خطوات مصيرية غائبة عن طواقم إخماد السيارات الكهربائية المشتعلة

time reading iconدقائق القراءة - 10
رسم: - المصدر: بلومبرغ
رسم: - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

خرجت إحدى سيارات "تسلا" (Tesla) من الطراز "إس" (S) عن السيطرة في فبراير 2019، واصطدمت بمجموعة من أشجار النخيل على طريق سريع خارج مدينة "فورت لودرديل" (Fort Lauderdale) في ولاية فلوريدا، فأسرع رجال الشرطة لإخماد الحريق الناتج عن الحادث باستخدام مطفأة الحريق المعتمدة من قسم الشرطة، لكن جهودهم فشلت، واستمرت السيارة في الاشتعال، ما أدى إلى مقتل سائقها.

ربما لم يعرف رجال الشرطة أنه فور اشتعال بطاريات "الليثيوم أيون" الموجودة في السيارات الكهربائية، لا يمكن إطفاء نيرانها بالمواد الكيميائية الموجودة في مطفأة الحريق العادية، إذ إن حرائق هذه البطاريات عرضة لسلسة من تفاعلات التدمير الذاتي المعروفة بـ"الانفلات الحراري"، التي تتسبب بارتفاع متواصل في درجات الحرارة.

حيّر حريق سيارة "تسلا" طواقم الطوارئ في فلوريدا، وفي النهاية، أخمد رجال الإطفاء الحريق باستخدام المياه، التي بدت طريقة فعالة حينها، إلا أن السيارة المحطمة اشتعلت مرتين بعدما سُحبت من مكان الحادث.

دفع هذا الحادث الشرطة لاتخاذ ما وصفته في تقرير لها بـ"إجراءات استثنائية"، تضمنت التواصل مع "وحدة المواد الخطرة" في "مقاطعة بروارد" (Broward County) لطلب المشورة فيما يتعلق بإخماد الحريق نهائيًا.

ويوضح هذا الحادث التحديات التي يواجهها أفراد طواقم الطوارئ، الذين لا يعرفون خصائص ومخاطر محركات السيارات الكهربائية. كما يقول خبراء السلامة إن الطريقة الوحيدة لإطفاء حريق بطارية "ليثيوم أيون" في السيارة هي استخدام آلاف الجالونات من المياه، أي كميات أكبر بكثير من التي يحتاجها إخماد حريق محرك عادي يعمل بالبنزين.

أما الطريقة الثانية لإطفاء حريق هذه البطارية، فهي تركها حتى تحترق بالكامل، وقال "روبرت تايلور" (Robert Taylor)، رئيس دائرة الإطفاء في مدينة "ديفي" (Davie) في ولاية فلوريدا مكان وقوع الحادث: "إنه حريق صعب لأنه يحتاج كميات كبيرة من المياه لإطفائه".

وتتكرر أزمات أفراد طواقم الطوارئ المتعاملين مع حوادث السيارات الكهربائية، فبجانب الحرائق، هناك مخاطر الأسلاك ذات الفولت العالي والمحركات الصامتة؛ حيث تعلّم فريق "تايلور" من هذه التجربة دروسًا مهمة في التعامل مع السيارات الكهربائية. ويعقب على ذلك بقوله: "المهم بالنسبة لنا هو أن نرصد الاشتعال التلقائي للبطارية وتحديد كمية الطاقة المتبقية فيها".

ووصفت شركة "تسلا إنك" الحادث بالمأساوي في بيان أرسلته عبر البريد الالكتروني، مؤكدة أنها تواصلت مع طواقم الطوارئ لعرض التعاون معها. وأشارت الشركة أيضًا إلى أن حرائق السيارات لا تقتصر على السيارات الكهربائية فقط، وكتبت في بيانها: "ندرك أن التحقيقات تدور حول ما إذا كانت سرعة القيادة سبب الحادث، ونعلم أن حوادث التصادم بسبب السرعة العالية يمكن أن تؤدي إلى حريق في أي نوع من السيارات، وليس في السيارات الكهربائية فحسب".

وأفاد أحد الشهود على الحادث بأن السيارة مرّت مسرعة جدًا بجواره، بينما قالت الشرطة إنها كانت تسير وفقًا للسرعة المحددة على اللوحات الإرشادية على الطريق وهي 80 كلم في الساعة.

وبحسب "الوكالة الدولية للطاقة" (International Energy Agency)، فإن هناك نحو مليون سيارة كهربائية وسيارة شحن خارجي في الولايات المتحدة، إذًا فأفراد طواقم الطوارئ الذين لم يتعاملوا مع هذا النوع من السيارات من قبل أصبحوا أكثر عرضة لمواجهتها في الحوادث.

وبدأ "المجلس الوطني الأمريكي لسلامة النقل" (U.S. National Transportation Safety Board) بالتحقيق في العديد من الحوادث المتعلقة بحرائق بطاريات السيارات الكهربائية، والمشاكل التي يواجهها أفراد طواقم الطوارئ في التعامل معها.

وجاء في تقرير صدر عن “الإدارة الوطنية للسلامة على الطرقات السريعة" (National Highway Traffic Safety Administration) عام 2017، أن السيارات الكهربائية ليست أكثر عرضة للحوادث أو الحرائق من السيارات التي تعمل بالبنزين، بل قد تكون أقل عرضة منها، ويشير التقرير أيضًا إلى أن تقنية بطاريات السيارات مازالت قيد التطوير، ولا يوجد إجماع على تصميم لنظام الأمان فيها.

ولا تزال نسبة السيارات التي تعمل بالبطارية ضئيلة بالولايات المتحدة، فوفقٌا لبيانات نشرتها شركة "إدموندز" (Edmunds)، فإن نسبة مبيعات السيارات الكهربائية بلغت 1.2 بالمئة فقط من إجمالي السيارات الجديدة المُباعة في 2018، لكن التوقعات تشير إلى ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية بقوة خلال السنوات الخمس المقبلة، مما يزيد من أهمية تثقيف طواقم الطوارئ وتطوير معايير جديدة تجعل اكتشاف المشاكل وإصلاحها أسهل على الشرطة ورجال الإطفاء، وسائقي شاحنات سحب السيارات.

وتلفت تقديرات "الرابطة الوطنية للحماية من الحرائق" (National Fire Protection Association) إلى أن حوالي 250 ألف من إجمالي 1.1 مليون تقريبًا من رجال الإطفاء في الولايات المتحدة تلقوا نوعًا من التدريب على التعامل مع السيارات الكهربائية حتى الآن.

يقول "أندرو كلوك" (Andrew Klock)، مدير برنامج التقنية الناشئة في "الرابطة الوطنية للحماية من الحرائق" (NFPA)، وهي مؤسسة غير ربحية يقع مقرها في "كوينسي" (Quincy) بولاية ماساتشوستس: "يملك أفراد طواقم الطوارئ خبرة تمتد لـ100 عام في التعامل مع محركات الاحتراق الداخلي، لكن الوضع يختلف تمامًا عند التعامل مع السيارات الكهربائية". وأضاف أنهم يستقبلون الكثير من المكالمات من منسقي إدارة حالات الطوارئ في كل مرة تحترق فيها سيارة كهربائية.

بدأت "الرابطة الوطنية للحماية من الحرائق" بتقديم دورات تدريبية وإصدار كتيبات إرشادية مرجعية، منذ قرابة 10 سنوات، قبيل إطلاق سيارتي "تشيفي بولت" (Chevy Bolt) و"نيسان ليف" (Nissan Leaf)، وتعاونت تعاونًا وثيقًا منذ ذلك الحين مع شركة "جنرال موتورز كو" (General Motors Co) وغيرها من شركات صناعة السيارات لتعريف أفراد طواقم الطوارئ بالأسلاك الواجب تجنبها، وأماكن الأجزاء المهمة من السيارة تحت غطاء المحرك، وكيفية السيطرة على حرائق البطاريات، كما وفرت قوائم الفحص لمعظم أنواع السيارات الكهربائية.

وتجتمع "تسلا" أيضًا بصفة دورية مع طواقم الطوارئ، وتتبرع بسياراتها لأغراض التدريب، لكن طواقم الطوارئ لا يمكنها فعل الكثير عند انفجار خلايا بطارية السيارة تلقائيًا، فقد ذُكر في دليل "تسلا" للاستجابة لحالات الطوارئ على الإنترنت الآتي: "قد يستغرق إطفاء حرائق البطاريات 24 ساعة، لذلك ينصح بترك البطارية تحترق والتركيز على حماية المتعرضين للخطر".

محاذير لطواقم الطوارئ

ومن أول الأمور التي يتعلمها الفرد في طواقم الطوارئ هي ألا يقطع أبدًا سلكًا برتقالي اللون في السيارة الكهربائية، فهو اللون المخصص للأسلاك التي تزيد قوتها عن 60 فولت، ولا توجد هذه الأسلاك في الأجزاء الأمامية والخلفية من السيارة فحسب، بل توجد أيضًا خلف الألواح الجانبية منها.

ولا تحتوي معظم السيارات التي تعمل بالبنزين على هذه الأسلاك البرتقالية؛ لأنها تعمل بشحنة كهربائية مدعومة ببطارية قياسية بجهد 12 فولت، أما السيارة الكهربائية النموذجية، فتعمل بقوة هائلة تقارب الـ400 فولت، وقد تكون تلك القوة قاتلة. وعلى سبيل المثال، ستوفر سيارة "بورش تايكان" (Porsche Taycan) الجديدة ضعف هذه القوة من الشحنات الكهربائية، عند طرحها في السوق في 2019.

ولا يختلف الخبراء على أن الفولتية العالية للبطارية جزء من الاتجاه الساعي لزيادة الكفاءة والقدرة الحصانية للسيارة؛ حيث تقول المديرة التنفيذية التقنية في شركة "ديلفي تيكنولوجيز بي إل سي" (Delphi Technologies Plc)، إحدى كبار الموردين لمحركات السيارات، " ماري جوستانسكي" (Mary Gustanski): "نتوقع أن تصل قوة بطارية السيارة الكهربائية إلى 1200 فولت خلال سنوات قليلة"، موضحة أن السيارات المتطورة ستكون قادرة على الاستغناء عن معظم تمديدات الفولت العالي.

كان اختيار اللون البرتقالي للأسلاك ذات الفولت العالي واحدة من الخطوات المبكرة التي اتخذتها شركات صناعة السيارات لمساعدة طواقم الطوارئ وفنيي إصلاح السيارات، وتشمل الجهود الأخرى على توحيد المواد الإرشادية، والدعوة إلى وضع علامات ثلاثية الجوانب على السيارات الكهربائية لتمييزها.

ويرعى فريق العمل من "جمعية مهندسي السيارات" هذه الجهود، ويتضمن ممثلين من 11 شركة من شركات صناعة السيارات، إضافة إلى موردي السيارات ومسؤولين حكوميين.

ويقول المسؤولون إن المراجعات المستقبلية لهذه الإرشادات قد تتضمن الدعوة لتركيب مفتاح لقطع التيار الكهربائي عن المحركات في السيارات الكهربائية.

حوادث متفرقة

وتعاني دول أخرى غير الولايات المتحدة أيضًا من مشكلة تمكين طواقم الطوارئ من التعامل مع السيارات الكهربائية، ففي عام 2016، وتحديدًا في بلدة صغيرة بالنرويج، ترك رجال الإطفاء سيارة "تسلا" تحترق بالكامل داخل إحدى محطات الشحن ولم يتبقَ منها سوى بقايا هيكلها وعجلاتها المتفحمة، لأنهم خافوا أن يتسبب استخدام المياه لإطفاء الحريق بحدوث صدمة كهربائية، وكان هذا اعتقادًا خاطئًا.

وفي وقت لاحق من العام 2016 أيضًا، تأخر رجال الإطفاء في هولندا في استخراج جثة سائق في حادث لسيارة "تسلا" خوفًا من التعرض لصعقة كهربائية إذا قطعوا الأسلاك الموجودة في هيكل السيارة.

وفي أعقاب هذا الحادث، لجأت السلطات الهولندية إلى "إدارة مكافحة الحرائق" في مدينة "فريمونت" (Fremont Fire Department) بكاليفورنيا، التي يقع فيها مصنع سيارات "تسلا"، إذ تتمتع الإدارة بخبرة واسعة في التعامل مع الحوادث المرتبطة بالسيارات الكهربائية، أحدها هو الحريق الذي نشب في مصنع "تسلا" مطلع 2019، والذي تطلب غمر حزم من البطاريات بالكامل في خزانات المياه، وقال " كوري ويلسون" (Cory Wilson)، أحد قادة الفرق في الإدارة: " لقد واجهنا عدة حوادث هناك".

وتبرعت "تسلا" بمئات السيارات إلى إدارات مكافحة الحرائق المحلية لاستخدامها في العروض التدريبية لتفكيك السيارات بالمقص الهيدروليكي وغيره من معدات الإنقاذ، وقال "ويلسون": "لقد فككنا ما بين 400 و500 سيارة "تسلا" (Tesla) على مدار السنوات الخمس الماضية".

وتملك "إدارة مكافحة الحرائق" في مدينة "فريمونت" الآن نحو 50 سيارة من "تسلا" جاهزة للدورة التدريبية القادمة من دوراتها المنتظمة التي تستمر ليومين ويحضرها أفراد طواقم الطوارئ من جميع أنحاء البلاد، ويتعلمون كيفية قص وتفكيك السيارات الكهربائية بأمان.

وقال "ويلسون" إنه وافق نيابة عن الإدارة على دعوة لتقديم جلسة تدريبية خاصة في مدينة "لاهاي" في هولندا لأفراد طواقم الطوارئ الهولنديين والألمان في عام 2017، مضيفًا: "إن الجهل بكيفية التعامل مع السيارات الكهربائية بأمان يمكن أن يكون قاتلًا، ونحن محظوظون بوجود شركة "تسلا" في بلدنا".

تصنيفات