بلومبرغ
يتشوق مستثمرو السلع الذين يمرون بعام فوضوي للحصول على المزيد من الوضوح بشأن اتجاه الأسواق مع وصول يوم الانتخابات أخيراً في الولايات المتحدة. ويحمل السباق بين الرئيس دونالد ترمب وجو بايدن تداعيات عميقة للمواد الخام من البترول الخام إلى النحاس والذهب، وتقدم بلومبرغ الأسبوع الجاري نظرة عامة على ما يمكن توقعه بعد التصويت استناداً على ما تقوله استطلاعات الرأي بشأن النتائج الأكثر - الأقل - احتمالاً.
ترجح استطلاعات الرأي فوز المرشح الديمقراطي، رغم أن المتداولين تعلموا خلال السنوات الأربع الماضية ألا يستبعدوا احتمال استمرار الرئيس القائم. وستتشكل أسواق السلع العالمية وفقاً للتغيرات في السياسيات المحلية والأجنبية التي ستنتج عن حكومة بايدن أو الفوز المفاجئ لترمب، بجانب مجموعة كبيرة من المحركات الأخرى مثل ما تعنيه نتيجة الانتخابات للدولار وسوق سندات الخزانة.
وقبل الانتخابات، ارتفعت أسعار السلع من المستويات المتدنية التي وصلت إليها في الربع الأول جراء الوباء نظراً لتوقع المستثمرين تعافياً من الوباء. ومع مواجهة الاقتصادات موجة ثانية من الأزمة، يمكن أن تقدم الانتخابات دفعة جديدة لبعض السلع وضربة لأخرى.
وتعقد الوضع نتيجة احتمالية أن النتائج قد لا تكون حاسمة لبعض الوقت بعد تصويت يوم الثلاثاء سواء في معركة البيت الأبيض أو السيطرة على مجلس الشيوخ. وبالنظر إلى مدى التباين في النتائج المحتملة يمكن أن يكون الأسبوع متقلباً، كما سيضع المستثمرون في اعتبارهم أن صناع السياسة في الاحتياطي الفيدرالي سيجتمعون هذا الأسبوع أيضاً.
وفي لمحة لما تحمله الأيام المقبلة، ارتفع سعر الذهب في بداية تعاملات الأسبوع بينما تراجع البترول وواصل النحاس أسوأ سلسلة من الخسائر منذ مايو. وقالت وحدة الأسواق الرأسمالية في "رويال بنك أوف كندا" إنه يتعين على المستثمرين الاستعداد لسيناريو يمتد فيه عدم اليقين، وتلمع فيه ميزة السبائك كملاذ آمن.
مأساة شركات البترول الكبرى
يواجه قطاع البترول الأمريكي الذي يعاني بالفعل من أسوأ انهيار في الخام في التاريخ بسبب الوباء مجموعة من المخاطر الناتجة عن الانتخابات، ورغم أن بايدن قال إنه لن يمنع جميع عمليات التكسير الهيدروليكي، فإنه أوضح الشهر الماضي أنه سيرغب في التحول عن قطاع البترول في مرحلة من المراحل.
وأوضح بايدن موقفه بأنه سيمنع أي تكسير هيدروليكي جديد على الأراضي الفيدرالية، وهو ما يشكل تهديداً للمستكشفين في ولاية نيو مكسيكو التي تشكل جزءاً من حوض "برميان"، موطن أكبر رقعة بترول صخري في العالم.
وفي نفس الوقت يتابع عمالقة الخام الذين يعملون في ألاسكا عملية التصويت التي تجري في أكبر ولاية في الدولة على القانون الذي من شأنه أن يرفع الضرائب على أغنى حقول البترول في أمريكا الشمالية. وقالت شركة "كونوكوفيليبس" بشكل خاص إنها ستوقف الحفر في الولاية إذا تم تمرير القانون. وفي تكساس، تمتلك وكالة غامضة نسبياً تعرف بمفوضية السكك الحديد سلطة كبيرة، وهي جهة التشريع في الولاية التي يطلق عليها ولاية النجم الوحيد. وهناك سباق وشيك على واحد من ثلاثة مقاعد في المفوضية وهو ما يزيد احتمالات سياسات بيئية أكثر صرامة في الولاية المعروفة بالإشراف المتساهل.
تقديرات البترول الخام
يركز مراقبو سوق البترول على المدى القصير على ما ستعنيه نتيجة الانتخابات للجولة الجديدة من مساعدات الإغاثة من الفيروس، وسيقدم الضخ الكبير للمحفزات المالية في أكبر اقتصاد في العالم دفعة مطلوبة بشدة للاستهلاك، وتدرس الحكومات حول العالم إلغاء خطط إعادة فتح الاقتصادات لمنع انتشار العدوى. وظهرت هشاشة سوق البترول يوم الاثنين مع تراجع الخام نتيجة الإغلاقات في أوروبا وانتعاش المعروض من ليبيا. ويتوقع المحللون أن يتمخض عن فوز بايدن حزمة تحفيز أكبر إذا تمكن الديمقراطيون من السيطرة على مجلس الشيوخ، ما سيدعم أسعار البترول.
وقال إدوارد مويا، كبير محللي الأسواق في "أواندا كورب": "بوجود بايدن في الرئاسة، سيكون هناك الكثير جداً من المحفزات.. وكل هذا الاستثمار في الدولة سوف يكون مفيداً على المدى القصير من خلال تعويض بعض التراجع الذي شهدناه في الطلب".
الصعود المتعثر للذهب
بعد ارتفاعه إلى أعلى مستوى على الإطلاق في أغسطس على خلفية الدولار الضعيف وزيادة الطلب بسبب، تعثر مسار صعود الذهب، واستقر سعر تداول السبائك تقريباً في أكتوبر بعدما سجل شهرين متتالين من الخسائر متضرراً من تجدد مرونة العملة الخضراء ومبيعات السبائك من قبل البنوك المركزية الباحثة عن النقدية ومستغلة الأسعار المرتفعة.
ويقول مراقبو السوق إنه من المبكر للغاية توقع نهاية لموجة صعود المعدن النفيس نظراً لأن احتمالات المحفزات الإضافية بعد الانتخابات قد تضعف
الدولار وتثير شبح التضخم ما سيعزز مركز السبائك كمخزن للقيمة. وقال مايكل كوجينو، مدير محفظة في "بيرماننت بورتفوليو فاميلي أوف فندس"، إن العاملين اللذين ساعدا الذهب على الوصول إلى مستوى قياسي – وهما أسعار الفائدة السلبية والسيولة غير المسبوقة من قبل البنوك المركزية والحكومات – سيواصلان تعزيز الأسعار بغض النظر عمن سيصبح الرئيس المقبل. وقال إد موي، المدير السابق في دار السك الأمريكية، إن احتمالية
التنازع على النتيجة وما يرتبط بذلك من فوضى قد يعززان من جاذبية المعدن.
قوة أداء المعادن الأساسية
قفز النحاس بأكثر من 40% في لندن من أدنى مستوى وصل إليه في مارس، وحقق أفضل أداء مشهود في ربعين خلال عقد تقريباً. ووصل إلى أعلى مستوى في عامين في أكتوبر، ولكن اضطربت أسعار المعدن – الذي يعد مقياس للنشاط الاقتصادي نظراً لاستخدامه في كل شيء من الأنابيب حتى قطع غيار السيارات – في الأسابيع الماضية بعد فشل المشرعين الأمريكيين في تمرير حزمة تحفيز جديدة وارتفاع عدد حالات الإصابة بالفيروس ما جدد مخاوف ضعف الطلب.
وقالت بنوك مثل "غولدمان ساكس" و"جى بي مورغان تشايس أند كو" إن المعادن النفيسة ستصبح من أكبر المستفيدين من المحفزات الإضافية
والإنفاق على البنية التحتية. وقال دييجو أوليفيا-فيليز من "بي إم أو كابيتال ماركتس" إن الفوز الكاسح للديمقراطيين سيجلب أكبر دفعة للمعادن الصناعية، بينما سيكون الصعود محدوداً أو متأخراً في حال انقسام الكونغرس أو قيادة الجمهوريين للحكومة. ويقول المحللون إن المزيد من الإنفاق سيدخل حيز التنفيذ حتى في حال فوز ترمب الذي أوضح رغبته في تمرير حزمة تحفيز أخرى. وعلاوة على ذلك، يقول "غولدمان ساكس" إن الإنفاق على البنية التحتية الخضراء سيعزز الطلب على المعادن في السنوات القليلة المقبلة، مشيراً إلى السياسة البيئية "المتقدمة" في أوروبا والصين واحتمالية تطبيق أجندة مشابهة تحت حكومة بايدن.
توهج الطاقة الشمسية
ومسايرة لهذه الاتجاهات، ارتفع طلب المستثمرين على الأسهم الخضراء والتكنولوجيا. ومن بين الأشياء التي تدعم هذا النمو هو صعود طلب الأسر على ألواح وبطاريات الطاقة الشمسية على الأسطح نتيجة الانقطاعات المتكررة للكهرباء بسبب الأعاصير وحرائق الغابات وزيادة الإقبال على الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة.
وقال جيف أوزبورن، محلل في "كوين آند كو"، في مذكرة في أكتوبر: "تبدو أوضاع أسهم شركات الطاقة المتجددة (الشمس والرياح والشبكات الأرضية وخلايا الوقود) جيدة مع دخول انتخابات نوفمبر وحتى 2021 بغض النظر عن النتيجة".
وارتفعت أسهم العديد من شركات الطاقة الشمسية لأعلى مستوى على الإطلاق في أكتوبر، بدفع جزئي من النمو المتوقع الذي يمكن أن يشتعل تحت رئاسة بايدن الذي يستهدف القضاء على انبعاثات الكربون من قطاع الطاقة بحلول 2035. وتتوقع وحدة بلومبرغ لتمويل الطاقة النظيفة تركيب مرافق طاقة شمسية بقدرة 10 غيغاوات في الولايات المتحدة في 2020، وهو أكبر رقم للقطاع منذ 2016.
الحبوب تسير مع التيار
بالنسبة للمزارعين، سوف يجلب فوز جو بايدن نتائج مختلطة، إذ سيلغي التعريفات المفروضة على البضائع الصينية، ما سيفسح المجال للمزيد من شحن البضائع الزراعية لآسيا. ولكن يقلق البعض في صناعة الإيثانول من أن التحول عن البترول تحت رئاسة بايدن سيضعف الطلب على الوقود الحيوي من الذرة وفول الصويا الذي يتم خلطه مع الوقود المنتج من البترول. وبالمثل، قد تؤدي الإغلاقات الأكثر صرامة لمكافحة انتشار كوفيد 19 إلى تقليص استخدام السيارات والشاحنات.
وتعهد كل من ترامب وبايدن بمواصلة ردع الصين في المجال التجاري؛ ومن غير المعروف ما سيكون تأثير نتيجة الانتخابات على الاتفاق الموقع في يناير.
وارتفعت صادرات المنتجات الزراعية للصين مؤخراً، ما عزز دعم المزارعين لترامب والذين كانوا يدعمونه بقوة من قبل كذلك. وقال دالي ديرتشزل، محلل سلع مستقل: "من الناحية الاقتصادية، يعزز فوز بايدن احتمالية الإغلاقات الاقتصادية إذا استمرت حالات العدوى في الارتفاع، بينما سيكون ترامب أكثر حذراً في العودة إلى الإغلاقات".