المبيدات تتسبب في شرخ بين فريقين من مناصري ترمب

مواجهة بين تيار وزير الصحة روبرت كينيدي والحزب الجمهوري بسبب مادة في مشروع قانون تخفف القيود على ملصقات المبيدات

time reading iconدقائق القراءة - 10
صورة تعبيرية عن رفض حركة لنعد لأميركا صحتها تشريعاً يعرقل تحديث ملصقات المبيدات - بلومبرغ
صورة تعبيرية عن رفض حركة لنعد لأميركا صحتها تشريعاً يعرقل تحديث ملصقات المبيدات - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

انقسمت لجنة في مجلس النواب الأميركي الشهر الماضي على أساس حزبي عند التصويت على مشروع قانون مخصصات داخلية يبدو في ظاهره روتينياً، إذ يوفر تمويلاً لسياسات يفضلها الجمهوريون، مثل توسيع عمليات التعدين المحلي وإنتاج الوقود الأحفوري البحري، مقابل تقليص الإنفاق على قضايا ليبرالية مثل المناخ والتنوّع.

لكن بعيداً عن الأضواء، وفي الصفحة 196 من مشروع القانون الذي يتجاوز 200 صفحة، وردت فقرة لا تتعدى عشرة أسطر، كانت كفيلة بإثارة حفيظة كل من المدافعين عن البيئة وتحالف "لنعد لأميركا صحتها" الداعم لدونالد ترمب.

هذه الإضافة، المعروفة بـ"المادة 453"، قد تبدو تقنية وغير لافتة لمن هم خارج دوائر واشنطن، إذ تهدف إلى تقييد قدرة الحكومة على فرض أو إقرار تعديلات على ملصقات المبيدات الكيميائية.

وقال جوف هورزفيلد، مدير السياسات في منظمة "مجموعة العمل البيئي" (Environmental Working Group) غير الربحية، التي تعارض هذا البند، "يبدو الأمر للوهلة الأولى غير ضار، وأعتقد أن هذا ما تحاول شركات المبيدات تصويره".

تقويض صلاحيات الولايات ووكالة حماية البيئة

يحذّر المعارضون من أن الصياغة الواردة في هذا البند ستقيّد وكالة حماية البيئة، كما ستقوّض صلاحيات الولايات وحتى شركات تصنيع المبيدات نفسها، بحيث تمنعها من تعديل الملصقات أو إصدار إرشادات طوعية تخالف المعايير الحالية، حتى في حال ثبوت تقادم هذه المعايير.

فلن يعود بالإمكان إحداث أي تغيير في  الملصقات إلا إذا أجرت الوكالة تقييماً كاملاً لتأثير مبيد محدد على صحة الإنسان، وهي عملية شاقة لا تُجرى سوى مرة كل 15 عاماً، أو في حال تصنيفه كمادة مسرطنة، وهو مسار آخر طويل ونادر الحدوث.

في المقابل، تتيح القوانين الحالية للوكالة إصدار إرشادات جديدة استناداً إلى آخر المستجدات العلمية من دون الحاجة لهذه المراجعات المعقدة، كما يحق للولايات –وهي تمارس ذلك فعلاً– اعتماد معايير مستقلة لاستخدام المبيدات، مثل تحديد توقيت وطرق استخدامها قرب المدارس.

وبحسب هورزفيلد، فإنه حتى لو توصلت جهة حكومية أخرى، مثل وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بقيادة روبرت ف. كينيدي الابن، إلى أن أحد مبيدات الأعشاب يسبّب السرطان، فلن تتمكن وكالة حماية البيئة من فرض إضافة هذا التحذير على الملصق إلا بعد المرور بتقييم صحي شامل أو تصنيف المادة كمسرطنة.

وقال كاري كوغليانيزي، مدير برنامج القوانين الناظمة في كلية الحقوق بجامعة بنسلفانيا، "الهدف هو الحؤول دون إنفاق الحكومة الفيدرالية أي أموال لتشديد معايير المبيدات أو إصدار توجيهات جديدة، ما لم تخضع تلك الخطوات لإجراءات التقييم الطويلة".
أما ريبيكا وولف، كبيرة المحللين في منظمة "فود آند ووتر ووتش" (Food & Water Watch) البيئية، فتقولها صراحة: "هذا البند يجمّد عمل وكالة حماية البيئة بالكامل".

من جانبه، قال متحدّث باسم "كروب لايف أميركا" (CropLife America)، وهي مجموعة تمثّل صناعة المبيدات، إن الهدف من المادة 453 هو ببساطة ضمان بقاء وكالة حماية البيئة الجهة المرجعية العلمية التي تحسم ما إذا كان مبيد معين يسبّب السرطان أم لا.

تتكرر الإشارة في النقاش الدائر إلى شركة "باير" (Bayer)، باعتبارها أحد أبرز المستفيدين المحتملين من النص. فقد أنفقت الشركة 2.5 مليون دولار على حملات ضغط سياسي خلال الربع الأخير، شملت قضايا مرتبطة بـ"توحيد معايير ملصقات المبيدات". وتنتج "باير" مبيد الأعشاب الضارة "راونداپ" (Roundup)، الذي استحوذت عليه ضمن صفقة شراء "مونسانتو" (Monsanto) في 2018، وهو المنتج الذي يزعم آلاف المدعين أنه تسبّب بإصابتهم بالسرطان.
لكن الشركة ما زالت تصرّ على أن "راونداپ" ومادته الفعالة "غلايفوسات" آمنان.

وفي بيان عبر البريد الإلكتروني، قالت "باير" إنها تدعم المادة 453 لأن "مستقبل الزراعة الأميركية يعتمد على تنظيم علمي موثوق للمبيدات المخصصة لحماية الزراعة التي تُصنَّف على أنها آمنة من قبل وكالة حماية البيئة". وأضافت أن ما تقوم به من ضغط "جزء طبيعي" من مشاركتها السياسية، أسوة بغيرها من المؤسسات، موضحة أن الأموال التي أُنفقت توزعت على "عدد من القضايا الأساسية".

معارضة تيار "لنعد لأميركا صحتها"

إدراج المادة في مشروع القانون الصادر عن اللجنة، والذي لا يزال بانتظار موافقة مجلس النواب كاملاً ثم مجلس الشيوخ قبل أن يصبح قانوناً نافذاً، أثار حفيظة تيار أساسي داخل الحزب الجمهوري: أنصار تحالف "لنعد لأميركا صحتها"، ولا سيما الأمهات ضمن هذا التيار اللواتي عبّرن عن غضبهن مما يعتبرنه توسيعاً للحماية القانونية الممنوحة لشركات المبيدات.

روبرت ف. كينيدي الابن، الوجه الأبرز لتحالف "لنعد لأميركا صحتها"، طالما هاجم المبيدات، وركز بشكل خاص على مادة غلايفوسات. ويطالب أنصاره بفرض قيود صارمة على استخدامها، أو حتى حظرها بالكامل.

عشية التصويت في اللجنة، وجّه أكثر من 500 من منظّمي تحالف "لنعد لأميركا صحتها" رسالة إلى عدد من كبار السياسيين في واشنطن طالبوا فيها برفض المادة 453، كما تواصلوا مباشرة مع أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس.

وخلال جلسة استماع حول مشروع القانون، قال النائب الجمهوري مايك سيمبسون (عن ولاية أيداهو) "أعلم أن الأمهات من تيار ’لنعد لأميركا صحتها‘ يكثفن اتصالاتهن"، مضيفاً "أنا أيضاً أؤمن بضرورة إعادة الصحة لأميركا، لكنهن يتلقين كماً كبيراً من المعلومات المضلّلة بشأن ما تنص عليه هذه المادة". ولم يستجب سيمبسون لطلب التعليق.

اعتاد أنصار التيار في الآونة الأخيرة على رؤية مطالبهم تتحقق. فقد ساهم دعمهم في إعادة انتخاب دونالد ترمب، وتمكن أبرز وجوههم، روبرت ف. كينيدي الابن، من تجاوز موجة انتقادات لاذعة ليتسلّم وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.

وأعلن التحالف النصر مبكراً –ربما أكثر مما ينبغي– عندما أعلنت بعض شركات الأغذية طوعاً عزمها التخلي عن استخدام عدد من الأصباغ الصناعية خلال السنوات القليلة المقبلة. كما ألغى كينيدي توصيات فيدرالية سابقة بشأن لقاح كوفيد-19، وأعاد تشكيل اللجنة الاستشارية المعنية باللقاحات.

لذلك، شكّل نص المادة 453 صدمة لشرائح من التحالف الواسع. غير أن مسؤولاً في إدارة ترمب أكد لبلومبرغ بيزنس ويك أن أجندة السياسات الحكومية المرتقبة هذا الشهر لمعالجة الأمراض المزمنة لن تشمل أي تغييرات في سياسات استخدام المبيدات.

وعند الاستفسار عن موقف وزارة الصحة من الجدل، تجنّب المتحدث الرسمي التعليق المباشر، واكتفى بالقول في بيان مكتوب: "المزارعون الأميركيون شركاء أساسيون في نجاح أجندة ’لنعد لأميركا صحتها‘".

لطالما جمع تيار "لنعد لأميركا صحتها" بين أطراف غير متوقعة، من ناشطين مناهضين لعمالقة صناعة الأغذية إلى مدافعين عن البيئة ومشككين في اللقاحات ومزارعين مهووسين بصحة التربة، ومؤثرين في مجال العافية.
وللتخطيط لخطواتهم المقبلة، انضم ممثلون عن هذه الفئات إلى مكالمة جماعية صاخبة عبر تطبيق "زووم" عُقدت بعد وقت قصير من التصويت الأولي، بدعوة من "مجموعة عمل لنعد لأميركا صحتها" التي يقودها توني ليونز الذي سبق أن نشر عدة كتب لروبرت ف. كينيدي الابن.

شارك في الاجتماع زين هانيكات، رئيسة منظمة "Moms Across America"، والممثل الكوميدي الناشط في حملة ترمب، راسل براند، وحتى الممثلة شيريل هاينز، زوجة كينيدي. (أما كينيدي نفسه، فلم يكن حاضراً).

ولتأكيد وحدة الصف داخل التحالف، دعا روبرت مالون، المعيّن حديثاً من قبل كينيدي في اللجنة الفيدرالية الاستشارية للقاحات، مناهضي اللقاحات إلى الانضمام للمعركة، مشبهاً الحماية القانونية الممنوحة لشركات المبيدات بتلك التي تتمتع بها شركات اللقاحات. وقال خلال الاجتماع "عليكم أن تغضبوا فعلاً، وأن تتحركوا لمواجهة ذلك".

من جهتها، حذّرت هانيكات من أن المادة المقترحة ستصعب كثيراً كسب الدعاوى القضائية ضد مصنّعي المبيدات، واعتبرت أن الصياغة "تشلّ قدرة أي وكالة حكومية، بما في ذلك وزارة الصحة، على اتخاذ إجراءات فاعلة". وأضافت "هذا البند لا يقيّد بوبي جزئياً، بل يسلبه القدرة تماماً على التحرّك".

ولوّحت هانيكات بسحب دعم تيارها إلى نواب الحزب الجمهوري، الذين حظوا سابقاً بتأييد واسع من قاعدة "لنعد لأميركا صحتها"، إذا استمر تجاهل مطالبهم. وقالت في تصريح بلومبرغ بيزنس ويك: "الأمهات لا يخضعن للانقسامات الحزبية... نحن نمنح أصواتنا لمن يضع صحة أطفالنا وسلامتهم في المقام الأول".

شرخ في الحزب الجمهوري

وصفت كيلي رايرسون، المديرة المشاركة لمنظمة "أميريكان ريجنيرشن" (American Regeneration) الزراعية التي تركز على صحة التربة والمناهِضة الشرسة للمادة 453، هذه المعركة بأنها "اختبار" حقيقي لمدى استعداد الحزب الجمهوري للانحياز إلى تيار "لنعد لأميركا صحتها".

مع ذلك، لا يلوّح الجميع بالقطيعة. إذ قال توني ليونز، الناشر المقرّب من كينيدي، في تصريح بلومبرغ بيزنس ويك بعد الاجتماع الافتراضي، إن الديمقراطيين لم يفعلوا الكثير لمعالجة ملف المبيدات خلال إدارة بايدن، بينما أظهر الجمهوريون "انفتاحاً غير مسبوق على قضايا "لنعد لأميركا صحتها".

ورغم قوة لوبي شركات الكيماويات وداعمي الزراعة التقليدية في واشنطن، لا يزال احتمال إسقاط البند وارداً. فالنسخة التي أقرّتها لجنة مجلس الشيوخ من مشروع قانون المخصصات الداخلية لم تتضمن المادة 453، ما يمهّد لمفاوضات مرتقبة بين المجلسين، يُرجح أن تنطلق في مطلع الخريف، وإن كانت مناقشات تمويل الحكومة كثيراً ما تُرحّل إلى نهاية العام أو ما بعده.

لكن إن صمدت المادة وأصبحت نافذة، ترى فاني هاري– المعروفة بلقبها الإلكتروني "فود بيب" (Food Babe)، والتي قادت الحملة الأولى ضد الأصباغ الصناعية التي أصبحت اليوم ركيزة سياسة كينيدي الغذائية، أن ذلك قد يخلق شرخاً مع الحزب الجمهري.
وقالت: "سيكون ذلك ضربة موجعة للرسالة الأساسية التي تقوم عليها حملة لنعد لأميركا صحتها، وقد يؤدي إلى انقسام داخل القاعدة".

تصنيفات

قصص قد تهمك