"رئيس السلام" يقود طفرة أسهم الدفاع

البيت الأبيض يروج لمنظومة "القبة الذهبية" بتريليونات الدولارات ويهدد بضربات على إيران وفنزويلا

time reading iconدقائق القراءة - 9
طائرة \"اف 22 رابتور\" من صناعة \"لوكهيد مارتن\" - المصدر: بلومبرغ
طائرة "اف 22 رابتور" من صناعة "لوكهيد مارتن" - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يحظى المستثمرون بعلاقة معقدة عادة مع أسهم شركات الدفاع. فهم يحبون التدفقات النقدية المتوقعة لهذا القطاع، لكن كثيرين منهم لديهم تحفظات على امتلاك حصص في شركات تصنع "آلات قتل"، على الأقل حتى وقت قريب. لهذا السبب تقدم بعض الشركات مؤشرات تُقصي أسهم شركات صناعة الأسلحة صراحة.

لكن الولاية الرئاسية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترمب أدخلت تحولاً فريداً على ثقافة الاستثمار لدينا. فأسهم الدفاع لا تحقق أداءً تاريخياً قوياً وحسب، بل إنها تؤدي أفضل مما تبرره العوامل الأساسية وحدها. في عهد ترمب، الذي وصفه البيت الأبيض ــ على نحو محير للعقل ــ بـ"رئيس السلام"، يدفع المستثمرون في السوق علاوة سعرية للاحتفاظ بالعديد من هذه الأسهم. أجج ترمب هذه الموجة من خلال حث أوروبا على زيادة إنفاقها الدفاعي، ووعده بتوفير المنظومة الدفاعية "القبة الذهبية" التي قد تبلغ تكلفتها تريليونات الدولارات (وفق بعض التقديرات)، بالإضافة لإعطاء الضوء الأخضر لعمليات هجومية بارزة - على خلاف سمعته كسياسي يرفض التدخل خارجياً - منها ضربات على منشآت إيران النووية، وأخرى على من يُفترض أنهم مهربو مخدرات. تشير تقارير صدرت الجمعة الماضي (ينفيها ترمب حتى الآن) إلى أن الولايات المتحدة الأميركية قد تستعد لضرب منشآت عسكرية داخل فنزويلا تالياً.

تأثير دونالد ترمب

وقبل الخوض في ما يحدث حالياً، يجدر التوقف لحظة للتفكير في فرادة هذا المشهد. فترمب، الذي سعى لنيل جائزة نوبل للسلام (ويزعم أنه أنهى 6 أو 7 أو ربما 8 حروب)، كان أفضل لقطاع الدفاع من حيث الأداء حتى من جورج بوش الابن، الرئيس إبان أسوأ هجوم إرهابي على الأراضي الأميركية، والذي أطلق حربي العراق وأفغانستان.

اقرأ أيضاً: تصريحات ترمب تهبط بأسهم الطاقة الخضراء وتصعد بشركات الدفاع

وللإنصاف، قد يعترض بعض القراء على مقارنتي بين رئاسة عمرها 9 أشهر وبين فترات رئاسية سابقة امتدت 4 أو 8 سنوات. غير أن طريقة أخرى لوضع مسيرة القطاع في سياقها هي النظر إلى أداء التفوق المتحرك لعام واحد (260 يوم تداول). هنا أيضاً جاءت النتائج لافتة إذ انه خلال الفترة الحديثة الوحيدة القابلة للمقارنة مع "ترمب 2.0" جاءت بعد فترة وجيزة من تنصيب بوش الابن، الذي ارتبطت إدارته بروابط موثقة على نطاق واسع مع قطاع الدفاع عبر نائب الرئيس آنذاك ديك تشيني، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "هاليبرتون".

ما الذي يجري؟

أولاً، هناك التوقع الواقعي جداً بأننا على وشك أن نشهد موجة عالمية من عقود الدفاع. بضغط من ترمب، وافق قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في يونيو الماضي على رفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعاً من الهدف السابق البالغ 2%. تتكهن السوق بأن هذا التحول سيتحقق على مدى عقد تقريباً، وأن جزءاً كبيراً من هذه العوائد سيتدفق إلى المتعاقدين الأميركيين ــ مع استفادة موازية لأسهم الدفاع الأوروبية في التداول.

فضلاً عن ذلك، ثمة دلائل على أن الحلفاء الآسيويين الكبار -بعدما رأوا أن المظلة الأمنية الأميركية لم تعد كما كانت- يعتزمون أن يحذوا حذو أقرانهم الأوروبيين ويزيدوا الإنفاق العسكري في مناطقهم أيضاً. وقد بدأ محللو "وول ستريت" في إدراج تلك المآلات ضمن توقعاتهم للأرباح، بما يشير إلى أن معدل الأرباح لكل سهم في قطاع الطيران والدفاع سيقفز 56% العام الجاري؛ و22% في 2026؛ و16% في 2027. لكن وفق مضاعفات الأرباح الآجلة السخية التي يدفعها المستثمرون، يبدو أن السوق تعتقد أن حتى تلك التقديرات متحفظة.

أما الجزء الثاني من القصة فهو أن أسهم شركات الدفاع تبدو ببساطة رائجة وسط جمهور المستثمرين الأفراد. اكتسبت هذه الأسهم مكانة ثقافية خاصة ــ وإن كانت عابرةً ربما؟ ــ في عصر ترمب في الولايات المتحدة الأميركية، إذ يفضل وزير الدفاع بيت هيغسِث أن يُنادى بلقب "وزير الحرب"، وحيث تتمحور الصحة العامة حول تمارين الضغط، لا اللقاحات.

طالع المزيد: الاتحاد الأوروبي يعطي الضوء الأخضر لصندوق دفاع بـ169 مليار دولار

على المستوى الداخلي، اتسم التحول الثقافي نحو النزعة الذكورية برفض مظاهر الحساسية المفرطة وحملة"التيقظ". وخارجياً، اتسم بنبذ دبلوماسية القوة الناعمة والعودة إلى الاختبارات النووية. في سوق الأسهم، سيُتذكر بوصفه حقبة كانت فيها شركة "بالانتير تكنولوجيز"، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين "سلسلة القتل" لجنود الولايات المتحدة الأميركية في ميدان المعركة، تتمتع بقيمة سوقية 476 مليار دولار لحظة كتابة المقال، بما يعادل نحو 247 ضعف متوسط أرباحها الآجلة.

تكنولوجيا الدفاع

بما أنها شركة برمجيات، فإن "بالانتير" ليست جزءاً تقنياً من مؤشر الطيران والدفاع الذي أشرتُ إليه سابقاً. لكنها المثال الأبرز على "تكنولوجيا الدفاع "، وهو موضوع استثماري وجد لنفسه مكاناً عند تقاطع الدفاع والذكاء الاصطناعي، وهو مزيج لا يستطيع المستثمرون الأفراد مقاومته هذه الأيام. يجري تداول "مؤشر غلوبال إكس ديفنس تيك" (Global X Defense Tech) عند 28 ضعف الأرباح المتوقعة (مقابل 23 ضعفاً لمؤشر "ستاندرد أند بورز 500"). مع احتساب "بالانتير"، فإن أكثر من خُمس الشركات ضمن السلة تُتداول حالياً فوق متوسط الأسعار المستهدفة لاثني عشر شهراً بحسب إجماع محللي "وول ستريت". بعبارة أخرى، من الصعب تبرير هذه التقييمات بالعوامل الأساسية وحدها. إن معنويات السوق (أو الحالة المزاجية السائدة) تؤدي دوراً مهماً في الوقت الراهن.

ماذا يعني استحواذ الحكومة الأميركية على حصة في شركة دفاعية؟

لقد خلّف كل ذلك أثراً لا يُستهان به على سوق الأسهم الأميركية ككل. غالباً ما يسهل السخرية عندما يحاول ترمب نسب الفضل إلى نفسه في أداء السوق (كما فعلت مؤخراً حين نشر على منصة "تروث سوشيال" - بأحرف كبيرة كلها - أن السوق أقوى من أي وقت مضى بسبب مغامراته للرسوم الجمركية غير الحصيفة). لكن في حالة أسهم الدفاع، يصعب إنكار أثر ترمب. مع احتساب أسهم الطيران والدفاع و"تكنولوجيا الدفاع" الأخرى ضمن البرمجيات والخدمات المهنية، أقدّر أن تجارة الدفاع الخاصة بترمب أضافت نحو 1.2 نقطة مئوية من مكاسب "ستاندرد أند بورز 500" البالغة 14.1% منذ يوم التنصيب. هذا ليس بالأمر الهين.

يبقى السؤال الحقيقي عما إذا كانت موجة صعود أسهم الدفاع أمراً جيداً عموماً. فمهما كانت مزايا تقاسم أعباء التكلفة الدفاعية داخل "الناتو"، يستحيل تبديد الشعور بأننا ننزلق نحو عالم أكثر تصادمية -وإلى نشوء ثقافة فرعية استثمارية تبدو وكأنها تحتفي بذلك. حقيقة أن هذا يحدث في عهد "رئيس السلام" تجعل الأمر أسوأ بكثير.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

logo

واشنطن

14°C
مطر متوسط الغزارة
العظمى / الصغرى 12°/15°
13 كم/س
57%