لماذا عليك زيارة أرمينيا ؟.. السر في هذه المشاهد

time reading iconدقائق القراءة - 8
دير \"غيغهارد\" (Geghard) في أرمينيا.  - المصدر: بلومبرغ
دير "غيغهارد" (Geghard) في أرمينيا. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تملك أرمينيا الدولة، التي تحتضنها اليابسة من جهاتها الأربع ولا يتجاوز عدد سكانها 3 ملايين شخص في جبال القوقاز، مزايا تجعلها تستحق القليل من الشهرة؛ منها لاعبوها أصحاب الميداليات الذهبية في الشطرنج، وقضاياها الجغرافية السياسية المشحونة، ونوع البراندي المفضل لدى تشرتشل، وبالطبع "عائلة كارداشيان" (The Kardashians) الأمريكية التي تفخر بأصولها الأرمنية.

ولكن ماذا عن السياحة؟.. لا يعرف معظم الأمريكيين موقع أرمينيا على الخريطة التي تقع بين جورجيا وإيران، فكيف لهم أن يفكروا بالذهاب إليها في رحلة؟!

حان الوقت لتُعيد التفكير بالأمر، هذا إن كنت قد فكرت فيه من قبل، فإلى جانب الوجهات السياحية الأرمنية المعروفة التي تشمل مجموعة من أقدم الكنائس في العالم، توجد أسباب جديدة تجعلك تضع هذه الدولة على قائمة الأماكن التي ترغب في زيارتها.

بعد الثورة المخملية التي أطاحت بنظام حكم الأقلية الذي تدعمه روسيا عام 2018، عمّ البلاد تفاؤل عارم وافتُتحت فنادق جديدة في العاصمة يريفان التي استغنت مطاعمها عن الأطباق التقليدية لتقدم أطباقًا أرقى مليئة بالنكهات الجديدة.

كما بدأت شبكة "ترانزكوكيجان ترايل" (Transcaucasion Trail)، في عام 2019، بتنظيم رحلات جماعية إلى "حديقة ديليجان الوطنية" (Dilijan National Park)، ما يعني أن أرمينيا بدأت تتحمس لزوارها الجدد، فلم لا تنضم إليهم؟

يسود الكثير من الجدل حول سبب وجود هذا المعبد الروماني القديم على الأراضي الأرمنية أو بقائه على حاله رغم عمليات الغزو العديدة، إلا أن هذا البناء العظيم وأعمدته المتعددة هو أحد أهم الأمثلة على فن العمارة ما قبل المسيحية، فقد بُني معبد "غارني" (Garni) في القرن الأول ليكون على الأرجح مزارًا لإله الشمس الوثني "مهر" (Mihr)، وإن كان بعض الباحثين يعتقدون أنه ضريح لأحد الملوك الأرمنيين المتأثرين بالحضارة الرومانية أو منزل قديم لحاكم منسيّ.

لا يختلف اثنان على أن الرقص الأرمني بحركاته الجميلة وتمايلاته وقفزاته المدهشة مشهد يدعو للإعجاب، ففي رقصة "كوشار" (Kochar)، إحدى الرقصات الشعبية الشهيرة على سبيل المثال، يشبك المؤدون أيديهم ويقفزون على وقع نغمات مزمار الزورنا.

يعد تلفريك "أجنحة تاتيف" (Wings of Tatev)، أحد المعالم الشهيرة في أرمينيا ويتحرك على ارتفاع 200 متر فوق وادٍ صخري باتجاه "دير تاتيف" (Tatev Monastry) الذي يعود للقرن التاسع متربعًا على رأس هضبة خضراء، حيث أن هذا الطريق المعلّق الذي يبلغ طوله 5,752 مترًا ويستغرق عبوره كاملًا 14 دقيقة قد دخل في "موسوعة غينيس للأرقام القياسية" (Guinness World Record) بصفته "أطول ترام جوي يتحرك في الاتجاهين".

رغم انفصال أرمينيا عن الاتحاد السوفيتي قبل أكثر من 3 عقود، إلا أنه بالنظر إلى الطراز المعماري فيها لن تشعر بأن ذلك قد حدث أبدًا، حيث لا تزال الأبراج العتيقة والأبنية الحكومية التي تعود إلى الحقبة الكلاسيكية الحديثة والعمارات السكنية المتداعية تشهد على ذاك الزمان.

ويتكرر في يريفان اسم واحد مرارًا وتكرارًا وهو "ألكساندر تامانيان" (Alexander Tamanian)، المهندس المعماري الأرمني الذي صمم شوارع المدينة المستديرة المدهشة ورسم المخطط الأولي لمعلم الأدراج الضخم "كاسكيد" (Cascade) ودار الأوبرا و"ساحة الجمهورية" (Republic Square).

افتُتح عام 2018 فندق "ذا ألكساندر" (The Alexander) التابع لمجموعة "لاكجري كوليكشن" (Luxury Collection) ليمنح زوار أرمينيا زيارة مرفّهة، فإذا رغبت في أخذ استراحة من مشاهدة معالم المدينة، يمكنك المشي مسافة 5 دقائق من "ساحة الجمهورية" (Republic Square) للاسترخاء في سبا "آن سيمونان" (Anne Semonin) والتنقل كما تشاء بين الساونا وغرفة البخار والمسبح الداخلي، أو الجلوس على أحد مقاعد البار الموجود على سطح الفندق للاستمتاع بمناظر المباني الوردية التي تتميز بها يريفان وجبل أرارات من خلفها.

يجمع الطعام الأرمني بين مأكولات العديد من مناطق العالم مستعيرًا نكهاته من الثقافات الروسية والجورجية والفارسية والشامية دون أن يسود طابع أي منها على الآخر، بدءًا من التبولة الحامضة وصولًا إلى سلطة البطاطا المليئة بالمايونيز وشوربة حوافر البقر و"الدمبلينغنز" المخبوزة مع صلصة الطماطم.

يجعل هذا التنوع الكبير للمأكولات في يريفان من تناول الطعام تجربة رائعة ولذيذة للغاية؛ فيمكن للغداء أن يكون في صالة الطعام المغطاة بورق الجدران الأنيق في مطعم "دولماما" (Dolmama) على وجبة من أوراق العنب المحشوة الشهية، ليأتي بعدها العشاء في مطعم "لحمجون غايدز" (Lahmajun Gaidz)، الذي افتتحه لاجئ سوري، وتتناول أشهى فطائر اللحم بالعجين التي تذكرك بشرائح البيتزا في نيويورك ليكون شاهدًا على أرقى أطباق الطعام الأرمني السريع.

بدأت مجموعة من الرحالة الدوليين، منذ عام 2015، بالتخطيط لإنشاء شبكة "ترانزكوكيجان ترايل" (Transcaucasion Trail)، وهي شبكة واسعة النطاق تتيح للمتنزهين زيارة بعض المناطق البعيدة المختبأة في جبال القوقاز عبر مسار– يبلغ طوله حوالي 100 كم – يمر في أحد أجزائه عبر "حديقة ديليجان الوطنية" (Dilijan National Park)، وهي محمية تشتهر بالأديرة التي يتجاوز عمرها 100 عام، وتضم صقورًا ودببة وحيوانات الوشق وذئاب، إذ أن المجموعة انطلقت في رحلتها الرسمية الأولى عبر هذا المسار في شهر يونيو عام 2019.

تعتبر "كاتدرائية إتشميادزين" (Echmiadzin Cathedral)، التي بنيت في أوائل القرن الرابع الميلادي، ذات أهمية كبيرة بالنسبة للمسيحيين الأرمن تعادل أهمية المسجد الحرام بالنسبة للمسلمين أو الحائط الغربي بالنسبة لليهود، فهي مكان يحمل أهمية روحية لا تقارن، غير أن روعة هذا المكان تذهل المؤمنين وغير المؤمنين على حد سواء، فالنقوش الدقيقة فيها تصوّر مشاهد من الإنجيل وأخرى طبيعية شديدة الجمال، واللوحات الجدارية المذهّبة التي تلمع تحت أشعة الشمس.

إذا قررت زيارتها فالأفضل أن تكون هناك قبل الظهر لأنك قد تحظى بفرصة سماع كورال الكنيسة على ضوء الشموع التي يحملونها في أيديهم.

لو قضيت أسابيع طويلة تتنقل بين أديرة أرمينيا فلن تتمكن من زيارتها جميعها، غير أنك لا تستطيع أن تفوت زيارة دير "غيغهارد" (Geghard) بالذات الذي أدرجته "اليونسكو" (UNESCO) على قائمة مواقع التراث العالمي (Unesco World Heritage Site).

يشمل الدير الأشبه بالمتاهة مجموعة هائلة من أحجار "الخاشتكار" (khachkars) المذهلة، وكنيسة من القرن الثالث عشر ومصليات قديمة وأبنية أخرى تابعة للكنيسة محفورة داخل سفوح التلال تحوّل لون جدرانها إلى الأسود من لهيب الشموع على مدى الزمن.

كل ما تحتاجه لإعداد المشاوي على الطريقة الأرمنية التي تسمى "خوروفاتس" (khorovats) هو اللحم والملح والنار لتشوي لحم البقر أو الخنزير أو الضأن على الأسياخ، ولكن إياك أن تنخدع، فقد حوّل الأرمن الكباب العادي إلى فن يختار فيه شيف المشاوي أفضل أنواع قطع اللحم ويملّحها بعناية، ليسحب من ثم السيخ عن اللهب عندما ينضج اللحم إلى حدٍ يجعلك لا تستطيع الانتظار أكثر لتستمتع بتناوله.

تسببت الإبادة الجماعية الأرمنية عام 1915 بقتل مليون أرمني وإجبار الملايين على الهرب من مسقط رأسهم شرق تركيا، وأقيم لذلك صرحا كبيراً تخليداً للذكرى الأليمة، يطل هذا المعلم الرمادي القاتم بشكل مقصود، على يريفان مذكرًا بضحايا الإبادة الجماعية. حيث يشكل جزءًا من "مجمع تسيتسيرناكابيرد التذكاري" (Tsitsernakaberd Memorial Complex).

خصّص من وقتك ساعتين واحمل معك بعض المناديل كي ترى مجموعة من التحف اليدوية والصور والشهادات التي تجمع أدلة على فظاعة هذه المأساة القومية.

تغطي "بحيرة سيفان" (Sevan Lake) قرابة الـ 16بالمئة من مساحة أرمينيا، ما يمنح هذه الدولة الحبيسة بحرها الخاص الذي يوفر للمواطنين - وغيرهم من الدول المجاورة - نسيمًا باردًا خلال أيام الصيف الحارة. حتى وإن كان من الصعب السباحة في الطقس شديد البرودة، إلا أن بإمكانك التقاط بعض الصور التذكارية لديرَيّ "هايرافانك" (Hayravank) و"سيفانافانك" (Sevanavank) اللذان تنعكس صورتاهما على مياه البحيرة الزرقاء اللامعة.

تصنيفات