
بلومبرغ
بدأت الحكومة الأميركية يوم الخميس توزيع بيانات الناتج المحلي الإجمالي عبر شبكات بلوكتشين عامة، في أحدث خطوة من إدارة الرئيس دونالد ترمب لدعم صناعة العملات المشفرة.
هذه الخطوة ستوفّر قناة إضافية -وليست بديلة- لنشر البيانات الاقتصادية، وفقاً لمسؤولي وزارة التجارة.
يُعد تبنّي وزارة التجارة لتقنية بلوكتشين لنقل بعض من أهم البيانات الاقتصادية، والتي تحرك الأسواق، بمثابة ختم اعتماد رسمي من الحكومة الأميركية لهذه التكنولوجيا، التي بات يُعتمد عليها بشكل متزايد في تداول كل شيء من صناديق أسواق المال إلى الأسهم، بعد أن كانت تقتصر على العملات المشفرة في البداية.
البنية التحتية الجديدة
"الإدارة بأكملها تبنّت هذا التوجه"، بحسب مايك كاهيل، الرئيس التنفيذي لشركة "دورو لابز" (Douro Labs)، والذي ذكر أنه يعمل مع وزارة التجارة على هذه المبادرة منذ نحو شهرين. وأضاف: "مع إعلان اليوم، بتنا الآن في عالم تُدار فيه بيانات الحكومة على بلوكتشين، ويمكن للمشاركين في السوق التفاعل معها لحظياً".
تستهدف المبادرة الحكومية في بدايتها 9 شبكات بلوكتشين، من بينها بتكوين، وإيثريوم، وسولانا. وتقوم الخطة على نشر ما يُعرف بالتجزئة التشفيرية (cryptographic hash)، وهي أداة للتحقق من سلامة البيانات، على تلك الشبكات.
وصرّح مسؤولو وزارة التجارة أن إدارة ترمب تعتزم توسيع نطاق هذه المبادرة في المستقبل.
منع التلاعب بأرقام الاقتصاد الأميركي
يأتي هذا التحوّل بعد أسابيع من إقالة ترمب لرئيس مكتب إحصاءات العمل، عقب صدور تقرير من المكتب أظهر نمواً أضعف بكثير في الوظائف خلال الأشهر الأخيرة مقارنة بالتقديرات السابقة، حيث لمّح الرئيس، من دون تقديم دليل، إلى احتمال وجود تلاعب بالأرقام لأسباب سياسية.
اقرأ أيضاً: "تيثر" تخطط للعودة إلى أميركا بعد إقرار قانون العملات المستقرة
لكن مسؤولي وزارة التجارة أوضحوا أن مبادرة بلوكتشين غير مرتبطة بإقالة المسؤول في مكتب الإحصاءات.
وقال المسؤولون إن وزير التجارة، هوارد لوتنيك، هو من كان وراء الدفع بهذه المبادرة لنشر البيانات على بلوكتشين. وكان لوتنيك قد أشار في وقت سابق من هذا العام إلى نيته تعديل طريقة حساب الناتج المحلي الإجمالي لإزالة تأثير الإنفاق الحكومي. ويُنشر هذا الرقم من قِبل مكتب التحليل الاقتصادي، التابع لوزارة التجارة.
الحكومات تجرب بلوكتشين
لطالما قامت حكومات بتجارب على تقنيات بلوكتشين، حيث استخدمت بعض الدول الشبكات العامة لاختبار عملات رقمية تابعة للبنوك المركزية، فيما درست جهات أخرى استخدامها لإصدار وثائق اعتماد رقمية.
على سبيل المثال، استخدم قسم المركبات في ولاية كاليفورنيا شبكة "أفالانش"، وهي واحدة من الشبكات التسع التي ستُستخدم في نشر إحصاءات وزارة التجارة، لرقمنة ملكية السيارات. كما درست وزارة الأمن الداخلي استخدام هذه التقنية لتسريع إجراءات الفحص الأمني للمسافرين في المطارات.
وفي وقت سابق من هذا العام، وتحت إشراف الملياردير إيلون ماسك، قام "قسم الكفاءة الحكومية" في إدارة ترمب بدراسة استخدام بلوكتشين لتقليل التكاليف وزيادة الشفافية الحكومية.
ترمب "رئيس العملات المشفرة"
خلال اجتماع لمجلس الوزراء في البيت الأبيض يوم الثلاثاء، أشار لوتنيك إلى التغيير قائلاً لترمب إن نشر الإحصاءات باستخدام بلوكتشين بدأ "لأنك أنت رئيس العملات المشفرة".
تحوّل ترمب، الذي كان يوماً ما من المشككين في العملات المشفرة، إلى أحد أبرز داعميها، إذ تعهّد خلال حملته لعام 2024 بتخفيف القيود التنظيمية التي تعيق نمو الصناعة.
ومنذ توليه المنصب، سارع ترمب بتنفيذ بعض تلك الوعود. فقد أنشأ احتياطياً من عملة بتكوين ومخزوناً حكومياً من عملات مشفّرة تشمل "إيثر" و"سولانا". كما عيّن رؤساء وكالات داعمين للعملات المشفرة، أنهوا قضايا إنفاذ القانون ضد كيانات كبرى مثل بورصة "كوين بيس". ووقّع أيضاً قانوناً لتنظيم العملات المستقرة، التي يُفترض أن تحافظ على استقرار قيمتها مقابل العملات الورقية.
عائلة ترمب والعملات المشفرة
امتد انخراط عائلة ترمب في المجال، حيث وسّعت أنشطتها في كل شيء من تعدين بتكوين إلى إصدار عملات مستقرة.
من المقرر أن يبدأ تداول عملة جديدة طُوّرت من قِبل شركة "وورلد ليبرتي فايننشال" (World Liberty Financial)، وهي مشروع مدعوم من عائلة ترمب، على منصات تداول مركزية الأسبوع المقبل.
اقرأ أيضاً: كيف أسس ترمب وعائلته إمبراطورية كريبتو معقدة منذ عودته للسلطة؟
ويمثّل هذا التحوّل فارقاً كبيراً مقارنةً بسنوات الرئيس السابق جو بايدن، حيث اتخذ المنظمون الحكوميون موقفاً أكثر ارتياباً تجاه العملات المشفرة.
قطاع التشفير.. قوة سياسية
يعكس تبني الحكومة للتقنية تطوراً كبيراً في قطاع العملات المشفرة ذاته. فقبل سنوات، فشلت محاولات عديدة لاعتمادها بسبب التركيز على شبكات بلوكتشين خاصة، والتي كانت أكثر تكلفة وتُدار من شركات غالباً ما اختلفت على السياسات.
لكن في عهد لوتنيك، أصبحت وزارة التجارة تستخدم شبكات عامة مثل "إيثريوم"، والتي تُشغّل عبر حواسيب موزعة حول العالم وتُحدّث برامجها عبر مطورين متطوعين.
ووفقاً للمسؤولين، فإن بورصات العملات المشفرة مثل "كوين بيس"، و"كراكن"، و"جيميني" تشارك في مبادرة وزارة التجارة. واستخدمت الوزارة تلك المنصات لشراء العملات اللازمة لدفع تكاليف المعاملات على الشبكات، وتُعرف باسم "الغاز". ومن المقرر أن تطرح شركتا "كراكن" و"جيميني" أسهمهما للاكتتاب العام خلال الأشهر المقبلة.
طالع أيضاً: زخم ترمب يسرع تحركات آسيا لتنظيم العملات المستقرة
ترسخت صناعة التشفير كقوة سياسية، حيث يستخدم المستثمرون والتنفيذيون لجان عمل سياسية ممولة جيداً بأساليب تشبه إلى حد كبير ما تقوم به الصناعات المالية التقليدية مثل البنوك في واشنطن.
وقدّمت الصناعة تبرعات كبيرة لحملة ترمب الانتخابية، كما دعمت عدداً من السياسيين الداعمين للعملات المشفرة في الكونغرس. ووفقاً لبيانات من "أوبن سيكرتس"، استثمرت الصناعة، بما فيها "كوينبيس"، أكثر من 133 مليون دولار في 3 لجان عمل سياسي تدعم مرشحين مؤيدين للعملات المشفرة خلال انتخابات 2024.
كما تبرعت "كراكن"، و"كوينبيس"، وشركات أخرى بمليون دولار لكل منها لحفل تنصيب الرئيس في شهر يناير.
استخدام أوسع لبلوكتشين مستقبلاً
اقترح لوتنيك في وقت سابق من هذا الأسبوع أن تُستخدم العملات المشفرة لنشر ما هو أكثر بكثير من المؤشرات الاقتصادية.
وقال خلال اجتماع مع رؤساء وكالات فدرالية آخرين في لقاء مع ترمب يوم الثلاثاء: "سنضع الناتج المحلي الإجمالي على بلوكتشين، حتى يتمكن الناس من استخدامه في توزيع البيانات، ثم سنجعل ذلك متاحاً لكامل الحكومة، لتتمكنوا أنتم أيضاً من استخدامه".





