
بلومبرغ
ظلت الدول الغربية لسنوات في حيرة من أمرها بشأن كيفية استخدام أصول البنك المركزي الروسي المودعة في الخارج لدعم الجيش الأوكراني وإعادة بناء اقتصاده المنهار. وكان عدة مسؤولين أوروبيين متشككين، قلقين من أن ذلك قد يرقى إلى مستوى مصادرة غير قانونية.
الآن، وبعدما سحب الرئيس دونالد ترمب الدعم المالي الأميركي عن أوكرانيا، وسارعت حكومات أوروبا إلى سدّ الفجوة، بدأ قادة المنطقة في وضع هذه التحفظات جانباً، واتخذوا نهجاً أكثر راديكالية.
وافقت مجموعة الدول الصناعية السبع على إبقاء الأصول الروسية دون مساس، مع السماح لأوكرانيا بالاستفادة من أرباحها. ومن شأن اقتراح جديد تناقشه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ يسمح باستخدام الأموال الروسية لتقديم قروض لأوكرانيا. قد لا تضطر حكومة كييف إلى سداد هذه القروض أبداً ما لم توافق حكومة روسيا على تعويض جارتها عن الأضرار التي سببتها الحرب.
مصادرة أصول روسيا.. الضربة التالية بعد تشديد العقوبات؟
يتحرك الاتحاد الأوروبي بحذر شديد، مدركاً أن الاستيلاء المباشر على الأصول قد يُعرّض الدول الأعضاء لالتزامات جسيمة محتملة. كيف سيسير كل هذا؟
بموجب الخطة الأولى المتفق عليها عام 2024، تُقدّم دول مجموعة السبع قروضاً لأوكرانيا تُسدَّد باستخدام الفوائد المكتسبة على الأصول الأجنبية الروسية التي جمّدتها عقب غزو موسكو للبلاد عام 2022. ووافق الاتحاد الأوروبي على تزويد أوكرانيا بقروض بقيمة 45 مليار يورو (52 مليار دولار) من خلال تلك المبادرة.
يناقش الاتحاد الأوروبي الآن فكرة استخدام الأصول نفسها لإطلاق حوالي 140 مليار يورو من القروض الجديدة لكييف. ولن تسترد روسيا هذه الأصول، الموجودة في مؤسسة الإيداع الأوروبية ”يوروكلير“، ومقرها بروكسل، ما لم توافق على دفع تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا.
لتهدئة حكومة بلجيكا، التي أعربت عن مخاوفها من تحملها مسؤولية عشرات المليارات إذا نجحت روسيا في رفع دعوى قضائية لإعادة الأموال لكونها الدولة المضيفة لمؤسسة ”يوروكلير“، سيُبرم الاتحاد الأوروبي "عقد دين مُصمم خصيصاً" بفائدة 0% يُفعّل في حال اضطرت ”يوروكلير“ في النهاية إلى الإيفاء بأي مطالبات روسية مستقبلية محتملة. وتريد بلجيكا التأكد من أن هذه الضمانات متينة قانونياً.
تحظى خطط الاتحاد الأوروبي أيضاً بدعم المملكة المتحدة وكندا، بينما لم تُقرر الولايات المتحدة واليابان بعد ما إذا كانتا ستنضمان إلى المبادرة.
ما هي الأصول الروسية التي جُمّدت
جمّد الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع وأستراليا حوالي 280 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي على شكل أوراق مالية ونقد. الجزء الأكبر من الأموال موجود في أوروبا، حيث سحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجزء الأكبر من أصول بنكه المركزي من الولايات المتحدة في عام 2018 في أعقاب موجات سابقة من العقوبات.
كماشة الغرب تحاصر بوتين بين العقوبات والمساومات.. وأسعار النفط تقفز 5%
قالت وزارة الخزانة الأميركية في بيان لها حينذاك إن العقوبات المفروضة على أفراد روس بارزين جمدت ما يُقدّر بنحو 58 مليار دولار إضافية من الأصول، ومن ذلك منازل ويخوت وطائرات خاصة، اعتباراً من مارس 2023.
كيف ستستخدم أوكرانيا الأموال الإضافية؟
ما يزال هذا قيد النقاش، لكن عموماً سيُستخدم التمويل الإضافي لشراء الأسلحة، وتعزيز صناعة الدفاع الأوكرانية وتلبية احتياجاتها الاقتصادية. تحتاج الحكومة في كييف بشدة إلى المال: فقد قدّر صندوق النقد الدولي فجوة التمويل لديها بنحو 65 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة.
مع قصف موسكو بلا هوادة للمدن الأوكرانية وتدمير البنية التحتية للطاقة، كان الرئيس فولوديمير زيلينسكي يرجو الحلفاء لإرسال مزيد من أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ بعيدة المدى لضرب الأهداف العسكرية في عمق روسيا. يريد ترمب أن تدفع أوروبا ثمن تلك الأسلحة، وقد وُضع برنامج مشتريات خاص لتمكين أوكرانيا من شراء معدات عسكرية أميركية بأموال مقدمة في الغالب من الشركاء الأوروبيين.
لماذا لا ينفق الاتحاد الأوروبي أموال روسيا المجمدة؟
هناك سوابق لهذا: بعد غزو العراق عام 2003 والإطاحة بزعيمه صدام حسين، أمر الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بمصادرة 1.7 مليار دولار من الأموال العراقية المودعة في البنوك الأميركية، التي ذهب بعضها لدفع رواتب موظفي الحكومة العراقية. في عام 1996، صادرت الولايات المتحدة أموالاً كوبية واستخدمتها لاحقاً للمساعدة في تعويض عائلات ثلاثة أميركيين قتلوا عندما أسقطت القوات المسلحة الكوبية طائراتهم.
تكمن مشكلة الاتحاد الأوروبي في أن مصادرة الأموال الروسية وإنفاقها قد تُفسّر على أنها سرقة، حتى عندما تقوم بها مجموعة من الحكومات القوية بموجب اتفاق ملزم قانوناً. كقاعدة عامة، لا تُصادر أصول قانونياً إلا عندما تقرر محكمة أنها عائدات جريمة.
الاتحاد الأوروبي يعتمد حزمة عقوبات جديدة تستهدف قطاع الطاقة الروسي
إن غزو روسيا لأوكرانيا ينتهك القانون الدولي بوضوح، لكن هذا لا يعني أن أصولها في البنك المركزي تُعتبر مكاسب غير مشروعة. لا يمكن لروسيا إعادة الأموال أو استخدامها. كما لا يمكن لدول الاتحاد الأوروبي التنازل عن ملكيتها القانونية للأصول.
لذا، صُممت تحركات مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي لاستغلال الأموال دون إزالتها من ”يوروكلير“. أثارت فرنسا وألمانيا والبنك المركزي الأوروبي خطر أن يؤثر الاستيلاء على الأصول الروسية على الاستقرار المالي العالمي ووضع اليورو كعملة احتياطية.
هناك قلق من أن روسيا والصين، حليفتها القوية بحكم الأمر الواقع، قد تشجعان المودعين من الدول النامية على سحب الأموال من البنوك الغربية، ما قد يؤدي إلى تفتيت النظام المالي العالمي.
ماذا قالت روسيا عن خطط الاتحاد الأوروبي؟
تُصوّر موسكو الدفع الغربي لتعبئة أصولها لدعم أوكرانيا على أنه انتهاك لمبدأ أساسي من مبادئ النظام الاقتصادي العالمي- حرمة الملكية الخاصة.
وهددت روسيا بأعمال انتقامية قد تشمل مصادرة الأصول من الدول "غير الصديقة" المودعة في بنوكها والتي جمّدتها أيضاً في بداية الصراع. وقّع بوتين في أكتوبر أمراً يسمح بالمبيعات السريعة لأصول تملكها الدولة بموجب إجراء خاص، ما يزيد من خطر تأميم الشركات المملوكة لأجانب وبيعها رداً على استخدام الممتلكات الروسية في الخارج لدعم أوكرانيا.
هل صودرت أي أصول روسية مباشرةً؟
نعم. شمل ذلك يخوتاً مرتبطة بمليارديرات روس صودرت في فيجي وإسبانيا بعد غزو أوكرانيا عام 2022 بفترة وجيزة من قِبل جهات إنفاذ القانون المحلية بناءً على طلبات من السلطات الأميركية.
صنّف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي أحد المليارديرات، سليمان كريموف، كجزء من مجموعة من الأوليغارشية التي استفادت من فساد الحكومة الروسية. ارتبط يخت فيكتور فيكسلبيرج، الذي تبلغ قيمته 99 مليون دولار واسمه "تانغو"، بالاشتباه في احتياله المصرفي وغسيل الأموال وانتهاكاته للعقوبات. كما صادرت الولايات المتحدة منازل تابعة لكريموف وفيكسلبيرج وملياردير روسي آخر هو أوليغ ديريباسكا.





