
بلومبرغ
بعد يومٍ واحدٍ فقط على افتتاحه في أكتوبر 2020، أُجبر منتجع "سيرفينيا" الإيطالي للتزلج على الإغلاق. والسبب هو انتشار صور لمئات المتزلجين مُصطفين في طوابير، ومُتجاهلين إجراءات التباعد الاجتماعي عند المنتجع الواقع أسفل جبل "ماترهورن".
منذ تلك الانتكاسة، اضطرب موسم التزلج في جبال الألب الذي كان قد بدأ بالكاد. وتعود أسباب هذا الاضطراب إلى إجراءات الإغلاق التام التي كانت مُنتشرة في جميع أنحاء القارة، بالإضافة إلى إغلاق المُنحدرات في فرنسا، وإيطاليا، وإبقاء جميع زوَّار الإقليم المُعتادين في منازلهم حتى نهاية العام الماضي.
الاستعداد لفصل الشتاء
وفي جبال الألب تستعدُّ كل من شركات المصاعد، والفنادق، والحانات، والمدربين إلى فصل شتاء يُحتمل أن يكون كارثياً، فهذه القطاعات تشكِّل جوهر الأعمال في جبال الألب، إذ توظف مئات الآلاف من شتى أنحاء الإقليم، وتصل عائداتها إلى 33 مليار دولار.
ووفقاً لمستشار قطاع التزلج في جنيف لوران فانات، فإنَّ المُنتجعات تحاول في هذا الموسم اجتذاب السكان المحليين، لكن هذا لن يعوِّض خسارة الزوار الأجانب التي حدثت بسبب الحجر الصحي، وقوانين الإغلاق الكامل في بعض الدول.
إلا أنَّ قطاع التزلج سيظل في حالة حرجة نظراً لتفشي الإصابات التي انتشرت على نطاق واسع في مناطق ايشجل وفيربير في مطلع العام الماضي، وهو ما أكَّد على المخاطر الناتجة عن التزاحم في المصاعد، وحانات ما بعد التزلج.
وعلى جانب الآخر من الجبل من سيرفينيا، لا يزال المُتزلجون ينحتون المُنعطفات على النهر الجليدي في مُنتجع "زيرمات" السويسري، لكنَّ الحجوزات هناك مُنخفضة. فقد شهدت فترة الصيف الماضي تدهور نسب الحجوزات بـ 40 %، أو 50 %، مقارنةً بالعام السابق، وذلك على الرغم من تحوُّل هذه المدينة الراقية لتصبح الوجهة الأولى للسياح السويسريين.
تحديات الحجر الصحي
وفي الوقت الذي ستتبع فيه مُنتجعات أمريكا الشمالية نظام الحجوزات للمصاعد عند التزلج، بهدف الحدِّ من أعداد رُكابها في هذا الشتاء. يُخَطَّط لمصاعد التزلج، والتلفريك في جبال الألب أن تُتابع عملها كالمُعتاد عند إعادة افتتاحها، وستُعدُّ كأي وسيلة نقل أخرى، إذ سيكون ارتداء الكمامة إلزامياً.
ويرى ديدييه ترونو، أستاذ علم الفيروسات وعلم الوراثة في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان، أنَّه من المبكر الحكم عمّا إذا كان يتعيّن تشديد الإجراءات الوقائية المُخطط لها هذا الموسم في مُنتجعات جبال الألب.
ويوضح ترونو قائلاً: "الأمر ليس كما لو أنَّ علينا حبس أنفسنا بعيداً عن الثلج، لكن ربما قد نضطر إلى تغيير طريقتنا". ويضيف: "إذا كنت تتزلج وحيداً، فذلك مسموح. لكن الأمر سيصبح أكثر تعقيداً إذا كنت في تلفريك مليء بالركاب".
من جهته قال لوران فوشر الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة "تلي فيربير" (Televerbier) وهي شركة المصاعد التي يتمُّ استخدامها في المنتجع السويسري مُتعدد الطوابق، إنَّ التزلج يُوفِّر الهواء النقي، وإمكانية الهروب من القيود المفروضة في أماكن أخرى بالإضافة إلى أنَّ ركوب التلفريك يستغرق بضعة دقائق فقط.
الطريقة السويسرية
ويوضح لوران فوشر قائلاً: "حاولوا في إيطاليا خلال الموسم السابق الحد من سعة الركاب في المصاعد، لكن الناس تكدسوا عند محطة التزلج، مما جعل الأمر أكثر سوءاً".
يُذكر أنَّ فيربير تُعدُّ نقطة جذب للمُتزلجين، وهواة التزلج على الجليد بالإضافة إلى رواد الحفلات من الأثرياء. وقد جذبت خلال عطلة نهاية الأسبوع الافتتاحية للموسم الحالي 4000 زائر، وهو عدد زوارها نفسه تقريباً في الفترة نفسها من عام 2019.
ويقول فوشر إن "تيليفيربير" تعمل على ثلاثة سيناريوهات مُحتملة، أفضلها هو أن يجذب المُنتجع حوالي 80 % من أعداد الزوار التي يجذبها في الأوقات العادية. والسيناريو الثاني هو أن يجذب المُنتجع نصف عدد الزوار الذي يجذبه في العادة، والاحتمال الأسوأ هو ألّا يأتي أي زوار في حال قررت سويسرا الإغلاق التام.
يُذكر أنَّ سويسرا كانت قد رفضت أن تنتهج نهج جيرانها نفسه في اتباع إجراءات قاسية، على الرغم من ارتفاع أعداد الإصابات فيها.
ويضيف فوشر أنَّه بعد إدراكهم لما حصل لجيرانهم في سرفينا بسبب الاصطفاف على الطابور بشكل "جنوني"، سارع مسؤولو شركة "تيليفيربير" لفرض ضوابط التباعد الاجتماعي منذ يوم الافتتاح. إذ اضطر فوشر إلى الطلب من بعض المُراهقين إعادة وضع كمماتهم عند ركوب التلفريك.
ومع عزم السلطات تجنب حادثة قد تؤدي إلى تفشي الإصابات بشكل واسع، سيكون شكل تجمعات ما بعد التزلج الصاخبة عادة، أشبه بصالونات لشرب الشاي، وسيعتمد الأمر بشكل كبير على تصرفات الناس.
عُشَّاق التزلج
أما في الجنوب عند جبال الألب الفرنسية، فيأمل أكبر ميدان تزلج مُتصل في العالم، الذي يضمُّ مُنتجعات فاخرة هي "كورشوفيل"، و"ميريبل"، أن يعوِّض المتزلجون الفرنسيون والبلجيكيون النقص في أعداد السياح البريطانيين التي فرضت إغلاقاً عاماً لفترات طويلة.
ويقول أوليفييه ديسوتي مدير جمعية ""Les Trois Vallees : "ربما هذا لن يعوِّض عن كل السياح البريطانيين، والروس، والأمريكيين، لكنه سيكون عاملاً مُساعداً". ويستوحي أوليفييه تفاؤله من أعداد السياح الفرنسيين الذين قَدِموا في اللحظة الأخيرة خلال العطلة الصيفية في العام الماضي.
بدوره يبحث فيل سميث الذي تُقدِّم شركته "سنو وركس" دورات تدريبية للتزلج على الجليد، ويعتمد على عملاء بريطانيين بشكل أساسي، عن بدائل أخرى للتغلب على الفيروس بعد أن أجبره الإغلاق على إلغاء دورات في إيطاليا، ومنتجع "تجنس" (Tignes) الفرنسي. ومن هذه البدائل، تنظيم دورات تدريبية في اسكتلندا، بالإضافة إلى احتمالية نقل مقرِّه من فرنسا إلى السويد للالتفاف على الحجر الصحي المفروض حالياً.
ويقول فيل سميث: "عشاق التزلج سيجدون دائماً طريقة لممارسة رياضتهم، لكنَّ السوق عامة قد تتعرض لمصاعب". ويشير إلى أنَّه على حانات ما بعد التزلج التغيُّر أيضاً، إذ يقول: "لن يكون هناك ألف شخص يحتفلون في حانة صغيرة، وبالرغم من ذلك؛ فإنَّه باستطاعة الناس قضاء وقت رائع، فالجميع يريدون مُتابعة الحياة".