بين الملاذ الآمن والمضاربة.. هكذا ترى الأسواق مستقبل بتكوين

المخاطر الجيوسياسية وهبوط الدولار وتنظيم المعاملات تزيد الإقبال على العملة المشفرة الكبرى بغرض التحوط

time reading iconدقائق القراءة - 11
صورة مدمجة لعين بشرية ورمز بتكوين في القزحية، في إشارة إلى التركيز على العملات المشفرة والاهتمام المتزايد بعملة بتكوين - المصدر: بلومبرغ
صورة مدمجة لعين بشرية ورمز بتكوين في القزحية، في إشارة إلى التركيز على العملات المشفرة والاهتمام المتزايد بعملة بتكوين - المصدر: بلومبرغ
الشرق -هشام فتحي

مع اقتراب سعر بتكوين من مستويات قياسية جديدة، يتجدد الجدل حول ما إذا كانت العملة الرقمية الأكبر قيمة قد باتت تُصنّف "ملاذاً آمناً" على غرار الذهب، أم أنها لا تزال أصلاً للمضاربة عالي المخاطر. وتتباين آراء عدد من أبرز الخبراء بشأن مكانة بتكوين الاستثمارية، والعوامل التي غيرت النظرة إليها مؤخراً، وتأثير فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب من خلال سياسات مؤيدة لعالم العملات المشفرة، على وضع بتكوين.

يتزامن هذا الجدل مع تحولات هيكلية في سوق العملات المشفرة، أبرزها تدفق المؤسسات الاستثمارية الكبرى وصناديق المؤشرات إلى عالم بتكوين، وارتفاع قيمتها السوقية الإجمالية إلى حوالي 2.2 تريليون دولار، من 1.3 تريليون دولار قبل عام، وفقاً لموقع "كوين ماركت كاب" (Coinmarketcap)، ما عزّز مكانتها كأصل مؤثر في النظام المالي العالمي. كما ساهمت التطورات السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة في إعادة رسم صورة العملة المشفرة الأولى بوصفها خياراً تحوّطياً بديلاً في ظل بيئة تتّسم بعدم اليقين.

"ملكة الأصول الرقمية"

يرى البعض أن بتكوين ما زالت في مراحلها المبكرة ولم تفقد بريقها بعد، وستبقى العملة المهيمنة في السنوات المقبلة، بالرغم من ظهور آلاف العملات المشفّرة البديلة. هذا الرأي يعززه مارك كونورز، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "ريسك دايمنشنز" (Risk Dimension) في تصريحات لـ"الشرق"، حيث يصف بتكوين بـ"الملكة" بين الأصول الرقمية. 

ويشير كونورز إلى أن بتكوين تتراوح قيمتها منذ ديسمبر بين حوالي 106 آلاف و111 ألف دولار، ويرجّح استمرار مسار الصعود الحالي ليصل إلى 180 ألف دولار قبل نهاية العام. 

الفيديو أدناه يوضح رحلة صعود أكبر عملة مشفرة من حيث القيمة.

يأتي ذلك الرأي فيما تشهد سوق بتكوين موجة صعود قوية مدفوعة بعدة عوامل متداخلة. أولها الارتفاع غير المسبوق في التدفقات المؤسسية، إذ جذبت صناديق بتكوين المتداولة في الولايات المتحدة أكثر من 18 مليار دولار خلال الربع الثالث من 2025، ما يعكس دخول لاعبين كبار للسوق.

كما ساهمت سياسة التيسير النقدي في دعم هذا الاتجاه، بعد أن خفّض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الفائدة إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات، مما زاد شهية المستثمرين للمخاطرة. وبرز أيضاً الزخم التنظيمي الإيجابي في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث بدأت الأطر القانونية للعملات المشفّرة تتضح، مما أعاد الثقة إلى السوق.

أدى ضعف الدولار النسبي أيضاً إلى تعزيز الإقبال على الأصول الرقمية كأداة تحوط من التضخم وتآكل القوة الشرائية. يقول باتريك بوش، المحلل الأول لأبحاث الأصول الرقمية في "فان إيك" (VanEck)، إن العملة المشفرة أصبحت بمثابة أداة تحوط ضد ضعف الدولار وأزمات واشنطن المالية. فعندما يتراجع سعر صرف الدولار أو تلوح في الأفق أزمات كسقف الديون والإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة، يزداد الإقبال على الأصول الرقمية كملاذ بديل.

في المقابل، عززت الأسواق الناشئة الطلب العالمي على بتكوين باعتبارها ملاذاً من التضخم المحلي وقيود رأس المال، فيما ساهمت استثمارات شركات كبرى مثل جوجل في مشاريع تعدين الأصول الرقمية في رفع المعنويات. 

شاهد أيضاً: من التحوط إلى المخاطرة.. البتكوين تعيد رسم موقعها 

ملاذ أم مضاربة؟

أحد الأسئلة المحورية في هذا الصدد هو ما إذا كانت بتكوين تتحول فعلاً إلى "ملاذ آمن" جديد أم لا تزال أصلاً للمضاربة عالي المخاطر؟". وشهدنا مؤخراً تغيراً تدريجياً في نظرة المستثمرين لهذا الأصل الرقمي. 

حول هذا الأمر يقول إيلان سولوت، الخبير الاستراتيجي للأسواق في "ماريكس سوليوشنز" (Marex Solutions) لـ"الشرق" إن الصعود الأخير لبتكوين جاء مدفوعاً بتدفقات استثمارية قوية إلى الصناديق المتداولة، مما يشير إلى أن العملة تقترب من مرحلة النضج كأصل استثماري وليس مجرد أداة مضاربة قصيرة الأجل.

طالع المزيد: العملات المشفرة تتراجع مع دخول السوق منطقة "الخوف"

وبالمثل، يرى خبراء آخرون أن بتكوين تتحول من أصل عالي المخاطر إلى ملاذ استراتيجي تتنافس عليه حتى الدول والمؤسسات الكبرى. مع استمرار دخول المؤسسات المالية التقليدية إلى السوق وارتفاع نسبة حيازاتهم من بتكوين (تملك الشركات المدرجة في الأسواق حالياً أكثر من 5% من إجمالي المعروض من بتكوين عالمياً، بحسب بيانات "كوين ديسك" (Coindesk)، حيث تزداد رهانات المستثمرين على قدرة بتكوين في الحفاظ على قيمتها في الأزمات.

ومع ذلك، لا يغيب عامل المخاطرة تماماً؛ فما زالت تقلبات الأسعار حادة أحياناً، مما يبقي السؤال مفتوحاً حول مدى ثبات بتكوين كملاذ آمن حقيقي مقابل كونها أصلاً للمضاربة حتى الآن.

دور ترمب في صعود بتكوين

لعب فوز دونالد ترمب وسياساته الاقتصادية دوراً محورياً في إعادة تعريف بتكوين كأصل آمن في نظر كثيرين. ويرى تشارلز دوسي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "دي واي دي إكس فاونديشن" (dYdX Foundation)، أن إدارة ترمب خلقت بيئة مثالية لازدهار العملة الرقمية؛ إذ أدّت سياساتها المؤيدة للكريبتو مثل قانون "GENIUS" والرسوم الجمركية الجديدة إلى تضخيم حالة عدم اليقين العالمي، مما جعل بتكوين ملاذاً للتحوّط من التضخم في ظل توقعات بارتفاعه إلى 3.7% بنهاية 2025 بسبب توسع طباعة النقود.

طالع أيضاً: ترمب ينشر بيانات الاقتصاد الأميركي على بلوكتشين لدعم قطاع التشفير

يقدم نور الدين مفيد الحموري، كبير استراتيجي الأسواق في شركة "سكويرد فاينانشال" (Squared Financial)، رؤية متوازنة، إذ قال في تصريحات "الشرق" إن سياسات ترمب وتعيين شخصيات مؤيدة للكريبتو في مواقع تنظيمية عززت الزخم الإيجابي، لكن في المقابل فإن الرسوم والحروب التجارية رفعت منسوب عدم اليقين، مما جعل بتكوين أداة تحوط استراتيجية ضد التقلبات السياسية والاقتصادية.

رغم تعدد العملات المنافسة، تواصل بتكوين احتلال موقع الصدارة باعتبارها الأكثر أماناً ولامركزية في سوق الأصول الرقمية. يرى مارك كونورز أن بتكوين ما زالت تتمتع بالشبكة الأقوى والأكثر موثوقية مقارنة بغيرها، حتى مع تفوق سولانا في سرعة معالجة المعاملات.

يرى دوسي أن عملتا بتكوين وإيثريوم أظهرتا قدرة أعلى على الصمود خلال موجات التقلب الأخيرة، بينما تعرضت العملات الأصغر لضغوط حادة.

تباطؤ زخم إيثريوم هذا العام ارتبط بعدم إدراجها في الصناديق المتداولة في البورصات الأميركية على غرار بتكوين، رغم تحقيقها مكاسب قوية بلغت 67% لتقترب من مستوى 5 آلاف دولار في الربع الثالث 2025. 

اقرأ المزيد: إيثريوم تتخلف عن بتكوين وسط قلق المستثمرين من العرض وعملات الميم

أكتوبر.. الشهر الذهبي لبتكوين

تُظهر البيانات التاريخية أن الربع الأخير من كل عام يمثل عادةً مرحلة انتعاش قوية لسوق العملات المشفّرة، إذ حققت بتكوين متوسط عائد يبلغ 79% في الربع الرابع منذ عام 2013، وفق مؤشرات "كوين ديسك"، وهو النمط نفسه الذي يتكرر في أكتوبر 2025، حين انطلقت بتكوين من قاع تصحيحي نحو موجة صعود جديدة.

هذا الاتجاه الإيجابي أكسب الشهر لقب "أكتوبر الصاعد" (Uptober)؛ إذ ارتفعت العملة المشفرة خلال الشهر في تسعة من الأعوام العشرة الماضية.

طالع أيضاً: سعر "بتكوين" يقترب من أعلى مستوياته على الإطلاق

يوضح دومينيك بويجر، الرئيس التنفيذي لشركة "دويتشه ديجيتال أسيتس" (Deutsche Digital Assets)، أن أكتوبر يميل لأن يكون شهراً إيجابياً للأصول عالية المخاطر، ويتزامن غالباً مع تحسن في أسواق الأسهم والذهب، ما ينعكس على أداء العملات المشفرة.

ويرى محللون أن تزامن الاتجاه الموسمي الإيجابي مع التحول النقدي نحو التيسير خلق بيئة مثالية لاستمرار مكاسب بتكوين. وبناءً على هذه المعطيات، يُرجح أن تختتم بتكوين عام 2025 بقفزة قوية إذا لم تطرأ مفاجآت اقتصادية معاكسة.

أكبر حائزي بتكوين

أظهرت بيانات منصة "كوين غيكو" (CoinGecko) أن المؤسسات والحكومات حول العالم تمتلك ما يقارب 1.65 مليون وحدة بتكوين بقيمة إجمالية تناهز 182 مليار دولار، ما يعادل 7.85% من إجمالي المعروض العالمي. وتتصدر الشركات الأميركية المشهد، تليها حكومات الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة. وتهيمن الشركات على قائمة أكبر حائزي بتكوين في العالم بعدد 102 شركة مدرجة، مقابل 12 جهة حكومية تمتلك العملة المشفرة. 

أكبر 10 حائزين لبتكوين عالمياً
الترتيب الجهة نوع الكيان قيمة الحيازة (بالمليار دولار) الحصة من المعروض العالمي
 1  ستراتيجي شركة 71.2 %3.05
 2 الولايات المتحدة حكومة 36.1  %1.55
 3 الصين حكومة 21 %0.9
 4 المملكة المتحدة حكومة 6.8 %0.29
5 ماراثون هولدينغز  شركة 5.9 %0.25
6 إكس إكس آي سي إي بي. يو إس شركة 4.8 %0.21
7 ميتابلانِت اليابانية شركة 3.4 %0.15
8 بتكوين ستاندرد تريجري شركة 3.3 %0.14
9  بوليش شركة 2.65  %0.11
10 رايوت بلاتفورمز شركة 2.13 %0.09
المصدر: بيانات منصة "كوين غيكو" الممتدة حتى 16 أكتوبر 2025

بحسب "كوين غيكو"، تصل قيمة حيازات الشركات المدرجة من بتكوين إلى حوالي 111 مليار دولار، أي ما يزيد كثيراً عن ضعف ما تملكه الحكومات. كانت قيمة الحيازات انخفضت من نحو 37 مليار دولار في يوليو 2024، إلى 32 مليار دولار في أبريل 2025، قبل أن ترتفع إلى حوالي 73 مليار دولار حالياً. ويعود هذا التراجع جزئياً إلى قيام ألمانيا وأوكرانيا بتصفية حيازاتهما بالكامل خلال الفترة 2024-2025. 

تتربع شركة "ستراتيجي" الأميركية على عرش أكبر الجهات المالكة للعملة المشفرة في العالم، بإجمالي 640,250 وحدة بتكوين تتجاوز قيمتها 70 مليار دولار، وتمثل حوالي 3% من المعروض الكلي عالمياً. 

عربياً، تأتي الإمارات في المركز الأول من حيث امتلاك بتكوين والتي تبلغ حيازاتها 6333 وحدة بقيمة حوالي 700 مليون دولار، وفي المرتبة العشرين عالمياً، وذلك بحسب "كوين غيكو".

اقرأ المزيد: حكومات تدرس إنشاء احتياطي عملات مشفرة مستهدفة أصولاً بـ75 مليار دولار

كيف يبدو مستقبل بتكوين؟

تتجه التوقعات إلى بقاء بتكوين على مسار صعودي قوي حتى نهاية 2025، مدعومة بسياسات التيسير النقدي وتدفقات قياسية إلى الصناديق المتداولة، إذ يرجّح محللون مثل مارك كونورز وصول السعر إلى نحو 200 ألف دولار إذا استمر الزخم الحالي.

في المقابل، تبقى المخاطر التنظيمية واحتمال عودة الفيدرالي لتشديد السياسة النقدية أبرز التحديات التي قد تعيق هذا المسار. ومع ذلك، يرى الخبراء أن الأساسيات القوية والتبني المؤسسي المتزايد يمنحان بتكوين قدرة على تجاوز الصدمات، لترسّخ مكانتها كأصل رقمي رائد في النظام المالي العالمي.

- ساهمت في هذا التقرير: يارا ياسين yara.yassine@asharq.com 

تصنيفات

قصص قد تهمك