
مع وصول أسعار الأصول المشفرة إلى حدود تتحدى المعقول، وتعهد الكونغرس الأميركي بإصدار تشريعات لتعزيز القطاع أكثر، قد يكون الوقت مناسباً الآن كي تولي الجهات التنظيمية قطاع البنوك اهتماماً خاصاً.
لماذا القلق بشأن البنوك؟ لم يمض وقت طويل -أقل من 3 سنوات- على انهيار البنوك التي كانت تقدم خدمات لقطاع العملات المشفرة، فبعد أن هبطت الأسعار وأفلست مجموعة من الشركات. اضطرت الجهات التنظيمية إلى اتخاذ خطوات طارئة لمنع فقدان للثقة على نطاق أوسع، ووعدت بإصلاحات ليصبح القطاع أكثر قدرة على الصمود.
تعديلات تنظيم البنوك
لم يحدث ذلك. وبدلاً من ذلك -تحت ضغط من البيت الأبيض والقطاع والمشرعين- تراجعت الجهات التنظيمية عن التوجيهات التي كانت تهدف إلى الحد من انخراط البنوك في شركات العملات المشفرة أو شركات "بلوكتشين". أعاد انتعاش أسعار الرموز المشفرة والشركات المرتبطة بها شعور "الخوف من فوات الفرصة" إلى القطاع المالي. في الوقت نفسه، تتقدم شركات مرتبطة بالعملات المشفرة بطلبات للحصول على تراخيص خاصة بها لممارسة نشاط مصرفي.
اقرأ أيضاً: سحوبات قياسية تضرب صناديق "إيثر" المتداولة الأميركية
قبل أن يتشابك النظام المصرفي التقليدي أكثر مع الاقتصاد القائم على "بلوكتشين"، ينبغي على المنظمين إجراء بعض التعديلات الحكيمة. يعني هذا أخذ درسين من انهيار 2023 بعين الاعتبار.
الدرس الأول هو أن البنوك تواجه مخاطر عندما تعتمد بشكل كبير على ودائع من قطاع واحد. شركة "سيلفرغيت كابيتال" (Silvergate Capital) كانت تعتمد بنسبة 98% من ودائعها على شركات العملات المشفرة، لتكتشف مدى سرعة اختفاء تلك الودائع عند حدوث تراجع في السوق. انتهى بها الأمر إلى تصفية أصولها. انتهى الامر ببنك "سيليكون فالي بنك" (Silicon Valley Bank) الذي ركز على شركات التكنولوجيا الناشئة ورؤوس الأموال الجريئة، إلى موجة سحب جماعية للودائع. كانت شركة "سيركل إنترنت غروب" (Circle Internet Group)، المُصدرة للعملة المستقرة "يو إس دي سي" (USDC)، تحتفظ بـ3.3 مليار دولار من احتياطاتها النقدية لدى "سيليكون فالي بنك"، ما جعلها أكبر مودع غير مؤمَّن عليه تم إنقاذه حين تدخلت الجهات التنظيمية.
نمو العملات المستقرة
من شبه المؤكد أن مثل هذه المخاطر ستتكرر. يُتوقع أن تنمو العملات المستقرة لتصل إلى تريليوني دولار من نحو 260 مليار دولار حالياً. ربما يُلزم الكونغرس جهات إصدار هذه العملات بوضع احتياطاتها في أصول آمنة وسائلة، ما سيعني حتماً أن بعض حساباتها ستتجاوز حد التأمين البالغ 250 ألف دولار. أحد أسباب سعي شركات العملات المشفرة للحصول على تراخيص العمل المصرفي هو رغبتها في إنشاء منصات تتجاوز بطء نظام المدفوعات بين البنوك. ويجب على الجهات التنظيمية أن تتذكر أن هذا كان أيضاً السبب وراء منصة التبادل الإلكتروني الداخلية لدى "سيلفرغيت"، التي جذبت الكثير من ودائع الكيانات المرتبطة بـ"بلوكتشين"، وانهارت في نهاية المطاف بشكل كارثي عندما تدهورت أوضاع تلك الكيانات.
اقرأ أيضاً: انهيار جماعي للعملات المشفرة بعد اتهامات أميركية لـ"بينانس"
لمعالجة هذا الخطر المرتبط بالتمويل، يجب إلزام البنوك بإيداع ضمانات عالية الجودة (وليست عملات ميم) لدى نافذة الخصم في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، لتغطية سحب جميع الودائع غير المؤمّن عليها. سيؤدي ذلك إلى إلغاء احتمال حدوث سحب جماعي للودائع نتيجة انسحاب مفاجئ من العملات المستقرة، أو هبوط في أسعار الأصول المشفرة، أو انهيار قطاع آخر نشط بقوة تتعرض له تلك البنوك.
غسل الأموال والاحتيال والجرائم المالية
الدرس الآخر من عام 2023 هو أن إدارة المخاطر وضوابط مكافحة غسل الأموال يمكن أن تنهار -أو يتم تجاهلها- عندما تنمو البنوك بسرعة. كان من بين عملاء "سيلفرغيت" منصة التداول الشهيرة التابعة لشركة "إف تي إكس دوت كوم" (FTX.com)، التي حُكم على مؤسسها لاحقاً بالسجن بتهمة الاحتيال. كما كانت أنظمة مكافحة غسل الأموال لدى الشركة تعاني من أوجه قصور، إذ لم تُراقب التحويلات على منصتها لمدة لا تقل عن 15 شهراً خلال 2021 و2022. عاقبها البائعون على المكشوف حتى قبل أن تتدخل الجهات التنظيمية.
اقرأ المزيد: كيف تغيرت صناعة التشفير بعد عام من انهيار "إف تي إكس"؟
بالإضافة إلى الرقابة الصارمة على مثل هذه المخاطر، يجب على الجهات الرقابية أيضاً محاولة جعل القواعد أسهل من حيث الامتثال. يعني ذلك، على سبيل المثال، مساعدة البنوك على اختبار تقنيات جديدة لرصد عمليات غسل الأموال، وتخفيف عبء تقارير الأنشطة المشبوهة عن العملاء والأنشطة التي لا تُصنّف على أنها عالية المخاطر. كما أن رفع الحد الأدنى القديم الذي يُلزم البنوك بالإبلاغ عن المعاملات لوزارة الخزانة قد يقلل من الأعمال الإدارية دون أن يعيق تطبيق القانون بشكل غير مبرر.
من الواضح أن الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض يريدان رؤية شركات العملات المشفرة تزدهر. كما أن البنوك أيضاً حريصة على استئناف التعامل معها. لكن، حين يتعلق الأمر بالمخاطر التي يشكلها هذا القطاع الفوضوي، لا ينبغي لأحد أن يفترض أن الأمور ستكون مختلفة هذه المرة.
















