"كورونا" يقتل صناعة الفرو بعد مهاجمته لـ"المنك"

time reading iconدقائق القراءة - 8
التخلص من حيوان المنك يقتل صناعة الفرو - المصدر: بلومبرغ
التخلص من حيوان المنك يقتل صناعة الفرو - المصدر: بلومبرغ

في مزرعة "كنود فيست"، الواقعة على بعد ساعةٍ من كوبنهاغن، يسود صمتٌ مميتٌ في حين تعبر نسمات هواء غير اعتيادية في الأجواء. إذ تصطف الأقفاص فارغة، لا يبدو شيءٌ على امتداد مساحتها سوى الطين، وبقايا العلف. في وقت اختفت فيه رائحة السماد تماماً منها، كما اختفت الحيوانات ذاتها.

فجائحة (كوفيد-19) كانت بالنسبة لرعاة حيوان "المنك" الصغير المغطَّى بالفرو، الذي يعيش في أوروبا، أكثر من مجرَّد تهديدٍ على الصحة. ومن هؤلاء الرعاة داين البالغ من العمر 74 سنة، الذي قال، إنَّ الأشهر الماضية قضت على عمله الذي استمر لأكثر من خمسة عقود.

كما فعلت هذه الأزمة تماماً بالوضع السياسي في الدنمارك مولِّدة أزمة تحوُّلت إلى حكايةٍ تحذيرية حول إمكانية استمرار تهديد فيروس كورونا.

وفي بداية أغسطس الماضي، طلبت حكومة الدنمارك من مربّيِ المنك قتل مخزونهم بسبب مخاوف من انتشار شكلٍ متحوُّلٍ من الفيروس بسرعةٍ أكبر من ذي قبل بين الحيوانات. وبدأ فيست وعائلته بإبادة 23,000 حيوان بحذر، في حين واجهت رئيسة الوزراء ميت فريدريكسن هجوماً من الأحزاب السياسية المعارضة.

قال صاحب المزرعة: "في البداية، لم أصدق ما سمعت. إنَّ ردة الفعل المبالغ بها هذه، حققت ما كان يحاول نشطاء حقوق الحيوان تحقيقه على مدى سنوات".

وكانت الدنمارك قد حقَّقت نجاحاً كبيراً خلال الموجة الأولى من الجائحة في الربيع، لأنَّ الإقفال التام السريع ساعد على منع انتشار الفيروس. في حين توجَّه الاهتمام العالمي نحو قرارات السويد المجاورة، التي أبقت اقتصادها مفتوحاً.

ثم أتت فضيحة طلب الحكومة بإبادة 17 مليون حيوان "منك" في البلاد لتغطي على هذا النجاح. وهي حيوانات يصل عددها إلى حوالي ثلاثة لكل شخص في البلد الاسكندنافي. ويقول المعارضونن إنَّ إبادة كافة حيوانات المنك السليمة كان خرقاً للدستور الدنماركي.

لكن بمعزلٍ عن الاحتجاج السياسي، يقول الخبراء في مجال الصحة، إنَّ الدنمارك تشكِّل جرس إنذارٍ يحتاج العالم إلى الاستجابة له. فحتى الآن، كانت الدولة الوحيدة التي تخلَّصت من كافة حيوانات المنك الموجودة فيها. وذلك بالرغم من تصريحات منظمة الصحة العالمية التي قالت في 20 نوفمبر، إنَّ أكثر المشاكل الصحية الخطيرة المرتبطة لم تعد تنتقل بين البشر.

وتقول ماريون كوبمانز، وهي عالمة فيروسات في المركز الطبي في "جامعة إيراسموس" في هولندا: "يتعيَّن على كلِّ البلدان التي لديها هذا النوع من تربية الحيوانات، رصد ما يحدث بشأن العدوى بحزم كأدنى حدٍّ."، وأضافت: "إنَّ مراقبة الجانب الحيواني من الفيروس مسألة طارئة، لأنَّ فهم ما يحدث هو أولوية عالية."

وتتمُّ تربية حيوانات المنك وسلخها من أجل فروها في العديد من البلدان، من ضمنها روسيا والولايات المتحدة. وكانت منظمة الصحة العالمية قد قالت في 3 ديسمبر، إنَّه قد تمَّ إبلاغ المنظمة العالمية لصحة الحيوان عن حالات (كوفيد-19) في مزارع المنك في ثماني دول حتى الآن.

وفي 29 نوفمبر، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أنَّ وزارة الزراعة في الولايات المتحدة أمرت بحجر على المزارع المصابة، لكنَّ الصحيفة لم تذكر شيئاً حول المذابح الجماعية للحيوانات. وأضافت الصحيفة، إنَّ آلافاً من حيوانات المنك قد ماتت نتيجة إصابتها بفيروس كورونا في المزارع الأميركية.

أمَّا في أوروبا، فقد طرحت هولندا خططاً لإغلاق قطاع تربية المنك مع حلول 2024، وذلك بعد حالات التفشي التي حدثت هذه السنة. إلا أنَّ الدنمارك تبقى معرَّضة لخطرٍ أكبر.

وحتى فترة وجيزة، كان البلد يعدُّ أكبر مصنِّع لمنتجات جلد المنك وفروه في العالم. وأعلن "كوبنهاغن فور"، وهو أكبر دار منظمة لمزادات الفرو عالمياً، أنَّه يقوم بتصفية عملياته بعد 90 سنة على وجوده.

وفي الواقع، كانت الأشهر القليلة الماضية بشكلٍ خاص مقلقةً للبلاد. وكانت الحياة قد بدأت تعود لطبيعتها في يونيو، في حين كانت عائلة داين تعود تدريجياً إلى حياتها الطبيعية عقب الإقفال التام. ثم حدثت حالة تفشِّي محلية للإصابات في شمال غرب البلاد، وتمَّ تتبع مصدرها لمزرعة منك محلية، ولحيوانات المنك الـ10,000 الموجودة فيها.

وأمرت رئيسة الوزراء فريدريكسن بإبادة كافة حيوانات المنك في المزرعة، بالإضافة إلى مزرعتيْن مجاورتيْن. ولكن التهديد أصبح أكثر خطراً مع حلول أكتوبر، فقد انتشرت حالات التفشي في كافة أنحاء شبه جزيرة جوتلاند الغربية.

وأظهرت الفحوصات التي أجرتها السلطات الصحية أنَّ الفيروس تطوَّر خلال انتقاله من البشر إلى الحيوانات، ومن ثمَّ إلى البشر من جديد. وهو ما دفع تحذير مستشاري الحكومة لرئيسة الوزراء إلى الوضع، ممَّا أدى إلى إصدار أمرٍ بإبادة حيوانات المنك في 4 نوفمبر، وتمَّ إرسال رجال الشرطة والجيش للإشراف على الرعاة خلال العملية. وقالت فريدريكسن، إنَّ المشكلة خطيرة "ليس فقط على الدنمارك، بل على جهود إدارة فيروس كورونا في العالم أجمع."

وفي ذلك الأسبوع، منعت المملكة المتحدة الزائرين القادمين من الدنمارك من الدخول، بالرغم من أنَّ منظمة الصحة العالمية أصبحت تنصح الآن بعدم فرض قيودٍ على السفر أو التجارة.

إلَّا أنَّ المشكلة التي واجهت الحكومة في الدنمارك، في كونها لم تمتلك التشريعات اللازمة لإصدار أمرٍ بقتل حيوانات المنك السليمة. وقالت فريدريكسن، إنَّها لم تكن تعلم أنَّ الأمر كان غير قانوني، ومضت قُدماً بأمر الإبادة.

في تلك المرحلة، تحوَّل الأمر إلى فضيحةٍ مدوية، وقدَّم وزير الزراعة استقالته. في حين لا تزال هناك احتجاجات يومية خارج البرلمان في كوبنهاغن ضد قتل حيوان المنك، بالإضافة إلى الاحتجاجات ضد القيود المرتبطة بفيروس كورونا.

وفي 25 نوفمبر، رفضت رئيسة الوزراء الادِّعاءات القائلة بأنَّها خرقت القانون عمداً، واصفةً إياها بالباطلة. وفي ظهورٍ مؤثِّرٍ لها على القناة الوطنية بعد زيارة مزرعةٍ محلية، اعترفت أنَّه كان بالإمكان إدارة هذه الأزمة بشكلٍ أفضل.

وقالت لإذاعة "TV2": "هناك سبب للاعتذار عن هذه العملية بسبب الأخطاء التي ارتُكبت، والاضطراب الذي حدث." وأضافت: "كانت عمليةً صعبةً للغاية على العائلات، ومربّي المنك."

وتكمن المشكلة أيضاً، بأنَّ سرعة قتل الحيوانات أسفرت عن أخطاء وإحراج إضافي للحكومة. فقد ألقت الشاحنات المحملة بحيوانات المنك الميتة بعض الجثث على الطرقات، في حين تمَّ حشر بعض الحيوانات الحية في مستوعباتٍ مع المنك الميت. كما تمَّ دفن بعض حيوانات المنك في المقابر الجماعية في جوتلاند بسرعة جعلت الغازات تظهر على سطح الأرض بسبب جثث الحيوانات المتعفنة.

وفي الوقت عينه، يتمُّ التفاوض بشأن التعويض اللازم لرعاة المنك من أمثال "فيست"، وتعمل الحكومة على سنِّ تشريعاتٍ تمنع تربية المنك بشكلٍ فعَّال خلال عام 2021. وتقول فريدريكسن، إنَّها تأمل من أن يتمكن الرعاة من إعادة تفعيل هذا القطاع بعد رفع الحظر عنه في 2022.

وأخيراً، عندما كان يتجوَّل في مزرعته، استذكر فيست الزيارة التي قام بها سانتو فيرزاتشي إلى مزرعته الواقعة قرب روسكيلدا في وقتٍ ما من عام 2005. وسانتو هو الشقيق الأكبر لأيقونة الموضة المصمم العالمي "جياني فيرزاتشي". وتحدَّث الاثنان حينها عن جودة فرو المنك الدنماركي، في حين تناولا كعكة معدَّةً من اللوز.

ويذكر أنَّ إعادة إحياء القطاع سيستغرق سبع سنواتٍ على الأقل. إذ تقول العديد من المزارع المغلقة، إنَّها لن تهاود تربية المنك أبداً بعد الآن.

ويضيف فيست عن اليوم الذي تمَّ فيه الإعلان عن إبادة الحيوانات: "بدا الأمر، وكأنَّني تحت تأثير المخدِّر." وأضاف: "كان علينا الصمود للبقاء، وتوجَّب علينا إتمام المهمة التي أسندتها إلينا الحكومة. ولكن ما إن أفرغنا المزرعة، بدا الأمر، وكأنَّني في غيبوبة."

تصنيفات