هل يعلم الاقتصاد العالمي بوجود حرب تجارية؟

البيت الأبيض يبدو منتهجاً سياسة صفقات عبر الضغوط أكثر منه معادياً لحرية التجارة

time reading iconدقائق القراءة - 9
الرئيس الأميركي دونالد ترمب أثناء توقيعه على أمر تنفيذي في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في واشنطن العاصمة بالولايات المتحدة - بلومبرغ
الرئيس الأميركي دونالد ترمب أثناء توقيعه على أمر تنفيذي في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في واشنطن العاصمة بالولايات المتحدة - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في أبريل، بدت رسوم "يوم التحرير" التي فرضها الرئيس دونالد ترمب نذيراً بنهاية التجارة العالمية كما نعرفها. وكان يُظن أن أضراراً جسيمةً ستحيق بالولايات المتحدة وشركائها. بعد مضى نصف عام منذئذ، أصبح انهيار النظام متعدد الأطراف السائد حقيقةً واقعةً، ويبدو أن رغبة الرئيس في إحداث المزيد من الاضطرابات لم تتضاءل.

إذاً، أين هو الضرر؟ لا شك أن كثيراً منه قد وقع وهناك مزيد في الأفق. مع ذلك، وبالنظر إلى كل هذه الدراما، تبدو النتائج حتى الآن أدنى بقدر ما من أن تكون طاغيةً، وربما كان عصر الحمائية الأميركية الجديد ليس تحولياً كما يصوّره البيت الأبيض.

اتفاقيات ترمب في آسيا.. أفضلية واضحة لواشنطن وغموض بشأن دول المنطقة

يتوقع تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الجديد الصادر عن صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 1.9% هذا العام و2% في عام 2026؛ وهو ما يتماشى تقريباً مع معظم تقديرات النمو المحتمل على المدى الطويل.

ويُتوقع أن يبلغ النمو في الاقتصادات المتقدمة عموماً 1.8% العام المقبل، وهو نفس معدل النمو في عام 2024 تقريباً. وقد شهدت اقتصادات الأسواق الناشئة والنامية انتكاسة أكبر، لكن ما يزال بإمكانها التطلع إلى نمو بنسبة 4.4% في عام 2026. جميع هذه الأرقام أفضل من المتوقع في أبريل.

هل تراجعت التجارة العالمية بفعل الرسوم؟

كما تتوقع منظمة التجارة العالمية تباطؤ نمو التجارة العالمية العام المقبل، بحيث يرتفع 0.5%، وهذا انخفاض عن نسبة 2.4% المتوقعة لهذا العام، لكن الارتفاع يبقى ارتفاعاً.

ليس ما بحدث كارثة اقتصادية بالضبط. مؤكد أن نظام التجارة الجديد ما يزال في طور تراجع، فإذا ما استقر يوما ما، فإن أنماط التجارة والاستثمار ستستغرق بعض الوقت حتى تستقر.

على الرغم من هذا التحول الحمائي، ارتفعت واردات الولايات المتحدة بنحو 10% بالقيمة الحقيقية في النصف الأول من هذا العام مقارنة بالأشهر الستة الأولى من عام 2024. (بما أن الصادرات كانت مستقرةً تقريباً، فقد ازداد العجز التجاري). ويعود ذلك جزئياً إلى تكثيف البائعين مشترياتهم الأجنبية قبل فرض الرسوم الجمركية المتوقعة، وطمس ذلك الآثار الأطول أجلاً.

الهدنة التجارية الأميركية الصينية تهدئ الأسواق وتؤجل القضايا الجوهرية

كما آن البيانات الإجمالية مضللة بطرق أخرى. على سبيل المثال، إخفاء الضغوط الحادة التي تواجهها صناعات وشركاء تجاريون معينون.

مع ذلك، يفسر بعض النقص الواضح في العواقب الوخيمة بالفجوة بين الخطاب والسياسة. ويمكن القول إن الإدارة الأميركية تثبت أنها أقل تعصبا تجاه التجارة مما تتظاهر به - فهي تستخدم تهديدات مفاجئة لانتزاع تنازلات (بعضها مؤيد للتجارة، بالمناسبة) كجزء من نهج عملي جداً لإبرام الصفقات.

هل تسير الرسوم الجمركية بخطى واثقة؟

كان من أكثر جوانب هذا التحول الحمائي إثارة للصدمة إعلان الولايات المتحدة لحرب تجارية على كندا والمكسيك. كانت أميركا الشمالية على وشك إنشاء منطقة تجارة حرة، بموجب قواعد جديدة وضعتها واحتفت بها إدارة ترمب الأولى.

بعد ساعات من أداء الرئيس اليمين الدستورية لولايته الثانية، أعلن عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك عقاباً على فشلهما في السيطرة على تدفقات المهاجرين والفنتانيل. وفي الوقت المناسب، تم تأكيد هذه الرسوم الجمركية الجديدة المقترحة، وتطبيقها، وتعليقها، ومراجعتها، ثم تعديلها مرة أخرى - في عملية من التهديدات التكتيكية والمراوغات التي لا نهاية لها في الأفق.

كراهية فمحبة ثم عودة للكراهية.. علاقة ترمب المتقلبة مع كندا

لن يؤخذ عليكم الاعتقاد بأن كندا والمكسيك، اللتين تعتمدان بشكل فريد على التجارة مع الولايات المتحدة، هما الضحايا الرئيسيتان للنظام الجديد. ليس الأمر كذلك. فالسلع التي تعتبر متوافقة مع اتفاقية الولايات المتحدة-المكسيك-كندا السابقة معفاة في الغالب من الرسوم الجمركية الجديدة - وتبين أن "الامتثال" مفهوم ميسّر جداً.

التجارة مع كندا لم تتأثر.. لماذا؟

في عام 2024، عبرت أقل من 40% من واردات الولايات المتحدة من كندا الحدود بموجب شروط اتفاقية "الولايات المتحدة-المكسيك-كندا" (USMCA). لكن ما يقرب من 85% منها مؤهل لمعاملة اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا إذا طلب التجار الحصول على شهادة وقررت الجهات المانحة للشهادة التحلي بالمرونة. لقد طلبوا، ووافقت الولايات المتحدة.

بلغ معدل الرسوم الجمركية الفعلي لكندا (وهو معدل الإيرادات مقسوما على قيمة الصادرات إلى الولايات المتحدة) 3% فقط اعتبارا من يوليو. وكان معدل المكسيك أعلى بقليل، حيث بلغ 4.7%. وبهذا المقياس، فإن الأهداف الأولى والأكثر إثارة للصدمة في الحرب التجارية متعددة الجبهات التي تشنها الإدارة الأميركية لم تتأثر تقريباً.

يواجه شركاء تجاريون آخرون معدلات رسوم فعالة أعلى. يبلغ متوسط ​​جميع الواردات حوالي 10%، لكن معظمهم ما يزالون يسعون، ويحصلون على، مجموعة من الاستثناءات والإعفاءات.

سياسة الاستثناءات والضغوطات.. ما الهدف؟

صفقة تلو أخرى، استثنت الولايات المتحدة بالفعل أكثر من 40% من واردات الآلات والإلكترونيات (بما في ذلك الهواتف الذكية والكمبيوترات المحمولة)، وحوالي 90% من الأدوية، وجميع منتجات الطاقة، وحصصاً كبيرة من المواد الكيميائية والمعادن والمنتجات المعدنية. إجمالاً، اعتباراً من صيف هذا العام، حمى المسؤولون واردات غير تابعة لاتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا بقيمة 750 مليار دولار أميركي في عام 2024 من رسوم يوم التحرير.

ترمب يلمّح إلى استثناء بعض الدول من الرسوم الجمركية الأساسية

بدأت عمليات الاستثناء للتو. ففي الشهر الماضي، حدد أمر تنفيذي جديد ملحقاً مطولاً للسلع التي قد تكون مؤهلة للإعفاء من الرسوم الجمركية - وهي منتجات "لا يمكن زراعتها أو استخراجها أو إنتاجها طبيعياً بكميات كافية في الولايات المتحدة لتلبية الطلب المحلي". (وتشمل هذه السلع، مثل "الطائرات وقطع غيارها"، التي يمكن إنتاجها بالفعل في الولايات المتحدة، وإن كان يُفترض ألا تُنتج طبيعياً وبكميات كافية).

الأهم من ذلك، أنه يمنح المسؤولين سلطة تقديرية لمنح هذه الإعفاءات للشركاء المتحالفين بلا حاجة إلى أوامر تنفيذية جديدة. وكما أكد مكتب قانوني واحد: "تعدّ هذه القائمة حافزاً للتوافق وخريطة طريق للشركاء التجاريين الساعين للحصول على معاملة تفضيلية".

إن الإعفاء الضريبي شكل آخر من أشكال مرونة الرسوم الجمركية. على سبيل المثال، دأبت شركات تصنيع السيارات الأميركية على الضغط على الإدارة الأميركية للمساعدة في تغطية تكلفة الرسوم الجمركية على قطع غيار السيارات والشاحنات المستوردة.

واشنطن تستعد لتمديد إعفاءات جمركية لصناعة السيارات بعد ضغوط الشركات

وفي الأسبوع الماضي، صدر أمر تنفيذي آخر بتوسيع برنامج قائم لمنح "تعويضات" جمركية بناء على الإنتاج المحلي للمصنعين ومدّده حتى عام 2030. في الواقع، يقصد برفع الرسوم الجمركية خفض الواردات؛ واستخدام بعض الإيرادات لدعم الواردات.

براغماتية في السياسة وعدم مبالاة بالأسواق

بطريقة ما، تستحق هذه البراغماتية الإشادة إن صح هذا الوصف، إذ أن الرسوم المنخفضة أفضل من الرسوم المرتفعة. والتسوية أفضل من المواجهة العنيدة. وحسن فعل البيت الأبيض بألّا يتجاهل نداءات الصناعة طلباً للمساعدة، وحسن أيضاً أن العلاقات التجارية لم تدمّر تماماً، وأن الأسواق المالية (حتى الآن) غير مبالية.

كما أشرت سابقاً، فإن الأساس المنطقي لهذا النهج الشامل في عقد الصفقات - السعي لتحقيق مكاسب أميركية من خلال إحداث صدمة وأن يدب الذعر بين الأصدقاء والخصوم على حد سواء - ليس غامضاً.

رسوم ترمب الجمركية تثير صدمة بأوساط الأعمال والسياسة في الهند

حتى الآن، لم يكن الضرر الاقتصادي الملموس هائلاً. ومع ذلك، فإن المخاطر والتكاليف المحتملة هائلة. على المدى القصير، يبقى أن نرى إن كانت الغلبة من نصيب مقولة "عقد الصفقات" أم "الرسوم الجمركية جميلة". قد توضح ذلك نتيجة محادثات التجارة مع الصين سواء انطوت على تسوية أم جلبت كارثة.

بغض النظر عن ذلك، على المدى الطويل، سيضعف هذا النهج ثقة الحلفاء بالولايات المتحدة وبالتالي يضعف قوتها. بصورة أبسط، ستثقل سياسة التجارة المسلّحة كاهل المنتجين الأميركيين بعدم يقين اقتصادي لا نهاية له، وتعقيد تنظيمي وتدخل بيروقراطي.

على الإدارة أن تعلن النصر -"انظروا كيف أصلحنا نظاماً معطلاً"- وأن تتوقف. إذا استمر هذا النهج، فقد تكون النتيجة ضعفاً مزمناً في الأداء بدلا من كارثة اقتصادية مفاجئة. فلماذا تخاطر بأي من ذلك؟

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

logo

واشنطن

7°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى /
24.1 كم/س
45%