
بلومبرغ
قفزت الأسعار في طوكيو بأعلى وتيرة لها خلال عامين نتيجة ارتفاع تكاليف الغذاء، في تطور يُبقي بنك اليابان على مسار رفع جديد لأسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة.
ارتفعت أسعار المستهلكين باستثناء الأغذية الطازجة في العاصمة بنسبة 3.6% في مايو مقارنة بالعام السابق، متسارعة من 3.4% في أبريل، بحسب ما أعلنت وزارة الشؤون الداخلية الجمعة.
وتجاوزت هذه الزيادة متوسط توقعات الاقتصاديين البالغ 3.5%، وكانت الأكبر منذ يناير 2023. أما معدل التضخم العام فبلغ 3.4%، متطابقاً مع مستويات أبريل المعدّلة.
تأثرت القراءات جزئياً بعوامل مرتبطة بالسياسات، مثل انقضاء أثر تخفيض الرسوم المدرسية العام الماضي. ورغم أن أرقام مؤشر أسعار المستهلك في طوكيو تُعد مؤشراً مبكراً لاتجاهات التضخم الوطنية، فإن الدعم المدرسي الثانوي تم تطبيقه فقط في العاصمة.
استقرار أسعار الأرز
أسعار الأغذية باستثناء المنتجات الطازجة كانت من أبرز العوامل المحركة في بيانات مايو، حيث تسارع ارتفاعها إلى 6.9% من 6.4% في الشهر السابق. أما أسعار الأرز فظلت مستقرة تقريباً عند 93.7%.
وقال يوشيماسا ماروياما، كبير الاقتصاديين في السوق لدى "إس إم بي سي نيكو سيكيوريتيز": "الزيادات في أسعار المواد الغذائية أدت إلى تراجع الأجور الحقيقية، وهو أمر سلبي للاقتصاد. ومن منظور السياسة النقدية، من المرجح أن يرى بنك اليابان أن المسار التضخمي أقوى من مجرد كونه على المسار الصحيح".
وبالنظر إلى الاتجاهات الأخيرة، من المرجح أن تُبقي بيانات الأسعار بنك اليابان على مسار رفع آخر للفائدة خلال الأشهر المقبلة. وأظهرت أرقام الأسبوع الماضي أن التضخم الوطني ظل عند أو فوق هدف البنك البالغ 2% لمدة ثلاث سنوات متتالية، وقال المحافظ كازو أويدا هذا الأسبوع إن البنك بات أقرب إلى تحقيق هدفه مما كان عليه في أي وقت خلال العقود الثلاثة الماضية.
وقال تارو كيمورا الاقتصادي في "بلومبرغ إيكونوميكس": "الارتفاع المفاجئ في مؤشر أسعار المستهلك الأساسي في طوكيو خلال مايو سيعزز ثقة بنك اليابان في أن هدفه السعري البالغ 2% بات راسخاً. وتنسجم هذه البيانات القوية مع توقعاتنا بأن البنك سيُقدم على رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في يوليو".
الآثار الثانوية المحتملة
في أحدث تقرير له، حذّر بنك اليابان من احتمال انتقال تأثيرات ارتفاع أسعار الغذاء إلى التضخم الأساسي، وقال: "في ما يتعلق بالارتفاع الأخير في أسعار المواد الغذائية، مثل الأرز، حتى وإن كانت هذه الزيادات ناتجة بشكل أساسي عن الظروف الجوية، إلا أن هناك احتمالاً بأن تؤدي إلى آثار ثانوية على التضخم من خلال تغيّر في معنويات الأسر وتوقعاتها التضخمية".
من المقرر أن يعقد البنك اجتماعه المقبل في ختام جلستين يوم 17 يونيو، حيث يُتوقع على نطاق واسع أن يُبقي على أسعار الفائدة من دون تغيير، بينما يصدر إرشادات محدّثة بشأن خطط تقليص مشترياته من السندات الحكومية. وتتوقع السوق أن يستمر البنك في مسار التشديد الكمي التدريجي لما بعد أبريل 2026.
يشكّل ارتفاع أسعار الغذاء مؤشراً مقلقاً لرئيس الوزراء شغيرو إيشيبا قبيل انتخابات الصيف المتوقعة بحلول يوليو. فقد أدت الزيادات المستمرة في تكاليف المعيشة إلى تأجيج السخط الشعبي، ما أدى إلى تراجع نسبة التأييد لإيشيبا إلى أدنى مستوى منذ توليه المنصب في أكتوبر. واعتبر معظم المشاركين في استطلاعات الرأي أن القضايا الاقتصادية تمثل مصدر قلقهم الأول.
وتعهد وزير الزراعة الجديد شينجيرو كويزومي بخفض سعر الأرز - السلعة الغذائية الأساسية - إلى نحو 2000 ين لكل 5 كيلوغرامات. ولتحقيق ذلك، تعمل الحكومة على ضخ 300 ألف طن من الأرز المخزَّن في السوق، بسعر جملة ثابت يبلغ حوالي 10 آلاف ين لكل 60 كيلوغراماً. وتفاعل المشاركون في السوق بشكل إيجابي مع الخطوات الأولية في هذا الاتجاه.
حزمة تحفيز وعودة دعم الطاقة
كشفت الحكومة هذا الأسبوع عن حزمة تحفيز بقيمة 900 مليار ين، سيتم تمويلها من خلال مخصصات الميزانية الحالية وصناديق الاحتياطي. وتتضمن الحزمة إعادة العمل بدعم فواتير الكهرباء من يوليو حتى سبتمبر. وساهم تباطؤ نمو أسعار الكهرباء - من 13.1% إلى 10.8% - في تخفيف مؤشر أسعار المستهلك في مايو، فيما ارتفعت أسعار الخدمات بنسبة 2.2%.
تتماشى هذه البيانات مع تقييم البنك المركزي في أحدث تقرير له بأن الاقتصاد يتعافى بوتيرة معتدلة رغم بعض مواطن الضعف.
وتظل السياسة التجارية الأميركية أحد أبرز المخاطر التي تكتنف آفاق الاقتصاد، حيث أجرى إيشيبا اتصالاً هاتفياً بالرئيس الأميركي دونالد ترمب للمرة الثانية خلال أسبوع يوم الخميس، وسعى للحصول على إعفاءات من الرسوم الجمركية.
وتواجه اليابان حالياً رسوماً جمركية بنسبة 25% على السيارات والصلب والألمنيوم، بالإضافة إلى ضريبة بنسبة 10% على باقي السلع، يُفترض أن ترتفع إلى 24% في أوائل يوليو ما لم يتم التوصل إلى اتفاق تجاري.
ومن المتوقع أن يلتقي كبير المفاوضين التجاريين اليابانيين ريوسِيه أكازاوا مع نظرائه الأميركيين في واشنطن في وقت لاحق من يوم الجمعة.
وقال ماروياما إن المخاوف بشأن الرسوم قد تُثني بنك اليابان عن رفع الفائدة قريباً، مضيفاً: "مجرد أن التضخم يسير في الاتجاه الصحيح لا يعني تلقائياً أن البنك يستطيع رفع الفائدة. لا بد من تقييم آثار الرسوم الجمركية". وتابع: "التضخم شرط ضروري، لكنه لا يكفي وحده لتحديد توقيت القرار".
إشارات مبكرة للقلق
بدأت تظهر مؤشرات مبكرة على القلق لدى قطاع الأعمال، فقد تراجع الإنتاج الصناعي في اليابان بنسبة 0.9% في أبريل مقارنة بالشهر السابق، بحسب وزارة الصناعة، بينما كان الاقتصاديون يتوقعون انخفاضاً بنسبة 1.4%. ويتوقع المصنعون زيادة في الإنتاج بنسبة 9% هذا الشهر.
في بيانات أخرى نُشرت الجمعة، استقر معدل البطالة عند 2.5% في أبريل، من دون تغيير عن الشهر السابق، بحسب وزارة الشؤون الداخلية. كما استقر معدل توافر الوظائف عند 1.26 نقطة، ما يعني وجود 126 فرصة عمل لكل 100 باحث عن عمل، وفقاً لبيانات منفصلة من وزارة العمل.
ومن المتوقع أن يؤدي استمرار ضيق سوق العمل إلى إبقاء الضغوط التصاعدية على الأجور، مع تنافس الشركات على جذب الموظفين والاحتفاظ بهم. وقد يُسهم ذلك في دعم دورة حميدة من نمو الأجور والأسعار، وهو هدف مشترك لكل من الحكومة وبنك اليابان في إطار استراتيجياتهما الاقتصادية.
وتستمر هشاشة معنويات الأسر في ظل التضخم والضبابية الاقتصادية. وأظهر تقرير منفصل من وزارة الصناعة أن مبيعات التجزئة ارتفعت بنسبة 0.5% في أبريل مقارنة بالشهر السابق.