بوادر "حرب باردة" بين أستراليا والصين لبسط النفوذ على جزر المحيط الهادىء

time reading iconدقائق القراءة - 8
صراع نفوذ بين أستراليا والصين في المحيط الهادئ - الشرق/بلومبرغ
صراع نفوذ بين أستراليا والصين في المحيط الهادئ - الشرق/بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تتجه أستراليا لتعزيز علاقاتها مع الدول الجزرية الصغيرة قبالة ساحلها الشرقي، في مواجهة نفوذ الصين المتزايد في المحيط الهادئ، في وقت تسبَّب فيه تفشي فيروس كورونا في حظر السفر، والتواصل بين هذه الدول.

وكانت حكومة رئيس الوزراء في أستراليا، سكوت موريسون، قد وعدت بتزويد جيرانها بلقاحات "كوفيد-19" في عام 2021 كجزء من حزمة بقيمة 500 مليون دولار أسترالي تهدف إلى تحقيق "تغطية تحصين شاملة" لكامل المنطقة. كما وقَّعت أستراليا مؤخراً اتفاقية "تاريخية" مع جزيرة فيجي، وهي إحدى الدول الأكثر اكتظاظاً بالسكان في المنطقة، وتسمح الاتفاقية بالانتشار العسكري، والتدريبات في نطاق سلطة كل من الدولتين.

ويقول جوناثان بريك، الذي يرأس الأبحاث المتعلِّقة بالمنطقة في مركز أبحاث "معهد لووي"، ومقرُّه سيدني، إنَّ الصين: "كانت غائبة إلى حدٍّ كبير فيما يتعلَّق بتقديم الدعم المتعلِّق بـ "كوفيد-19" في المنطقة، في الوقت الذي عززت فيه أستراليا علاقاتها بعدم إغفالها دول المحيط الهادئ وقت الأزمة".

ازدهار التبادل التجاري بالرغم من ضعف العلاقات

على مدى العقد الماضي، أدَّى النفوذ المتزايد للصين في جزر المحيط الهادئ، إلى إثارة شكوك الولايات المتحدة وأستراليا. وتضمُّ منطقة الجزر 14 دولة، كما يبلغ عدد سكانها الإجمالي 13 مليون نسمة، موزَّعين على آلاف الجزر في منطقة تمتد على 15%من سطح العالم، ويخشى الدبلوماسيون ومسؤولو المخابرات في الولايات المتحدة وأستراليا، من أن يكون هدف بكين هو إنشاء قاعدة بحرية من شأنها أن تقلب استراتيجياتهم العسكرية رأساً على عقب.

وتأتي معركة النفوذ في المنطقة بعد أن ضربت الصين أستراليا بسلسلة من الأعمال الانتقامية التجارية المدمرة، التي جاءت بعد قرار موريسون بالسعي إلى إجراء تحقيق مستقل في أصل فيروس كورونا، وهو القرار الذي أعقبه قيام أكبر شريك تجاري لأستراليا بفرض قيود تجارية على كل المنتجات الأسترالية بداية من المشروبات حتى الكركند، مما دفع العاصمة الأسترالية كانبيرا لرفع دعوى للطعن على التعريفات الجمركية التي فرضتها الصين على الشعير في منظمة التجارة العالمية.

توقف المشاريع

وبرغم ذلك، فقد حقَّقت أستراليا تقدُّماً في منطقة المحيط الهادئ، بعد أن منعت الدول الجزرية الرحلات الجوية القادمة والسفن السياحية إلى المنطقة، كي تجنِّب المجتمعات الضعيفة بها، التي تعتمد على المساعدات، من التعامل مع انتشار الفيروس. كما أمرت الصين العمال الذين يطوِّرون مشاريع مرتبطة بمبادرة الحزام والطريق بالعودة إلى ديارهم، وخفَّضت عدد الموظفين الدبلوماسيين في دول المحيط الهادئ العشر التي تعترف ببكين بدلاً من تايوان.

أما في بابوا غينيا الجديدة الغنية بالموارد، التي تعدُّ أكبر دولة في المنطقة من ناحية عدد السكان، وأكبر متلقٍ للدعم المالي الصيني، فقد توقَّف العمل في أحد مشاريع البنية التحتية البارزة في المنطقة هذا العام، وفقاً لبول باركر، الرئيس التنفيذي لمعهد الشؤون، وهي مجموعة بحثية اقتصادية غير هادفة للربح، ومموَّلة جزئياً من قبل القطاع الخاص، ويقع مقرّها في بورت موريسبي.

وقال باركر، الذي يقيم في بورت موريسبي منذ أربعة عقود، إنَّ الموظفين الصينيين غادروا موقع المنطقة الصناعية البحرية في مادانغ على الساحل الشمالي للبلاد، وهو مشروع كان قد حصل على تمويل لا يقل عن 73 مليون دولار من بكين، وكان من المفترض أن يُستخدم قاعدةً لصيد أسماك التونة، في حين توقَّفت المشاريع الأخرى المدعومة من الصين بالقرب من عاصمة بابوا غينيا الجديدة أيضاً هذا العام، وأضاف باركر أنَّه يتوقَّع تكثيف الوجود الصيني على الأرض مرة أخرى إلى جانب وجود عروض بالمساعدة المالية عندما يصبح الوباء تحت السيطرة.

وتابع باركر: "من المنطقي أن ترغب بابوا غينيا الجديدة في الحصول على متعاقدين، وعلى تمويل تنافسي، وإذا فعل الصينيون ذلك للمضي قدماً؛ فستكون الحكومة مهتمة، في حين يميل معظم سكان بابوا غينيا الجديدة إلى التطلُّع لـ"أصدقائهم الجنوبيين" في أستراليا، إذ يريدون أن يتمَّ عرض المزيد من الفرص عليهم من هذا الجانب أيضاً ".

عقلية الحرب الباردة

لكنَّ الصين لم تكن غائبة كلياً عن المشهد، فقد أوفدت سفراء جدد لدى الدولتين اللتين اعترفتا بتايوان في عام 2019، وهما جزر سليمان، التي تعدُّ أحد أكبر اقتصادات المنطقة، ودولة كيريباتي. وكانت صورة تمُّ التقاطها للمبعوث الصيني الجديد لدي وصوله إلى المستعمرة البريطانية السابقة، قد أثارت الدهشة عندما بدا أنَّه يمشي فوق حوالي 30 رجلاً محلياً مستلقين على بطونهم.

وقالت المتحدِّثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشون ينغ، في إفادة لإحدى الصحف اليومية في بكين عن الموضوع، إنَّ علاقات الصين مع دول جزر المحيط الهادئ أصبحت أوثق منذ بدء الوباء. وقالت هوا: "لقد قمنا أيضاً بدراسة توفير اللقاحات للدول الجزرية، مما يساهم في إتاحة اللقاحات، والقدرة على تحمُّل تكاليفها في تلك الدول".

وذكرت وزارة الخارجية في ردٍّ أرسلته عبر البريد الإلكتروني للإجابة على الأسئلة ذات الصلة، إنَّ بكين شاركت الخبرات الطبية، وأمدَّت الدول الجزرية بالمعدَّات أثناء الوباء، في حين أنَّ مشاريع الحزام والطريق، بما في ذلك الطريق السريع الــجديد في غرب بابوا غينيا الجديدة، واستاد في جزر سليمان، كانت "تتقدَّم بثبات".

وقالت وزارة الخارجية الصينية في ردِّها: "الصين تأمل في أن تتبنَّى جميع الدول الأخرى موقفاً يحترم الطرفين، وتتحلى بروح منفتحة لتسهيل الاستقرار والازدهار في المنطقة، بدلاً من مواصلة التفكير بعقلية الحرب الباردة التي لا طائل من ورائها، وبناء تجمُّعات صغيرة حصرية".

خيار أفضل

يبدو أنَّه من المقرر دمج خطة كيريباتي لبناء ميناءين رئيسيين للشحن العابر في إطار مبادرة الحزام والطريق، وفقاً لتقرير صدر في سبتمبر العام الماضي من قبل مركز أبحاث معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي، الذي تدعمه الحكومة. وأفاد التقرير أنَّ ذلك من شأنه أن "يزيد من احتمال وجود قواعد عسكرية صينية في وسط المحيط الهادئ"، وذلك عبر الممرات البحرية الرئيسية، وبالقرب من القواعد الأمريكية، بما في ذلك هاواي.

كما وقَّعت الصين مذكرة تفاهم الشهر الماضي لتمويل قاعدة بحرية جديدة بقيمة 150 مليون دولار في جنوب بابوا غينيا الجديدة، على أعتاب أستراليا، وربما يكون للاتفاق تداعيات جيوسياسية، خاصة أنَّ المنطقة الفقيرة ليست قريبة من المناطق الغنية بالأسماك.

ويقول بول ماديسون، مدير معهد أبحاث الدفاع بجامعة نيو ساوث ويلز: "لن يمنع الوباء الصين من تنفيذ استراتيجيتها في جنوب المحيط الهادئ، كونها تسعى للاستمرار في ممارسة نفوذها على الديمقراطيات الضعيفة والهشة، وتحظى الولايات المتحدة، تحت إدارة جو بايدن، والديمقراطيات ذات التفكير المماثل، بفرصة لتظهر لدول المحيط الهادئ ذات السيادة أنَّ لديها خياراً أفضل فيما يتعلَّق بمن تختار العمل معه".

ومن جانبهم، حذَّر المشرِّعون في كلٍّ من واشنطن وكانبيرا، الدول النامية من الحصول على قروض صينية، قائلين، إنَّ بكين ستستخدم الدين وسيلةَ ضغط جيوسياسية. وأنفقت الصين ما لا يقل عن 1.7 مليار دولار، خلال العقد الماضي، في صورة مساعدات وقروض لجزر المحيط الهادئ، وقد تمَّ إنفاق معظمها على البنية التحتية للنقل، والمرافق الضرورية، وفقاً لبيانات معهد لووي.

احتدام المنافسة بعد التعافي من الوباء

ورداً على ذلك، كشفت أستراليا، التي تعدُّها الصين بمثابة "دمية أمريكية"، عن تأسيس صندوق للبنية التحتية بقيمة ملياري دولار أسترالي (1.5 مليار دولار) لمنطقة الدول الجزرية في المحيط الهادىء في عام 2018، في الوقت الذي أنشأت الولايات المتحدة مديرية لشؤون المحيط الهادئ داخل مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، لتكون مركزاً لتنسيق السياسات في المنطقة مع الدول الأخرى التي تحمل الفكر ذاته.

وقال بريك من معهد لووي، إنَّه مع استمرار الدمار الاقتصادي الناجم عن الوباء لسنوات؛ فإنَّ المنافسة الجيوستراتيجية في المنطقة من شأنها أن تحتدم في ظلِّ سعي الدول للتعافي.

وأضاف: "ستدرك بكين أنَّ فيروس "كوفيد-19" قد شكَّل أزمة اقتصادية جعلت المنطقة أكثر ضعفاً، وأشد حاجة إلى المساعدات والقروض الأجنبية، الأمر الذي يخلق بيئة استراتيجية أفضل لتعزيز مصالحها".

تصنيفات

قصص قد تهمك