
الشرق
سجلت السينما السعودية خلال عام 2024 إيرادات بلغت 845.6 مليون ريال، بانخفاض عن عامي الذروة 2022 و2023 اللذين تجاوزت فيهما الإيرادات 920 مليون ريال، بحسب التقرير السنوي الصادر عن هيئة الأفلام السعودية.
هذا التراجع في الإيرادات وعدد التذاكر المبيعة يطرح التساؤل حول تباطؤ الصناعة في طريقها نحو مستهدفها بتحقيق عائدات شباك تذاكر تتجاوز مليار دولار، بحلول عام 2030، بما يضعها في قائمة أعلى 20 سوقاً للسينما العالمية، وفقاً لتقرير صادر سابقاً عن شركة Entertainment Solution Services.
ورغم بيع 17.5 مليون تذكرة سينما العام الماضي، إلّا أن هذا الرقم أقل من مبيعات عام 2023 بـ200 ألف تذكرة. ومع أن هذا الرقم لا يمثل تراجعاً حادّاً، فإن الانخفاض في هذا النشاط الجديد والتنامي يسلط الضوء على تحولات ملحوظة في المشهد السينمائي السعودي. فمن خلال تتبع الأداء منذ انطلاق العروض التجارية في 2018، يظهر أن السوق دخلت في مرحلة تباطؤ طبيعي عقب سنوات من النمو المتسارع.
أسباب التباطؤ
بعد أن ارتفع عدد التذاكر المبيعة بكافة صالات المملكة من أقل من 600 ألف عند انطلاقها عام 2018 إلى نحو 17.7 مليون تذكرة في 2023، بدأت المؤشرات تُظهر علامات تشبّع جزئي لدى الجمهور.
كما أن تركز العوائد في عدد محدود من الأفلام الأجنبية، واعتماد برمجة عرض الأفلام على نمط ترفيهي تقليدي من حيث اختيارها، قد أضعف شهية الجمهور المتكرر على المدى الطويل.
في المقابل، لم تستطع الأفلام المحلية تحقيق هذا التوازن التجاري، رغم الدعم الرسمي، ما أدّى إلى فجوة بين العرض المحلي، والطلب، وطموحات الصناعة.
يُضاف إلى ذلك تأثير العوامل الموسمية، حيث تزامن إطلاق عدد من الأفلام مع فعاليات ضخمة مثل موسم الرياض، الذي حقق استقطاباً جماهيرياً واسعاً (20 مليون زائر في 6 أشهر)، ما غيّر أولويات الإنفاق الترفيهي وأعاد توزيع الجمهور زمنياً وجغرافياً.
كذلك فإن التوزيع الجغرافي للإيرادات يُظهر تركز العوائد في مناطق محددة، مثل الرياض التي سجّلت وحدها 391.1 مليون ريال من أصل الإجمالي، بينما تراوحت أرقام مناطق مثل حائل وتبوك بين 7 و9 ملايين ريال، ما يعكس تفاوتاً في وصول البنية التحتية السينمائية إلى مناطق المملكة كافة.
تأثير محدود
في مسعى لدعم السوق، قدّمت هيئة الأفلام السعودية عدداً من الحوافز خلال 2024، من بينها تخفيض متوسط أسعار التذاكر إلى نحو 48.2 ريال (قرابة 12.85 دولار)، إضافة إلى تشجيع افتتاح صالات جديدة خارج المدن الكبرى، وتقديم دعم إنتاجي للأفلام المحلية، إلا أن الأثر الملموس لتلك الحوافز لم يظهر بالزخم المتوقع، خاصة وأن السوق ما زالت تعتمد بدرجة كبيرة على أفلام أجنبية لتحقيق الجزء الأكبر من الإيرادات، حيث بلغت حصة فيلم "Bad Boys: Ride or Die" وحده ما يقرب من 10% من إجمالي إيرادات العام.
الأمر الثاني أن دعم البنية التحتية لا يكفي وحده في ظل غياب تنوّع جماهيري واسع للأعمال المحلية، فالأفلام السعودية رغم ارتفاع عددها إلى 17 فيلماً خلال 2024، لم تحقق سوى 76 مليون ريال.
استعادة التوازن
استعادة توازن النمو في السوق يتطلب خطواتٍ يتفق عليها المراقبون، بما في ذلك تعزيز المحتوى المحلي من خلال دعم النوع على حساب الكم، وتشجيع الشراكات الإقليمية والدولية التي ترفع من قيمة الإنتاج الفني.
إلى جانب تطوير نموذج التوزيع بحيث يصل إلى الجمهور في كافة المناطق، من خلال عروض متنقلة أو شراكات مع المجالس البلدية. بالإضافة لتكثيف الحملات التسويقية والترويجية التي تربط الأفلام المحلية بقضايا واهتمامات الجمهور، لتجاوز الفجوة بين الإنتاج والتلقي.
ومع تجاوز الإيرادات حاجز 845 مليون ريال، لا تزال السينما السعودية تمثل ركيزة حيوية للاقتصاد الإبداعي ولقطاع الترفيه الذي يمثل أحد أبرز القطاعات الجديدة لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط. بما يتطلب الحفاظ على استدامة النمو، لاسيما في ظل توسّع مشهد الترفيه وتشعب خيارات الجمهور.