
بلومبرغ
في تمام 8:14 من ليل 9 ديسمبر 2024، وصل جو بورو، لاعب الوسط الوسيم في فريق ”سينسيناتي بنغالز“ لكرة القدم الأميركية الذي يحمل قميصه الرقم 9، إلى ملعب في أرلينغتون بولاية تكساس، لمواجهة فريق ”دالاس كاوبويز“ في مباراة ليلة الإثنين. بعد دقيقة واحدة، اتصلت أوليفيا بونتون، زميلته في السكن في أوهايو، برقم الطوارئ.
استنجدت المرأة التي تعمل عارضة أزياء ومؤثرة حين وصلت إلى المنزل لتجده في حالة فوضى بالشرطة، قائلةً: "اقتحم أحدهم منزلنا... لقد بعثروا كل شيء"، وتوسلت لإرسال قوة إلى مكان الحادث.
نفذ اللصوص هجومهم قبل ساعة، بينما كان بورو يستعد للمباراة، وقد دخلوا من نافذة، وتوجهوا إلى غرفة نومه فسرقوا كنزاً من المجوهرات، بينها قلادة مرصعة بالماس كُتب عليها حرفي اسمه ورقمه في الفريق (JB9) فوق شعار "نايكي"، وهي القلادة التي عرضها بورو بعد فوزه ببطولة ”إيه إف سي نورث“ (AFC North) عام 2022.
لقطة أثناء الفرار
أثناء فرارهم عبر ممرات المشاة الوارفة في بلدة أندرسون، إحدى ضواحي سينسيناتي، التُقطت صور للصوص لدى مرورهم بكاميرا مراقبة. أظهرت إحدى الصور رجلاً يحمل حقيبة سفر. وفقاً لسجلات الشرطة، كانت تحوي ما قيمته 300 ألف دولار من قلادات ماسية وأخرى ذهبية ونظارات شمسية فاخرة وساعة "كارتييه" مرصعة بماسات تفوق ساعات اليوم عدداً.
في الليلة التي سُرق فيها منزله، احتفل بورو. كانت تمريرته التي بلغت 40 ياردة كفيلة بسحق فريق "كاوبويز" قبل 61 ثانية من انقضاء زمن المباراة. كما احتفل اللصوص، إذ تقول الشرطة إنهم غادروا أوهايو وانطلقوا مسرعين لمسافة 1750 كيلومتراً باتجاه فلوريدا. بحلول مساء اليوم التالي، استقروا في ملجأ بعيد، وهو منزل آمن قرب ”ديزني ورلد“.
لصوص البرازيل يجدون في البن غنيمتهم
ثم بدأوا يحتفلون بنصرهم. في سلسلة صور احتفالية، كان المشتبه بهم الأربعة مبتسمين، ورتّبوا بعناية 21 قطعة مجوهرات، والتقطوا صوراً معها ببهجة وسط لمعان الذهب وبريق الماس. علّق أحد المشتبه بهم ست قلادات حول عنقه من غنيمة بورو فيما أحاط معصمه الأيمن بساعتي ”كارتييه“ و“رولكس“ وقد غطت الوشوم ذراعيه، فيما ابتسم لالتقاط صورة سيلفي دون أن يدري أنه سيندم على التقاطها.
سرقة الرياضيين مهنة
كانت سرقة بورو واحدة من سلسلة عمليات سرقة اتُّهمت بها المجموعة، التي تقول الشرطة إنها نظمت ما لا يقل عن ست عمليات سرقة استهدفت رياضيين محترفين أواخر عام 2024.
في ميلووكي، يُزعم أنهم سرقوا سلعاً فاخرة بقيمة 1.48 مليون دولار من منزل بوبي بورتيس جونيور، لاعب ”ميلووكي باكس“. وفي ممفيس، يُتهمون بسرقة سلع بقيمة مليون دولار من جا مورانت، لاعب خط وسط ”غريزليز“.
كما تقول الشرطة إنهم هاجموا قصر ترافيس كيلسي، لاعب خط الوسط في فريق ”كانساس سيتي تشيفز“، بعد يومين فقط من سرقة منزل لاعب الوسط في فريقه، باتريك ماهومز. سرقاتٌ لا تنتهي، ولم يقتصر الأمر على سرقة كميات هائلة من المقتنيات الثمينة فحسب، بل اكتسبوا سمعة واسعة أيضاً.
تتبع اللصوص جداول المباريات لتحديد توقيت عمليات السرقة أثناء تواجد الرياضيين في الملعب. استهدفوا منازل بملايين الدولارات متاخمة لمساحات مفتوحة أو مناطق غابات أو ملاعب غولف. وتشير تقارير الشرطة إلى أنهم كانوا يجهزون رذاذ الفلفل للتعامل مع كلاب الحراسة.
أثناء عملهم، كانوا ينحّون هواتفهم جانباً ويستعيضوا عنها بأجهزة اتصال لاسلكي. وليتجنبوا إطلاق الإنذارات، كانوا يحجبون إشارات واي فاي وكاميرات المراقبة باستخدام جهاز تشويش سعره 3000 دولار.
ما خفّ وزنه وغلا ثمنه
بمجرد أن يدخلوا كانوا يستهدفون غرفة النوم الرئيسية والخزائن المجاورة، فيما لا يعيرون بالاً للأسلحة والكمبيوترات والهواتف المحمولة ويركزون على المجوهرات والساعات وحقائب اليد والنظارات الشمسية والنقود. أظهرت صور كاميرات المراقبة أنهم كانوا يستخدمون قفازات ويرتدون ملابس متطابقة، غالباً ما تكون جميعها باللون الأسود أو الأبيض، مع قبعات بيسبول وأقنعة كالتي كانت تُستخدم للوقاية من كوفيد.
كان سائق سيارة الهروب عادةً ما يتموضع على بُعد عدة مربعات سكنية، ولم يسبق أن اقتحموا منزلاً به سكانه قط، وهو ما عزاه المحققون إلى عمليات استطلاع مكثفة. في منزل بورو، تفقدت فرقة أمنية محيطه في الساعة السادسة مساءً، وقد انتظرها اللصوص حتى وصلت إلى الفناء الأمامي، ثم اقتحموا المنزل بجرأة عبر نافذة خلفية.
أمازون: لصوص سرقوا ملايين الدولارات عبر حيلة استرداد المنتجات
لكنهم ارتكبوا بعض أخطاء أساسية برغم أنهم كانوا عموماً يهتمون للتفاصيل. إذ إنهم احتفظوا ببعض من هواتفهم لأشهر برغم أنهم اعتادوا أن يتخلصوا منها بانتظام، وكانت تلك الهواتف ترسل إشارات إلى أبراج الإتصالات ولو أنهم كانوا نادراً ما يستخدمونها.
ثغرات استغلتها الشرطة
بعد سرقة بورو، حدد وكلاء إنفاذ القانون جميع الهواتف التي مرت عبر المنطقة تلك الليلة. ثم جمعوا بيانات من أجهزة قراءة لوحات السيارات لتحديد المركبات التي كانت قريبة. ثم كرروا هذا الأمر في عدة مواقع سرقة، ومن خلال مقارنة القوائم التي جمعوها، حددوا في النهاية ثلاثة أرقام هواتف مشبوهة جداً. وعندما اكتشفوا أن أحد الهواتف نشط ويتحرك، بدأوا بتتبع اللصوص في رحلة برية -يوماً في أورلاندو، وآخر في ميلووكي- في ترحالهم لسرقة مشاهير.
بعد أربعة أسابيع من اقتحام منزل بورو، عاد اللصوص المشتبه بهم إلى أوهايو. وضعتهم فرق إنفاذ القانون بقيادة مكتب التحقيقات الجنائية في أوهايو تحت المراقبة على مدار الساعة. في 10 يناير، في موقف سيارات فندق ”لا كوينتا إن" المغطى بالثلوج خارج دايتون، صوّر عميلان خاصان أربعة رجال وهم يضعون حقيبتي ”لوي فويتون“ وكيس قمامة أبيض منتفخ يحوي على أربعة أزياء تنكرية متطابقة، وجهاز استنشاق للأمراض التنفسية، في سيارة "شيفروليه بليزر". وقد كان أحد المشتبه بهم مصاباً بالربو.
توجه الرجال إلى الطريق السريع 70، لكنهم توقفوا أولاً في موقف سيارات الفندق، بجوار رجال المباحث. أنزل أحد المشتبه بهم زجاج نافذة السيارة والتقط صورة لأحد أفراد المباحث، لكن لم يكن لديه أدنى فكرة أنه سيحاول حذف الصور قريباً بالسرعة التي ستطرح فيها الشرطة الأسئلة عليه.
بعد مضي 16 دقيقة من التقاط تلك الصورة في موقف السيارات، أومض شرطي من ولاية أوهايو أضواء سيارته الزرقاء ليوقف سيارة المشتبه بهم الأربعة فطفقوا فورهم يخفون أدوات السرقة، كما جاء في تقرير الشرطة واتفقوا على روايتهم التمويهية وأبرزوا بطاقات هوية مزورة.
صاحب الوجه الطفولي
دنا الشرطي من السيارة وأمرهم بإنزال زجاج النوافذ. وتحدث إلى باستيان موراليس، وهو شاب ذو وجه طفولي بلغ من العمر 23 عاماً كان يغطي عينيه بنظارة كبيرة على شكل دمعة ويجلس على مقعد الراكب الأمامي. سلّم موراليس رخصة قيادة أرجنتينية مزورة تحمل اسماً مستعاراً هو خوان كونتريراس موراليس، ونظر إلى كاميرا الشرطة فيما كانت عيناه تلمعان تحت حافة قبعة تحمل شعار فريق ”بنغالز“ كانت تشبه بوضوح تلك المسروقة من غرفة نوم بورو.
وأخبر المشتبه بهم الشرطي أنهم عائدون إلى أورلاندو لأنهم كانوا يشعرون بالبرد ويريدون أن يذهبوا إلى مكان دافئ خارج المدينة، فأجابهم الشرطي: "أورلاندو؟ إنها في الاتجاه المعاكس" مشيراً إلى أن اتجاهها هو الذي أقبلوا منه، وقال: "فلوريدا في ذلك الاتجاه".
لصوص يسرقون 15 ساعة ثمينة من متجر أمام المارة
أخرج الشرطي الرجال من سيارتهم للاستجواب، ثم فتّش أمتعتهم واكتشف مخبأ أدوات السطو، وكان منها عتلة وأداة لكسر الزجاج. وقبض على المشتبه بهم الأربعة واقتيدوا إلى مكتب الشريف للاستجواب.
لم يُدل أي منهم بأي تفاصيل، ولا حتى هويته الحقيقية. فصل المحققون موراليس وسألوه مراراً عن سبب وجوده في أوهايو. أجاب موراليس: "جئنا لنرى الثلج". وكما سيتبين للمحققين لاحقاً، لم يكن أي من الرجال المعتقلين سائحاً هارباً إلى فلوريدا المشمسة. عندما تعرفوا عليهم في النهاية، اتضح أنهم مواطنون من تشيلي، نشأوا في سانتياغو، حيث تجد جبال الأنديز المغطاة بالثلوج والأنهار الجليدية مشهداً دائماً.
بيئة فقيرة أنتجت لصوصاً
موراليس من حي سانتياغو الفقير المعروف باسم لا ليغوا، حيث تتهاوى مصانع الملابس المهجورة بجوار سجن للنساء. هناك تجد الكلاب الضالة تملأ شوارع تعجّ بالقمامة، وتلوث الهواء فيها من أشد ما تشهده أميركا اللاتينية. تُصدر مدافئ الكيروسين في كثير من المنازل روائح كريهة، لدرجة أن السكان يكدسون عليها قشور البرتقال أو بقايا شجر الأوكالبتوس لتطغى على رائحتها.
المنازل صغيرة، وكثير منها مهجورة أما تلك المأهولة فعلى نوافذها قضبان حديدة للحماية. وبينها تسمع ضجيج عربات تجرها خيول وتجد أضرحة صغيرة مُزينة بالشموع وألوان فرق كرة القدم تُخلّد ذكرى غير رسمية للشباب الذين قضوا في هذه الشوارع. وهناك يُوصل أصحاب المتاجر المشتريات عبر السلال. الحي آمن نسبياً نهاراً، لكن في الليل، غالباً ما يقع إطلاق نار بسبب تجارة المخدرات فيعمّه الفزع.
الارتفاع الكبير في أسعار السلع يغري اللصوص
أما تربية الأطفال هنا فهي تُمثّل تحدياً، رغم أن موراليس كان محظوظاً لأن أمه مُجتهدة في عملها، وله عدة أخوات مُخلصات وجدّ يعيش قريباً، أضافة لأنه ذو شخصية براقة.
لم ترو قصة هروبه من لا ليغوا كاملة، الذي أصبح بعده مُشتبهاً به في جرائم سطو بارزة في الخارج. لكن حين زرت أسرته وعلم بوجودي حين اتصل بمنزله من السجن، أبدى خشيته من أن أكون عميلاً متخفياً لدى إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، وطلب من عائلته توخي الحذر.
أنكرتُ ذلك ضاحكاً، وقلتُ لأفراد عائلته المُجتمعين حولي: "لا يُمكنني أن أعمل في مثل هذه المنظمة أبداً، فلديهم إجازة لمدة أسبوعين فقط في السنة، وأنا أحتاج شهرين على الأقل. هذا مُستحيل". أفلحت بإقناعهم، وواصلنا شرب القهوة سريعة التحضير وتناول فطائر إمبانادا المقلية.
بعد مغادرتي منزلهم، تجوّلتُ في الحيّ ورأيت ملصقاتٍ تحتفل بالذكرى الخامسة عشرة للهجوم على أكاديمية تدريب لحراس السجون. ودعت رسومات مُلوّنةٌ بالرشّ إلى الإطاحة بالطبقة الحاكمة، مُذكّرةً بتاريخ المنطقة العريق كمعقلٍ للمقاومة ضدّ الحكومة العسكرية للزعيم أوغستو بينوشيه (1973-1990). في ظلّ ديكتاتوريته، تعرض مئات المعارضين للتنكيل في تريس ألاموس وكواترو ألاموس، وهما معسكرا تعذيب سيئا السمعة يقعان على بُعد بضعة مبانٍ فقط. وقد أصبحا الآن مركزين لاحتجاز المراهقين المتهمين بارتكاب جرائم.
فقر مدقع مقابل ثراء بالغ
إن التناقض بين هذا الواقع وما يعيشه جو بورو لا يمكن أن يكون أكثر حدةً. إذ يكسب لاعب الوسط حوالي 150 ألف دولار يومياً وهو مبلغ يتطلب الحصول على مثله من العامل العادي في لا ليغوا أن يكدح لمدة 33 عاماً.
طلبت من حارس أمن في أحد الأحياء نصيحةً، فقلت له إنني أرغب في مقابلة لصوص. في البداية، حذرني قائلاً: "لا تدعهم يرونك تتعقب منزلهم". ثم نظر إلى دفتر ملاحظاتي الممزق، وضحك. "ستحتاج إلى صفحات أكثر بكثير من هذا".
العنف آخذ في الازدياد هنا، لكن هذه ليست الحياة الإجرامية التي يُزعم أن موراليس دخلها. بشكل عام، تشيلي ليست بلداً يسكنه مسلحون وتبادل اللكمات يكاد يكون معدوماً. هنا تجد الناس يركبون الدراجات للتنقل في كل مكان، ويحترمون قواعد المرور بطرق غير شائعة في أميركا الجنوبية. ولكن في عالم الجريمة التشيلي، للسرقة مكانة شرف.
الجرائم المفضلة هنا هي الاحتيال في التأمين الصحي وسرقة أجهزة الصراف الآلي وأكثرها تفضيلاً هي سرقة الأغراض البسيطة. يسرق اللصوص التشيليون نباتات الزينة من الساحات الأمامية، وأي سلة قمامة غير مربوطة بقفل، وحتى أغطية المراحيض العامة.
لقد سُرقت كعكة عيد ميلاد ابنتي من مقعد الراكب في سيارتنا أثناء الاستعدادات النهائية للاحتفال بعيدها السادس عشر. كما سرقوا كيساً كانت فيه شموع الكعكة.
لغة فريدة لعالم الجريمة
للمجرمين هنا لغة خاصة ثرية المفردات تُسمى "كوا" (Coa)، ولها قواميس غير رسمية تترجم معاني كلماتها إلى الإسبانية ويربو عدد صفحاتها على 100 تضم مفردات متمايزة بدقة عن مسميات عالم السرقة. مثلاً كامارون نيجرو (التي تعني القريدس الأسود) تعني لص الفحم، أما كاركامو فيسرق الأحذية، وكابيرو لص يرتدي عباءة تخفي يديه خلال السرقة. أما كاروسيرو فتعني لص الدجاج، وكوليرو فيسلب الشعر من ذيل الحصان، ويستهدف كارنيس مويرتو "أي سارق اللحوم الميتة" كبار السن. كل هذا المفردات كانت تحت حرف (C) في الصفحات القليلة في مطلع النسخة التي حصلت عليها.
شركة يابانية تطور كاميرات تضبط اللصوص قبل ارتكاب الجريمة
هذه اللغة غير مهددة بالانقراض، فقد انتقلت منذ فترة طويلة إلى الاستخدام السائد في تشيلي، كما يروي بابلو زيبالوس، وهو محلل استخبارات شرطة متقاعد ومؤلف كتاب (Un Virus Entre Sombras) (فيروس في الظلال)، الذي كان من أكثر الكتب مبيعاً في تشيلي لعام 2024 ويوضح بالتفصيل أشكال الإجرام الناشئة.
قال زيبالوس: "انظر إلى أبطال اليسار في أميركا اللاتينية فتجد أنهم عادةً عامل أوطالب أو أستاذ. أما الآن فقد أصبحوا من فئة (تشورو)"، أي الشاب الشرير.
حتى أن عالم الجريمة السفلي هذا في تشيلي لديه قديسة مفضلة هي عذراء مونتسيرات. يتضرع اللصوص عند تماثيلها طالبين الحماية، وقال كاهن محلي: "ليس الأمر أن عذراء مونتسيرات تبارك النشاط الإجرامي، بل لأنها تبارك حياتك، فهي تريد حمايتك، أياً كان الطريق الذي اخترت أن تسلكه".
اللصوص يحبون السفر
قليلٌ من سكان لا ليغوا استكشفوا مناظر تشيلي الخلابة مثل صحراء أتاكاما وغابات باتاغونيا والبحيرات التي تنتشر في وسط البلاد. وعددٌ أقل منهم لديه جواز سفر. أما موراليس فكان مختلفاً، ومنذ صغره، أخبر عائلته أنه سيسافر بعيداً.
في إحدى رحلاته الأولى، وقع في حب شواطئ ريو دي جانيرو. ومن هنا نمت طموحاته في السفر. تُزين غرفة معيشة العائلة صورة لموراليس في برشلونة، يقف أمام كنيسة ساغرادا فاميليا. وقد حقق سفره اللاحق إلى الولايات المتحدة حلم طفولته.
لكن بينما ينتظر المحاكمة واحتمال سجنه إن أُدين، فستكون رحلاته الوحيدة من زنزانة سجن إلى جلسة استماع أمام قاضٍ في ولاية أوهايو، ومن المرجح أن تكون الثانية إلى محكمة اتحادية في فلوريدا.
يُعرف هذا النوع من اللصوص التشيليين في وطنهم باسم "إينازاس إنترناسيوناليز" (lanzas internacionales) أو اللصوص الدوليين، وقد اشتهروا بين وكالات الشرطة في العالم منذ أربعينيات القرن العشرين على الأقل، عندما بدأوا بسرقة جيوب ركاب مترو أنفاق بوينس آيرس، كما يقول إدواردو لاباركا، مؤلف ثلاثة كتب تتناول حياة اللصوص التشيليين.
يسافر هؤلاء الشباب (أحياناً مع أخواتهم أو صديقاتهم) حول العالم في مجموعات يصل عددها إلى 10 أفراد، متنكرين في زي سياح في عطلة. ويقول لاباركا إن اللصوص هم عشيرة فخورة تنبذ العنف وتعمل بموجب مبدأ "الفرصة تصنع اللص“.
عصابات تقتل الهنود ورقياً طمعاً بالمال
إنهم يعيشون وفقاً لمنطق أن من يتركون الأشياء الثمينة في الأفق يستفزونهم ويغرونهم. ويشيرون إلى أعمال السرقة باسم (el trabajo)، أي الوظيفة، ويميلون إلى العمل فقط مع زملاء تشيليين، ويثقون فيمن ينتمون لولاءات الحيّ أو الدم. وهم يتطورون، إذ يقول زيبالوس: "ما يميز المجرمين التشيليين هو أنهم يتعلمون بسرعة كبيرة الطبيعة المتغيرة للجريمة… عندما يرى الجانح التشيلي فرصة يستغلها الآخرون، فإنه سيتقن تقنيتها".
جامعة الجريمة
يصقل المجرمون أيضاً مهاراتهم في أماكن الاحتجاز. قال مدير سابق لنظام السجون التشيلي، طلب عدم كشف اسمه: "كنت في السجن، وقال لي أحد السجناء: عليك أن ترى ما يحدث. إن مدرسة الجريمة منعقدة“.
يروي أنه داخل سجن سانتياغو، مدّ السجناء سلكاً عبر الممر وعلقوا عليه فزاعة مصنوعة من بدلة عمل محشوة لتبدو كإنسان. كانت الفزاعة ترتدي سترة ذات جيوب متعددة، وفي كل جيب محفظة. على رأس الجمهور المصطف في نصف دائرة أمامه كان سجين أربعيني يُلقي درساً على طلابه المجتهدين.
كان المعلم يُوضح كيفية سحب محفظة من الجيب بأخف لمسة. كما أوضح كيفية الارتطام بالمشاة لاستغلال لحظة الارتباك في نشل محافظهم. لف سترة على ساعده، مخفياً اليد الأخرى التي كان أصابعها أداة السرقة. واقترح قص الأظافر وتدليك أطراف الأصابع باستمرار، لتبقى ناعمة ومرنة تقليلاً للاحتكاك وزيادة البراعة.
لتقييم مهارات متدربيه، خاط النشال الخبير صفاً من الأجراس الصغيرة على طول الجزء السفلي من السترة، تشبه الأجراس التي تُعلق على طوق قطة. لإتقان الفصل، كان على الطالب أن يُظهر أنه يستطيع سرقة محفظة دون أن يتسبب برنين أي جرس. يتذكر مسؤول السجن أنه بعد مشاهدة الأداء، التفت إلى سجين قريب وعلق قائلاً: "هذه ليست مدرسة للجريمة. هذه هي جامعة الجريمة“.
إلهام فرنسي وسرقة وزيرة
كانت شهرة النشالين التشيليين كبيرة لدرجة أن أسطورة ظهرت حول مآثر ومهارات لصة تُعرف باسم يويتو. عملت هذه الشخصية الرائعة في مترو أنفاق نيويورك ويمكنها سرقة أي ساعة أو أي قلادة أو أي محفظة. كانت يويتو هي النسخة التشيلية من لص المجوهرات الفرنسي الشهير الخيالي أرسين لوبين.
تلمس تبجيلاً أسطورياً لدى ذكرها. وفقاً للروايات الشعبية التشيلية، نشلت يويتو ذات مرة رجلاً نبيلاً في قطار مانهاتن لتكتشف لاحقاً أنه سرقت محفظة وشارة مسؤول كبير في مكتب التحقيقات الفيدرالي. تصدرت مهارات يوييتو الأخبار في أبريل، عندما سرق نشال تشيلي حقيبة "غوتشي" بقيمة 4400 دولار من وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم أثناء احتفالها بعشاء عيد الفصح في مطعم ”كابيتال برغر“ في العاصمة واشنطن مع أحفادها وابنتها.
هل نفذ رازليخان وداتش أكبر سرقة عملات مشفرة في التاريخ؟
كان اثنان من عملاء الخدمة السرية يقومان على حراسة نويم وكانا، وفقاً لشهود عيان، يجلسان في بار المطعم عندما اقترب منها التشيلي ماريو بوستامانتي ليفا وقد غطى أنفه وفمه بقناع طبي. جلس بوستامانتي على طاولة مجاورة لطاولة الوزيرة وعاين المكان فيما كانت عيناه ترقبان حقيبة نويم التي تبدو على شكل فاكهة الكمثرى، فيما كانت تحت كرسيها كما لو أنها نضجت فسقطت من الشجرة.
تُظهر لقطات الأمن بوستامانتي وهو يحرك كرسيه ببطء قرب كرسي نويم. لكن كيف له أن يمسك غنيمته ويهرب بها؟ لم يكن بإمكان بوستامانتي، الذي يعود سجله الإجرامي في ثلاث قارات إلى عام 1995، أن يقف ويمشي قرب كرسيها لأن ذلك سيكون واضحاً جداً. يُظهر الفيديو الرجل وهو ينفذ حركة كان يتقنها منذ عقد على الأقل. بينما كانت نويم تُشير إلى حفيدها وتُهدهده، أدار بوستامانتي جسده يساراً ومد ساقه ليسحب المحفظة برفق من تحت كرسي نويم. ثم التقطها، وأخفاها تحت سترة إضافية يحملها، وخرج مسرعاً من الباب.
تقول الشرطة إنه استقل حافلة المدينة، وتوجه إلى الحي الصيني ثم استقر في بار مطعم إيطالي للاحتفال.
بينما كان يتفحص غنائمه، وجد بوستامانتي نقوداً مخبأة فيها فتذكر أيام النشل القديمة الجميلة. كانت نويم تتجول في واشنطن العاصمة وفي حقيبتها 3000 دولار. ولو أنفق بوستامانتي من هذا المبلغ، لكان أفلت بسرقته الشهيرة، لكنه استخدم بطاقة نويم الائتمانية، وسرعان ما عُثر عليه واعتُقل وهو الآن ينتظر المحاكمة في السجن.
النشل لم يعد مجدياً
لا يحمل الناس كثيراً من الأوراق النقدية هذه الأيام. قال جوني فيكا، رئيس قسم غسل الأموال والأصول في شرطة التحقيقات التشيلية، إن هذا أحد أسباب استبدال المجرمين التشيليين في الخارج السطو بالنشل. تساءل فيكا: "لماذا يُخاطرون بالنشل واحتمال المواجهة وجهاً لوجه مع الضحية، بينما يمكنهم سرقة منازل بهدوء أكبر، وحيث تكون الأرباح أعلى بكثير؟".
حوالي عام 2010، توجه لصوص تشيليون إلى مدريد، المدينة التي يمكنهم فيها التحدث بالإسبانية والانطلاق. وسرعان ما انتقلوا إلى لندن. سرق التشيليون منازل حارس مرمى مانشستر يونايتد السابق توماس كوجتاك ونجوم كرة قدم من مانشستر سيتي وليفربول، ومنازل مشاهير، منهم ماركوس ويرينغ. وعندما أوقفتهم الشرطة في إنجلترا، كان أحدهم يرتدي قلادة تعود للشيف الحائز على نجمة ميشلان.
كيف تمكّن مهندس شابّ من سرقة 10 ملايين دولار من "مايكروسوفت"؟
لكن القرار الذي اتخذته سلطات الهجرة الأميركية عام 2014، والذي لم يحظَ باهتمام كبير وسمح للتشيليين بدخول الولايات المتحدة مع الحد الأدنى من التدقيق -المعروف باسم الإعفاء من التأشيرة- هو الذي فتح آفاقاً جديدة أمام اللصوص.
بدءاً من ذلك العام، بمجرد الإجابة على الأسئلة عبر الإنترنت والادعاء بعدم وجود سجل جنائي لهم، يمكن للتشيليين في كثير من الأحيان الحصول على تأشيرات دخول أميركية صالحة لمدة 90 يوماً.
تمويل للسرقة
هكذا بدأت رحلات السرقة التي أطلقوا عليها اسم "الجولة". قال دييغو أورتيز، المؤلف المشارك لكتاب "قضية الساعات: تاريخ من السرقة والخيانة والكثير من الذهب"، الذي يفصّل أساليب عصابات النشل والسطو في تشيلي: "إن كونك مجرماً دولياً وليس مجرد مجرم عادي يعني مكانة مرموقةً في تشيلي. إذ إن هؤلاء يمكنهم العمل لأسبوعين فيعيشون بذلك لستة أشهر".
بيّن أورتيز أن هذه الجماعات غالباً ما تُموّلها وكالات للسفر تدير أعمالاً إجراميةً سريةً. أضاف: "ليس سهلاً الانخراط في هذا المجال. فالممولون انتقائيون. وتتقاضى وكالات السفر التي تمول الرحلة فائدة بنسبة 25% على أموالها المستثمرة".
قال أورتيز إنه عادةً ما يتعين على اللص الساعي للتمويل أن يوصي به زملاؤه كمرشح للمهنة. بمجرد قبوله، يتلقى ما يصل إلى 8000 دولار كتمويل لتغطية النفقات بما في ذلك السفر بالطائرة وأسابيع من استئجار السيارات والإقامة عبر ”إير بي إن بي“ (Airbnb) والتنكر للسفر والملابس اللازمة للسرقة الفعلية.
بعد السرقات الأولية، يبدأ اللصوص بسداد ديونهم للرعاة، ولا يتمكنون من الاحتفاظ بالجزء الأكبر من غنائمهم إلا بعد العمل بما يكفي لتسوية الديون. وكما هو الحال في كثير من المجالات تجد اللصوص الأقدم يشكون من الجيل الجديد.
أخبر هؤلاء مؤلفي كتاب (Caso Relojes) أن الشباب يفتقرون للانضباط، فهم يدخنون الماريغوانا في العمل ولا يشقون طريقهم في التسلسل الهرمي الإجرامي، ويشتكون أنهم صبيان من الحي ولم يكونوا مجرمين ولم يدفعوا مستحقاتهم، ولم يوصِ بهم أحد من اللصوص القدامى أو ارتقوا في صفوف النشالين المحليين لكنهم يقفزون إلى اللعبة.
قال زيبالوس: "إنه جيل جديد يرى فرصاً من العولمة“، وأضاف أن اللصوص الشباب تحديداً يفضلون الولايات المتحدة على أوروبا، لأن "ثقافة الثراء أكثر انتشاراً في الولايات المتحدة. أحذية (إير جوردان) موجودة في الولايات المتحدة. الأوروبيون يتركون جواهرهم وأموالهم في قلاع محصنة أو في البنوك. أما المغانم الأميركية فتكون قابعةً في غرفة المعيشة فيما أن الباب غير مقفل".
تكاتف وتكتم
رغم شكاوى الحرس القديم، يُبدي كثير من المجرمين المعاصرين انضباطاً وثباتاً. قال المحقق برايان غلاسكوك من مكتب عمدة مقاطعة فينتورا في كاليفورنيا: "أنهم يُراقبون الأحياء عكسياً، ويسلكون طرقاً غير مباشرة، وعادةً ما يستخدمون من يستطلعون لهم". لقد أمضى مئات الساعات في التحقيق مع اللصوص الدوليين، وغالباً ما تكون مجموعات مكونة حصرياً من تشيليين. أضاف: "لا يقضون وقتاً طويلاً في مكان واحد. لذا فإن فرصة القبض عليهم متلبسين ضئيلة جداً".
بيّن إريك ناسارينكو، المدعي العام للمقاطعة، أنه حتى عند إلقاء القبض على لصوص تشيليين، يصعب تفكيك العصابات. قال: "مهما استجوبناهم، فهم لا يتحدثون. لا يقدمون لنا سوى نذر يسير من المعلومات، هذا إن تكلموا أصلاً… إنهم لا يُورّطون بعضهم بعضاً".
يأخذ ناسارينكو هذه الاقتحامات على محمل شخصي، فقد عاث لص بمتزله قبل سنوات وسرق خاتم زواج تراثياً، وترك وراءه أثراً من الدماء على السجادة بعدما جرح نفسه أثناء تسلقه عبر الزجاج المكسور. قال ناسارينكو: "إذا تعرض منزل للسرقة، فلن يعود سكانه كما كانوا. لا تنظروا إلى الأمر من منظور الخسارة المالية، بل من منظور الضعف الفردي والانتهاك“.
بحلول عام 2020، احدثت وكالات إنفاذ القانون الأميركية مسمى لفئة لوصف سياح الجريمة الجدد هي مجموعات السرقة الأميركية الجنوبية. فقد اشترك في هذا النمط من الجريمة مجرمون من كولومبيا وفنزويلا والبيرو، لكن غالبية الرجال الذين قُبض عليهم في عمليات السطو التي نفذتها مجموعات السرقة الأميركية الجنوبية كانوا من تشيلي.
قلة من اللصوص بين الزوار
خلال السنتين الماليتين 2022 و2023، دخل ما يقرب من 880 ألف مواطن تشيلي إلى الولايات المتحدة باستخدام برنامج الإعفاء من التأشيرة. وتقول السلطات إن 97% كانوا مسافرين شرعيين التزموا بالحد الأقصى المحدد بثلاثة أشهر. لكن من بين الـ3% الذين تجاوزوا مدة الإقامة كان هناك العشرات، إن لم يكن أكثر، من اللصوص الذين جابوا البلاد في رحلة برية إجرامية.
قال الملازم جيفري هوكينز، المحقق في إدارة شرطة سكوتسديل بولاية أريزونا، إن الأطقم كانت نشطة "عبر كاليفورنيا وأريزونا وتكساس وفلوريدا، استهدفوا ديلاوير وبنسلفانيا وأوهايو ونيفادا وأوريغون. وكذلك لندن وتورنتو. لقد بلغوا جميع الولايات القضائية“.
كان هناك كثير من المجموعات النشطة في الولايات المتحدة لدرجة أنه في مارس 2025، كتب أربعة أعضاء من الكونغرس إلى نويم يطلبون منها اتخاذ إجراءات صارمة ضد ما أسموه "سياحة السرقة" التشيلية.
يحافظ مكتب التحقيقات الفيدرالي وجهاز التحقيقات الفيدرالي في تشيلي على علاقة قوية لتبادل المعلومات الاستخباراتية، وفي الأشهر الـ 12 الماضية، قُبض على أعضاء ستة طواقم على الأقل في الولايات المتحدة وتشيلي. صادرت حملة إنفاذ في أبريل 2025 في سانتياغو بضائع مسروقة بقيمة 1.3 مليار بيزو تشيلي (1.3 مليون دولار)، بما في ذلك حقائب يد فاخرة وصناديق مجوهرات.
أدت حملة أخرى في تشيلي إلى اكتشاف ست ساعات فاخرة مسروقة في الولايات المتحدة، بما في ذلك ساعة ”رولكس سابمارينر“، سُرقت من منزل ممثل في بيفرلي هيلز. وقد شُحنت الساعات إلى تشيلي مع بقية مجموعة مجوهرات الممثل.
وجد المحققون نقشاً على ظهر ساعة ”رولكس“ إلى جانب شعار فيلم "جون ويك". سُرقت الساعة التي استُعيدت في سانتياغو من غرفة نوم كيانو ريفز. في يوليو، عندما وصلت نويم إلى تشيلي في زيارة رسمية، كانت السلطات التشيلية تنتظرها مع هدية. سلموها المجوهرات والساعات، التي سافرت عبر الأميركتين، وكان ريفز على وشك استلام طرد مفاجئ من تشيلي.
تهريب المسروقات
لطالما كان تهريب البضائع المسروقة إلى تشيلي مهنة محلية قائمة بذاتها وكانت تتطور، حالها كحال السرقة. لقد كان اللصوص يعودون إلى مطار سانتياغو كما لو كان نجوماً تتدلى من أعناقهم سلاسل ذهبية وعلى أرساغهم خمس أو ست ساعات. كانوا يدّعون أنها كلها ممتلكات شخصية ونادراً ما واجهوا أسئلةً بشأنها.
في 2019، احتُجزت امرأة يُشتبه في إدارتها لوكالة سفر مشبوهة لتمويل فرق السرقة في مطار سانتياغو أثناء سفرها بحقيبة مليئة بالغنائم. أُطلق سراحها بعد أن أوضحت أنها تسافر دائماً مع مجموعتها الكاملة من المجوهرات.
على مرّ عقود، نادراً ما كان يُعاقب القانون على تهريب البضائع إلى البلاد. كان اللصوص يعلمون أنه ليس هنالك ما يقلقهم، ونادراً ما كان يُقاضى بيع أو شراء البضائع المسروقة في تشيلي، هذا إن حدث ذلك أصلاً.
قالت فرانسيسكا ويرث، المدعية العامة التشيلية السابقة: "عندما يُسرق هاتفك المحمول، يُعاد بيعه في (بيوبيو). يعرف كل تشيلي سوق البضائع المسروقة الضخمة هذه التي تُقام في الآحاد… إنه أمر تقليدي جداً. عليك العودة إلى التعليم المبكر لتعليمهم أن سنوح فرصة لا تجعلهم منهم لصوصاً“.
لم يعد اللصوص يرسلون الأموال إلى عائلاتهم فقط بل إلى جيران في حيّهم. تصف الشرطة هذا بأنه وسيلة لنشر الثروة وبناء شبكة متواطئين. في الحالات التي لم يرغبوا فيها في التجول في المطار وهم يرتدون ويحملون غنائمهم، لجأ اللصوص في الولايات المتحدة إلى توظيف صائغي مجوهرات لإذابة ذهبهم المسروق وتحويله إلى مشبك حزام ضخم ذكوري.
قالت شركة ”كاسو ريلوخيس“ (Caso Relojes)، كانوا يغطون الذهب- ما يصل إلى أربعة كيلوغرامات بطبقة من طلاء الفضة الرخيص، ثم يقنعون صديقاً أو أحد أفراد العائلة أو جاراً بالسفر إلى الولايات المتحدة، ليعود إلى وطنه بذلك الحزام. في لهجة "كوا"، يُسمى هؤلاء (camellos) وهي تعني الجمال.
الشرطة تغيّر منهجها.. واللصوص أيضاً
لكن منذ 2022، شددت التشريعات التشيلية فبدأت سلطات إنفاذ القانون تصادر البضائع غير المصرح بها وتوجه اتهامات جنائية ضد المهربيين عبر المطارات. لذلك غيّر اللصوص تكتيكاتهم، فباتوا غالباً ما كانوا يبيعون غنائمهم في الولايات المتحدة ويرسلون النقود إلى الوطن بدفعات تقل عن 10000 دولار، لأن أكثر من ذلك يتطلب إفصاحاً وربما يفضي إلى تحقيقات غسيل الأموال.
ثم كان هناك تحول تكتيكي آخر. لم يعد اللصوص يرسلون الأموال إلى عائلاتهم فقط. بدلاً من ذلك، يقول محققون اتحاديون تشيليون إنهم يرسلونها إلى جيرانهم في الحي، ويحصل الجيران على نسبة مئوية ويمررون الجزء الأكبر إلى عائلات اللصوص.
تصف الشرطة هذا بأنه طريقة لتوزيع الثروة وبناء شبكة من الشركاء لحماية اللصوص في الوطن. قال فيكا، المحقق التشيلي: "هذا أشبه بعشيرة". هذه ليست "لانزا إنترناسيونال" التقليدية التي عرفناها سابقاً. إنها أكثر تعقيداً وتنظيماً.
في النهاية، يعود اللصوص الذين لا يُقبض عليهم إلى تشيلي. تُعامل عودة اللصوص إلى الوطن كحفلة في الحي، ويُنفق اللصوص آلاف الدولارات نقداً على هذه اللحظة ويستأجرون منسقي أغاني. قال فيكا: "يعودون بمبالغ طائلة من المال. منطقياً، سيتقاسمونها مع عائلاتهم وزملائهم المجرمين ليتلقوا العرفان ويظهروا أن كل شيء سار على ما يرام في البلد الآخر".
تُغلق الشوارع ويبدأ حفل شواء يستمر لساعات ويغدقون المشروبات والهدايا. وربما يهدي أحدهم أخته دراجة نارية جديدة. أما أمه، فتحصل على ثلاجة جديدة. يحصل كل عضو في نادي كرة القدم المحلي على زيّ جديد.
ثم يعيش اللصوص بهدوء في تشيلي، إذ يسعون جاهدين للحفاظ على سجل جنائي نظيف، ضماناً بأن الإنتربول لن يكشف أمرهم في المرة القادمة التي يسافرون فيها في جولة حول العالم، يسرقون فيها من بلد تلو آخر.





