
الشرق
تواجه بورصة النيل في مصر تحديات جمة، تعرقل تحقيق الهدف من تأسيسها وهو دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة ومساعدتها للحصول على التمويل اللازم للنمو والانتقال في نهاية المطاف إلى السوق الرئيسية، إذ باتت ساحة لمخالفات بعض الشركات المقيدة بها، كما اضطرت الجهات التنظيمية لشطب قيد عدد من أعضائها، مما يثير تساؤلات حول أسباب ذلك التعثر وما إذا كانت سبل الإصلاح متوفرة.
شهدت السوق، التي تُعرف حالياً باسم "سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة"، اتهامات لعدد من شركاتها بالتلاعب في الأسهم وتضليل المستثمرين، حيث تلقت الجهات الرقابية عشرات الشكاوى في هذا الصدد، مما أدى لأن تقرر إدارة البورصة الشطب الإجباري لحوالي 3 شركات في 2024 وشركة في العام السابق عليه.
في المقابل تسعى البورصة المصرية مجدداً لوضع خطة لتطوير بورصة النيل، وإلزام الشركات المدرجة فيها بتوفيق أوضاعها والانتقال للسوق الرئيسية، في محاولة لإحياء نشاط هذه السوق الهامة، على الرغم من أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها وضع استراتيجيات وخطط لتطوير تلك السوق وهو ما لم يؤت ثماره حتى الآن.
بورصة النيل تأسست في عام 2007، وبدأ التداول الفعلي فيها عام 2010، فيما يبلغ عدد الشركات المقيدة في السوق 23 شركة موزعة بين 12 قطاعاً مختلفاً تشمل: الموارد الأساسية، ومواد البناء، والرعاية الصحية والأدوية، والسياحة والترفيه، والمقاولات والإنشاءات الهندسية، والعقارات، والأغذية والمشروبات، والاتصالات والإعلام والتكنولوجيا، والتجارة والتوزيع، وخدمات الشحن والنقل، والخدمات المالية غير المصرفية، والخدمات والمنتجات الصناعية، والسيارات.
خطة جديدة لتطوير بورصة النيل
رئيس البورصة المصرية، أحمد الشيخ، قال لـ"الشرق" إنه تم إعداد خطة عمل متكاملة لتطوير سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة، بالتنسيق مع الهيئة العامة للرقابة المالية.
أوضح الشيخ أن الدافع الرئيسي لوضع تلك الخطة هو وجود عدد من الشركات التي مضى على قيد أسهمها فترات طويلة دون انتقالها للمقصورة الرئيسية، وبالتالي لم تتحقق الفلسفة الأساسية التي قامت عليها سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة كمنصة للحصول على التمويل اللازم بهدف تحقيق نمو مستدام، ومن ثم الانتقال إلى السوق الرئيسية.
منذ تدشين "بورصة النيل" وحتى نهاية عام 2024، نجحت 8 شركات فقط بالانتقال إلى السوق الرئيسية للبورصة المصرية، وهي "سبيد ميديكال"، و"مرسيليا المصرية الخليجية للاستثمار العقاري"، و"المصرية لنظم التعليم الحديثة"، و"المشروعات الصناعية والهندسية"، و"إم بي للهندسة والمقاولات"، و"ديجيتايز للاستثمار والتقنية"، و"لوتس للتنمية والاستثمار الزراعي"، بالإضافة إلى "الدولية للأسمدة والكيماويات". شهد عام 2024 أكثر عمليات الانتقال بواقع 4 شركات، وفقاً لبيانات بورصة مصر.
على الرغم من أن "بورصة النيل" جزء من البورصة المصرية، إلا أن لكل منهما قواعد وشروط إدراج مختلفة. فالأولى سوق فرعية تهدف لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة لتسهيل انتقالها مستقبلاً إلى السوق الرئيسية في حال استوفت الشروط. أما السوق الرئيسية فتعتبر وجهة للشركات الكبيرة التي تهدف إلى جمع رؤوس أموال ضخمة من خلال طرح أسهمها للاكتتاب العام.
وأضاف الشيخ أن المستهدف خلال الفترة المقبلة هو إلزام الكيانات المقيدة بسوق الشركات الصغيرة والمتوسطة منذ ثلاث سنوات أو أكثر بتقديم خطة مستقبلية معتمدة من مجلس الإدارة، لتوفيق أوضاع قيدها خلال مدة محددة، واستيفاء شروط الانتقال للسوق الرئيسية.
مؤشر "تميز"
من ضمن محاولات التطوير، أطلقت البورصة في عام 2021 مؤشر "تميز" في سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة، كمؤشر مرجعي لقياس أداء الشركات الأكثر التزاماً بالجودة والشفافية، وهو ما ساهم في نقل 3 شركات إلى السوق الرئيسية بعد رفع رؤوس أموالها وتوفيق أوضاعها.
وعلى الرغم من أن الشركات التي تطلب القيد في تلك السوق تضع خططاً مستقبلية طموحة واستراتيجية لزيادة رؤوس أموالها، إلا أن أغلبها لم تحرك ساكناً منذ إدراجها وحتى الآن. ليس هذا فحسب، بل إن المخالفات في هذه السوق تزداد.
ستعمل إدارة البورصة قريباً على ترتيب عدد من الاجتماعات مع الشركات المقيدة بسوق الشركات الصغيرة والمتوسطة لمناقشة مقترحات توفيق أوضاع قيدها، مع وضع خطط زمنية للتنفيذ والمتابعة، بحسب الشيخ.
وقال رئيس البورصة إن ضمن مقترحات توفيق الأوضاع، يأتي حث الشركات على النظر في زيادة رؤوس أموالها لتعزيز الأداء، فضلاً عن تشجيعها على تعظيم الإيرادات.
الرقابة المالية ترصد المخالفات
رصدت الرقابة المالية في مصر مخالفات هيكلية ومالية بعدة شركات بـ"بورصة النيل"، شملت التوقف عن النشاط، وتضليل المساهمين، وسوء استخدام زيادات رؤوس الأموال، وأزمات تشغيلية حادة.
من أبرز الحالات التي تم رصدها؛ "المصرية الكويتية للاستثمار" التي أوقفت نشاطها كلياً، و"المؤشر للبرمجيات" التي استخدمت زيادة رأس المال لسداد ديون رئيسها، و"فتنس برايم" التي فقدت امتياز "وورلد جيم". كما تم التحفظ على وضع شركات مثل "فرتيكا" و"الصخور العربية" لعدم توافر مقومات النشاط الأساسية. وتواجه شركات أخرى مثل "البدر للاستثمار" و"الاتحاد الصيدلي" مشاكل سيولة وتشغيل تدفع لإعادة الهيكلة الشاملة.
تلقت الهيئة العامة للرقابة المالية نحو 35 مذكرة تخص مخالفات قامت بها شركات مدرجة في "بورصة النيل" خلال السنوات الثلاث الماضية، تتصدرها عمليات التلاعب على الأسهم، بحسب ما كشفه مسؤول في الهيئة لـ"الشرق".
محاور التطوير
ذكر الشيخ لـ"الشرق" أن الخطة المقترحة الجاري دراستها تتضمن محاور أخرى، من بينها إجراء تطوير شامل لقواعد القيد، وتعديل الحد الأدنى لرأسمال الشركات المقيدة إلى 25 مليون جنيه. إضافةً إلى إلزام الشركات بتحقيق خطط النمو والانتقال للسوق الرئيسية خلال المدة الزمنية المحددة، وفي حال لم تحقق ذلك يستمر احتفاظ المساهمين الرئيسيين بالنسب الواجب عدم التصرف فيها. ومن ضمن المقترحات أيضاً، إلزام الشركات بالانتقال للسوق الرئيسية عند بلوغ رأسمالها 100 مليون جنيه.
أما بخصوص الكيانات حديثة القيد، فستتولى إدارة البورصة متابعة مراحل تنفيذ خطة الطرح في نهاية كل عام، ورصد مدى الانحرافات في النتائج الفعلية مقارنةً بالتوقعات، ومناقشة أسبابها مع الشركات، وفق رئيس بورصة مصر.
"بالنسبة للشركات الراغبة للقيد بهذا السوق، فسيتعين عليها إعداد عرض تقديمي يتضمن كل تفاصيلها وخططها لخمس سنوات قادمة معتمدةً من مجلس الإدارة، بما في ذلك المتطلبات التمويلية، ومصادر توليد الإيرادات، والأرباح المتوقعة، وسياسة توزيعها".
تُعد بورصة النيل أول سوق مؤسسة لتمويل الشركات المتوسطة والصغيرة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ورغم أهمية الشركات الصغيرة والمتوسطة للاقتصاد القومي، إلا أن مساهمتها في النمو الاقتصادي تعتبر محدودة بسبب ما تواجهه من معوقات في جانب التمويل.
مبادرة البنك الأوروبي
تلقت بورصة النيل دعماً في أغسطس 2021، حين انطلقت مبادرة "البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية" لتطوير السوق، واكتملت بحلول مايو 2022. تضمنت المبادرة التعاقد مع رعاة معتمدين ومراكز أبحاث متخصصة، إلى جانب عقد ورش تدريبية لتحسين نظم الحوكمة والإفصاح والتسويق الاستثماري. وتحمّل البنك آنذاك نحو 75% من تكلفة الخطة التي بلغت في المتوسط 135 ألف جنيه للشركة الواحدة.
داليا السواح، عضو مجلس إدارة البورصة المصرية ممثلة عن سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة، قالت إن 17 شركة من أصل 23 مقيدة استفادت من مبادرة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وقد دعمت المبادرة خطط إعادة الهيكلة والتحول المؤسسي في شركات سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
تشديد الرقابة
إيهاب رشاد، نائب رئيس مجلس إدارة شركة "مباشر هولدينغ"، أوضح أن كثرة التلاعبات بسوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة تسببت في الإساءة لسمعة السوق، مما يجعل وضع رادع قوي لتلك التلاعبات ضرورة ملحة، مقترحاً تغليظ الغرامات لمنع حدوث التجاوزات في هذه السوق.
وأضاف رشاد في حديث لـ"الشرق": "لا بد من التأكد من دراسات الجدوى المقدمة من الشركات التي تنوي القيد لتجنب وقوعها في فخ تأجيل الخطط المستقبلية".
ورغم أن عدد الشركات المقيدة في بورصة النيل يتجاوز 23 شركة، إلا أن عمليات التداول اليومية في البورصة المصرية تشهد تعاملات على نحو 10 أسهم فقط بنسبة لا تتخطى 40% من إجمالي أسهم السوق.
مطالب الفصل
ياسر عمارة، رئيس مجلس إدارة شركة "إيجل للاستشارات المالية" وأحد رعاة القيد بسوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة، قال إن "بورصة النيل" تحتاج إلى إعادة تنظيم إداري بعدما باتت تلاقي عزوفاً من المستثمرين عن الاكتتابات في طروحات هذه السوق، خشية ألا تنفذ الشركات خططها المعلنة، مقترحاً أن تعمل البورصة ككيان مستقل بشكل منفصل عن السوق الرئيسية.
وأوضح عمارة: "السوق ميتة إكلينيكياً إن لم يتم إنعاشها بخطط إنقاذ، هناك طلبات من شركات صغيرة ومتوسطة جادة للتواجد في هذه السوق".
بدوره يرى هيثم القباني، رئيس مجلس إدارة "بيتا كابيتال"- راعية القيد- أن سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة تواجه تحديات جوهرية، أبرزها ضعف تطبيق معايير الحوكمة وغياب ثقة المستثمرين، ما أدى لهيمنة المضاربات على التداولات.
ودعا القباني إلى فصل السوق عن البورصة الرئيسية، وتأسيس كيان مستقل تحت مظلتها ليكون منصة متخصصة لتداول أسهم الشركات الصغيرة، مع تقديم حوافز تشجيعية للقيد، على رأسها الإعفاءات الضريبية.