الدفع الرقمي يتقدم في المغرب.. لكن "الكاش" لا يزال مسيطراً

"فيزا" المغرب: الكاش يمثل 63% من إجمالي المعاملات في البلاد

time reading iconدقائق القراءة - 8
أوراق نقدية مغربية من فئة 200 درهم - المصدر: بلومبرغ
أوراق نقدية مغربية من فئة 200 درهم - المصدر: بلومبرغ
الرباط -يوسف لخضر
المصدر:

الشرق

يشهد المغرب توسعاً في الدفع الرقمي، غير أن هذا المسار لا يزال يصطدم بـ"فجوة القبول"، وسط محدودية عدد التجار الذين يعتمدون وسائل وحلول الدفع الرقمية، ما يجعل النقد "الكاش" الوسيلة الأكثر حضوراً في المعاملات اليومية.

يمثل "الكاش" نحو 63% من إجمالي المعاملات في البلاد، بحسب دراسة حديثة لشركة "فيزا المغرب" اطلعت عليها "الشرق" ما يعكس استمرار هيمنة المعاملات النقدية الورقية. هذا المعطى ترصده أيضاً بيانات بنك المغرب المركزي حيث قدّر أن حجم الكاش المتداول بلغ نهاية أغسطس 467 مليار درهم (51 مليار دولار)، بزيادة 9.6% على أساس سنوي، وهو ما يمثل نحو 30% من الناتج المحلي، ما يجعل البلاد تُصنّف في المراتب الأولى عالمياً من حيث الاعتماد على "الكاش".

لمواجهة هذا التوسع المتزايد للنقد، يجري المركزي المغربي دراسة شاملة مع التشاور مع مختلف الجهات المعنية لإيجاد حلول عملية. لكن والي "المركزي" عبد اللطيف الجواهري صرح في مؤتمر صحفي في سبتمبر الماضي أنه "لا توجد حلول سحرية لمعالجة الظاهرة من المنبع"، مضيفاً أن البنك يُركز على "التعامل مع النقود بعد خروجها من النظام المصرفي ومحاولة إعادتها إلى القنوات البنكية".

اقرأ أيضاً: كيف يواجه المغرب معضلة زيادة "الكاش"؟

كيف تتعامل الشركات المغربية مع الدفع الرقمي؟

تكشف النتائج الأولية لدراسة "فيزا المغرب"، أن 60% من الشركات الصغيرة والمتوسطة تستخدم حلول الدفع الرقمي منذ أكثر من ثلاث سنوات، فيما يرى 67% من هذه الشركات أن تلك الوسائل أسهمت بشكل مباشر في نمو أعمالها. لكن في المقابل، لا تزال 42% من الشركات تشتغل حصرياً بالنقد، ما يعكس محدودية انتشار التحول الرقمي في منظومة المدفوعات.

وشملت الدراسة 260 شركة صغيرة ومتوسطة في 3 مدن رئيسية: الدار البيضاء، الرباط، ومراكش، ويُرتقب أن تُنشر نتائجها الكاملة خلال نوفمبر الجاري.

تُظهر الدراسة أن 42% من التجار يعتبرون كلفة خدمات وأجهزة الدفع الإلكتروني العائق الأكبر أمام اعتماد هذه الوسائل، تليها العادات الراسخة في التعامل بالنقد (38%)، ثم تكاليف التركيب والصيانة (25%). ورغم ذلك، يرى 71% من التجار أن إدارة النقد تحمل مخاطر أكبر، مثل السرقة أو النزاعات، مُقارنةً بالدفع الرقمي.

سامي رمضان، المدير العام لشركة "فيزا المغرب"، قال في لقاء صحفي للتعليق عن النتائج الأولية للدراسة، إن "اعتماد الدفع الرقمي ليس تكلفة إضافية، بل استثماراً في نمو الإيرادات، إذ تفتح كل نقطة دفع إلكتروني آفاقاً جديدة لجذب عملاء جدد، فضلاً عن تحسين التدبير المالي للشركات".

ورأى رمضان أن التحول الرقمي في المدفوعات بالمغرب أصبح واقعاً ملموساً، غير أن التحدي اليوم يتمثل في توسيع شبكة القبول وتعزيز الثقة لدى التجار والعملاء". ويُضيف أن تعميم حلول مثل "Tap-to-Phone"، التي تتيح تحويل الهواتف الذكية إلى أجهزة قبول دون تجهيزات إضافية، من شأنه تسريع وتيرة التحول".

الدفع الرقمي في المغرب استعداداً لكأس العالم 2030

"اللحظة الراهنة مواتية لتعميم الدفع الرقمي" بحسب دراسة "فيزا المغرب" بالنظر توفر عدة عوامل داعمة مثل الابتكارات التكنولوجية، والزخم السياحي، واستعداد المملكة لاستضافة فعاليات رياضية كبرى ككأس أفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم لكرة القدم 2030.

رمضان أشار إلى أن تعميم الدفع الرقمي يمكن أن يشهد زخماً بتقديم حوافز مالية أو ضريبية للتجار، خصوصاً في المناطق ذات الكثافة التجارية أو السياحية، إلى جانب تبسيط تجربة المستخدم من خلال تقنيات التشفير الرمزي للبيانات (Tokenisation) والمصادقة المعتمدة على المخاطر، بما يعزز ثقة المستهلكين.

كيف جنى المغرب 600 مليون دولار عبر ضريبة تصالح على "الكاش"؟ اقرأ التفاصيل

يُتوقع أن تستقبل المملكة بنهاية العام الجاري 18 مليون سائح، مع توقعات ببلوغ 26 مليون سائح بحلول نهاية العقد الجاري، وتعمل المملكة على تعزيز الربط الجوي وتشجيع الاستثمار بالقطاع السياحي وزيادة الترويج عالمياً.

"تسريع اعتماد المدفوعات الرقمية يتطلب شراكات استراتيجية بين البنوك وشركات التكنولوجيا ومزودي خدمات الدفع، لبناء منظومة أكثر شمولاً ومرونة"، بحسب مدير عام "فيزا المغرب"، وأضاف أيضاً أنه من الأهمية بمكان العمل على "رفع الوعي لدى التجار بمزايا الدفع الرقمي من حيث الأمان، والسرعة، وتتبع المعاملات".

آثار اقتصادية للدفع الرقمي في المغرب

من شأن توسيع قاعدة استعمال الدفع الرقمي أن تكون له فوائد اقتصادية، حيث أوردت دراسة "فيزا" معطيات للبنك الدولي تُشير إلى أن تسريع الانتقال إلى منظومة دفع رقمية شاملة قد يرفع الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنسبة تتراوح بين 3% إلى 5% خلال 5 إلى 10 سنوات، كما يُمكن أن يساهم ذلك في تقليص حجم الاقتصاد غير الرسمي بنسبة 11 إلى 13% إذا زاد اعتماد الدفع الرقمي بـ5% سنوياً لمدة خمس سنوات.

اقرأ أيضاً: المغرب يسعى لكبح "اقتصاد الظل" دون 30% من الناتج المحلي

وتخلص الدراسة إلى أن "الدفع الرقمي في المغرب بلغ مرحلة النضج التقني، لكنه لا يزال بحاجة إلى توسيع قاعدة القبول وتغيير السلوك النقدي، حتى يتحول إلى رافعة حقيقية لتحديث الاقتصاد وتعزيز الشمول المالي".

ولإعطاء مثال على تأثير الدفع الرقمي على الاقتصاد، قال سامي رمضان إن دراسة سابقة لشركة "فيزا" صدرت عام 2017 صنفت الدار البيضاء، وهي أكبر مدينة في المملكة، ضمن المدن "النقدية" (Cash Centric)، أي الأكثر اعتماداً على المعاملات الورقية. وتقدّر الدراسة أن المدينة يمكن أن تحقق فوائد مباشرة بنحو 933.8 مليون دولار سنوياً، أي ما يعادل 3.9% من ناتجها المحلي الإجمالي، إذا خفّضت مستوى استخدام النقد.

كما يمكن أن يتيح هذا التحول خلق 11500 وظيفة جديدة، وتحقيق نمو اقتصادي إضافي بمعدل 11.5 نقطة أساس سنوياً، مع تحسن في الإنتاجية والأجور. عالمياً، تؤكد الدراسة أن التحول نحو المدفوعات الرقمية يمكن أن يحقق فوائد عالمية تتجاوز 470 مليار دولار سنوياً عبر 100 مدينة حول العالم، من خلال توفير الوقت للمستهلكين، وخفض التكاليف التشغيلية للشركات، وزيادة الإيرادات الضريبية للحكومات.

"المركزي" المغربي: البيئة جاهزة لكن العادات تقاوم

تشير فدوى جوالي، المسؤولة عن تطوير المدفوعات ببنك المغرب، في بودكاست خاص يعدّه المركزي إلى أن "100% من الأسر المغربية تتوفر على هاتف ذكي واحد على الأقل، ومعدلات الولوج إلى الإنترنت تُعدّ من الأعلى في المنطقة، وهو ما يوفر بيئة مثالية لتعميم حلول الدفع الرقمية".

اقرأ أيضاً: كيف يستعد المغرب لاستضافة كأس العالم 2030؟

وترى جوالي أن ارتباط المغاربة بالنقد لا يعكس مقاومة للتحول الرقمي، بل يُفسَّر بوجود عادات واستخدامات لم تُلبَّ بعد رقمياً بشكل أكبر، مثل دفع الفواتير أو تعبئة رصيد الهواتف. وأضافت أن تعزيز تبني الدفع الرقمي يتطلب تحفيز التجار والمستهلكين، وخفض التكاليف، وزيادة المنافسة، والتثقيف المالي والرقمي لضمان الاستخدام الأمثل.

اهتمام بنك المغرب المركزي بتخفيض المعاملات النقدية والحد من "الكاش" مرده إلى آثاره السلبية على القطاع البنكي، إذ يُتوقع أن يدفع ذلك عجز السيولة البنكية العام المقبل إلى 133 مليار درهم، من 115.3 مليار درهم متوقع بنهاية العام الجاري.

أحدث تحرك من طرف بنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية تمثّل في إعداد مشروع قانون لتنظيم الأصول المشفرة، والذي قد يدفع نحو مزيد من الرقمنة في المعاملات المالية في المملكة، في ظل تزايد الإقبال على استعمال العملات المشفرة رغم الحظر الرسمي، وخصوصاً من طرف الشباب.

تصنيفات

قصص قد تهمك