باحثون يفكون شفرات تاريخية باستخدام خوارزميات متخصصة

التقنيات الحديثة مكنت الخبراء من قراءة محتوى سري تضمنته رسائل ماري ملكة إسكتلندا

time reading iconدقائق القراءة - 10
صورة لنشرة المطلوبين للعدالة من قبل شرطة سان فرانسيسكو ونسخ من الرسائل المشفرة التي أرسلها سفاح أسمى نفسه \"زودياك\" لصحيفة \"سان فرانسيسكو كرونيكل\". - المصدر: بلومبرغ
صورة لنشرة المطلوبين للعدالة من قبل شرطة سان فرانسيسكو ونسخ من الرسائل المشفرة التي أرسلها سفاح أسمى نفسه "زودياك" لصحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل". - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كانت ماري ملكة إسكتلندا رهينة أغلال الأسر في قلعة إنجليزية على خلفية اتهامها بالتآمر ضد الملكة إليزابيث الأولى، ابنة عمها، قبل أكثر من 400 عام. لذلك، كتبت من سجنها عشرات الرسائل السرية إلى الأصدقاء والحلفاء في محاولاتها للنجاة بحياتها.

شرحت ملكة إسكتلندا في عديد من رسائلها إلى سفير فرنسا كيف تمكن خصومها من اختطاف ابنها، بينما تأففت في رسائل أخرى من ظروف الأسر، زاعمةً دعمها لزواج مثير للجدل كان من شأنه أن يساعد في تدشين تحالف سياسي بين فرنسا وإنجلترا.

استخدمت ماري نمط "قفل الفراشة" الحلزوني في طي رسائلها كي يتمكن متلقوها من معرفة ما إذا كان أحد قد فتحها قبل أن يستلموها. كما اعتمدت ملكة إسكتلندا ومساعدوها شفرة معقدة للمراسلات مكنتهم من تأمين محتوى رسائلهم على مدى 436 عاماً حتى استطاعت مجموعة من خبراء مؤسسة "ذا ديكريبت بروجيكت" (The Decrypt Project) من اختراقها في فبراير.

شرح خبراء فك الشفرات في ورقة بحثية تفاصيل تصميم نظام حاسوبي لحل ألغاز المراسلات الغامضة، موضحين كيفية استخدام ماري نظام معقد للتشفير يُعرف بتشفير الألفاظ المتجانسة. يقوم النظام سالف الذكر على استبدال كل حرف من الأبجدية الإنجليزية بمجموعة متنوعة من الرموز بحيث يتناسب عدد البدائل المحتملة مع تكرر الحرف.

أمضى باحثون ضمن فريق "ذا ديكريبت بروجيكت"، المؤلف من مؤرخين على قدر كبير من المعرفة بالتقنيات الحديثة وعلوم الحاسب، العقد الماضي في دراسة مخطوطات لدى مؤسسات المحفوظات الأوروبية في محاولة لحل ألغاز الرسائل السرية.

مخطوطات "كوبيالي"

استلهم الخبراء فكرتهم، جزئياً، من فك شفرة "كوبيالي" في 2011، وهي مجموعة المخطوطات التي كتبها علماء الخفيانية الألمان بخط اليد على 105 صفحات في القرن الثامن عشر. صورت المخطوطات سالفة الذكر كيف تضمن طقساً أولياً للانضمام لإحدى الجمعيات السرية مطالبة الأعضاء الجدد تكراراً بقراءة ورقة بيضاء قبل نتف أحد الحاجبين من بين أمور أخرى.

تستخدم "ذا ديكريبت بروجيكت" مجموعة من تقنيات تحليل الصور وخوارزميات الحواسيب المصممة لتحديد الأنماط، فضلاً عن خبرة باحثيها في لغات عمرها قرون، لترجمة نصوص مندثرة وتحويلها إلى صيغ مقروءة.

يتوقع داعمو المؤسسة البحثية، بالإضافة إلى مؤرخين آخرين يعملون على أبحاث مماثلة، أن يساعد الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر في الكشف عن أسرار مجموعة واسعة من النصوص يعود تاريخها إلى قرون مضت مع تطور التقنية.

يجسد تصميم تطبيق لترجمة النصوص القديمة، على غرار ما تقدمه خدمة "غوغل" للترجمة، أحد تطلعات باحثي "ذا ديكريبت بروجيكت" طويلة المدى. يأمل الخبراء أن يتمتع التطبيق المنشود بالقدرة على مسح الوثائق التاريخية وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية الحديثة، بغض النظر عن عمرها أو اللغة المكتوبة بها أو طريقة التشفير التي استخدمها مؤلفها.

ما تزال آفاق تطوير مثل هذا التطبيق غير واضحة، لكن المؤرخين يزدادون ثقة في قدرتهم على فك الشفرات بمرور الوقت.

قال بياتا ميغيسي، مدير مؤسسة "ذا ديكريبت بروجيكت" وأستاذ اللغويات الحاسوبية بجامعة أوبسالا السويدية: "ليس لدينا كثير من البيانات الموحدة حول النصوص التاريخية لأن الناس استخدموا قديماً طرقاً وأنظمة مختلفة للكتابة، فضلاً عن تباين خطوطهم. لقد طورنا نماذج من الذكاء الاصطناعي لنسخ هذه الأنظمة، وهو ما قد يجعل العمل على هذه النصوص أكثر كفاءة".

سباق تسلح

يزخر التاريخ بالألغاز التي لا يمكن حل الكثير منها عبر فك شفراتها وحسب. على سبيل المثال، تتناول إحدى الدراسات أسباب تراجع تطوير الشفرات التي استخدمتها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية عند التواصل مع قادة العالم بين القرنين السادس عشر والثامن عشر.

لكن ما تزال الأسباب الكامنة وراء التردي غير واضحة رغم توثيقه. تقول إحدى النظريات إن مجموعة داخل الفاتيكان تخصصت بتشفير رسائل الفاتيكان، ثم فشلت في تمرير تقنياتها إلى خلفائها.

قالت مجموعة من علماء الرياضيات في 2020 إنهم فكوا الشفرة التي استخدمها سفاح عرف باسم "زودياك" في رسائله إلى ضباط الشرطة في 1969. استخدم السفاح منهجية إحلال معقدة، على غرار العديد من الرسائل المشفرة، حيث يُستَبدَل كل حرف من حرف الأبجدية برمز واحد أو أكثر. استخدم "زودياك" رموزاً متعددة لإحلال كل حرف، مع تغيير الرموز بطريقة جعلت من الصعب فك شفرته.

قال كيفن نايت، أستاذ علوم الحاسوب في جامعة جنوب كاليفورنيا الذي شارك في فك شفرة "كوبياليي" وتحليل بعض مراسلات "زودياك"، إن علماء الرياضيات فحصوا رسائل السفاح باستخدام برنامج مصمم خصيصاً لهذا الغرض، ووجدوا أنه استخدم الرموز بنمط منتظم في إحداها، ما مكنهم من فك شفرة رسائله.

كتب "زودياك" في الرسالة التي فك العلماء شفرتها وأكدها مكتب التحقيقات الفيدرالي: "أتمنى أن تستمتع بمحاولة القبض علي". ما تزال رسائل "زودياك" المشفرة الأخرى ألغازاً تنتظر حلها تماماً كهويته. لكن نايت يقول إن تطور تقنيات فك الشفرات يعطي المؤرخين دفعة قوية فيما يتعلق بالكشف عن أسرار ظلت طي الكتمان لفترة طويلة.

قال أستاذ علوم الحاسوب: "ينطوي الكشف عن هذه الأسرار على أهمية تاريخية كبيرة. لقد كان الأمر بمثابة سباق تسلح بين مطوري الشفرات ومخترقيها منذ قديم الأزل".

تصنيفات

قصص قد تهمك