ملياردير تقنية يطرح خطة جذرية لتغيير وجه السياحة البيئية

نهج جديد في الحفاظ على البيئة يدخل هذا العام حيز التنفيذ في جزيرتي ساو تومي وبرينسيب غرب أفريقيا

time reading iconدقائق القراءة - 7
رجل على متن قارب في مياه ساو تومي وبرينسيب، وهي دولة تتكوّن من جزيرتين بركانيتين قبالة الساحل الاستوائي الغربي لأفريقيا - بلومبرغ
رجل على متن قارب في مياه ساو تومي وبرينسيب، وهي دولة تتكوّن من جزيرتين بركانيتين قبالة الساحل الاستوائي الغربي لأفريقيا - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

قبل أن يصبح مارك شاتلوورث القوة الدافعة وراء قطاع الضيافة في ساو تومي وبرينسيب، وهي دولة تتكوّن من جزيرتين بركانيّتين قبالة الساحل الاستوائي الغربي لأفريقيا، كان يبحث فقط عن مكان للهرب من هموم الحياة.

فالملياردير الذي يقيم في لندن، ويعيش أفراد من أسرته في كيب تاون، لطالما رزح تحت الضغوط التي ترافق عمله رئيساً تنفيذياً لشركة كانونيكال (Canonical) المطورة لنظام التشغيل "أوبونتو" (Ubuntu) القائم على "لينوكس" (Linux). وقال "كنت أقضي لياليّ وأنا أستعرض خرائط غوغل بحثاً عن جزر تقع بين البلدين، حيث يمكنني الاسترخاء بدون شعور بالذنب”.

هكذا وقع على برينسيب، حيث تتعانق الأدغال مع الشواطئ اللؤلؤية المرصعة بأشجار النخيل العتيقة التي تبدو خارجةً من العصر الجوراسي، راسمة مشاهد طبيعية خلّابة تخترقها بعض السقوف القشية والتلال الزمردية المتناثرة هنا وهناك. تتأرجح درجات حرارة المياه حول 27 درجة مئوية، وتؤوي الشعاب المرجانية الملونة بكافة ألوان الطيف ما لا يعد ولا يحصى من المخلوقات النادرة المتوطنة في خليج غينيا.

 

مشروع سياحة بيئية طموح

يصف شاتلوورث المكان بأنه أشبه بـ "جزر غالاباغوس بالنسخة الأفريقية، لكن مع الغابات المطيرة بدلاً من الصحراء... هناك أسماك قبيحة حقاً تمشي على الأرض – وأعني ذلك حرفياً، أسماك تمشي على الأرض! عندما تراها، ستشعر وكأنك عدت بالزمن حوالي 500 مليون عام".

بعد خمسة عشر عاماً، تطوّر مشروع الملياردير البالغ من العمر 51 عاماً من مجرد عقار شخصي مخصص للعطلات كائن في منتجع مهجور ومتهالك بناه صياد غريب الأطوار في الثمانينيات،  إلى مجموعة من أربعة فنادق منتشرة في أنحاء الجزيرة.

بلغت تكاليف هذه المساعي حتى الآن حوالي 50 مليون دولار، وهي مرشحة للزيادة مع تحويل كل فندق تدريجياً إلى منتجع بيئي فاخر من فئة الخمس نجوم. وكان أول الغيث منتجع بوم بوم (Bom Bom) الذي يقع على أرض منخفضة، وقد أعيد افتتاحه في سبتمبر مع 18 كوخاً شاطئياً.

 

تحديات النموّ

لا تقتصر طموحات شاتلوورث في مجال الحفاظ على البيئة على وضع برينسيب على خريطة السياحة البيئية العالمية فحسب. بل أعدّ خطة أكثر شمولية وطموحاً تهدف إلى جعل جميع السكان المحليين، وليس فقط المرشدين البيئيين في منتجعاته، يساهمون في حماية الموارد الطبيعية للجزيرة والاستفادة منها.

وقال  شاتلوورث "من حيث الناتج المحلي الإجمالي، قد تكون برينسيب واحدة من أفقر الأماكن على وجه الأرض. لكن هناك فرق كبير بين الفقر والمهانة، وهذا مكان يتحلّى بالعزة والكرم والصحة". يعتمد جزء كبير من سكان الجزيرة على صيد الأسماك والزراعة، بالإضافة إلى صادرات الكاكاو التي تعود إلى مزارع البرتغاليين. كما تشكّل المشاريع النفطية المشتركة مع نيجيريا محركاً اقتصادياً ناشئاً للجزيرة.

 

وأضاف "عندما وقعت في حب برينسيب، بدأت أدرك أيضاً أنها تواجه مشاكل صعبة". بعد فترة قصيرة من شراء عقاره الأول، تناهت إلى مسامعه همسات حول خطط لتدمير الغابات المطيرة من أجل إقامة مزرعة لإنتاج زيت النخيل. ومع نمو الاقتصاد المحلي، باتت السياحة نفسها تهدد التفرد الذي تتمتع به برينسيب. ولم يكن النموذج التقليدي للحفاظ على البيئة، مثل شراء مساحات من الأراضي وتحويلها إلى محميات حيث يُمنع الصيد وقطع الأشجار ومعظم أشكال الزراعة، كافياً لتحقيق الهدف المنشود. ففي جزيرة صغيرة لا تعدو مساحتها 142 كيلومتراً مربعاً، مثل هذا النهج كان سيؤدي إلى حرمان سكانها البالغ عددهم 8500 نسمة من مواردهم وقدرتهم على اختيار مسارهم الخاص للنمو.

إشراك جميع السكان

لذا توصل شاتلوورث إلى بديل جذري، صقله على مدى عقد من النقاشات مع الحكومة وزعماء المعارضة السياسية. وعندما يبدأ بتطبيقه في عام 2025، سيكون "العائد الطبيعي" عبارة عن مبلغ ربع سنوي سيدفعه في البداية من جيبه الخاص لجميع سكان برينسيب، مع تعديل المبلغ بدقة وفقاً لالتزامهم بحماية القيمة البيئية الفريدة لمحيطهم. فمن خلال إشراك كافة سكان الجزيرة في هذه المبادرة، يزداد احتمال نجاحها على نطاق واسع.

وقال "لدى الناس الحق المطلق في الحصول على الغذاء والمأوى والتنمية، ولكن يجب أن يكون لكل شخص أيضاً دور في الحفاظ على النظم البيئية، سواء كانوا موظفين لدي أم لا". ويشبّه هذا النموذج بالدخل الأساسي الشامل أو الحوافز المالية التي تقدّمها الشركات الداعمة للنظام البيئي. وأضاف "هذا لا يختلف عن دفع الأموال للمزارعين لتربية القنادس على أراضيهم، بحيث تقي سدودها من حصول فيضانات مناطقية عند هطول الأمطار الغزيرة. ذلك الشخص الذي يقطع 20 ألف متر مربع  من الغابات لزراعة الفلفل، يجب عليّ أن أقدم له عرضاً أفضل. يجب أن أقول له: 'أنظر، تخيل أن الأشجار والطيور والنحل والفراشات ستدفع لك الإيجار".

 

في الوقت الحالي، يعمل شاتلوورث مع الحكومة لوضع خط أساس يمكن اعتماده لقياس تأثير السكان المحليين. وقال "لقد أجرينا تعداداً في الوقت الفعلي، ومسحنا الجزيرة بواسطة طائرات بدون طيار، إلى جانب تقييم النظام البيئي"، موضحاً كيفية تحديث الصور عالية الدقة أسبوعياً لتساعد على تحديد الأرباح. وتابع "إذا أفسدتَ الأرض، سينخفض المبلغ. ونحن لا نقوم بذلك كجهد رقابي. إذا أردت قطع شجرة، فافعل. وإذا لم يعجبك عرضي، هذه أرضك في النهاية".

يدرك شاتلوورث المشاعر السلبية التي قد تنشأ من هذا النموذج التقني الطوباوي، وعلق على ذلك "سيقول البعض هذا مستوى جديد تماماً من المراقبة. وعلى ذلك أجيب حسناً، نتعامل الآن مع مستوى جديد تماماً من التفاعل بين الطبيعة والبشر".

أما عرضه للسياح فيبدو أبسط. إذ يقول "الطريقة التي تتداخل بها الغابة مع الشاطئ توفر تجربة روبنسون كروزو، لكن بدون عناكب أو ثعابين، وإذا كنت قادماً من معظم أنحاء أوروبا، فلن تعاني من فارق التوقيت"، ويضيف ضاحكاً "إنها أفريقيا الاستوائية للأشخاص الذين يشعرون بالفزع".

تصنيفات

قصص قد تهمك