف الدولار من شأنه أن يرفع تكاليف الواردات، وقد يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم نتيجة لذلك. كما قد يؤدي إلى إبعاد المستثمرين الذين يهرعون إلى الأصول الأميركية بفضل عوائدها المرتفعة ومكانتها كملاذ آمن، وهو ما قد يؤدي إلى تحويل بعض هذه التدفقات إلى عملات منافسة مثل اليورو أو الين. 

تصنيفات

قصص قد تهمك