لعبة قط وفأر بين شركة تصفية إيرلندية وطائرات روسية

أصدرت محكمة إيرلندية حكماً يسمح للمقرضين وضع أيديهم على أصول فرعي شركة روسية في إيرلندا

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يكرس موظفو شركة "تينيو" (Teneo) الاستشارية جل وقتهم لمراقبة مواقع تتبع الرحلات الجوية من مكاتبها في لندن ودبلن، لترصّد الطائرات التي تغادر روسيا نحو وجهات قد تكون سلطاتها المحلية أكثر قابلية لحجز الطائرات وتسليمها.

تعود ملكية الطائرات المعنية إلى الوحدات الأوروبية التابعة لإحدى شركات تأجير الطائرات الروسية، إذ تعمل "تينيو" لصالح مقرضين يقولون إنها تدين لهم بنحو ملياري دولار. قالت "تينيو": "نحن نتخذ كافة الخطوات الممكنة من أجل استرجاع المال".

عينت محكمة في دبلن العام الماضي عضوين في فريق "تينيو" كقيّمين على تصفية شركتي "جي تي إل كي يوروب" (GTLK Europe) و"جي تي إل كي يوروب كابيتال" (GTLK Europe Capital)، وهما فرعان في إيرلندا تابعان لشركة "ستيت ترانسبورت ليسينغ" (State Transport Leasing) التي تملكها حكومة روسيا، والمعروفة أكثر باختصار اسمها بالأحرف الكريلية "جي تي إل كي" (GTLK) وهي متخصصة بشراء الطائرات التجارية والسفن والشاحنات والقطارات وتأجيرها إلى شركات الطيران والشحن.

اقرأ أيضاً: طائرات روسيا تحلّق عالياً رغم العقوبات

تأثير العقوبات

مثل كثير من كبريات شركات روسيا، أنشأت "جي تي إل كي" الوحدتين بهدف جمع الأموال من خلال سندات مقوّمة بالدولار، مستغلة مكانة إيرلندا كمركز للشركات الأجنبية لإصدار الدين.

ولكن على عكس كثير من الشركات الأخرى، كانت الكيانات الإيرلندية التابعة لشركة "جي تي إل كي" أكثر من مجرد واجهات لبيع السندات. فقد كانت تملك أيضاً العقود التي تستند إليها صفقاتها لتأجير الطائرات والسفن إلى شركات طيران مثل "إيروفولت" و"إيزي جيت" و"طيران الإمارات".

قال ماكسيميليان هيس، مؤسس الشركة الاستشارية "إنميتينا أدفيزوري" (Enmetena Advisory) إن "(جي تي إل كي) استثنائية لأنها تمتلك أصولاً خارج روسيا، ما قد يمكّن المقرضين من المطالبة باستعادة بعض الأموال، فيما فرص استعادة أي أموال داخل روسيا تكاد تكون معدومة".

بالإجمال، تدين الشركتان للمقرضين الغربيين بأكثر من 1.7 مليار دولار، أي ما يوازي نحو نصف دين "جي تي إل كي" الأجنبي، فيما تدين بالباقي لمواطنين روس.

منذ الحرب التي قادها رئيس روسيا فلاديمير بوتين على أوكرانيا عام 2022، والشركات الروسية التي لا تزال تسدد فوائد وأصول دين على سنداتها تدفع الأموال بالروبل حصراً وإلى حسابات داخل روسيا، فيصعب على الأجانب بلوغها دون انتهاك العقوبات المفروضة على روسيا. بالتالي، باع كثير من المستثمرين سنداتهم بخسائر فادحة، محاولين استرجاع ما أمكن من أموال. وقد حقق الوسطاء في دول ليست على خلاف مع روسيا مثل أرمينيا وكزاخستان والإمارات أرباحاً طائلة من تداول هذه الديون.

وجدت شركة "أتيستور" (Attestor) الصغيرة في لندن والمتخصصة بالأصول المتعثرة فرصة لها في عمليات التصفية. وسرعان ما اشترت سندات صادرة عن "جي تي إل كي" في إيرلندا، على اعتبار أن لدى الشركتين الفرعيتين أصولاً منتشرة حول العالم يمكن الاستحواذ عليها وبيعها في حال التخلف عن السداد.

اقرأ أيضاً: شركات طيران روسية تدرس نقل مقراتها إلى تركيا لتفادي العقوبات

حكم قضائي بالتصفية

وهذا بالضبط ما حصل. برغم أن "جي تي إل كي" حوّلت أموالاً من روسيا لخدمة السندات، فإن المستثمرين لم يتلقوا أياً من هذه الأموال، إذ رفض مصرف "جي بي مورغان" الذي تتعامل معه الشركة الروسية في دبلن الحوالات على خلفية الالتزام بالعقوبات. بالتالي، تخلفت "جي تي إل كي" عن تسديد الدين في 2022، ما دفع "أتيستور" ومقرضين اثنين آخرين لطلب التسديد الفوري لـ175 مليون دولار مستحقة عام 2029. وحين لم يتلقوا أي أموال، طالبوا بتصفية الشركتين.

وافقت المحكمة العليا في إيرلندا على قرار التصفية في مايو، وأصدرت حكماً اعتبرت فيه أن الشركتين غير قادرتين على تسديد ديونهما، ولم تعودا عاملتين، ولا تستطيعان الامتثال للعقوبات الدولية. جاء في حكم القاضي مايكل كوين في يونيو أن القيمين على عمليات التصفية عليهم "الحفاظ على أصول الشركة وبيعها لصالح المقرضين".

طعنت "جي تي إل كي" في روسيا بقرار المحكمة الإيرلندية تعيين قيّمين على التصفية، واعتبرت أنه يجب تسجيل الشركة الأم في موسكو على أنها المالكة القانونية لأصول الوحدات الأوروبية بموجب اتفاقات خاضعة للقانون الروسي. إلا أن محكمة إيرلندية رفضت هذه الذريعة في ديسمبر، فيما استأنف محامو "جي تي إل كي" القرار. ولم تستجب "جي تي إل كي" لطلب التعليق.

اقرأ أيضاً: موجة مطالبات تأمينية من شركات الطيران بعد استيلاء روسيا على الطائرات

بيع طائرات وسفن

يحدد الحكم الصادر عن المحكمة العليا في إيرلندا الأصول التي تملكها تابعات "جي تي إل كي" التي يمكن بيعها أو تأجيرها لتعويض المقرضين، وتضم 70 طائرة و19 سفينة مع 21 عقد إيجار في 13 دولة. تمكن المحققون في "تينيو" حتى الآن من تتبع 30 طائرة في أكثر من 12 دولة، بينها الصين وقطر وإسبانيا والولايات المتحدة. كما حددوا ثلاث سفن سياحية قطبية، إحداها راسية في الأورغواي، واثنتان بيعتا فيما كانتا قيد البناء في ميناء هلسنكي قبل تعيين القيّمين على التصفية، وحصل المقرضون على حصة من عوائد البيع. كما هناك مبلغ نقدي لا تُعرف قيمته في حسابات إيرلندية.

اقرأ أيضاً: غموض حول مستقبل طائرات مستأجرة قيمتها 10 مليارات دولار في روسيا

سعى القيّمون على التصفية لاسترداد قيمة الطائرات والسفن التي لا تزال في روسيا من خلال الانضمام إلى قضية مرفوعة في لندن ضد الشركات الضامنة التي لديها عقود تغطي أصولاً بقيمة 2.4 مليار دولار بحوزة "جي تي إل كي".

ستبدأ "تينيو" في النصف الثاني من العام بيع الطائرات والسفن التي تمكنت من وضع يدها عليها، إلا أن توزيع العوائد لن يبدأ على الأرجح إلى أن تحدد الشركة بشكل دقيق المبالغ المستحقة لكل طرف.

تعليقاً على ذلك، قال رواري رين، الشريك في شركة المحاماة "ويليام فراي" الذي عمل على القضية إن قرار المحكمة "يقدم حلاً ويفتح مساراً لاسترداد المقرضين الدوليين ومن طرف ثالث أموالهم التي لم تكن تُدفع لهم... من عدة جوانب، أتت التصفية كحل قديم لمشكلة جديدة".