سوريا تراهن على إحياء قطاع الذهب عبر مدن صناعية وتنظيم السوق

مدير هيئة المعادن الثمينة لـ"الشرق": دمشق تسعى لجذب المستثمرين إلى القطاع واستعادة مكانة مشغولاتها الذهبية العالمية

time reading iconدقائق القراءة - 6
عامل يصب الذهب المنصهر لتشكيله على هيئة مشغولات - المصدر: بلومبرغ
عامل يصب الذهب المنصهر لتشكيله على هيئة مشغولات - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

الشرق

تتحرك سوريا نحو إعادة إحياء صناعة الذهب كإحدى الركائز الإنتاجية القادرة على استعادة الثقة في الاقتصاد المحلي وجذب الاستثمارات، في وقت تبحث فيه البلاد عن مسارات جديدة لدعم النمو بعد سنوات من التراجع. 

تركّز الحكومة على إعادة هيكلة سوق الذهب، وتعديل القوانين القديمة، وتأسيس مدن صناعية متخصصة في دمشق وحلب لإعادة بناء القطاع، واستقطاب الحرفيين، والمستثمرين الأجانب والسوريين العائدين من الخارج، في ظل بدء بعض المستثمرين في تأسيس مصافٍ الذهب لأول مرة في البلاد، بحسب مصعب الأسود، مدير الهيئة العامة لإدارة المعادن الثمينة في سوريا لـ"الشرق". 

يأتي هذا فيما تعتزم دمشق إطلاق جولة ترويجية دولية خلال الأشهر القليلة المقبلة لجذب استثمارات جديدة من دول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة، في إطار جهودها لإعادة بناء اقتصادها المتضرر من الحرب، بحسب ما أفادت به "بلومبرغ" الشهر الماضي.

خطة شاملة لإعادة هيكلة قطاع الذهب

في العاشر من أكتوبر المنصرم، كشف مصرف سورية المركزي عن خطة شاملة لإعادة هيكلة قطاع الذهب والمعادن الثمينة في البلاد، تشمل تحرير نظام الاستيراد والتصدير، وترخيص مصافي الذهب الوطنية، في خطوة اعتُبرت أساسية نحو تنظيم السوق وتعزيز موارد الدولة.

وفي بيان منشور على موقعه الرسمي، أعلن المصرف عن إعادة النظر في القانون رقم 34 لعام 2023 الذي ينظم إدخال الذهب الخام إلى سوريا، بالتعاون مع هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والجهات الرسمية المعنية. وتشمل الخطة إنشاء سجل وطني إلكتروني لتتبع الذهب، وتطوير آليات الترخيص لمصافي الذهب العاملة في البلاد.

وقال الأسود إن التوجه الحالي يقوم على تحديث القوانين وتجاوز البيروقراطية السابقة في التعامل بين الدولة والقطاع، مشيراً إلى أنه جرى الاتفاق مع المصرف المركزي على تشكيل لجنة لدراسة التعديلات التشريعية اللازمة وتنظيم الاستيراد والتصدير للذهب وترخيص المسكوكات الذهبية.

قال عبد القادر الحصرية حاكم مصرف سورية المركزي، في مقابلة سابقة مع "الشرق" إن احتياطي الذهب لدى المصرف مستقر، ولم يتم المساس به، معتبراً أنه ضروري ويمثل جزءاً من تغطية الليرة السورية، كما أن المركزي يتطلع لزيادته وبناء مزيد من الأصول والاحتياطيات النقدية في المصرف.

تمتلئ خزائن مصرف سورية المركزي بنحو 26 طناً من الذهب، وهي الكمية نفسها التي كانت موجودة بها عند اندلاع الحرب الأهلية في 2011، حتى بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد، بحسب وكالة "رويترز".

مدن للذهب في دمشق وحلب

ووفق الأسود، يجري السعي لإنشاء مدينتين متخصصتين بصناعة الذهب في دمشق وحلب، باعتبارهما الأكبر إنتاجاً في القطاع. وستضم المدينتان ورش صناعة ومصانع ومحال تجارية، بهدف رفع الطاقة الإنتاجية، وتعزيز الرقابة، وتسهيل حركة العمل والنقل. وأكد مدير هيئة المعادن أن اختيار المواقع لا يزال قيد الدراسة على أن تكون قريبة من مراكز المدن.

إعادة بناء الصناعة بعد سنوات التراجع

شهدت صناعة الذهب السورية تراجعاً كبيراً خلال العقد الماضي، إذ انخفض عدد ورش الذهب في دمشق وحلب من نحو ألف ورشة إلى قرابة 200 فقط، نتيجة الظروف الأمنية والاقتصادية وهجرة الحرفيين، بحسب الأسود، الذي أشار إلى أن جودة المشغولات السورية تراجعت خلال تلك الفترة وفقدت مكانتها الرفيعة سابقاً، لكنه أكد بدء عودة صناعيين وصاغة من الخارج، مع توافر بيئة أفضل للعمل.

وأوضح أن الإنتاج الحالي من المشغولات يبلغ نحو 40 كيلوغراماً يومياً موزعة بالتساوي بين دمشق وحلب، مع توقعات بزيادة الإنتاج مع دخول مصانع جديدة الخدمة قريباً. كما تعمل السلطات على تنظيم عمليات إدخال الذهب الخام برسوم منخفضة لتحفيز التصنيع المحلي، مع فرض رسوم على المشغولات المستوردة لمنع الإغراق.

تنظيم السوق وحماية الصناعة

تعمل السلطات السورية على إعادة تنظيم السوق ومكافحة ظاهرة التنقيب غير المرخص عن الذهب، في ظل غياب الخرائط الجيولوجية لأماكن تركز المعدن الأصفر التي يسعى المسؤولون لإعادة حصرها، بحسب الأسود، ومع اهتمام دول بينها أذربيجان بالتنقيب عنه.

كما أشار الأسود إلى اهتمام مستثمرين من الخارج، بينهم سوريون مغتربون وأطراف من دول مجاورة، بالدخول في نشاط تصفية الذهب وإنشاء مصافٍ وفق معايير عالمية، في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها داخل البلاد.

وتشمل خطة المصرف المركزي التي أُعلن عنها في العاشر من أكتوبر الماضي دعم المهارات الوطنية في صناعة الذهب، وتعزيز السمعة التقليدية لسوريا كبلد معروف بحرفيته العالية في هذا المجال. كما يعمل المصرف على ترخيص المصافي لتعمل وفق معايير بيئية وفنية دولية، مما يعكس محاولة واضحة للمواءمة مع أفضل الممارسات العالمية.

محركات سعر الذهب 

يرتبط سعر الذهب في سوريا بحركة الأونصة العالمية وسعر صرف الليرة السورية، مع ميل الأسعار أحياناً للارتفاع عن المتوسط العالمي بفارق بسيط. وقال الأسود إن الإقبال الحالي يتركز على الذهب الادخاري أكثر من المشغولات، نظراً لضعف الثقة بالأدوات المالية الأخرى. 

يدور سعر الذهب قرب مستوى 4000 دولار للأونصة. وارتفع السعر العالمي إلى مستوى قياسي في أكتوبر، مدفوعاً بموجة شراء قوية من جانب المستثمرين الأفراد، لكنه انخفض بشكل حاد منذ ذلك الحين. ولا تزال الأسعار مرتفعة بأكثر من 50% منذ بداية العام، حتى بعد التراجع. ومن المتوقع أن تبقى العديد من العوامل الأساسية التي غذّت هذا الارتفاع، بما في ذلك مشتريات البنوك المركزية والطلب على الملاذات الآمنة، قائمة، وفق "بلومبرغ".

تصنيفات

قصص قد تهمك