
بلومبرغ
بقلم: Charles Curkin
كنتُ أتناول الطعام مع دانيال شامون على مائدة لستة أفراد في مطعم ”نوبو“ الخاوي على جزيرة باربودا، عندما أشار إلى الشاطئ الوردي الباهت وقال: "ها هو ذا قد أتى". كان روبرت دي نيرو يسير نحونا تحت أشعة الشمس الحارقة، مرتدياً قميصاً رمادياً وبنطالاً قصيراً ترابي اللون وعلى كتفه حقيبة ظهر خضراء بالية، بينما يحمل في يده الأخرى كيس بقالة يُعاد استخدامه.
كان دخوله بسيطاً بقدر مفاجئ نظراً لأنه ممثل سبق أن حاز على جائزة أوسكار. لكن دي نيرو هنا لإنجاز عمل- أي الإشراف على تفاصيل التصميم النهائية لنادي الشاطئ في باربودا، وهو مشروع مطعم وفندق وشقق سكنية يبنيه في مكان يجد فيه راحةً وخصوصيةً.
في نوفمبر 2026، سيفتتح فندق ”نوبو بيتش إن“، المكون من 36 غرفةً وفيلا خاصة، أبوابه للجمهور. وأنا أتيت إلى هنا لأشاهد مدى الاهتمام بالتفاصيل الذي سيبلغه هذا النجم السينمائي.
ماريوت وهيلتون تحفزان طفرة الفنادق والمنتجعات الفاخرة في أفريقيا
جاء دي نيرو من منزل متواضع على بُعد بضع مئات من الأمتار من الشاطئ. سألته عما يضع في الحقيبة. قال: ”نعال شاطئ… إن استخدام الأحذية لا يناسب باربودا". بينما كنا نتجه نحو المقر الصغير لعمليته للتعرف على موقع العمل، اتبعت نهجه، فخلعت جواربي وحذائي الرياضي؛ إذ إن الرمال الناعمة وجدت طريقها إلى داخله وأصبحت كثباناً صغيرة في القعر.
هذا هو سرّ باربودا: إنها مكانٌ للاسترخاء والتجرد من النمطية. تقع هذه الجزيرة الكاريبية الصغيرة على بُعد 50 كيلومتراً إلى الشمال من أنتيغوا، وهما تشكلان معاً دولةً واحدةً، ولطالما كانت وجهةً يرغب الناس بزيارتها بشغف.
إما أن ترسو هناك في يختك، أو تهبط بطائرتك الخاصة في المطار الجديد الذي تبلغ تكلفته 14 مليون دولار -إذ الرحلات الجوية التجارية هي الاستثناء وليست القاعدة- أو أن تفعل كما فعلت أنا فتأتيها جواً من أنتيغوا في طائرة سمتية. يوجد فندقان فاخران إن شئت أن تكون متراخياً في التقييم، لكن هناك مزيداً في الطريق: بالإضافة إلى ”نوبو بيتش إن“، هنالك فندق من ”روزوود“ قيد البناء.
ملاذ استوائي
اشتهرت باربودا لعقودٍ طويلةٍ كملاذٍ هادئ. عليها لاذت الأميرة ديانا عن العالم في التسعينيات، ومن ذلك فترة في أبريل من عام 1997، أي قبل بضعة أشهر من وفاتها. هذا الهدوء، بالإضافة إلى صعوبة الوصول متعمد جزئياً. تتميز الجزيرة، التي تبلغ مساحتها 6200 كيلومتر مربع، بنظام ملكية الأراضي المشتركة لسكانها البالغ عددهم 2000 نسمة، وقد حُظر التطوير الخارجي عليها لفترةٍ طويلة.
الآن، وبعد سنواتٍ من الإصرار -بما في ذلك نزاعٌ قانوني بين السكان والحكومة انتهى بمنح امتيازاتٍ خاصة لمجمع دي نيرو السكني- سيُحقق الممثل قريباً أحد أكثر مشاريعه قرباً لنفسه. بالنسبة لرجلٍ تتضمن مسيرة عمله في مجال الرفاهية إمبراطوريةً تضم أكثر من 40 فندقاً و50 مطعماً حول العالم (جميعها تحمل اسم نوبو)، بالإضافة إلى مطعم ”تريبيكا جريل“ وفندق ”غرينتش“ في نيويورك، هذا ليس أمراً ليس ذا شأن.
"نيوم" السعودية تجذب "إكوينوكس "لإقامة منتجع "تريام" الفاخر
راهناً، ما يزال الحلم مجرد سلسلة من الرسومات التخطيطية. على شرفة مغطاة، وقف دي نيرو مع شامون، أحد شريكيه في التطوير، أما الآخر، جيمس باكر، فلم يكن موجوداً وقتها. كانت هناك أيضاً كاتي هورن، المديرة العامة لشركتهما "بارادايس فاوند“، وانحنوا فوق خريطة للمنتجع الذي تبلغ مساحته 391 فداناً، مشيرين أولاً إلى فندق ”نوبو بيتش إن“، وهو مفهوم جديد للعلامة التجارية. بالإضافة إلى الأكواخ، سيضم المنتجع منتجعاً صحياً مع أجنحة حدائق خاصة ومسبحاً مطلاً على المحيط. وتبدأ أسعار الغرف من 2500 دولار.
سيظل مطعم نوبو يقدم أطباق السمك النيء وشرائح لحم ”توماهوك“، برغم أن موقعه سينتقل إلى المبنى الرئيسي للفندق. تقدّر هورن أن الاستثمار النهائي سيكون "بمئات الملايين".
عناية دقيقة بالتفاصيل
تعمل معظم منتجعات ”نوبو“ بموجب اتفاقيات ترخيص، لكن دي نيرو وشركاءه يملكون هذا المنتجع، وهو يبذل قصارى جهده في التفاصيل الصغيرة، بما في ذلك اختيار لون خشب الأيبي المناسب ومن أين سيلج أبواب الخزائن. قال: "إذا أعجبني، فأنا متأكد من أنه سيُسعد الآخرين". أحد أطباقه المفضلة، سمك القد الأسود مع ميسو في مطعم ”نوبو“، المطعم الأول الذي أسسه مع الشيف نوبويوكي ماتسوهيسا، بات يُقلد عالمياً بنجاح كبير، لذا فهو مُحق تماماً في هذا الجانب.
قال دي نيرو متنهداً: "عندما تذهب إلى مطعم وفجأة يغيرون الشيء الرئيسي الذي جذبك إليه… يجب احترام هذا الطبق المميز. إن لم يكن به خلل لا تُصلحه." ذكرني ذلك برجل العصابات القاهر الذي جسّده في فيلم "كازينو" عام 1995، وهو يأمر الطاهي بوضع كمية متساوية من التوت الأزرق في كل كعكة.
المالديف تحتضن أكثر من مئة منتجع.. إليك أين يجب أن تحجز؟
في جنته الشخصية، يُشارك دي نيرو شامون تركيزه على تقليل البصمة البيئية، وحتى البصرية. لقد ولت الحواف الصلبة والرخام الأسود والبني التي تُميز منتجعات السلسلة الأخرى.
هنا، كُلّف المهندسون المعماريون بإنشاء هياكل تتماهى مع المشهد الطبيعي. قالت هورن: "جميع المباني من طابق واحد، وتبتعد عن الشاطئ أكثر من اللازم". سبب ذلك هو الحفاظ على الخصوصية والحفاظ على نقاء الواجهة البحرية. يدعم استخدام المواد الطبيعية والنباتات المحلية النظام البيئي، وسيعزز مشروع تجديد أشجار المانغروف قدرة الجزيرة على الصمود في وجه الأعاصير.
زيارة مفاجئة
قال دي نيرو: "لا أحب الأشياء المصممة لمجرد كونها مصممة. كما هو الحال عندما يبني مهندس معماري شيئاً دون أي إحساس بالمكان". خارج النُزُل، ستُقام فلل خاصة جاهزة للسكن تبدأ أسعارها من 12 مليون دولار، بالإضافة إلى عقارات خاصة أكبر مُقامة على شاطئ البحر، بجوار منزل دي نيرو الحالي.
وتتوفر قطع أراضٍ غير مبنية بأسعار تبدأ من 7 ملايين دولار، إذ ستبيع شركة "بارادايس فاوند" الأراضي والمنازل المبنية، حسب رغبة المشتري. ويجدر بالذكر أن الشركاء الثلاثة سيملكون منازل في نادي الشاطئ.
شاهد دي نيرو الموقع لأول مرة منذ أكثر من 30 عاماً، في رحلة بالقارب من أنتيغوا. وقد ترك المشهد الطبيعي بشواطئه اللؤلؤية التي تجد فيها عدداً من السلاحف يفوق عدد البشر ويقابل المياه الفيروزية قليلة العمق، انطباعاً لا يُنسى. قبل عقد، عندما علم بتوفر الأرض، بدأ في تشكيل ما سيصبح ”نوبو بيتش إن“.
طبيعة عسير.. رهان سياحي جديد في السعودية
لم تخلُ هذه العملية من انتكاسات، بما في ذلك إعصار ”إيرما“ وجائحة ”كوفيد-”19. كما لاقى المشروع انتقادات من بعض سكان باربودا. وصف جون موسينغتون، رئيس مجلس باربودا، المُشرف على الشؤون الداخلية، نادي الشاطئ بأنه "مشروع مُدمر… مخطط استخلاص واستغلال". قالت هورن: "الامتيازات في عقود الإيجار لدينا مماثلة لمشاريع تطوير رئيسية أخرى في أنتيغوا وبربودا".
بالعودة إلى المقر الرئيسي، قاطع اجتماع دي نيرو للتصميم زيارة عفوية من رئيس الوزراء، غاستون براون، الذي سافر جواً برفقة ابنته الصغيرة بيس للاطلاع على آخر المستجدات وتناول الغداء.
وجه أبي الهول
ثم عدنا إلى عينات الخشب لأرضيات الفيلات. كما في مشهد مضرب البيسبول الشهير من فيلم (The Untouchables)، وفيه لعب دي نيرو دور آل كابوني، يتصاعد التوتر وهو يحدق في ألواح من خشب البلوط الأبيض "الريفي" وخشب الساج غير المطلي، وكان وجهه جامداً كما لو كان أبي الهول.
لم تتجاوز كلمات موافقته: "هذا جميل“، وكان أحياناً يهز رأسه ببساطة. ثم يسأل "ما هذا الخط هنا؟" مشيراً إلى خط يقسم المستطيل إلى لونين مختلفين يسأل في إحدى القطع، يضيف: "كيف أمكن أن يفوتكم هذا؟".
على عشاء الليلة السابقة في ”هيرميتاج باي“، منتجعه الفاخر في أنتيغوا، شارك شامون رؤيته حول التوجه الإبداعي لدي نيرو. قال: "بوب لا يحب أن تسير الأمور بالسرعة المطلوبة". هوسه وكماليته أسطوريان، فقد قاد دي نيرو سيارة أجرة في مدينة نيويورك لمدة شهر في نوبات عمل مدتها 12 ساعة استعداداً لدور ترافيس بيكل في فيلم "سائق التاكسي" عام 1976.
في الوقت نفسه، يتميز بسلوك هادئ ولطيف يتماشى تماماً مع بقعة استوائية خلابة. قال شامون: "إنه مرح جداً. لكنه ينزعج أحياناً، وعندما ينزعج، قد تشعر وكأنك في أحد أفلامه عن العصابات". العنصر الأساسي في النُزُل، على عكس ما قد يتوقعه المرء نظراً للطبيعة الخلابة لمطاعمه التي تحمل اسمه، هو خصوصيته، تماماً كما كان الحال في نادي "كي" على أرض يملكها دي نيرو عندما جاءت الأميرة ديانا مع أبنائها هرباً من المصورين.
لكنه لن يكون مكاناً للاختباء في عزلة تامة. إذ ستوفر مرافق الرياضات المائية فيه ركوب الأمواج الشراعية، والإبحار بقوارب الدنجي، ورحلات الغطس، ورحلات بحرية عند غروب الشمس على متن يخوت كلاسيكية ذات محركات.
مع اقتراب ساعة السحر، وإتمام آخر بنود جدول أعمال دي نيرو، ارتدى حقيبته وخلع نعال الشاطئ. كان يمشي وتظهر في خطواته سعادة مع ابتسامة بادية على وجهه. لم ينتهِ نادي الشاطئ بعد، بل ليس قريباً من ذلك، ولكن كان واضحاً فجأة أنه يشعر بثقة أنه سيكون جاهزاً في الموعد المحدد ومبنياً وفقاً لمواصفاته الدقيقة. قال فيما أقفل مدبراً باتجاه الشاطئ: "أنا في الواقع متفائل جداً“.





