تراجع الناتج المحلي الإجمالي الأميركي ليس كارثياً كما يبدو

ترمب سعى إلى تحميل المسؤولية الكاملة عن التدهور الاقتصادي لسلفه بايدن

time reading iconدقائق القراءة - 9
سفينة الحاويات \"واي إم ويلكم\" ترسو في ميناء لونغ بيتش بمدينة لونغ بيتش، ولاية كاليفورنيا، الولايات المتحدة - بلومبرغ
سفينة الحاويات "واي إم ويلكم" ترسو في ميناء لونغ بيتش بمدينة لونغ بيتش، ولاية كاليفورنيا، الولايات المتحدة - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

انكمش الاقتصاد الأميركي بمعدل سنوي بلغ 0.3% خلال الربع الأول من العام، وهو أداء أسوأ بقليل مما توقعه اقتصاديون استطلعت "بلومبرغ" آراءهم. وعند النظر لهذه النتائج من أعلى، تُظهر الأرقام أن الاقتصاد ليس في وضع يُمكن البيت الأبيض من مواصلة خوض حربه التجارية العالمية، التي تُوصف بأنها مُدمرة ذاتياً، والتي ستضر بالمستهلكين والشركات.

ومع ذلك، لا يزال هناك متسع من الوقت لتصحيح الأمور، ولا يعني هذا بالضرورة أن الركود الاقتصادي بات حتمياً.

جاء هذا الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع الواردات، والذي يُعتقد أنه نتيجة سعي الشركات إلى استباق تطبيق أجندة الرسوم الجمركية التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وقد كُشف النقاب عن الجزء الأشد إثارة للجدل من هذه السياسات، والمعروف باسم رسوم "يوم التحرير"، بعد يومين فقط من نهاية الربع الأول.

تقوم معادلة الناتج المحلي الإجمالي على قياس إجمالي الإنتاج داخل حدود الدولة، لذا يضيف الإحصائيون الصادرات ويطرحون الواردات، مما يجعل أرقام التجارة سبباً في تقلب نتائج النمو الاقتصادي من ربع إلى آخر.

سياسات ترمب تُربك مسار النمو

من المفارقات أن سياسات ترمب التجارية تهدف إلى تقليص العجز التجاري، في حين أن التأثير الاستباقي في عمليات الاستيراد يبدو مؤقتاً على الأرجح.

وتكشف المؤشرات الواردة في تقرير الناتج المحلي الإجمالي عن اقتصاد هش، لكنه لا يمر بحالة انهيار وشيك. فقد سجل الإنفاق الاستهلاكي، الذي يُعد المحرك الرئيسي للاقتصاد الأميركي، نمواً سنوياً قدره 1.8%، وهو أبطأ معدل منذ الربع الثاني من عام 2023، لكنه ليس سيئاً على الإطلاق. في المقابل، شهد الاستثمار الثابت تعافياً بعد فترة من الانكماش أواخر عام 2024.

غير أن التطور الأكثر إثارة للقلق تمثل في ارتفاع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، وهو مقياس للتضخم يستثني العناصر الأكثر تقلباً، بنسبة 3.5%، وهي أسرع وتيرة سُجلت خلال عام، مما يطرح مشكلة قد تستمر أو حتى تتفاقم في ظل السياسة التجارية الحالية.

ومع ذلك، فإن أي تحول كبير تقوده الإدارة الأميركية في نهجها الجمركي، قد يفتح المجال أمام انتعاش أوسع في النمو الكلي وتراجع التضخم خلال الأرباع السنوية المقبلة.

ترمب والإرث الاقتصادي المُعقد

هل يتحمل ترمب مسؤولية هذا التقرير بالتحديد؟ الإجابة نعم ولا في آن واحد. فعموماً، من غير المنصف أن يُنسب الفضل أو يُلقى اللوم على إدارة جديدة عن التطورات الاقتصادية خلال أول ربع من توليها السلطة. إذ إن تأثير السياسات الاقتصادية غالباً ما يظهر بتأخير، ويتفاعل مع الناتج المحلي الإجمالي بطرق معقدة. ومن غير المعتاد أن يتمكن أي رئيس جديد من تعديل مسار الاقتصاد الأميركي في فترة زمنية قصيرة كهذه.

وبشكل عام، ليس هناك علاقة واضحة يمكن تتبعها بين أداء الناتج المحلي الإجمالي في بداية أي ولاية رئاسية جديدة والأداء الاقتصادي خلال الفترة المتبقية من الحكم.

بالتالي، لا يُلام جورج دبليو بوش على انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من عام 2001 (خلال انفجار فقاعة الدوت كوم)، كما لا يمكن تحميل باراك أوباما مسؤولية التراجع الحاد في الناتج الاقتصادي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2009 (الذي تزامن مع الأزمة المالية العالمية).

وفي حالة ترمب، فيجب ألا نغفل أنه ورث اقتصاداً بدا قوياً في الظاهر، لكنه ربما كان يرزح بصمت تحت وطأة أعوام من ارتفاع أسعار الفائدة. فقد شكلت معدلات الرهن العقاري التي تراوحت بين 6% و7% ضغطاً كبيراً على سوق الإسكان، كما أن حالات التعثر في سداد بطاقات الائتمان وقروض السيارات ارتفعت لعدة أرباع متتالية.

تدخلات سياسية وتبعات اقتصادية

مع ذلك، فإن ترمب أثبت أنه رئيس ذو توجهات تدخلية غير مسبوقة. فقد دخل البيت الأبيض بعقلية التغيير الصدامي، وأعلن بجرأة عن سياسات تجارية وصفتها الغالبية العظمى من الاقتصاديين بأنها ذات أثر عكسي.

وعلى صعيد الأسواق، زاد من تدهور الثقة عبر تهديداته غير المبررة بتقويض استقلالية بنك الاحتياطي الفيدرالي، ملمحاً في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى إمكانية "إنهاء" ولاية رئيس الفيدرالي جيروم باول، قبل أن يتراجع لاحقاً عن فحوى تصريحه.

ويمكن القول بوضوح إن استباق تطبيق الرسوم الجمركية، وتدهور ثقة المستهلك، وعمليات البيع في سوق الأسهم، جميعها جاءت نتيجة مباشرة لتحركات ترمب، وكلها كانت متوقعة تماماً.

في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي عقب صدور التقرير، سعى ترمب إلى تحميل المسؤولية الكاملة عن التدهور الاقتصادي لسلفه جو بايدن. فقد كتب على منصة "تروث سوشيال": "لم أتسلم المنصب إلا في 20 يناير"، معبراً عن استيائه مما وصفه بإرث بايدن الثقيل، ومقدماً تصويراً تقليدياً للرسوم الجمركية باعتبارها قوة محفزة للاقتصاد دون تكاليف جوهرية.

وأضاف أن "الأمر سيستغرق وقتاً، ولا علاقة له إطلاقاً بالرسوم الجمركية، بل لأنه ترك لنا أرقاماً سيئة، لكن حين يبدأ الازدهار، سيكون لا مثيل له. تحلوا بالصبر!!!".

الرسوم الجمركية تهدد التعافي الاقتصادي

لسوء الحظ، فإن الانكماشات الاقتصادية المقبلة ستكون وثيقة الصلة بالرسوم الجمركية، ومن المرجح أن يتدهور الوضع قريباً ما لم تتغير السياسات وتصبح أكثر قابلية للتنبؤ. فإلى جانب تراجع ثقة المستهلك، تُظهر استطلاعات التصنيع الإقليمية تدهوراً حاداً في تقييم الشركات لبيئة الأعمال.

ومن المتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية البالغة 145% على الصين، والرسوم الأساسية البالغة 10% على بقية دول العالم (والتي قد ترتفع مع نهاية مهلة الـ90 يوماً في يوليو) إلى تضرر هوامش أرباح الشركات أو رفع أسعار المستهلكين (أو كليهما). كما أن حالة عدم اليقين المحيطة بالمسار المستقبلي للرسوم الجمركية تجعل من المستحيل على الشركات اتخاذ قرارات استثمارية أو توظيف موظفين بشكل مناسب.

على الجانب الإيجابي، أبدى ترمب بالفعل استعداداً للتراجع عن بعض السياسات الصادمة، بما في ذلك خطوة اتخذها يوم الثلاثاء لتخفيف عبء الرسوم الجمركية المفروضة على قطاع السيارات.

ومع ذلك، لا تزال النسبة الفعلية للرسوم الجمركية في الولايات المتحدة عند نحو 20%، وهي الأعلى منذ قرن تقريباً، والتغييرات مُشجعة بقدر ما تشير إلى احتمال وجود مزيد من التخفيف في المستقبل.

لكن هذه التراجعات بحد ذاتها تعزز الشعور بأن السياسة برمتها تُدار بطريقة مرتجلة، مما يُسبب ارتباكاً مُستمراً للجهات الفاعلة الاقتصادية.

السياسات الجمركية تحت المجهر

على أقل تقدير، يجب على ترمب إنهاء حالة الضبابية الحالية وتقديم توجيهات مستقبلية موثوقة توضح الاتجاه الذي تسير نحوه البلاد. وإذا كان جاداً في تعزيز فرص تجنب ركود الاقتصاد الأميركي، فعليه أن يمدد فترة الإعفاء البالغة 90 يوماً المتعلقة بأجندة "الرسوم الجمركية المتبادلة"، وأن يسعى سريعاً لتهدئة الحرب التجارية مع الصين.

وفي ضوء بيانات التجارة والناتج المحلي الإجمالي، فإن مثل هذه التأخيرات قد تؤدي إلى مزيد من السلوك الاستباقي المرتبط بالرسوم الجمركية، وفي النهاية سنضطر لدفع الثمن. لكن على الأقل، ستحظى الجهات الفاعلة الاقتصادية ببعض الوقت للاستعداد. أما في السيناريو المثالي، سيتخلى ترمب تماماً عن فكرة الرسوم الجمركية.

لكن، وكما هو الحال دائماً، فإن التقلبات قصيرة الأمد في الناتج المحلي الإجمالي لا تعكس الواقع الاقتصادي الكامل. فقد زعم بعض أعضاء إدارة ترمب أن أجندة الرسوم الجمركية المثيرة للجدل تهدف، ولو جزئياً، إلى إعادة توطين سلاسل الإمداد الحيوية في قطاعات الدفاع والرعاية الطبية. وتفترض حجة أخرى أن الفوائد المحتملة ستنعكس على الأجور الحقيقية للطبقة العاملة، حتى إن لم يكن لذلك أثر مباشر على النمو الكلي.

ربما، لكني أشك في أن هذه السياسات التي تُنفذ بعشوائية قادرة فعلاً على تحقيق هذه الأهداف. وحتى إذا افترضنا أن السياسات الحمائية ضرورية في بعض الحالات، فإن بيانات الناتج المحلي الصادرة يوم الأربعاء، إلى جانب مؤشرات الاقتصاد الكلي الأخيرة، تشير بوضوح إلى أن هذا التوقيت تحديداً ليس الأنسب لخوض هذه الحرب.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

3 دقائق

24°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى 22°/25°
9.3 كم/س
90%