
بلومبرغ
كانت هاوا ماغاسوبا التي تسكن في حي هارلم في نيويورك تخطط لبناء منزل في موطنها غينيا لكن لم تغب عن بالها تجربة مغتربة أفريقية أخرى تعرفها أرسلت على مدى عقد 50 ألف دولار لأختها بغرض بناء منزل، لتجد حين زارت بلدها الأصلي أن أختها أنفقت المال بكل بساطة دون أن تبني لها أي شيء. قالت ماغاسوبا وهي محاسبة لدى منظمة غير ربحية في نيويورك: "صدمني ذلك، لكن ماذا الذي يمكنها فعله؟". اكتفى والداها بالقول: "ماذا؟ هل ستزجّين بأختك في السجن؟ ستفضّلين المال على أسرتك".
لهذا وقّعت ماغاسوبا عقداً مع شركة "جوبماكس غلوبال" (Jobomax Global)، وهي شركة في فيلادلفيا تَعِد ببناء منازل في غانا وغينيا وسيراليون في أقل من ستة أشهر. مقابل 54 ألف دولار، فحصلت على منزل من ثلاث غرف نوم وحمامين بمساحة 100 متر مربع. سدّدت دفعة أولى قدرها 30 ألف دولار في 2018 وستستكمل ملكية المنزل خلال عامين تقريباً مع الدفعات الشهرية التي تسددها. عندما استملت المفاتيح في يناير 2019، قالت: "كنت فخورة جداً برؤية منزلي أخيراً".
تبني شركة "جوبماكس" مجتمعات مخدومة بأسماء مثل "لؤلؤة غينيا" و"ذا سبرينغز أت نيوتن" في نيوتن، وتقدم نحو ستة تصاميم تحمل أسماء تجمعات للجاليات الأفريقية في الولايات المتحدة وأوروبا. هناك نموذج ريتشموند، الذي يتكون من غرفتين وحمام واحد ويبدأ سعره من 13 ألف دولار في سيراليون. أما في غينيا، فتسمي نموذجاً من غرفتي نوم أكبر باسم كولومبوس وتبيعه لقاء 40 ألف دولار. يبدأ سعر نموذج واشنطن الذي يضم أربع غرف نوم وثلاثة حمامات عند 134 ألف دولار في غينيا.
معايير أميركية
تستهدف الشركة المغتربين الذين يكسبون ما يكفي لشراء منزل فاخر حسب المعايير الأفريقية وبأسعار تمثل صفقة رابحة في البلدان المتقدمة. عادة ما يكون المشترون على دراية بمعايير العقارات الأميركية، مثل ضمان الرهن العقاري وتأمين الملكية وما إلى ذلك، وهو غير سائد في أوطانهم. قال جوناثان هالوران الرئيس التنفيذي لشركة "جوبماكس": "غالبية عملائنا ليسوا من ملاك المنازل بعد، لكنهم يتطلعون للأمان والخدمة نفسها التي تأتي مع شراء منزل في الولايات المتحدة: صك ملكية نظيف دون إشارات حجز، ومستوى جودة بناء يمكنهم الاعتماد عليه، وعملية تمويل".
السعودية تخطط لتشييد أضخم مبانٍ عرفتها البشرية
تضم قائمة عملاء الشركة مهندسين، ومساعدي رعاية صحية منزلية، ومعلمين مثل أدريان موريل الذي بلغ عمره 50 عاماً، وهو مهاجر غيني يدرّس اللغة الفرنسية في مدرسة ثانوية في سيلفر سبرينغ بولاية ماريلاند. اشترى موريل في 2019 فيلا أتلانتا التي تضم ثلاث غرف نوم وحمامين في منطقة على بعد ساعة بالسيارة عن كوناكري عاصمة غينيا. سدّد 40 ألف دولار كدفعة أولى بقيمة في بدايات 2019، ثم دفع 42 ألف دولار أخرى على أقساط خلال الأشهر القليلة التالية حين أكّد له أقاربه أن البناء يجري على قدم وساق. رغم أنه لا يخطط للعيش هناك لحين تقاعده، إلا أنه لا يدرك شأن ذلك في وطنه. قال موريل الذي يملك منزلاً بقيمة 425 ألف دولار في ماريلاند، حيث يعيش مع زوجته الأميركية وطفلين في سن المدرسة: "يقيس هذا نجاحي كمهاجر، سيكون والداي فخورين بي".
ترويج وتسويق
التقى هالوران والشريك المؤسس روبرت هورنزبي في 1993 في جلسة توجيهية في فيلادلفيا قبل انطلاقهما في جولات قوات حفظ السلام في ساحل العاج. سعى الرجلان لاحقاً للحصول على ماجستير إدارة الأعمال ثم أطلقا شركة لاستيراد زبدة الشيا من غرب أفريقيا، وهي خلاصة ثمرة مكسرات تُستخدم في مستحضرات التجميل والحلوى. أسسا في 2014 شركة "جوبماكس" وعملا على ترويج الفكرة عبر الظهور في البرامج الإذاعية للمهاجرين وتوزيع منشورات في الشركات العائدة لأفارقة في جميع أنحاء فيلادلفيا، وعبر رعاية بطولة كرة القدم السنوية بين الولايات في غينيا، التي تُعدّ مسابقة تجذب مئات اللاعبين والمشجعين من جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا. وصلت "جوبماكس" عبر "فيسبوك" و"يوتيوب" إلى الناس في جميع أنحاء العالم ودخلت في مناقشات مع المشترين المحتملين في نحو عشرين دولة. قال هالوران: "ستجد غينياً في أي مكان لتجارة الذهب أو الماس".
طفرة العمل عن بُعد تسدي مدن جامعات فوائد كبرى
كانت بداية شركة "جوبماكس" بطيئة، حيث باعت أول منازلها في 2015، لكن الأمر استغرق أربع سنوات إضافية لتبلغ مبيعاتها السنوية عشرة منازل. حتى الآن، بنت "جوبماكس" 80 منزلاً، وهناك 15 منزلاً إضافياً قيد الإنشاء و30 منزلاً محجوزاً ريثما يجمع المشترون ما قيمته 30% من ثمنها كدفعة أولى. تشتري شركة "جوبماكس" الأرض في غينيا وسيراليون وتخطط الشوارع وتمدد أنظمة المياه والطاقة وتوفر التأمين. أما في غانا فتخطط لبناء بضعة منازل في مشروع تطوره شركة بريطانية. جمعت شركة "جوبماكس" 2.2 مليون دولار منذ 2015، وتتوقع الشركة أن تقفز المبيعات هذا العام بمقدار الثلث، لتصل إلى مليوني دولار. قال هورنزبي إن الأجور المنخفضة في أفريقيا تسمح للشركة أن تكون رابحة "بشكل مريح" رغم أسعارها المنخفضة.
المدينة الأميركية
تحتفظ شركة "جوبماكس" بحق ملكية أي منزل تقوم بتطويره حتى سداد جميع المدفوعات، لذلك في حال عدم دفع العميل، يمكن لمشتري جديد تولي الأمر. في عام 2018، وقعت صفقة مع "يو إس أفريقيا هاوسينغ فاينانس" (US-Africa Housing Finance)، وهو صندوق استثمار يديره أحد زملائه هورنزبي في كلية إدارة الأعمال. بموجب الاتفاقية، ستبيع "جوبماكس" للمستثمرين التزامات عملائها بسداد دفعات شهرية. قال هورنزبي: "ليس هناك إلا قليل من المنازل المباعة في غينيا ممولة للمشتري بأي شكل كان، في حين أن تمويل معظم منازل "جوبماكس" في غينيا مدته 10 سنوات".
الأمريكيون يعزفون عن شراء المنازل لارتفاع الفائدة والأسعار
أكملت الشركة بناء 51 منزلاً على أراض من أصل 53 قطعة أرض في مدينة دومبويا في كويا، ويسمي السكان المحليون المكان بـ"المدينة الأميركية". في شارع مليء بالتراب الأحمر وتحيط به المنازل المبنية حديثاً، تتشارك ماريام ديالو منزلاً من طراز كولومبوس مع أختها. تقول إنها سعيدة بالمسكن المكوّن من غرفتي نوم، كما تقول إن المشروع يجب أن يكون نموذجاً للحكومة في سعيها لتحسين الإسكان الاجتماعي. قالت ديالو التي بلغ عمرها ثلاثين عاماً، وهي تقف في ممر سيارتها: "هذه المنازل مثيرة للإعجاب، والاستثمارات تستحق العناء. على الدولة التفكير في بناء مثل هذه المنازل للناس".