الذكاء الاصطناعي يخفف عبء تراكم الرسائل بعد الإجازة

العودة من الإجازة تدخل مرحلة جديدة مع أدوات ذكاء اصطناعي تخفف عبء المهام المتراكمة

time reading iconدقائق القراءة - 7
صورة تعبيرية - بلومبرغ
صورة تعبيرية - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

حين بدأت ليندسي سكرايس تخطّط لقضاء تسعة أيام في رحلة عائلية إلى اليابان خلال الربيع الماضي، حرصت على تفادي الضغوط التي غالباً ما ترافق العودة من الإجازة بسبب تراكم العمل.

لقد كانت معاودة العمل بعد عطلة على مدى مسيرتها المهنية تعني جدولاً مزدحماً بالاجتماعات وصندوق بريد مكتظ بالرسائل. وقالت قبيل رحلتها الجوية التي استغرقت 11 ساعة: "أريد أن أنفصل تماماً عن العمل هذه المرة".

لهذا السبب، قررت سكرايس، مسؤولة العمليات في شركة "شيكر" (Checkr) المتخصصة في التحقق من السيرة المهنية ومقرها في سان فرانسيسكو، أن توكل مهمة مواكبة إيقاع العمل إلى الذكاء الاصطناعي.

الفصل بين العمل والحياة الشخصية

حتى وقت ليس ببعيد، كان الموظفون قادرين على قضاء عطلاتهم دون قلق من الرسائل الإلكترونية المتراكمة إما لأن البريد لم يكن متاحاً عبر هواتفهم، أو لأن حدود الدوام كانت واضحة أكثر. غير أن ثقافة العمل المتواصل على مدار الساعة، والتي تعززت مع توسّع العمل عن بعد، بددت تلك الحدود. اليوم، تعتمد شركات متزايدة على أدوات تساعد الموظفين والمديرين على استيعاب ما فاتهم خلال غيابهم، إذا ما تجرأوا على كتم إشعارات العمل أثناء العطلة.

من بين هذه الأدوات "كوبايلوت" من "مايكروسوفت" بكلفة 30 دولاراً شهرياً للمستخدم، إلى جانب "جيميناي" من "جوجل"، و"روفو" من شركة "أتلاسيان" (Atlassian)، وكلاهما متاح ضمن اشتراكات الشركات. وقد ارتفع عدد مستخدمي "روفو" شهرياً إلى 1.5 مليون مستخدم، بزيادة بلغت 50% مقارنة بالربع السابق.

اقرأ أيضاً: هل بالفعل سيرفع الذكاء الاصطناعي الإنتاجية فوراً؟

قالت ميلاني روزنواسر، مديرة الموارد البشرية في شركة "دروب بوكس" (Dropbox) "أحد العوائق أمام مباشرة الإجازات هو الخوف من تفويت أحداث مهمة أو التسبّب في إبطاء سير العمل". وكانت الشركة توسّعت من نشاطها الأساسي في تخزين الملفات إلى طرح أدوات مدعومة بالذكاء اصطناعي، منها ما تساعد الموظفين على العودة إلى العمل بعد الإجازة.

أضافت روزنواسر: "هذه الأدوات تزيل جانباً من الشعور بالذنب". (فرغم أنها كانت تميل إلى تجنّب الإجازات قبل اعتماد هذه الأدوات، سافرت حديثاً في عطلة مدتها خمسة أيام إلى مدينة تامبا بولاية فلوريدا، لحضور تدريبات الربيع لفريق "يانكيز).

أما ساندرا هومبلز، مسؤولة التعلّم في شركة "جونسون آند جونسون" (Johnson & Johnson)، فتقول إن أدوات الذكاء الاصطناعي ساعدتها منذ نحو عام على ترسيخ حدود أوضح بين العمل وحياتها الشخصية. وقالت: "استعدت 30% من وقتي"، مشيرة إلى أن أداة "كوبايلوت" مكّنتها من أتمتة مهام متكررة مثل فرز البريد الإلكتروني والتخطيط للمشاريع.

لقد سهّل هذا التحوّل على هومبلز، المقيمة في دالاس، الانفصال التام عن العمل خلال عطلات نهاية الأسبوع والإجازات. وشرحت: "أستطيع اللحاق بوتيرة العمل خلال عشر دقائق فقط". وتنسب الفضل في اكتشاف هذه الأدوات مبكراً إلى زميلة شابة متمرّسة بالتقنية تسميها "المتخصصة الرقمية"، وإن كان منصبها الرسمي هو مساعدة تنفيذية.

مخاوف حيال الخصوصية

اختبر بعض المديرين التنفيذيين أدوات الذكاء الاصطناعي خلال فترات انقطاع أطول عن العمل. فعندما أخذت إيرين ديشيزاري، رئيسة الشؤون التقنية في شركة "إيزي كايتر" (ezCater) المتخصصة في خدمات تموين المكاتب ومقرها بوسطن، إجازة لستة أسابيع امتدت من عيد الشكر حتى رأس السنة، بدأت تلحق بما فاتها عبر توجيه أمر بسيط لأداة طوّرتها شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة "غلين تكنولوجيز" (Glean Technologies) كان نصه: "أعطني ملخصاً لقنوات (سلاك) الأساسية الخاصة بفريقي ونصوص الاجتماعات – ما الأمور التي ما تزال عالقة؟ وما الذي يثير قلق الفريق؟"

وجهت ديشيزاري أوامر إضافية إلى روبوت الدردشة لاحقاً، بعد أن منحته صلاحية الوصول إلى منصات المراسلة والوثائق الخاصة بها. وخلال وقت وجيز، حصلت على ملخص من صفحة واحدة يتضمّن أبرز القرارات التي اتُّخذت أثناء غيابها، إلى جانب تحليل لانطباعات الفريق مكّنها من تحديد الأولويات العاجلة.

قالت: "كنت أعلم منذ اليوم الأول ما الذي عليّ التركيز عليه، وهذا منحني شعوراً كبيراً بالطمأنينة".

اقرأ أيضاً: كيف تستفيد من روبوت الذكاء الاصطناعي في العمل؟

قُدّرت قيمة سوق أدوات الذكاء الاصطناعي المعزّزة للإنتاجية بنحو 9 مليارات دولار في 2023، ويُتوقع أن تتجاوز 36 مليار دولار عالمياً بحلول 2030، وفقاً لتقديرات شركة "غراند فيو ريسيرش" (Grand View Research). هذا المثال ليس سوى واحد من ملايين الطرق، الكبيرة والصغيرة، التي يعيد فيها الذكاء الاصطناعي تشكيل أساليب العمل.

لكن رغم الضجة التي تثيرها هذه التقنية، ما تزال مستويات تبنّيها محدودة. إذ أظهر استطلاع حديث أجراه "مركز بيو للأبحاث" (Pew Research Center) أن 16% فقط من الموظفين الأميركيين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في عملهم. فكثيرون لا يرحّبون، على سبيل المثال، باطلاع أدوات الذكاء الاصطناعي على محتوى مراسلاتهم.

أما الموظفون الذين يتعاملون مع معلومات حساسة أو سرّية، مثل فرق الموارد البشرية والأقسام القانونية والتنفيذيين المعنيين بالتواصل مع العملاء، فيرون أن استخدام أدوات تطّلع على الرسائل الخاصة يثير مخاوف حقيقية تتعلق بخصوصية البيانات ومخاطر الامتثال.

إغفال ما يجري خارج المحادثات المسجلة

من التحديات الأخرى أن أدوات الذكاء الاصطناعي ما تزال تواجه صعوبة في تقييم النبرة والتعرف على السخرية وإدراك السياق، ما يعني أن الاعتماد عليها في تلخيص سلاسل المحادثات أو اقتراح الردود، فيه قدر من مخاطرة.

حتى أكثر هذه البرامج تقدّماً لا تخلو من ثغرات، خصوصاً في بيئات العمل سريعة الإيقاع التي لا تُسجَّل فيها جميع المحادثات (وهو أمر قد يعتبره البعض ميزة لا عيباً). لكي تعمل هذه الأدوات بكفاءة، لا بدّ من توثيق الاجتماعات الرئيسية وتسجيل القرارات في أماكن يمكن للأداة الوصول إليها، لا أن تُتّخذ خلال دردشات عابرة قرب براد المياه أو في ممرات المكاتب.

لاحظت ديشيزاري أن الذكاء الاصطناعي أغفل بعض المعلومات التي كان تبادلها عبر محادثات فردية، مثل نجاحات الموظفين. ولتفادي ذلك، أنشأت قناة مخصصة للإشادة بالنجاحات على منصة "سلاك"، يشارك فيها أعضاء الفريق الإنجازات، ما أتاح للأداة تتبع، لا المشاكل فحسب، بل الأمور الجيدة أيضاً. وأشارت ديشيزاري إلى أن هذه العملية وفرت الوقت.

أضافت: "الرائع في الأمر أن أحداً من الفريق لم يكن مضطراً لإعداد تقارير حالة من أجلي، وهو ما كان سيشكّل عبئاً كبيراً عليهم في السابق".

بالنسبة لليندسي سكرايس، مسؤولة العمليات في "شيكر"، كان استخدامها لأدوات الذكاء الاصطناعي خلال رحلتها إلى اليابان تجربة مثمرة. إذ تولّت الأداة تلخيص محادثات "سلاك" والمكالمات التي فاتتها، ما سهّل عليها اللحاق بوتيرة العمل سريعاً.

كما أثبت الذكاء الاصطناعي فعاليته كمساعد خارج المكتب أيضاً. فقد ساعدها في تنظيم بعض من تفاصيل الرحلة، وصولاً إلى اقتراح الجهة المثلى للجلوس في القطار للاستمتاع بأفضل إطلالة على جبل فوجي.

تصنيفات

قصص قد تهمك