
بلومبرغ
تستعد الصين لمواجهة حقبة صعبة بسبب الحرب التجارية في ظل توقف الاعتماد على الطائرات وقطع الغيار أميركية الصنع.
بعد أن فرضت الصين حظراً على طائرات شركة "بوينغ"، في إطار إجراءاتها الانتقامية على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب -وفق ما كشفته "بلومبرغ نيوز" أمس- تجد شركات الطيران المحلية نفسها حالياً أمام تحديات كبيرة على صعيد إصلاح وصيانة مئات الطائرات الأميركية ضمن أساطيلها الحالية.
نقص إمدادات "بوينغ"
يتعين عليها أيضاً إيجاد طائرات جديدة لتعويض النقص الناتج عن نقص إمدادات بوينغ، وهو أمر بالغ الصعوبة نظراً لأن السعة الإنتاجية لشركة "إيرباص" محدودة، ولأن الشركة "كوميرشيال إيركرافت كورب أوف تشاينا"- "كوماك" (Commercial Aircraft Corp of China) تعتمد على محركات مصنوعة في الولايات المتحدة الأميركية.
في الوقت الحالي، تمكنت شركات الطيران وشركات التأجير من بناء مخزون احتياطي من قطع الغيار على مدى السنوات القليلة الماضية -من خلال شراء قطع من مُصنّعي الطائرات ومن خلال اقتناء طائرات قديمة- ما يمنح القطاع بعض القدرة على تلبية الاحتياجات قصيرة الأجل، بحسب أشخاص على دراية بالموضوع.
أضاف أحد هؤلاء الأشخاص المطلعين أن "كوماك" خزنت أيضاً محركات كافية لتصنيع عشرات الطائرات العام الجاري. كما نقل أشخاص آخرون أن مسؤولين حكوميين صينيين يدرسون إمكانية مطالبة شركة "إيرباص" بتزويد أي طائرات جديدة تطلبها الصين بمجموعة إضافية من المحركات.
وأشار أشخاص مطلعون على تفكير بكين -طلبوا عدم كشف هوياتهم نظراً لمناقشة موضوعات خاصة- إلى أن هذه المحركات، حتى وإن كانت من صنع شركات أميركية أو تحتوي على مكونات أميركية، فإنها لن تكون خاضعة للرسوم الجمركية طالما وصلت مرفقة مع طائرة من شركة تصنيع فرنسية.
ولم يرد ممثلون من "كوماك" على طلب للتعليق على الموضوع.
قطاع الطيران في الصين
رغم ذلك، فإن هذه التدابير تبقى حلولاً مؤقتة تبرز مدى هشاشة قطاع الطيران في الصين، باعتباره نقطة ضعف كبيرة في الاقتصاد الصيني، ومجالاً ما يزال تعتمد فيه البلاد بشدة على التكنولوجيا الصناعية الأميركية والغربية.
الضعف الصيني كبير لدرجة أن بعض المحللين أشاروا أمس أن وقف عمليات التسليم ربما يكون مجرد وسيلة ضغط تفاوضية.
قال محللون في شركة "آر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets) بقيادة كين هيربرت: "يفاجئنا أن يستمر هذا التأخير لفترة طويلة، بالنظر إلى أهمية قطع الغيار الأميركية لأسطول الطائرات الصيني. أي قيود على استيراد قطع الغيار الجديدة اللازمة لدعم الأسطول القائم سيصعب على الصين الإبقاء عليها لفترة طويلة".
في أحدث تصعيد للتوترات التجارية، كشفت الصين الجمعة الماضية عن فرض رسوم جمركية انتقامية بنسبة 125% على البضائع الأميركية، على أن تدخل حيز التنفيذ اعتباراً من 12 أبريل الحالي. يأتي ذلك في إطار سلسلة من الإجراءات بدأت عندما فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية أميركية إضافية تستهدف تقليص العجز التجاري للولايات المتحدة الأميركية.
مع احتساب رسوم 20% كانت قد فُرضت بوقت سابق من العام الحالي بسبب دور الصين في تهريب مادة الفنتانيل، تصل الرسوم الأميركية المفروضة حالياً على الصين إلى 145%.
في المقابل، وجه ترمب أمس انتقاداً حاداً للصين بسبب "تراجعها عن صفقة بوينغ الكبرى" الموقعة خلال ولايته الرئاسية الأولى، داعياً بكين إلى التواصل معه من أجل بدء مفاوضات تهدف إلى تسوية النزاع التجاري.
اعتماد الصين على "كوماك"
بحسب أحد الأشخاص المطلعين، فإن تعزيز "كوماك" لمخزون محركات الطائرات يعود في جزء منه إلى توقعها تلقي طلبات بوقت لاحق من العام الجاري من شركات طيران في هونغ كونغ والشرق الأوسط وفيتنام.
تنتج الشركة الصينية طائرة من طراز "سي 919"، وهي طائرة ذات ممر واحد صُممت لمنافسة عائلتي "إيرباص إيه 320" و"بوينغ 737"، وتبلغ سعتها من 158 إلى 192 راكباً.
تستخدم هذه الطائرة محركات "ليب-1 سي" (LEAP-1C) من شركة "سي إف إم إنترناشونال" (CFM International)، بالإضافة إلى أنظمة إلكترونيات الطيران من شركتي "هاني ويل إنترناشونال" و"روكويل كولينز" (Rockwell Collins)، التي أصبحت حالياً جزءاً من "كولينز أيروسبيس" (Collins Aerospace) التابعة لشركة "ريثيون تكنولوجيز". وتُعد "سي إف إم" مشروعاً مشتركاً بين "جنرال إلكتريك" و"سافران" (Safran) الفرنسية.
أما أنظمة الهيدروليك الخاصة بعجلات الهبوط فتأتي من شركة "باركر أيروسبيس" (Parker Aerospace) الأميركية، في حين أن بعض أنظمة المقصورة تأتي من شركة "إيتون"، ويقع مقرها الرئيسي في دبلن.
تعمل "كوماك" أيضاً على تطوير طائرة من طراز "سي 929"، وهي طائرة تجارية ذات ممرين صُممت لمنافسة طرازي "787 دريملاينر" من "بوينغ" و"إيرباص إيه 330 نيو" في سوق الرحلات طويلة المدى.
كما تنتج الشركة طائرة من طراز "إيه آر جيه 21"، الذي أُعيد تسميته مؤخراً بطراز "سي 909"، وهي طراز بمحرك نفاث مروحي صغير قادر على نقل ما يصل إلى 97 راكباً في الرحلات القصيرة.
تُستخدم هذه الطائرة من قبل عدد محدود من شركات الطيران الصينية، بالإضافة إلى شركة "ترانس نوسا إيرلاينز" (TransNusa Airlines) في إندونيسيا. ما تزال طائرة "سي 929" قيد التطوير، في حين لم تحصل الطائرة "سي 919" حتى الآن على موافقات سلطات سلامة الطيران خارج الصين أو هونغ كونغ، ما يعني أنها تُستخدم فقط محلياً من قبل شركات الطيران الصينية.
التحايل عبر سنغافورة
تكشف بيانات شركة تزويد خدمات الطيران "سيريوم" (Cirium)، تسليم "بوينغ" 13 طائرة من طراز "737 ماكس" و3 طائرات من طراز "787" إلى الصين خلال العام الحالي حتى الآن.
وتوجد أيضاً 28 طائرة أخرى من طراز "ماكس" وطائرة واحدة من طراز "787" على جدول التسليم خلال ما تبقى من 2025.
كتب محللو "سيريوم" بوقت سابق من الشهر الجاري أن "البيانات الرسمية تُظهر أن مشغلي الطيران الصينيين يمثلون 2% من طلبيات "بوينغ" قيد الانتظار من حيث عدد الطائرات، رغم أنه من المرجح أن تتضمن نسبة الـ12% من الطلبيات التي لم يُفصح عن هوية مشتريها بعض الطائرات المخصصة للسوق الصينية".
يعتقد المحللون في نهاية المطاف أن شركات الطيران في الصين ستكون مضطرة لإيجاد طريقة للوصول مجدداً إلى قطع غيار الطائرات الأميركية الصنع، بغض النظر عن الحرب التجارية الدائرة.
وأشار هيربرت من شركة "آر بي سي كابيتال ماركتس" إلى أن سنغافورة، التي تُعد مركزاً رئيسياً للطيران وتستضيف عدداً من ورش صيانة الطائرات، يمكن أن تسد هذه الثغرة.
كتب في مذكرة للعملاء بتاريخ 15 أبريل الحالي: "قد توفر سنغافورة بديلاً للتحايل من أجل إيصال قطع غيار الطائرات الأميركية وخدمات الصيانة إلى الصين".