
الشرق
في عالمٍ تتبدل فيه موازين القوة بعيداً عن ساحات المعارك، تتحول بعض السلع التقليدية والجديدة إلى أسلحة صامتة تشعل حروب النفوذ بين القوى الكبرى. هذه السلع تكتسب دوراً أكثر حساسية في السياسات الدولية، إذ لم تعد تقتصر أهميتها على بعدها الاقتصادي فقط، بل أصبحت أداة تأثير في موازين العلاقات بين الدول.
ما هو تسليح السلع الأساسية؟
بحسب تعريف "مؤتمر ميونخ للأمن" في دورته التي عُقدت أبريل الماضي فإن مصطلح "تسليح السلع الأساسية" أو (Commodities Weaponization) يعني استخدام دولة أو أكثر الموارد الطبيعية أو السلع الاستراتيجية -مثل النفط، الغاز، الغذاء، المعادن، الرقائق الإلكترونية وغيرها- كأداة ضغط أو نفوذ سياسي واقتصادي في العلاقات الدولية لتحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية أو ميزة تجارية على حساب دولة أو مجموعة دول أخرى، حيث تحولها من مجرد مورد اقتصادي إلى سلاح جيوسياسي.
ويؤدي أي اضطراب في تصدير هذه السلع إلى ارتفاع الأسعار، وزيادة الضغوط التضخمية، ما يضع الدول المستوردة في موقف هش، كما أن حظر تصديرها قد يجلب نتائج عكسية على الدول المنتجة.
لماذا عاد تسليح السلع الأساسية إلى الواجهة الآن؟
أعاد تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين شبح تسليح السلع الأساسية إلى الواجهة، بعدما استخدمت بكين صادراتها من المعادن النادرة، ووارداتها من بضائع أميركية بعينها مثل فول الصويا، كورقة ضغط في مواجهة القيود الأميركية والرسوم الجمركية.
ووفقاً لتحليل نشرته بلومبرغ، فإن الصين تهيمن على نحو 90% من قدرات تكرير المعادن النادرة، ما يجعلها سلاحاً جيوسياسياً قادراً على التأثير في الصناعات الدفاعية والإلكترونية العالمية.
وحتى من قبل الحرب التجارية الأميركية الصينية بعدة سنوات، كشفت الأزمة الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير 2022 عن هشاشة النظام التجاري العالمي، بعدما استخدمت موسكو الغاز والنفط كورقة ضغط على أوروبا.
لكن يمكن القول إن استخدام سلاح النفط والغاز جاء بنتائج عكسية على الصادرات الروسية، حيث تم فرض سقف على أسعار النفط الروسي عند 47 دولاراً تقريباً بداية من سبتمبر 2025، مقارنة بسعر برميل النفط حالياً الذي يناهز 60 دولاراً للبرميل، مما اضطر موسكو إلى محاولات الالتفاف على العقوبات عبر أسطول الظل.
وتسعى أوروبا الآن إلى وضع خطة للاستغناء عن واردات الغاز الروسي تماماً بحلول 2027، مع البحث عن بدائل أخرى عبر توقيع عقود طويلة الأجل لاستيراد الغاز الطبيعي المسال مع الولايات المتحدة وقطر، كما يتضح في الرسم البياني التالي.
دول تستفيد من تسليح السلع
لا يفرز تسليح السلع الأساسية خاسرين فقط، بل يمنح قوة هائلة للدول المالكة للموارد الحيوية أيضاً. ويمكن تصنيف المستفيدين إلى ثلاث فئات رئيسية: دول تستخدم السلع كسلاح مباشر، وأخرى تجني مكاسب اقتصادية غير مباشرة، وثالثة تعزز نفوذها الجيوسياسي عبر التحكم في سلاسل التوريد.
تتصدر الصين وروسيا قائمة الدول المستفيدة من هذا التحول. فالصين التي تعالج أكثر من 90% من المعادن النادرة عالمياً، استخدمتها كسلاح في صراعها التكنولوجي مع الولايات المتحدة، بعد فرضها قيوداً على تصدير الغاليوم والغرافيت المستخدمين في صناعة الرقائق والسيارات الكهربائية، وفق بلومبرغ والوكالة الدولية للطاقة (IEA). للمزيد عن التوتر بين واشنطن وبكين بسبب المعادن النادرة شاهد الفيديو أدناه.
أما روسيا فحولت النفط والغاز والقمح إلى أدوات نفوذ منذ حرب أوكرانيا، لتؤثر في أسعار الطاقة والأمن الغذائي العالمي، وتموّل حربها في أوكرانيا، بحسب رويترز والأمم المتحدة.
لكن المستفيدين لم يقتصروا على القوى العظمى؛ إذ برزت دول أميركا الجنوبية وأفريقيا كمستفيدين غير متوقعين أيضاً. فمع تراجع تجارة فول الصويا بين واشنطن وبكين، تحولت الصين إلى البرازيل والأرجنتين لتغطية احتياجاتها من الحبوب والزيوت النباتية، ما رفع الصادرات الزراعية وجعل البرازيل أكبر مورد لفول الصويا إلى الصين، بحسب "فايننشال تايمز" و"رويترز".
وفي أفريقيا، زادت تنزانيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا صادراتها الزراعية والمعادنية لتلبية الطلب الصيني، ما منح هذه الدول دوراً متنامياً في إعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية.
كما انضمت أستراليا وإندونيسيا لقائمة المستفيدين المحتملين من تسليح المعادن والطاقة في سياق الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر. فمع سعي الغرب لتقليل اعتماده على الصين في المواد الخام، تحولت أستراليا إلى مورد رئيسي لليثيوم والمعادن النادرة. ويوم الثلاثاء الماضي وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي اتفاقاً يهدف إلى تعزيز وصول الولايات المتحدة إلى المعادن الحيوية، كبديل لشحنات المعادن النادرة التي تقيدها الصين.
أما إندونيسيا فتمتلك أكبر احتياطي من النيكل في العالم وتُنتج أكثر من 45% من الإمدادات العالمية، وهو معدن أساسي في بطاريات السيارات الكهربائية وصناعات الطاقة النظيفة ويمكن استخدامه بسهولة كسلاح تجاري. وفي عام 2020، فرضت الحكومة الإندونيسية حظراً على تصدير خام النيكل لإجبار الشركات الأجنبية على الاستثمار في المصانع المحلية ومعالجة الخام داخل البلاد، ما منحها قوة تفاوضية كبيرة في السوق العالمية.
اقرأ المزيد: شركات المعادن النادرة تنتعش في سيدني بعد اتفاق أستراليا وترمب
كيف يؤثر تسليح السلع على الأسواق؟
يترك تسليح السلع الأساسية أثراً مباشراً على الأسواق العالمية من خلال خلق حالة من عدم اليقين وتقلبات حادة في الأسعار. فعندما تستخدم الدول المصدرة مواردها كورقة ضغط سياسي -كما حدث مع روسيا في الغاز أو الصين في المعادن- تتراجع الإمدادات بشكل مفاجئ، ما يؤدي إلى ارتفاعات قياسية في أسعار الطاقة والمعادن والغذاء.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي (IMF)، فإن هذه الصدمات تزيد التضخم العالمي وتعرقل النمو، خصوصاً في الدول المستوردة التي تعتمد على واردات الطاقة والقمح والمعادن الحيوية.
كما يدفع تسليح السلع المستثمرين نحو الملاذات الآمنة مثل الذهب والسندات الأميركية، ما يؤدي إلى تحولات في السيولة العالمية. ورصدت بلومبرغ كيف شهدت الأسواق العالمية في عام 2025 موجة إقبال واسعة على الذهب والفضة مع تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث ارتفع المعدن الأبيض بنحو 83% منذ بداية العام وحتى منتصف أكتوبر الجاري، فيما صعد المعدن الأصفر بحوالي 60% في الفترة ذاتها. كما ارتفعت عوائد سندات الخزانة نتيجة لتدفقات رؤوس الأموال الباحثة عن الأمان. وفي المقابل، تتراجع أسواق الأسهم والصناعات المعتمدة على المواد الخام، مثل السيارات والإلكترونيات، تحت وطأة ارتفاع التكاليف ومخاوف الركود.
وحذرت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) من أن الطلب على المعادن الحرجة مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت قد يتضاعف أربع مرات بحلول 2040، في وقت يتركز إنتاجها في عدد محدود من الدول. ومع تزايد المخاوف من تفكك سلاسل التوريد، يحذر صندوق النقد الدولي من أن الاعتماد المفرط على مصادر محدودة للسلع قد يتحول إلى خطر على الأمن القومي والغذائي معاً.
فيما تشير منظمة الأمم المتحدة إلى أن استخدام الغذاء والطاقة كسلاح في النزاعات الحديثة أصبح من أبرز ملامح "العصر الجيو اقتصادي"، حيث تتحول الموارد الطبيعية إلى أدوات نفوذ ومساومة.
سلع قابلة للتسليح في العالم العربي
يشكل موقع الدول العربية في خريطة "السلاح التجاري" عنصراً أساسياً في توازنات الاقتصاد العالمي، حيث تمتلك هذه الدول مجموعة من الموارد الاستراتيجية التي تمنحها أوزاناً متفاوتة في أسواق الطاقة والمعادن والسلع الزراعية.
فعلى سبيل المثال، لا تزال المملكة العربية السعودية صاحبة الكلمة العليا في سوق النفط بفضل طاقتها الاحتياطية الفريدة التي تجعلها المنتج الأكبر ويمنحها القدرة على التأثير بشكل مباشر على السوق العالمية، مثلما حدث خلال حرب 1973 بين مصر وإسرائيل، حينما أدى وقف إمدادات المملكة الطوعي إلى تأثير هائل على السوق العالمية ولعب دوراً في تغيير مسار الحرب لصالح مصر.
وفيما يخص المعادن النادرة، ورغم غياب أي دولة عن قوائم الاحتياطيات المؤكدة دولياً، فإن المؤشرات الاستكشافية تكشف عن موارد واعدة. السعودية رفعت تقديرات ثرواتها المعدنية غير المستغلة إلى نحو 2.5 تريليون دولار تشمل المعادن الحرجة.
كما يبرز المغرب كأحد أبرز الرابحين بفضل سيطرته على أكبر احتياطيات الفوسفات في العالم بنسب تناهز 70%، ما يمنحه نفوذاً في أمن الغذاء العالمي نظراً لكون الفوسفات مكوناً محورياً في الأسمدة، بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.
اقرأ المزيد: 900 مليون دولار أرباح المغرب من الفوسفات بالنصف الأول 2025
أما قطر فتعزز موقعها كمورد رئيسي للغاز الطبيعي المُسال مع توسعة حقل الشمال، لترفع طاقتها التصديرية إلى نحو 142 مليون طن سنوياً بحلول 2030 من 77 مليون طن حالياً، بحسب "بلومبرغ".
وإلى جانب ذلك، تمتلك البحرين ثقلاً صناعياً في الألمنيوم عبر مجمع "ألبا"، فيما يملك الأردن موقعاً مهماً في سوق الفوسفات، بحسب شركة مناجم الفوسفات الأردنية (JPMC).
وفي حين تملك الجزائر ورقة ضغط عبر أنابيب الغاز إلى أوروبا، فإن تنويع الاتحاد الأوروبي المتزايد لمصادر إمداداته قلّص نفوذها.
أما السودان، فيملك ما يصل إلى 80% من إمدادات الصمغ العربي عالمياً، لكن الحرب الأهلية حوّلت هذا المورد من أداة قوة إلى مصدر هشاشة بتعطيل الإنتاج والتصدير، بحسب رويترز.
إلى جانب ذلك، تملك دول عربية موارد استراتيجية إضافية تعزز مكانتها في سلاسل الإمداد العالمية، مثل اليورانيوم في الأردن والجزائر، والذي يُعدّ أساسياً في برامج الطاقة النووية، والحديد في الجزائر، والذهب في مصر والسودان. كما يُشكل النحاس والليثيوم موارد واعدة في المغرب وسلطنة عُمان في ظل التحول نحو الطاقة النظيفة.
سلع مستقبلية يمكن أن تدخل سباق التسليح
يتجه مستقبل "السلاح التجاري" إلى إعادة توزيع أوراق النفوذ من قبضة النفط والغاز والسلع التقليدية إلى شبكة أوسع تضم سلعاً جديدة مثل الرقائق، وأرصدة الكربون والبيانات وحتى المياه، كالآتي:
الرقائق
الرقائق الإلكترونية باتت سلعة صناعية استراتيجية توازي النفط في تأثيرها على الاقتصاد العالمي، إذ تدخل في الصناعات الحيوية من السيارات الكهربائية إلى الذكاء الاصطناعي. وتتركز السيطرة على سلاسل إنتاجها في أيدٍ قليلة: فالولايات المتحدة تُهيمن عبر شركات مثل "إنتل" (Intel) و"إنفيديا" (NVIDIA) و"كوالكوم" (Qualcomm) و"إيه إم دي" (AMD)، كما تتحكم في البرمجيات وأدوات التصميم (EDA) التي تُعدّ العمود الفقري لتطوير الرقائق.
أما على صعيد التصنيع، استحوذت شركة "تي إس إم سي" (TSMC) التايوانية وحدها على نحو 70.2% من سوق تصنيع الرقائق في الربع الثاني من العام الجاري، وفق تقديرات "تريند فورس" (TrendForce).
هذه الهيمنة تجعل الصين في موقع هش، إذ تعتمد بشكل كبير على استيراد الرقائق المتقدمة لتغذية صناعاتها الإلكترونية والذكاء الاصطناعي.
اقرأ المزيد: FT: الصين تأمر الشركات بالتوقف عن شراء رقائق الذكاء الاصطناعي من "إنفيديا"
لذلك، فإن القيود الأميركية على تصدير الشرائح المتقدمة ومعدات تصنيعها تشكّل خنقاً استراتيجياً لبكين. ولهذا السبب تستثمر الصين مئات المليارات في برامج محلية لتطوير صناعة أشباه الموصلات، لكنها لا تزال بعيدة عن القدرة على منافسة التفوق الأميركي–التايواني في المدى القريب.
البيانات والذكاء الاصطناعي
بحسب تقرير "لازارد" حول جيوسياسة الذكاء الاصطناعي، تتحول البيانات والذكاء الاصطناعي إلى أدوات قوة قابلة للتسليح، إذ تستخدمها الدول عبر سياسات "السيادة الرقمية" لاحتكار تدفقات البيانات ومنع المنافسين من الوصول إليها، كما تحتكر البنى التحتية للحوسبة الفائقة لتقييد تطوير النماذج المنافسة.
قد يهمك أيضاً: الذكاء الاصطناعي يدفع عمالقة التقنية الصينية نحو سوق السندات
ويُوظف الذكاء الاصطناعي أيضاً في التضليل الإعلامي، والمراقبة، والاستهداف العسكري، ما يجعله مورداً استراتيجياً يُعامل كأداة ضغط جيوسياسي شبيهة بالنفط أو المعادن الحرجة.
البطاريات
أصبحت البطاريات ومكوّناتها أحدث سلاح في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بعدما فرضت بكين قيوداً تصديرية جديدة تشمل بطاريات الليثيوم-أيون واسعة النطاق، ومواد الكاثود والأنود، وآلات تصنيع البطاريات. وتُلزم القواعد الجديدة، التي تدخل حيّز التنفيذ في 8 نوفمبر، الشركات بالحصول على تصاريح حكومية قبل تصدير هذه المنتجات، في خطوة تهدف إلى حماية الابتكار المحلي وتعقيد جهود بناء سلاسل إمداد بديلة خارج الصين.
تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على هذه المكونات، إذ شكلت البطاريات الصينية نحو 65% من وارداتها لشبكات الكهرباء في الأشهر السبعة الأولى من 2025، وفق "بلومبرغ إن إي إف". وتُعدّ البطاريات عنصراً أساسياً لدعم مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وسط توقعات بتضاعف استهلاكها للكهرباء بحلول 2028، ما يزيد من الضغط على سلاسل الإمداد الأميركية.
اقرأ المزيد: الصين تشهر سلاحاً جديداً بالحرب التجارية مع أميركا.. البطاريات
في المقابل، قد تتضرر الشركات الصينية أيضاً، نظراً لاعتمادها المتزايد على الأسواق الخارجية لتصريف الفائض الإنتاجي. وتراجعت أسهم كبرى شركات البطاريات الصينية عقب إعلان القيود، في وقت حذّر فيه محللون من صعوبة تعويض هذه المكونات من مصادر بديلة خارج الصين.
المياه
لم تعد المياه العذبة مجرد مورد طبيعي أو خدمة عامة، بل بدأت تكتسب موقعاً جديداً كسلعة استراتيجية مع تصاعد أزمات الجفاف وتزايد الطلب الصناعي والزراعي.
في عام 2020 أطلقت بورصة شيكاغو التجارية عقوداً آجلة مرتبطة بالماء، لتصبح المياه لأول مرة قابلة للتداول على غرار النفط أو القمح، هذا التطور يعكس تحول المياه إلى ورقة ضغط محتملة في العلاقات الدولية، خصوصاً في المناطق الشحيحة مثل الشرق الأوسط وأفريقيا.
ويبرز الصراع بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة كأحد أبرز الأمثلة على تحول المياه إلى أداة نفوذ جيوسياسي واقتصادي. فبينما ترى أديس أبابا في السد مشروعاً تنموياً يهدف إلى توليد الطاقة وتحقيق الاكتفاء الكهربائي، تعتبره القاهرة تهديداً مباشراً لأمنها المائي الذي يعتمد بنسبة تفوق 95% على نهر النيل.
ومع استمرار غياب اتفاق مُلزم بشأن قواعد الملء والتشغيل، تتحول أزمة السد إلى نموذج حي لكيف يمكن للمياه أن تتحول من مصدر للتنمية إلى سلاح تفاوضي يؤثر في الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي.
ماذا تعرف عن سد النهضة الإثيوبي؟... التفاصيل الكاملة هنا
أرصدة الكربون
في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، قد يتحول الكربون إلى سلاح تجاري جديد في معادلات النفوذ. فقد أشار تقرير لـ"ستاندرد آند بورز غلوبال" نقلاً عن "جين زيرو" (GenZero)، هي منصة استثمارية مملوكة للدولة في سنغافورة- إلى أنه في سيناريو "الاستقلال المناخي"، قد تبدأ الدول في تسليع أصول الكربون واعتبارها أداة وطنية تُستخدم للمصلحة الاقتصادية، بحيث تُبرم التبادلات الثنائية فقط مع الشركاء المتوافقين في المعايير.
اقرأ أيضاً: افتتاح أول بورصة لأرصدة الكربون في اليابان
هذا يعني أن الدول المالكة لأسواق كربون ضخمة أو احتياطيات طبيعية قادرة على امتصاص الانبعاثات ستتمتع بورقة ضغط إضافية، إذ يمكنها تقييد الوصول إلى الائتمانات الكربونية أو رفع أسعارها بما يؤثر مباشرة على تنافسية الصناعات في الدول المستوردة.
وتزداد حساسية هذا الملف مع اختلاف المعايير المناخية التي تُحتسب على أساسها أرصدة الكربون، إذ تمنح الدول المالكة لتقنيات القياس والتحقق اليد العليا في تحديد ما يُعترف به كرصيد صالح للتداول. هذا التفاوت يفتح الباب أمام استخدام تلك المعايير كأداة ضغط اقتصادية، حيث يمكن للدول المتقدمة أن تفرض شروطها المناخية على الأسواق الناشئة، أو تحد من وصولها إلى أسواق الكربون العالمية، فيتحول "الالتزام البيئي" تدريجياً إلى ورقة تفاوضية لا تقل تأثيراً عن الرسوم الجمركية أو العقوبات التجارية.





