فرار الأسد يستدعي انخراطاً أكبر في سوريا

انتهى الأسد بالطريقة التي كانت تريدها واشنطن لكنها اكتفت بدور المتفرج

time reading iconدقائق القراءة - 7
سوريون يحتفلون بسقوط نظام بشار الأسد، في إحدى الساحات بمدينة حلب 8 ديسمبر 2024 - رويترز
سوريون يحتفلون بسقوط نظام بشار الأسد، في إحدى الساحات بمدينة حلب 8 ديسمبر 2024 - رويترز
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

القول بأن ليس لدينا أدنى فكرة عن مآل الأمور في سوريا بعد فرار الرئيس بشار الأسد إلى موسكو لا يفي غموض المشهد حقه. لكن برغم ذلك، فمن الجدير أن نحتفل بشبه المعجزة التي تكاد تكون مؤكدة بعد أن انتهى صراع شرس استمر 13 عاماً دون دوامة انتقامات دموية.

بينما ننتظر التحقق مما ستستقر عليه صورة هيئة تحرير الشام التي سيطرت على العاصمة دمشق، وكذلك الفصائل السنية والعلوية والدرزية والكردية التي تسيطر على مناطق أخرى من البلاد، لا بدّ من التوقف عند بعض الجوانب الاستثنائية التي طبعت نهاية الأسد.

غياب أميركي وفوز تركي

الجانب الأول كان غياباً شبه كلّي للولايات المتحدة عن المشهد الأخير من حكم الأسد. إن رحيل الرئيس السوري وما تبعه من انتقال سلمي للسلطة هما الهدف الذي سعت واشنطن لتحقيقه منذ اندلعت الحرب بعد 2011. لكن عندما حلّت هذه اللحظة أخيراً، وجدنا الولايات المتحدة –مع ما تبقى من قواتها المتمركزة في المناطق الكردية– مجرد متفرجين.

بلغ ذلك حد أن القوى الخارجية إما لعبت دوراً في ترتيب رحيل الأسد، أو في التفاهمات التي أُبرمت بين الحكومة التي تركها وهيئة تحرير الشام لضمان انتقال سلس للسلطة، ويبدو أن تلكم القوى هي تركيا وروسيا وإيران.

يبدو اللاعب الفائز الأكبر حتى الآن على الأقل هو تركيا. فقد كانت القوات التركية تسيطر على محافظة إدلب في شمال غرب سوريا منذ سنوات، ولولا الدعم والتعاون التركي، لما استطاعت هيئة تحرير الشام الصمود ناهيكم عن أن تنجح ببناء كيان منظّم ومسلّح جيداً ينتظر ليتولى زمام الدولة. بهذا، أصبح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان موالون في دمشق.

كما أشرت في مقال سابق، فإن تجدد الحرب الأهلية في سوريا يرتبط بشكل رئيسي بتورط روسيا في أوكرانيا وضرب إسرائيل لحزب الله المدعوم من إيران في لبنان. وهي عوامل أوجدت كوّة استغلها الثوار في سوريا، ومعظمهم من السنة، بدعم من تركيا.

إلا أن هذه التطورات كشفت عن ملامح فوضى جديدة في مرحلة ما بعد النفوذ الأميركي. لكن إن تمكنت هذه الفوضى من أن تقود إلى انتقال سلمي للسلطة، كما حدث هذا الأسبوع في سوريا، فليس هنالك داعٍ لكبير ندم. لكن أعلن نفسي متشككاً بذلك.

وحشية نظام الأسد

كان مذهلاً بكل ما للكلمة من معنى أن يرحل هذا النظام بالذات بكل هذا الهدوء، والمأساة هي أن ذلك لم يحدث في 2011. تنتمي عائلة الأسد إلى الأقلية العلوية في سوريا، وقد حكمت البلاد حكماً سلطوياً وتصرفت بها كما لو كانت إقطاعية تملكها منذ 1971. وقد بدأت الحرب الأخيرة كجزء من ثورات الربيع العربي ضد القمع السياسي والفساد، لكنها سرعان ما شهدت تحولاً مظلماً.

يرجع ذلك في المقام الأول إلى وحشية تعامل الأسد مع الانتفاضة الشعبية، التي أسفرت عن تهجير نحو 14 مليون شخص غادر نصفهم البلاد من أصل 22 مليوناً وهو عدد سكان سوريا قبل الحرب. بيّن المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره في المملكة المتحدة، أن نحو 614000 إنسان قُتلوا منذ بدأ النزاع، وكان بينهم 162000 مدني قدّم أسماءهم.

تجلّت أبشع ممارسات الأسد في غرف التعذيب واستخدام الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة، لذا أتى تنظيره بالفضيلة حين انتقد تجاوزات إسرائيل في غزة مقززاً. وكما يحدث في الحروب عادةً، جاء الردّ على وحشيته بتحقق ما سبق أن زعمه، فقد تحوّلت أكاذيبه بأنه لم يكن يواجه مظاهرات سياسية، بل إرهابيين جهاديين، إلى حقيقة على الأرض.

برغم أن قادة هيئة تحرير الشام كانوا من المتطرفين، إلا أن أفعالهم منذ سيطروا على حلب وتقدموا نحو دمشق، تبدو متسقة حتى الآن مع زعمهم بأنهم طهروا صفوفهم واتبعوا نهجاً أكثر تسامحاً تجاه الأقليات العرقية والدينية. وليس بوسع العالم سوى التمسك بالأمل والعمل الجاد لضمان حفاظهم على هذا المسار.

ضرورة الانخراط الأميركي في سوريا

النقطة الأخيرة هي أن الإطاحة السلمية نسبياً بالأسد لو كانت تعكس تراجعاً في النفوذ الأميركي، فهي تمثل أيضاً هزيمة مدوية لكل من روسيا وإيران. فقد تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2015 لإنقاذ الأسد عندما كان نظامه يوشك على الانهيار، وجعل من تدخله استعراضاً للقوة العسكرية والعتاد الروسيين. لكن تلك المكاسب تبددت الآن.

أما إيران، فقد تلقت ضربةً أكبر، إذ كان النظام العلوي في سوريا حليفاً دولياً نادراً، فقد لعبت سوريا دوراً حيوياً لسنوات في تسهيل الإمدادات اللوجستية الأساسية بين طهران وحزب الله، وهو دور قد ترفض هيئة تحرير الشام توليه.

للأسف، إذا تعلمنا شيئاً خلال العشرين سنة الماضية، فهو أن إقامة نظام ديمقراطي مستقر في سوريا أمر بعيد المنال. التحدي الأهم هو الحفاظ على وحدة هذا البلد المشرذم ومنع اندلاع حروب أهلية جديدة. ومن المفارقات أن هذا الهدف ذاته دفع في السابق دول المنطقة، ولو على مضض، إلى الاعتراف بأن بقاء الأسد، جزار حلب، في السلطة قد يكون الخيار الأنسب.

في غضون ذلك، هنالك قدر من القضايا العالقة يجعل التفاؤل صعباً. فتركيا لم تنجح بعد في تحقيق هدفها بطرد القوات الكردية المسلحة من المناطق السورية المتاخمة لحدودها. في الوقت نفسه، حشدت إسرائيل قواتها على الحدود السورية قرب مرتفعات الجولان المحتلة، خشية أن يكون النظام السني الجديد في دمشق أشد عداءً لها مما كان عليه الأسد في شتى أزمانه. وفي ظل هذه التحولات، سترغب الأقلية العلوية بتعزيز دفاعاتها خشية انتقام تتوقعه من السنة أو من عودة تنظيم الدولة الإسلامية وسط الفوضى القائمة.

كان الرئيس المنتخب دونالد ترمب محقّاً في دعوته لتجنّب التدخل في أي قتال يتعلق بتغير النظام في سوريا. ومع ذلك، فإن للولايات المتحدة، وإلى حد أكبر أوروبا، مصلحة في عودة اللاجئين إلى وطنهم، وفي إعادة تنشيط الاقتصاد السوري وإنهاء الحرب ولجم نفوذ إيران.

لم يكن الانخراط الدبلوماسي الاقتصادي قط أهم من حاله الآن، وذلك لإكساب هذا التطور الإيجابي في الشرق الأوسط فرصةً للنجاح. إن استدعى الأمر الإبقاء على بضعة مئات من الجنود الأميركيين في مواقعهم الحالية، أو التعامل مع هيئة تحرير الشام رغم ماضيها الإرهابي، أو التواصل عبر قنوات خلفية مع موسكو وطهران، فليكن ذلك.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

2 دقائق

16°C
مطر متوسط الغزارة
العظمى / الصغرى 15°/17°
11.1 كم/س
93%