هل ينقل "طريق التنمية" العراق إلى قلب التجارة العالمية؟

المشروع شريان اقتصادي عابر للقارات ويشمل إنشاء طرق وسكك حديدية بطول يتجاوز 1160 كيلومتراً

time reading iconدقائق القراءة - 10
أشخاص يسيرون في ساحة التحرير في بغداد، العراق. 14 مايو 2023. - المصدر: بلومبرغ
أشخاص يسيرون في ساحة التحرير في بغداد، العراق. 14 مايو 2023. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

الشرق

من ميناء الفاو جنوباً إلى الحدود التركية شمالاً، يمتد مشروع يأمل العراقيون أن يكون بداية لمرحلة جديدة من التعافي والنهوض. "طريق التنمية" ليس مجرد مسار من الطرق والسكك الحديدية، بل هو تصور اقتصادي واسع يسعى لوضع العراق في قلب حركة التجارة العالمية، وتحويله من اقتصاد ريعي هش إلى مركز عبور حيوي يربط الشرق بالغرب.

ومع انطلاق الخطوات الأولى للمشروع، تتعلق أنظار الداخل والخارج بما يمكن أن يحققه من تحولات استراتيجية. وبين الوعود الكبيرة والتحديات التي تلوح في الأفق، يبقى السؤال معلقاً: هل ينجح طريق التنمية في نقل العراق من خانة الأزمات إلى خريطة الفرص؟

ما هو مشروع طريق التنمية؟

يُجسد مشروع "طريق التنمية" الرؤية العراقية الطموحة لإعادة تموضع البلاد على خريطة التجارة العالمية، عبر ممر اقتصادي ضخم يمتد من مياه الخليج إلى أبواب أوروبا.

يُوصف المشروع من قبل الحكومة العراقية بأنه "شريان اقتصادي عابر للقارات"، ويشمل إنشاء شبكة من الطرق السريعة والسكك الحديدية بطول يتجاوز 1160 كيلومتراً، تبدأ من ميناء الفاو الكبير وصولاً إلى معبر فيشخابور على الحدود مع تركيا، مروراً بـ12 مدينة رئيسية تخدم أكثر من 27 مليون مواطن.

انبثقت فكرة المشروع في إطار التخطيط الحكومي تحت اسم "القناة الجافة"، قبل أن يُعاد تسميته رسمياً إلى "طريق التنمية" في مارس 2023 خلال لقاء جمع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

المشروع يتضمن طريقاً برياً وسككاً حديدية تقلص زمن الشحن من 33 إلى 15 يوماً، بكلفة تقدر بـ17 مليار دولار، منها 10.5 مليار مخصصة للسكك الحديدية و6.5 مليار للطرق البرية. ويتوقع أن يدر 4 مليارات سنوياً.

كيف يعيد المشروع للعراق دوره في الربط بين آسيا وأوروبا؟

يتكامل "طريق التنمية" مع مشاريع داعمة مثل تطوير ميناء الفاو وتحويله إلى مركز شحن إقليمي، وإنشاء محطات لوجستية ومناطق صناعية واستثمارية على امتداد الطريق. وبهذا، لا يقتصر المشروع على الربط الجغرافي، بل يتحول إلى منصة اقتصادية متكاملة تعيد للعراق دوره كمفصل حيوي في الربط بين آسيا وأوروبا.

يمتد المشروع على ثلاث مراحل، الأولى تنتهي في عام 2028 وتسهم بتسهيل سفر 14 مليون مسافر سنوياً ونقل 1.4 مليون حاوية تصل حمولتها إلى 25 مليون طن. والثانية تنتهي عام 2038 وتسهم في نقل 7.5 مليون حاوية حمولتها 33 مليون طن. أما المرحلة الثالثة فتنتهي عام 2050، وحينها ستبدأ الحكومة العراقية بتطبيق رؤيتها الأوسع للمشروع بربط الطريق بدول البحر المتوسط وأوروبا لتكون طريقاً تجارية أساسية تربط القارتين.

كيف ينعكس المشروع على الاقتصاد العراقي؟

لا تقتصر رهانات بغداد على مشروع "طريق التنمية" كمسار للنقل والعبور، بل تنظر إليه كرافعة اقتصادية لإعادة تشكيل بنية الاقتصاد العراقي. فالممر الممتد من الجنوب إلى الحدود التركية، والذي يربط الخليج بأوروبا، يُعد فرصة حقيقية لتجاوز الاعتماد المفرط على النفط، وبناء اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة.

تعول الحكومة على أن يفتح المشروع آفاقاً جديدة أمام التجارة والاستثمار، ويُنشّط قطاعات النقل والتصنيع والخدمات، إلى جانب تعزيز البنية التحتية والاستقرار المالي.

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن المشروع قد يحقق عوائد سنوية تُقدر بـ4.85 مليار دولار، ويُوفر أكثر من 100 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة خلال مراحل التنفيذ والتشغيل.

وبفضل موقعه الجغرافي، يمكن أن يعيد العراق تموضعه كممر تجاري محوري في سلاسل التوريد العالمية. لذا، لا يُنظر إلى "طريق التنمية" كمشروع نقل فحسب، بل كبوابة اقتصادية قد تحرر العراق من قبضة الاقتصاد الريعي نحو منظومة أكثر مرونة واستدامة في مواجهة التقلبات العالمية.

هل يمتلك العراق بنية تحتية مؤهلة لتنفيذ "طريق التنمية"؟

رغم تدهور البنية التحتية في العراق بفعل الحروب و"الفساد"، وغياب الجاهزية الكاملة لشبكات الطرق والسكك الحديدية، بدأت الحكومة خطوات فعلية لتحسين الوضع، أبرزها إنجاز المقطع الأول من مشروع الطريق بطول 63 كلم بين ميناء الفاو والنفق المغمور، مع نسب إنجاز تجاوزت 90% في بعض الجسور.

كما أُحرز تقدم في تطوير ميناء الفاو وتصميم خطوط السكك، وسط رهان على تحسين الأوضاع بالتوازي مع تنفيذ المشروع.

ما أبرز التحديات التي تواجه طريق التنمية في العراق؟

رغم الآمال الكبيرة التي تعلقها بغداد على مشروع "طريق التنمية" كأداة استراتيجية لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الريع النفطي، إلا أن الطريق لا يخلو من تحديات معقدة.

في مقدمتها، الاعتماد الكبير على تمويل الدولة، حيث أُدرجت المرحلة الأولى ضمن موازنة 2024 بكلفة تُقدر بنحو 4 تريليونات دينار عراقي (أكثر من 3 مليارات دولار)، لكن دون وجود خطة تمويل شاملة، ما يجعل المشروع هشاً أمام تقلبات أسعار النفط التي تمثل 95% من الإيرادات.

الفساد والبيروقراطية لا يزالان عقبتين مزمنتين، رغم محاولات الحكومة تفعيل هيئة النزاهة. كما تعرضت الجدوى الاقتصادية للمشروع لانتقادات من خبراء، على رأسهم الباحث الاقتصادي زياد الهاشمي، الذي أشار إلى ضعف التنافسية وغياب الحصة السوقية، إلى جانب تكليف شركة غير متخصصة بإعداد دراسة الجدوى، ما يثير الشكوك حول دقة التقييم الفني.

البيئة السياسية الهشة تشكل تحدياً إضافياً، وسط معارضة داخل الإطار التنسيقي واتهامات باستغلال المشروع انتخابياً. كما يمثل ضعف المناخ الاستثماري وتراجع الثقة الدولية، عائقاً أمام جذب الشركاء. أما التنافس الجيوسياسي مع مبادرات كبرى مثل "الحزام والطريق" فيُضيف بُعداً إقليمياً يزيد من تعقيد المشهد.

إجمالاً، يبقى طريق التنمية مشروعاً طموحاً لكنه محاط بالشكوك، ونجاحه مرهون بقدرة العراق على تجاوز هذه التحديات بقدر عالٍ من الشفافية والإصلاح المؤسسي الجاد.

هل ينافس طريق التنمية ممرات التجارة العالمية الكبرى؟

مع إطلاق العراق لمشروع "طريق التنمية"، برزت تساؤلات حيوية حول موقعه من خارطة الممرات التجارية العالمية، وهل يمثل المشروع بديلاً تنافسياً فعلياً لقنوات ومبادرات قائمة مثل قناة السويس ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية، أو "الممر الاقتصادي الجديد" الذي أطلقته الولايات المتحدة؟ أم أنه إضافة مكملة لمشهد لوجستي إقليمي ودولي أكثر تشعباً؟

قناة السويس

رغم الطموح العراقي الكبير، إلا أن مقارنة "طريق التنمية" بقناة السويس تضع الأمور في إطار مختلف.

فبحسب الباحث في العلاقات الدولية أبوبكر الديب، لا يُعد المشروع العراقي منافساً مباشراً للقناة التي تمر عبرها نحو 12% من حركة التجارة العالمية، وتتميز بالأمان والكفاءة في نقل كميات ضخمة دون الحاجة للتفريغ والشحن المتكرر.

ومع ذلك، يرى اقتصاديون أن الطريق العراقي قد يُشكل نموذجاً تكاملياً مع القناة، عبر تقليص زمن النقل وتقديم مرونة لوجستية تعزز من كفاءة التجارة بين آسيا وأوروبا.

مبادرة الحزام والطريق

على مستوى أوسع، يطرح "طريق التنمية" نفسه كمسار بري جديد يربط الخليج بأوروبا عبر تركيا، ما يدفع للمقارنة مع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي أُطلقت عام 2013 بهدف بناء شبكة واسعة من الموانئ والطرق البرية والبحرية تربط الصين بالعالم.

ورغم عدم إدراج العراق رسمياً ضمن المبادرة، فإن موقعه الجغرافي يمنحه فرصة للاندماج عبر الموانئ والخطوط اللوجستية المشتركة، خصوصاً من خلال ميناء الفاو. كما أشار تحليل صادر عن مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط، الذي رأى في المشروع العراقي مساراً مكملاً إذا جرى دمجه استراتيجياً مع البنية التحتية الصينية.

الممر الاقتصادي الجديد

"الممر الاقتصادي الجديد" الذي أُعلن عنه في قمة مجموعة العشرين بنيودلهي عام 2023، يُعد مبادرة أميركية مدعومة من الهند والإمارات والسعودية ودول أوروبية، يهدف إلى ربط موانئ الهند بأوروبا عبر الخليج العربي والشرق الأوسط.

يختلف هذا الممر عن "طريق التنمية" من حيث هيكل التمويل، إذ يعتمد على استثمارات متعددة الجنسيات دون تمويل أميركي مباشر، ويُنظر إليه، وفق تحليل "المجلس الأطلسي"، كأداة سياسية لكبح التوسع الصيني المتزايد من خلال "الحزام والطريق" في الشرق الأوسط.

ورغم التباعد الجغرافي للمشاريع الثلاثة، إلا أن تقارب توقيت إطلاقها يعكس حالة من التنافس الجيوسياسي المتصاعد، في مشهد إقليمي يتجه لإعادة تشكيل خطوط التجارة لا على أسس اقتصادية فقط، بل وفق اعتبارات استراتيجية متشابكة.

مشاريع متوازية ومسارات متقاطعة

رغم تنوع المبادرات الإقليمية والدولية من طريق التنمية العراقي، إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، مروراً بالممر الاقتصادي الجديد، ووصولاً إلى قناة السويس، إلا أن هذه المشاريع لا تبدو متصادمة، بل تتحرك في مسارات جغرافية وتحالفات استراتيجية مختلفة، ما يجعلها متوازية أكثر من كونها متنافسة.

ويمكن لوجود هذه الممرات تعزيز فرص التكامل اللوجستي، خاصة مع قدرة قناة السويس على خدمة الشحن البحري واسع النطاق، في حين توفر الممرات البرية خيارات أسرع وأقل كلفة في الأوقات الحساسة، لتشكل شبكة داعمة لا بدائل متنازعة.

تصنيفات

قصص قد تهمك