
بلومبرغ
يتطلب نجاح تطبيق توصيل الوجبات تغلباً على تحديات جمة، كالحاويات المثقوبة أو الطعام الفاتر أو حين تبلغ تكلفة التوصيل ما يزيد عن ثمن الطبق الرئيسي. لكن هذا لا يقارن بما تواجهه الشركة الناشئة التي أسسها حسن عباسي، إذ أن كثيراً من زبائنه العرب الإسرائيليين ليس لمنازلهم عناوين.
لا توجد دائماً أسماء شوارع أو أرقام شقق في عشرات البلدات العربية المحرومة في شمال إسرائيل، حيث تعمل "هات"، شركة عباسي الناشئة للتوصيل وهي شبيهة بـ"دور داش" الأميركية. ونوع التوجيهات التي يعطيها السكان لبعضهم بعضاً من شأنه أن يربك شركات التوصيل، فهو من قبيل: "توجه إلى أول دوار ثم انعطف يميناً عند المخبز، وأكمل طريقك بعد المسجد إلى المنزل ذي البوابة الخضراء".
هذا أحد أسباب عدم سعي شركات التوصيل الكبرى لإطلاق خدماتها في هذه البلدات، حيث ينتشر شعار التطبيق الملون بالأحمر والأصفر في كل مكان تقريباً.
كي تتعامل مع مشكلة العناوين، رسمت شركة "هات" خريطة لجميع المساكن في المدن التي تعمل فيها، جزئياً باستخدام بيانات حقيقية من ملايين عمليات التوصيل، مع تحديد نقاط الدخول إلى كل منزل وتزويد الساعي بهذه المعلومات مباشرة. أخيراً، وصلت البيتزا إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها، وكانت ساخنةً.
طلبات من "أمازون" بلا بطاقات ائتمان
بعيدا عن العناوين، لا يستطيع كثير من عملاء الشركة الوصول إلى المدفوعات الإلكترونية أو الحسابات المصرفية. فهم شباب بلا تاريخ ائتماني، أو عمال يتقاضون رواتبهم نقداً، أو مسلمون متدينون يتجنبون الأدوات المالية الربوية.
شركة تكنولوجيا هندية تُقرض مليار دولار سنوياً بضمان الذهب
لا مشكلة، إذ يستطيع السعاة الوصول إلى المنازل واستلام النقود، وملء محافظ "هات" الرقمية للعملاء، ما يسمح لهم بالطلب ليس فقط من المطاعم عبر تطبيق الشركة الناشئة، بل أيضا من ”أمازون“ و“إيكيا“ و“نتفلكس“ وشركات أخرى.
منذ تأسيسها عام 2020، توسعت "هات" من 9 مطاعم إلى 3000، ومن 4 موظفين إلى 300، ومن 5 سعاة إلى 5000. قال عباسي إن "هات" حققت مبيعات إجمالية بلغت حوالي 250 مليون دولار، وجمعت 18 مليون دولار من بعض أبرز المستثمرين في إسرائيل.
تخطط الشركة الآن للتوسع في بعض الدول الأوروبية والإفريقية العديدة التي تشترك في سمات رئيسية مع مجتمع عباسي العربي الإسرائيلي - عملاء لديهم دخل متاح وهواتف محمولة ولكن وصول محدود للخدمات المصرفية عبر الإنترنت أو البنية التحتية للمدينة.
ألمانيا هدف تجاري
قال عباسي، الذي بلغ من العمر 35 عاماً، فيما كان جالساً أمام سبورة بيضاء تكسوها خربشات في مكتبه الذي يضج بالنشاط في أم الفحم، وهي مدينة عربية شمالية يسكنها نحو 60 ألفاً: "هناك مساحات شاسعة في كثير من الدول، حتى في دول غنية مثل ألمانيا، حيث ما يزال النقد هو السائد… اتضح أننا لسنا استثناءً. هناك إمكانات كبيرة هناك".
عباسي، الذي نشأ رابعاً بين خمسة أطفال لأب يعمل مدرساً للرياضة وأم تركت المدرسة في سن الثالثة عشرة، أصبح مهتما بالكومبيوتر عندما كان مراهقاً وقد أثار هذا استياء والده. (بعد أن أثبت موهبته في الرياضيات، أراد والداه أن يصبح طبيباً فقطعا عنه الدعم المالي في السادسة عشرة من عمره عندما قرر أن يسلك مساراً آخر).
يتذكر عباسي قول والده: ”ولا شيكل بلا طب... كانت تلك أعظم خدمة أسداها لي في حياتي". للمضي عبر المراهقة، عمل عباسي في مطعم ”ماكدونالدز“ في بلدة يهودية تبعد نصف ساعة، وجمع مدخراته وحصل على مقعد في معهد ”تكنيون“، الجامعة الرائدة في إسرائيل في الرياضيات والعلوم. ثم حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه، وقضى بعض الوقت في شركات ”إنتل“ و“آي بي إم“ و“جوجل“، وهناك استقر به الأمر في زيورخ، حيث يمكن لأي شيء أن يصل إلى باب منزلك بلمسة هاتف ذكي.
من مطاعم زيوريخ إلى المطاعم المحلية
عندما عاد هو وعائلته الصغيرة إلى أم الفحم، أدركوا سريعاً أن المطاعم المحلية لا تقدم الراحة التي اعتادوها في أوروبا، فبدأ عباسي باستغلال وقت فراغه للتخطيط للمشروع الذي سيصبح لاحقا ”هات".
في العام الذي سبق إطلاق التطبيق، بدأ عباسي بالتحدث إلى مطاعم مدينته حول نشر قوائم الطعام عبر الإنترنت وقبول الدفع مقابل التوصيل المنزلي. كان ذلك في عام 2019، وظنّ الزبائن المحتملون أنه مجنون.
قال محمد أبو ماجد، صاحب مطعم "الطازج" الإيطالي: "سخرنا منه... لقد طردته عندما جاء ليعرض الفكرة، ثم جاءت جائحة كوفيد. والآن، تأتي نصف أعمالنا عبر تطبيقه".
طاولات فارغة وأرباح متآكلة بفعل حرب توصيل الطعام في الصين
برغم نمو "هات"، عندما بحث عباسي عن داعمين، لم يجد أي اهتمام تقريباً في القطاع العربي الإسرائيلي. قال عباسي الذي يتحدث بثقة هادئة سواء بالإنجليزية أو العبرية أو العربية: "إنهم يستثمرون في العقارات، وليس في الشركات الناشئة“.
من خلال سلسلة علاقات، تمكن من التواصل مع يهود إسرائيليين في تل أبيب، حيث الإقبال على الاستثمار في التقنية أكبر بكثير. وقد أعجبوا به، وتسارعت عملية جمع التمويل، على حد قوله. وصف السير رونالد كوهين، المؤسس المشارك لشركة ”أباكس بارتنرز“ (Apax Partners) الذي تملك الذراع الاستثمارية لعائلته 9% من ”هات“، وتساعدها في جمع 20 مليون دولار للتوسع المخطط له، عباسي بأنه "أحد أفضل رواد الأعمال الذين قابلتهم في حياتي“.
يبرز عباسي، وهو اليوم متزوج وأب لثلاثة أطفال، كقدوة في مجتمع الأعمال العربي في إسرائيل كرائد أعمال وصاحب عمل ومقدم خدمات للفئات المهمشة وهو ما يزال في الثلاثينيات من عمره. حتى أنه ورد في كتاب مدرسي جديد يستخدمه الطلاب العرب المحليون لتعلم اللغة العبرية.
هوية حساسة
لكن، هويته الحساسة لكونه مواطن فلسطيني مسلم في إسرائيل. منذ هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر 2023 والحرب الوحشية التي أشعلها ذلك، ازدادت العلاقات اليهودية العربية توتراً عن المعتاد.
عندما حاول عباسي أن يتوسع خارجياً لأول مرة في المغرب، دعا منافسوه هناك المغاربة إلى مقاطعته، لأنه من إسرائيل (بغض النظر عن كونه عربي ومسلم مثلهم) فاضطر لإغلاق نشاطه هناك.
شركات ناشئة تنافس لتفكيك احتكار توصيل الطلبات في المغرب وسط تغييرات تنظيمية
قال إن خطوته الدولية التالية لن تكون في العالم الإسلامي، مشيرا إلى اليونان وألمانيا كاثنتين من مناطق النمو المحتملة التي يضعها في عين الاعتبار. ينظر عباسي إلى شركات تسبق ”هات“ - مثل ”رابي“ في أمريكا اللاتينية و“غراب“ في جنوب شرق آسيا - كدليل على سوق عالمية متنامية لخدمات توصيل الطلبات للمنازل، مثل طعام المطاعم والبقالة.
قال كوهين، المستثمر، إن ريادة الأعمال العربية حيوية لاندماج عرب إسرائيل في مجتمع ثلاثة أرباعه من اليهود. أضاف: "يجب أن يتضاعف أمثال حسن آلاف المرات في السنوات القليلة المقبلة"، معرباً عن رأيه بأن إسرائيل لا يمكن أن تزدهر إن لم تكن أقليتها الفلسطينية جزءاً من نجاحها.
قال عباسي: "هناك فجوات كبيرة بين الثقافتين اليهودية والعربية، ونحن نساعد على سدّ هذه الفجوات". وبين أن فريق عمل "هات" يضم مسيحيين ومسلمين ودروزاً ويهوداً، قائلاً: "بالطبع، هناك من يعارض هذا النوع من التعاون، لكننا نعتقد أن امتزاج الثقافات رائع".





