الشرق
اختارت المملكة العربية السعودية التوسع في الإنفاق خلال الربع الأول من عام 2025، حتى وإن تطلّب الأمر تحمّل عجز مالي هو الأعلى منذ أكثر من سنتين، فيما تراجعت الإيرادات نتيجة ضغوط سوق النفط العالمية والتزامات المملكة المستمرة ضمن تحالف "أوبك+" بخفض الإنتاج.
واصلت الحكومة السعودية سياسة التوسّع المالي، إذ ارتفع الإنفاق العام بنسبة 5% إلى أكثر من 322 مليار ريال خلال الفترة، على أساس سنوي، مدفوعاً بزيادة تعويضات العاملين، بالإضافة إلى نمو الإنفاق على السلع والخدمات والمنافع الاجتماعية.
وسجلت الميزانية السعودية عجزاً قدره 58.7 مليار ريال في الربع الأول، وهو عاشر عجز فصلي على التوالي، وفق التقرير الربعي لأداء الميزانية العامة للدولة الصادر اليوم عن وزارة المالية. ويُعد هذا العجز الأعلى منذ الربع الثالث من عام 2022، ويأتي في وقت شهدت أسعار النفط تقلبات حادة وضغوطاً، نتيجة تباطؤ الطلب العالمي وارتفاع الإمدادات من خارج "أوبك+"، لا سيما من الولايات المتحدة والبرازيل.
وفي مقابلة مع "الشرق"، أشار كبير الاقتصاديين في وزارة المالية السعودية سابقاً، صالح سلطان، إلى ما شهدته سوق الطاقة من تقلبات لأسباب سياسية واقتصادية وفي مقدمتها سياسات ترمب التجارية، والتي أثارت تخوفاً حيال النشاط الاقتصادي عالمياً، ما ضغط على الأسعار وبالتالي الإيرادات للدول النفطية، وهو أمر "متوقع".
كما واصلت السعودية التزامها بخفض طوعي للإنتاج، وهو ما قلّص من حجم الصادرات النفطية رغم استقرار نسبي في الأسعار. وقد انعكس ذلك على الإيرادات النفطية، التي انخفضت بنسبة 18% على أساس سنوي، فيما تراجعت الإيرادات الإجمالية للمملكة بنسبة 10% لتبلغ 263.6 مليار ريال.
نمو الإيرادات غير النفطية
في المقابل، حافظت الإيرادات غير النفطية على نمو طفيف بنسبة 2% لتصل إلى 113.8 مليار ريال.
حصة القطاعات غير النفطية من الناتج الإجمالي المحلي شهدت زيادة طردية منذ أعلنت السعودية عن خطتها "رؤية 2030"، التي تهدف لتقليص الاعتماد على النفط إلى النصف من الإيرادات العامة، بعد عقود من الاستناد إليه كمصدر شبه وحيد للموازنة العامة، وتعمل المملكة حالياً على تعزيز قطاعات السياحة، والصناعة، والخدمات، والرياضة، والترفيه بشكلٍ أساسي.
ارتفاع الدين العام السعودي إلى 1.3 تريليون ريال
البيانات الصادرة اليوم، أظهرت ارتفاع الدين العام في السعودية منذ بداية العام بنسبة 9% إلى 1.33 تريليون ريال، وشكّل الدين الخارجي منه قرابة الخُمسين. واقترضت المملكة في الربع الأول نحو 83% من احتياجاتها التمويلية للعام الحالي، وفقاً لحسابات "الشرق".
البند | القيمة (مليار ريال) | التغير % |
إجمالي الدين العام | 1330 | + %9 |
الدين الداخلي | 797.1 | + %8 |
الدين الخارجي | 531.7 | + %11 |
احتياجات التمويل لـ2025 | 139 | - |
التمويل بالربع الأول | 114.8 | %83 من الاحتياجات |
المصدر: وزارة المالية السعودية، وحسابات "الشرق" |
وبحسب التقرير، سيتم تمويل العجز للربع الأول بالديون. وأفاد "المركز الوطني لإدارة الدين" في بيان سابق أنه سيخصص 101 مليار ريال من القروض الجديدة لتغطية العجز السنوي المتوقع، على أن يتم تخصيص 38 مليار ريال لسداد مستحقات أصل الدين. ويُتوقع أن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يناهز 30% العام الجاري، وفقاً لصندوق النقد الدولي، وهي نسبة منخفضة وفق المعايير العالمية، رغم أنها أكثر من ضعف متوسط الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلاد خلال العقد الماضي.
وزير المالية السعودي محمد الجدعان تطرق إلى موضوع الديون خلال مقابلة مع "الشرق" في نوفمبر الماضي، معتبراً أن العجز في ميزانية المملكة، الناتج بشكلٍ أساسي عن زيادة الإنفاق على المشاريع؛ "سيحقق عائداً اقتصادياً يفوق تكلفة الاستدانة لتغطيته". وأضاف: "نرى أن بالإمكان التوسع في الإنفاق، وهذا ما تتضمنه ميزانيات الأعوام الثلاثة المقبلة. ورغم أن العجز سيتراوح ما بين 100 إلى 140 مليار ريال سنوياً خلال تلك الفترة، إلا أن العائد على الاقتصاد أكبر من كلفة الاستدانة لتغطية هذا العجز".
الجدعان لم يستبعد التخطيط لمزيد من الاستدانة؛ "طالما أن العائد على الإنفاق أعلى من تكلفة الدين، بموازاة القدرة على الوصول إلى أسواق الدين بتكلفة مقبولة لا تؤثر على الاقتصاد".