بلومبرغ
برزت أول دلائل وجود مشاكل كبرى في القطاع المصرفي الأميركي هذا العام في مبنى للمكاتب بإحدى ضواحي سان دييغو المشمسة. أكدت شركة "سيلفرغيت كابيتال" من مكتبها في ذلك المبنى لمستثمريها أنها ستنجو من موجة تهافت على سحب الودائع، وقد اعتمدت في ذلك على نحو 4.3 مليار دولار من بنوك قروض المنازل الفيدرالية.
فاجأ ذلك القطاع المالي، إذ لم يكن لدى "سيلفرغيت" شبكة فروع تقدم خدمات للعملاء، وكانت بالكاد تقدم رهوناً عقارية، فهي شركة متخصصة في تحويل الدولارات لشركات العملات المشفرة.
سرعان ما اتضح أنَّ طائفة من البنوك المحلية المتعثرة كانت تعتمد على بنوك قروض المنازل الفيدرالية، وهي من إرث حقبة الكساد الكبير، إذ كان هدفها بالأصل أن تضمن أنَّ الشركات المالية لديها سيولة نقدية لإقراض مشتري المنازل. لكن البنوك لم تكن متخصصة بالعمليات اليومية لإقراض الرهون العقارية.
قال "سيليكون فالي بنك"، الذي يخدم أصحاب رأس المال الجريء وشركات التقنية، إنه اقترض 15 مليار دولار من أحد بنوك قروض المنازل الفيدرالية في نهاية 2022. أما "سيغنتشر بنك"، الذي كان من بين عملائه منصات لتداول العملات المشفرة، فقد اقترض 11 مليار دولار. بحلول أبريل، كان "فيرست ريبابليك بنك"، الذي قدَّم رهوناً عقارية للمليونيرات بشروط مخففة جداً، قد اقترض أكثر من 28 مليار دولار. انتهى المطاف بانهيار البنوك الأربعة.
لحظة فارقة
كانت تلك لحظة تبلورت فيها لدى كثير من الناس صورة نظام بنوك قروض المنازل الفيدرالية المعمول به منذ 90 عاماً، الذي تضخم حجمه إلى أكثر من 1.5 تريليون فيما كان يلعب دوراً متنامياً كدعامة للبنوك التي تخوض كل أشكال المخاطرات ودوراً آخر يتضاءل هو تمويل الرهون العقارية الجديدة.
يثير ذلك تساؤلات حول غرض بنوك قروض المنازل الفيدرالية وأسباب حصول هذه المؤسسات الخاصة على دعم حكومي بهذا القدر.
يستند هذا التقرير عن هذه المنظومة على مقابلات مع أكثر من 30 من المسؤولين والمشرفين والمقترضين وغيرهم من المشاركين في السوق الحاليين والسابقين في بنوك قروض المنازل الفيدرالية، الذين تحدث أغلبهم شريطة عدم كشف هوياتهم لكونهم يتطرقون لتجارب ذات طابع سري بصراحة.
تحدث العديد منهم عن بيئة تتصف بالسرعة في إتمام عمليات الإقراض بعد قدر شديد الضآلة من الفحوص النافية للجهالة، ما يولِّد أرباحاً بمليارات الدولارات سنوياً لبنوك قروض المنازل الفيدرالية والبنوك التي تخدمها، إلى جانب علاوات بملايين الدولارات وغيرها من المكافآت لمسؤوليها.
يصعب تخيُّل أنَّ الاحتياطي الفيدرالي يكافئ المديرين على تنظيم عمليات إنقاذ للقطاع، لكن هذا هو فعلياً ما يحدث الآن في بنوك قروض المنازل الفيدرالية.
قروض متزايدة
على سبيل المثال، زاد بنك قروض المنازل الفيدرالية في سان فرانسيسكو أصوله بأكثر من الضعف العام الماضي، فيما بدأ "سيليكون فالي بنك" و"فيرست ريبابليك بنك" وغيرهما موجات الاقتراض. حصلت تيريزا بيزمور، الرئيسة التنفيذية للبنك، على مكافأة قدرها 2.4 مليون دولار – أغلبها على هيئة علاوات – خلال 2022، وهو أول عام كامل لها في ذلك المنصب. بات تداعي "سيليكون فالي بنك" ثاني أكبر انهيار لمصرف أميركي وتلاه في ذلك ترتيباً "فيرست ريبابليك بنك".
بيّن إليوت سلون، وهو متحدث باسم بنك قروض المنازل الفيدرالية في سان فرانسيسكو، أنَّ راتب بيزمور كان مرتبطاً بالأهداف وغيرها من المقاييس التي حددها مجلس إدارة بنك قروض المنازل الفيدرالية في سان فرانسيسكو بالتشاور مع خبير خارجي وأطلع عليها الجهات التنظيمية.
قال سلون: "مستوى السُلَف لأحد عملائنا يستند إلى نهج حذر ومدروس ومحافظ قائم على الضمان ويأخذ كل عوامل الخطر في الاعتبار. تلك وظيفتنا التي أقرّها الكونغرس".
كما أمسى العديد من البنوك الأكبر حجماً معتاداً على الحصول على تمويل من بنوك قروض المنازل الفيدرالية، رغم تراجعها عن الإقراض لمشتري المنازل في الولايات المتحدة.
أكبر البنوك تستفيد
استفاد "ويلز فارغو" و"جيه بي مورغان" و"سيتي غروب"، وهم من أكبر مستخدمي النظام منذ 2010، من الحصول على ما لا يقل عن 62 مليار دولار إجمالاً خلال فترة هدوء الأسواق النسبية العام الماضي. وصلت حصة "سيتي غروب"، البالغة 19 مليار دولار، إلى 3% من إجمالي السيولة النقدية، رغم أنَّ المؤسسة قدمت 0.3% فقط من إجمالي الرهون العقارية في البلاد خلال 2022، وفقاً لسجلات تنظيمية خاصة بالبنك وسجلات الرهون العقارية الحاصلة على تمويل من بنوك قروض المنازل الفيدرالية. اقترض "ويلز فارغو" 32 مليار دولار قبل أن يعلن في يناير عن إلغاء أعمال الرهن العقاري.
أصدرت كيانات غير بنكية حصة الأسد من قروض المنازل في الولايات المتحدة، مثل "روكيت مورغيدج" (Rocket Mortgage)، التي تبيع القروض لتوليد سيولة نقدية لتقديم قروض جديدة، وهذه الشركات غير مؤهلة بشكل عام للاستفادة من نظام بنوك قروض المنازل الفيدرالية.
إحدى ميزات النظام هي أنَّ الدعم الحكومي لا يظهر في ميزانية الولايات المتحدة، ما يعفي بنوك قروض المنازل الفيدرالية من الجدل المرير حول النفقات في الكونغرس الذي اجتاح واشنطن خلال الأشهر الأخيرة.
يبدأ دعم الحكومة بدل ذلك عبر تعامل خاص، إذ يقدم لبنوك قروض المنازل الفيدرالية ميزة تنافسية في جمع المال بتكلفة بسيطة. تجمع هذه البنوك أغلب تمويلها من خلال بيع سندات معفاة من ضرائب الدخل المحلية وضرائب الدولة.
يشعر الشراة أيضاً بقدر أكبر من الارتياح تجاه هذا الدَّين بسبب الافتراض الشائع أنَّه في حال تعثر أحد بنوك قروض المنازل الفيدرالية، ستقدم الحكومة له ما يحتاج من أموال دافعي الضرائب للحيلولة دون تخلفه عن السداد. قالت وكالتا "ستاندرد آند بورز" و"موديز" إنَّ تصنيفهما الائتماني لنظام بنوك قروض المنازل الفيدرالية كان سيقل عدة درجات، لولا افتراض الدعم الحكومي.
قال رايان دونوفان، الرئيس التنفيذي لمجلس بنوك قروض المنازل الفيدرالية، خلال مقابلة: "الضمان الذي ينطوي عليه ذلك ليس شيئاً تؤكده الحكومة. إنه أمر يفترضه السوق، وهو أننا ملاذ آمن وأنَّ السندات التي نُصدرها مضمونة".
قيمة الدعم الحكومي
يدور نقاش ساخن بين الاقتصاديين حول قيمة الدعم الحكومي، إذ يُقدِّر المدافعون عن النظام، مثل المستشار السابق للبيت الأبيض جيم باروت وعالِم الاقتصاد مارك زاندي، أنَّ قيمة هذا الدعم بلغت نحو خمسة مليارات دولار العام الماضي، فيما يُقدِّره منتقدو الدعم بنحو تسعة مليارات دولار.
يذهب جانب من هذه الأموال إلى البنوك كمصدر تمويل رخيص. ويُترجَم ذلك أيضاً إلى أرباح أعلى لبنوك قروض المنازل الفيدرالية، التي ولّدت العام الماضي دخلاً صافياً بلغ 3.2 مليار دولار، وقد احتفظت تلك البنوك بأكثر من نصف ذلك المبلغ، ما رفع مخزونها من الأرباح المحتجزة إلى 24.6 مليار دولار. حصلت بنوك و"أعضاء" آخرون على نحو 1.4 مليار دولار من ذلك المبلغ كتوزيعات أرباح.
في نهاية الأمر، ساهم نظام بنوك قروض المنازل الفيدرالية بـ355 مليون دولار فقط لبرنامج يدعم توفير الإسكان بأسعار معقولة العام الماضي.
قال كورنيليوس هيرلي، وهو مدير مستقل في مجلس إدارة بنك قروض المنازل الفيدرالية في بوسطن وعمل نحو 14 عاماً حتى 2021: "الأمر مثير للإحراج. هذا كيان عام ولا بد أن نطالبهم بتقديم المزيد".
يُقرّ المدافعون عن النظام أنَّه من غرائب التاريخ، لكنهم يقولون إنَّ قدرته على توفير التمويل سريعاً أمر حيوي جداً، خصوصاً عندما تندلع الأزمات. يُمكن لبنوك قروض المنازل الفيدرالية أن تبدأ بتحقيق الاستقرار بين صفوف المقترضين قبل أن تلجأ إلى الاستفادة من نافذة الخصم التي يقدمها الاحتياطي الفيدرالي، وقبل أن يجتمع صنّاع السياسات لمناقشة إجراءات استثنائية أخرى.
لا بد للبنوك التي تستفيد من نافذة الخصم أن تقلق بشأن تأجيج موجة الذعر العام نفسها التي يحاولون كبحها.
قال مايكل إريكسون، الرئيس التنفيذي لبنك قروض المنازل الفيدرالية في شيكاغو: "يمكن للأعضاء بالطبع التوجه إلى الاحتياطي الفيدرالي. ينطوي التحدي على وجود خطر على السمعة يرتبط بذلك ويتضح عبر الحديث مع المؤسسات الأعضاء أنهم يشعرون بأنَّ وصمة ذلك حقيقية".
العزوف عن المخاطر
لم تكن بنوك قروض المنازل الفيدرالية تقدم سيولة نقدية بسهولة كهذه على الدوام. لقد كان النظام يتسم بالعزوف عن المخاطر تقريباً لدرجة مضحكة حين وقّع الرئيس هربرت هوفر على قانون لإنشائه في 1932. خلال أول عامين، قدّم المقترضون المتفائلون 41 ألف طلب للحصول على الرهون التي تمولها بنوك قروض المنازل الفيدرالية. حصلت 3 طلبات فقط على الموافقة.
كانت مؤسسات الادخار وشركات التأمين حينذاك أكبر المقرضين لشراة المنازل. كان يُفترض بالشركات أن تتجه لبنوك قروض المنازل الفيدرالية القريبة منها وتتعهد بضمان – مثل قروض المنازل – للاقتراض وتُقدِّم مزيداً من الرهون العقارية.
لكن بحلول نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، كانت إدارة الرئيس فرانكلين روزفلت بصدد إنشاء نظام أبسط ينطوي على شراء كيان جديد، وهو الرابطة الفيدرالية الوطنية للرهن العقاري، المشهورة باسم "فاني ماي" (Fannie Mae)، للرهون العقارية.
بعد قرابة ثلاثة عقود، وافق الكونغرس على أسس إنشاء مؤسسة رهن المنازل العقارية الفيدرالية، المعروفة باسم "فريدي ماك" (Freddie Mac)، لتساعد مؤسسات الادخار على إدارة مخاطر أسعار الفائدة. تمخض عن المؤسستين إنشاء سوق للأوراق المالية بضمان الرهن العقاري، وهي التي تموّل أغلب الرهون العقارية اليوم.
لكن في ثمانينيات القرن الماضي، اندلعت أزمة المدخرات والقروض فدفعت الحكومة للتدخل عبر عملية إنقاذ. مع انهيار العديد من مؤسسات الادخار، كانت بنوك قروض المنازل الفيدرالية تخسر أعداداً كبيرة من العملاء بما لا يُمكِّنها من أداء وظيفتها. لذا توصلت إدارة جورج بوش الأب إلى اتفاق في 1989 لتوسيع نطاق عمل نظام بنوك قروض المنازل الفيدرالية ليقدم خدماته إلى آلاف البنوك، شريطة أن تُخصص البنوك 10% من الأرباح لدعم توفر الإسكان بأسعار معقولة.
قال أشخاص لعبوا دوراً في هذه العملية إنَّ بنوك قروض المنازل الفيدرالية قاومت هذا الشرط آنذاك. أما الآن، فهي تروج له على أساس أنه عنصر رئيسي في مهمتها.
أعداد متزايدة
ارتفع عدد المقرضين ممن يتعاملون مع بنوك قروض المنازل الفيدرالية بأكثر من الضعف إلى ما يربو على ثمانية آلاف بحلول 2005، فيما تضخمت الميزانية العمومية للنظام بنحو ستة أضعاف إلى تريليون دولار. لكن في أعقاب أزمة 2008 المالية العالمية، بدأت أكبر بنوك البلاد تنسحب بشكل جماعي من إقراض الرهون العقارية.
قدمت بنوك "ويلز فارغو" و"جيه بي مورغان" و"سيتي غروب" 4% من الرهون العقارية السكنية في البلاد خلال 2022، بانخفاض من 13% في 2010. رفعت "روكيت مورغيدج" حصتها في السوق على مدى الفترة نفسها.
مع ذلك، استمر تضخم بنوك قروض المنازل الفيدرالية خلال مسعى البنوك للحصول على تمويل، خصوصاً في حالات الطوارئ. ارتفع إجمالي عدد القروض التي قدمها النظام لعملائه 28% إلى 1.04 تريليون دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، متخطياً بذلك رقماً قياسياً تحقق في الربع الثالث من 2008.
قال بروس موريسون، رئيس مجلس الإدارة السابق لمجلس تمويل الإسكان الفيدرالي: "أصبحت بنوك قروض المنازل مصدراً للسيولة العامة بالنسبة للبنوك الكبيرة. لقد قدَّمت إسهاماً عظيماً على مدى الأعوام الخمسين الماضية، لكن السوق تغيرت، فهي تضطلع بمهمة ينبغي للاحتياطي الفيدرالي أن يتولاها".
هذا النظام المبهم ليس مألوفاً لأغلب الأميركيين.
شاركت مهندسة برمجيات من مؤسسة بحثية مؤخراً في بودكاست "ذا إنديكيتور" (The Indicator) على "ناشونال بابليك راديو" (National Public Radio) في أداء اختبار عن اضطرابات القطاع المصرفي في الولايات المتحدة هذا العام. عندما طُلب منها تحديد "المُقرض الذي يُعتبر الاختيار قبل الأخير" من بين قائمة أسماء في القطاع، اختارت الإجابة الصحيحة، وهي نظام بنوك قروض المنازل الفيدرالية. قالت: "يبدو (اسمه) مختلقاً".
بنوك متوارية عن الأنظار
حين بدأت موجات التهافت على سحب الودائع في البنوك المحلية تتصدر عناوين الأخبار حول العالم في مارس، لم تتجه كثير من الأعين صوب بنوك قروض المنازل الفيدرالية فيما كانت تسارع لجمع الأموال لتلبية الطلب من أجل تقديم المساعدة للبنوك، إذ طرحت أدوات دين بقيمة 304 مليارات دولار خلال أسبوع واحد فقط.
قال تيد توزر، الرئيس السابق لجمعية الرهن العقاري الوطنية الحكومية، المعروفة باسم "جيني ماي" (Ginnie Mae): "يستخف الناس بحجم الفائدة التي ستتحقق من ورائها. تُبيِّن الأعداد القياسية للسُلَف هذا العام، حين ظهرت احتمالات عدوى، أنَّ جانباً كبيراً من الأمر يحدث بشكل غير معلن. بنوك قروض المنازل الفيدرالية هي التي تمتص الصدمة".
تستطيع بنوك قروض المنازل الفيدرالية التفاعل بسرعة، نظراً لأنه يصعب عليها أن تخسر. لدى تلك البنوك ما يُسمى بحق امتياز فائق على الأموال التي تقرضها، ما يضعها في مقدمة الصف لاسترداد أموالها إذا انهار بنك ما. تقول بنوك قروض المنازل الفيدرالية إنَّ أي مُقرض مضمون ستكون له أولوية حال انهيار أحد البنوك.
لكن بعض المطلعين على البنوك يقولون إنَّ حق الامتياز الفائق يساهم في تكوين خصائص لقروض بنوك قروض المنازل الفيدرالية بإمكانها أن تجعل القروض رديئة على نحو خاص. ليس من غير المألوف أن تخالف البنوك قواعد المحاسبة لتحصل على سُلَف أكبر، كما أنَّ حافز تنفيذ الفحص النافي للجهالة بدقة ضئيل.
قالت كاثرين جَدج، أستاذة القانون في جامعة كولومبيا التي تركز على التنظيم المالي: "يمكنك أن ترى هؤلاء الذين تُقرضهم البنوك وتكتشف أنه ليس بسبب أنها لا تُحسن فحص العملاء لضمان الجدارة. الأمر بمثابة نتيجة ثانوية لفكرة أنَّ هناك آلية مطبقة لحماية مصالحها".
أهمية الضمان
قال موظفان عملا سابقاً في فرعين مختلفين من بنوك قروض المنازل الفيدرالية لأطول من عقد، إنَّ البنك لم يرفض تقديم أي قرض على الإطلاق، أياً كان مدى تدهور الوضع المالي للمؤسسة. قال الموظفان السابقان إنَّ ما يهم هو الحصول على ضمان، سواء كان ذلك سندات خزانة أو رهون عقارية أو أوراق مالية مدعومة بالرهون العقارية أو غيرها من أصول قطاع العقارات.
رغم أنَّه ينبغي للبنوك أن تتعهد بضمانات تفوق حجم الاقتراض، فقد وجدت طرقاً للمبالغة في قيمة هذه الضمانات. عادةً ما تصف الشركات الأصول التي تعتزم الاحتفاظ بها في الأجل القصير بأنها "متاحة للبيع"، وإن انخفضت قيمتها السوقية، يخفض البنك قيمتها الدفترية فتتأثر الأرباح فوراً.
لكن الشركات قد تتجنب خفض قيمة الأصول عبر نقل أصولها إلى وعاء محاسبي أطول أمداً في فئة تُسمى "حتى أجَل الاستحقاق". يتيح ذلك للشركات الاحتفاظ بقيمة الضمان الذي تقدمه عندما تقترض من أحد بنوك قروض المنازل الفيدرالية.
نقلت الذراع البنكية لـ"تشارلز شواب" 189 مليار دولار من أصول الشركة المدعومة بالرهون العقارية إلى تلك الفئة العام الماضي. وفقاً لتقرير سنوي، اقترضت الشركة 12.4 مليار دولار من نظام بنوك قروض المنازل الفيدرالية حتى نهاية 2022، وكانت لديها القدرة على اقتراض 68.6 مليار دولار. ارتفعت قروضها من بنوك قروض المنازل الفيدرالية لأزيد من ثلاثة أضعاف في الربع الأول.
هل تساعد أطواق النجاة؟
لا تتابع بنوك قروض المنازل الفيدرالية استخدام البنوك للتمويل الذي تحصل عليه. قد تساعد أطواق النجاة البنوك المتعثرة على تجنب بيع الأصول بثمن بخس. لكن إذا كانت ميزانية الشركة في حالة سيئة، فإن الإقراض بضمانات قد لا يفيد سوى بتأجيل انهيار البنك الحتمي، ما قد يتسبب في تفاقم الخسائر. تتولى المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع مهمة تسوية المشاكل الناجمة عن ذلك.
قالت جَدج، أستاذة القانون: "يُحدث ذلك التأخير فرقاً. تتيح السيولة الجديدة لهم مواصلة العمل بحد أدنى لفترة أطول بدل أن يتجهوا للنظر في قدرتهم على الاستمرار".
بعدما بدأ الاحتياطي الفيدرالي سلسلة متسارعة من زيادات أسعار الفائدة في مطلع العام الماضي، شهد "سيليكون فالي بنك" و"سيغنتشر بنك" و"فيرست ريبابليك" تراجعات في قيمة أصولها وتدهورت أوضاعها المالية إلى أن أُصيب المودعون بالذعر ولم تعد أطواق النجاة التي تقدمها بنوك قروض المنازل الفيدرالية كافية لإنقاذ الموقف.
تُقدِّر المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع أنَّ انهيار هذه البنوك سيكلف صندوق التأمين الرئيسي لديها أكثر من 31 مليار دولار، بما في ذلك تغطية الودائع غير المؤمّنة التي ستُدفع من خلال تقييم خاص للقطاع. تقول بنوك قروض المنازل الفيدرالية والمدافعين عنها إنها لم تسجل خسارة في أي من قروضها خلال أكثر من ثمانية عقود.
التحايل على البنوك
تقترض البنوك الكبيرة من مصادر متعددة، بما في ذلك أكثر من واحد من بنوك قروض المنازل الفيدرالية، ما يفرض ضغوطاً على تلك البنوك المحلية من حيث التنافس على الأعمال. وصف مسؤول سابق كيف استفاد أحد أكبر البنوك الأربعة التجارية في البلاد بأن جعل بنوك قروض المنازل الفيدرالية المحلية تتنافس ليحصل عبر ذلك على أسعار فائدة أقل وشروط أفضل.
أعلن بنك قروض المنازل الفيدرالية في شيكاغو هذا العام عن عنصر جذب لأعضائه، وهو "تخفيضات لمن يبادر باكراً". وفقاً لموقعه على الإنترنت، كان البنك حتى 31 مايو يعِد بتقديم أسعار فائدة أفضل للقروض الممنوحة قبل الساعة العاشرة صباحاً. يمكن للبنوك أيضاً أن تحصل على "خصومات كبيرة" إذا طلبت سُلَفاً تفوق 100 مليون دولار.
يقُضّ هذا التلاعب مضاجع مناصري السياسات مثل آرون كلاين، وهو زميل أول في معهد بروكنغز (Brookings Institution). قال كلاين: "لا ينبغي لأي بنك الاستفادة من فروق بين أي بنك من بنوك قروض المنازل الفيدرالية. لا بد للأعضاء أن يكون لهم بنك واحد فقط".
قال إريكسون، الرئيس التنفيذي لبنك قروض المنازل الفيدرالية في شيكاغو، إنَّ إغراء العملاء للحضور في الصباح الباكر يساعد على التخطيط، وإنَّ اقتراض البنوك من بنك واحد من بنوك قروض المنازل الفيدرالية أمر يزداد شيوعاً.
مراجعة شاملة
في العام الماضي، أعلنت وكالة تمويل الإسكان الفيدرالية، وهي الجهة المشرفة على عمل بنك قروض المنازل الفيدرالية، أنها ستُجري مراجعة شاملة للنظام لدراسة ما إذا كان في حاجة لإعادة هيكلته بشكل كبير. أعربت مديرة الوكالة ساندرا تومسون في وقت لاحق عن استيائها من الأمر، إذ قالت خلال ندوة في معهد بروكنغز في فبراير الماضي: "الوضع الراهن غير مقبول".
لكن في أعقاب الانهيار الذي شهدته البنوك المحلية في مارس، كانت الجهات التنظيمية التابعة لإدارة بايدن أكدت أهمية بنوك قروض المنازل الفيدرالية في الميزانيات العمومية للقطاع. قالت تومسون للجنة بالكونغرس في مايو: "خلال هذه الفترة من توترات السوق، ظلت بنوك قروض المنازل الفيدرالية في مأمن وبوضع سليم، واستمرت بلعب دورها الحيوي".
يُتوقع أن تصدر توصيات وكالة تمويل الإسكان الفيدرالية في وقت لاحق من هذا العام.
كتب دونوفان، الرئيس التنفيذي لمجلس بنوك قروض المنازل الفيدرالية، في مذكرة لتومسون في مارس أنَّ بعض بنوك قروض المنازل الفيدرالية بدأت من تلقاء نفسها تدفع 50% أزيد من المطلوب لتحقيق توفير إسكان بأسعار موائمة، كما أن هناك بنوكاً أخرى بصدد اتخاذ تلك الخطوة. يرفع ذلك مساهمة تلك البنوك إلى نحو 15% من أرباحها.
خطوات إضافية
في تلك الأثناء، ثمة خطة قيد الدراسة في الكونغرس بإمكانها رفع تلك المساهمة إلى 20%. يقول المطالِبون بتوفير الإسكان إنَّ هذا ليس كافياً، إذ يجادلون أنَّ تحسين توفُّر الإسكان بأسعار معقولة ينبغي أن يحتل مركزياً في نموذج أعمالها بدل أن يكون جزءاً يسيراً منه.
لن يشمل ذلك تقديم شروط تمويل أفضل للمؤسسات المالية لتنمية المجتمع، التي تسد ثغرات في التمويل للتجمعات السكانية، مثل الأقليات أو محدودي الدخل أو من يعيشون في المناطق الريفية. عادةً ما تضطر المؤسسات لأن تُقدم ضمانات أكبر من البنوك وتمر بصعوبات أشد للحصول على تمويل، رغم أنها تركزّ أكثر على توفير الإسكان بأسعار موائمة.
لدى بنوك قروض المنازل الفيدرالية نحو 6800 عميل، وتشكل المؤسسات المالية لتنمية المجتمع 1% منهم. في الوقت نفسه، تُعد أكثر من 500 شركة تأمين، بما فيها شركات عملاقة مثل "ميتلايف"، التي لم تعد تلعب دوراً محورياً في الإسكان، بعض أكبر المقترضين من نظام بنوك قروض المنازل الفيدرالية.
تحث شركة الاستثمار "وليغتون مانجمنت" (Wellington Management) شركات التأمين على صقل أرباحها عن طريق استخدام مزيد من أموال بنوك قروض المنازل الفيدرالية في نشاطها.
قال موريسون، رئيس مجلس الإدارة السابق لمجلس تمويل الإسكان الفيدرالي: "قد يُغضبك هذا، لكن ما يُغضب هو الهدف من وراء ذلك... السؤال هو ما إذا كنا نحتاج حقاً لوجود هذه المؤسسة التي يبلغ حجم نشاطها تريليون دولار أو أنه ينبغي تعديلها، فهي تستخدم الدعم الحكومي لتخدم غرضاً للقطاع الخاص".