الكويت: هل يمنح الاستقرار السياسي مساحة للاقتصاد؟

أبراج الأعمال في العاصمة الكويت، الكويت
أبراج الأعمال في العاصمة الكويت، الكويت المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بغض النظر عن المعتقدات والمبادئ السياسية، فإن خبراء الاقتصاد من متابعي دول الخليج والشرق الأوسط سينظرون إلى الخطوة التي أقدم عليها أمير الكويت مؤخراً على أمل أنها قد تسهم في إنهاء المواجهات السياسية الدائمة بين الحكومة والبرلمان، والتي أدّت إلى تعطيل وتأخير الإصلاحات الاقتصادية في البلاد لسنوات.

لماذا؟ رغم الثروات الطبيعية الهائلة التي تتمتع بها الكويت (إحدى أكبر منتجي منظمة أوبك للبترول) فإن الخلافات المستمرة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أدّت إلى حالة من الجمود على صعيد التشريعات والقوانين اللازمة لتنمية القطاع غير النفطي، ودعم صلابة الاقتصاد بشكل عام في وجه تقلبات أسعار البترول والأزمات العالمية المختلفة. ويعود ذلك بشكلٍ أساس إلى أن أغلب تلك الخلافات انتهت عادةً بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة وتشكيل حكومة. وفي العديد من الأحيان، تأتي الانتخابات بنفس أعضاء المجلس القديم، وحكومة جديدة بالاسم فقط.

الكويت تشكل حكومة جديدة بعد حل البرلمان وتعليق الدستور

الخطوات التي أعلن عنها الأمير الأسبوع الماضي، والتي تمثلت في حل مجلس الأمة وتجميد العمل بالدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات تهدف إلى كسر هذه السلسلة من المواجهات. خلال هذه المدة، يتولى الأمير والحكومة مهام السلطة التشريعية، في الوقت الذي يجري العمل فيه على تعديل الدستور.

أثر الجمود التشريعي على النمو

ما هو أثر الجمود التشريعي والأزمات السياسية التي عانت منها الكويت على النمو؟ بالنظر إلى بيان صندوق النقد الدولي، يمكن بسهولة ملاحظة أداء اقتصاد البلاد مقارنة ببقية دول الخليج في ما يتعلق بتطوير القطاع غير النفطي.

أولا: بين عامي 2000 وحتى 2022، بلغ متوسط النمو الحقيقي (بعد احتساب التضخم) للأنشطة غير النفطية في الكويت 4.3% سنوياً، مقابل 5.3% في دول مجلس التعاون الخليجي. وبالنسبة لعامي 2024 و2025، يتوقع الصندوق نمو القطاع غير النفطي الكويتي 2% و2.5% على التوالي، مقابل 3.6% و 4.5% لدول مجلس التعاون.

صندوق النقد الدولي أصدر بياناً في ختام زيارة دورية للكويت يوم 9 مايو الحالي قال فيه إن المزيد من التأخير في تطبيق الإجراءات المالية والهيكلية قد يؤثر على ثقة المستثمرين ويعطل الجهود الرامية لتنويع الاقتصاد.

ثانيا: من أكثر المؤشرات المثيرة للاهتمام التي يصدرها الصندوق دورياً هي موازنة القطاع غير النفطي لدول المنطقة. تظهر البيانات أن متوسط العجز في الكويت بين عامي 2000 و2022 بلغ 70% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، مقابل نحو 44% لدول مجلس التعاون الخليجي.. ماذا عن توقعات 2024؟ تتوقع البيانات عجزاً بـ66.6% في الكويت مقابل 30% في السعودية و14% في الإمارات.

ولكن ما هي الإصلاحات الرئيسية التي ينتظرها الاقتصاديون وتوصي بها المؤسسات الدولية؟

يأتي على رأس هذه القائمة إصدار قانون جديد للدين العام يتيح للكويت الاقتراض عند الحاجة، وهو ما قد يساهم في حماية الاقتصاد من تقلبات أسعار البترول وأثرها على إيرادات الدولة. ونسب الاقتراض في الكويت منخفضة جداً (3% من حجم الاقتصاد مقابل نحو 30% لدول الخليج)، ما يعني أن هناك فرصة للاقتراض من الأسواق العالمية بأسعار ميسرة للغاية، إن استدعت الحاجة لتمويل الإنفاق الحكومي الذي تذهب نسبة كبيرة منه حالياً للدعم وسداد الرواتب.

الإجراءات الأخرى تتضمن قرارات قد تكون مثيرة للجدل داخلياً، مثل إعادة هندسة الدعم الحكومي لمنتجات الطاقة، وإقرار ضريبة القيمة المضافة لتحسين موارد الحكومة غير النفطية، وهي إجراءات اتخذتها بعض الدول الخليجية الأخرى بالفعل.

هذه التوصيات وغيرها لا تحمل شيئاً جديداً. هناك، بالطبع، إجراءات كثيرة أخرى يتمناها الجميع. ومعرفة الإجراءات لا تعني بالضرورة تطبيقها، كما لا تعني ضرورة تنفيذ كل ما يراه صندوق النقد الدولي أو خبراء الاقتصاد مهماً، لأن ظروف كل بلد قد تختلف عن الآخر. لكن التحديات التي تواجهها الكويت على المدى الطويل ليست مختلفة كثيراً عن بقية دول الخليج، بدايةً من تبعات التغير المناخي، إلى الاتجاه العالمي لتقليل الاعتماد على البترول كمصدر رئيسي للطاقة. هذا يجعل من الخطوات الأولى ضرورية لإرسال إشارات إيجابية حول المشوار الطويل لتحقيق نمو مستدام يحفظ للكويت مكانتها كأحد أهم اقتصادات الخليج والعالم العربي.


علاء شاهين صالحة صحفي وكاتب لبناني يشغل منصب مدير أكاديمية SRMG للتدريب، وشغل منصب مدير تحرير الاقتصاد الأوروبي في بلومبرغ.

ttps://x.com/AlaaShahine