كيف يتحدى محترف مدير صناديق تحوط تسعيني التقدم في السن؟

مدير صناديق التحوط التسعيني إدوارد ثورب يتحدث عن خبرته عن التمارين والنظام الغذائي وإدارة مخاطر الحياة

يمارس ثورب التسعيني تمرين العقلة في منزله
يمارس ثورب التسعيني تمرين العقلة في منزله المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اكتسب أستاذ الرياضيات ومدير صناديق التحوط إدوارد ثورب شهرة كبيرة في بداية ستينيات القرن الماضي، حين كشف لقرائه عن أفضل طرق التفوق على الكازينوهات في لعبة بلاك جاك.

وتضمن كتابه "بيت ذا ديلر" (Beat the Dealer) منهجية مبتكرة في حساب أوراق اللعب، ودليلاً إرشادياً لممارسة لعبة روليت وما شابه ذلك من ألعاب.

كما ابتكر عدداً من الاستراتيجيات الكمية التي ما تزال معتمدة حتى يومنا هذا في صناديق التحوط، فيما حسن بعضها الآخر. على مدى ثلاثة عقود حققت صناديق التحوط التي أدارها عوائد سنوية بنسبة 20%، لم يتخللها إلا أشهر قليلة من خسائر طفيفة.

لكن ما لا يُعرف عن ثورب أنه كرّس كثيراً من مواهبه للصحة وإطالة العمر، بقدر ما كان يركز على الأسواق والتفوق على الكازينوهات. فالرجل الذي بلغ اليوم 91 عاماً من العمر ما يزال يتمتع بصحة جيدة ونشاط ملفتين. برغم أنه ما عاد يشارك في الماراثونات أو يرفع أثقالاً كبيرةً، فهو ما يزال يمارس رياضية المشي ويتدرب في صالة رياضة بانتظام. وزنه 70 كيلوغراماً، ولم يزد إلا كيلوغراماً واحداً عمّا كان عليه حين بلغ من عمره 17 عاماً، وهو يستطيع أن يؤدي تمرين العقلة مرتين، وتمرين الضغط 15 مرة، كما يحلل الدراسات العلمية ويدير نظامه الصحي بعناية.

حاولنا خلال جلسة جمعتنا مع ثورب استخلاص حكمته في هذا المجال. وقد صيغت إجاباته بتصرف لغرض البيان والإيجاز.

اقرأ أيضاً: إكسير الشباب.. جديد رحلة رجل مهووس بإطالة العمر

كشف كتاب (Beat the Dealer) الصادر عام 1962 لثورب عن نظام لعدّ الأوراق يساعد القراء على هزيمة الكازينوهات في لعبة بلاك جاك
كشف كتاب (Beat the Dealer) الصادر عام 1962 لثورب عن نظام لعدّ الأوراق يساعد القراء على هزيمة الكازينوهات في لعبة بلاك جاك المصدر: بلومبرغ

نُقل عنك القول: "هزمت الكازينو وهزمت السوق وسأهزم سنّة الحياة"، هل هذا صحيح؟

أظنّ أنني قلت شيئاً مشابهاً، ولكن ربما الأجدى أن أصحح ذلك والقول "سأؤجل سنة الحياة قدر المستطاع".


ما النهج الذي تتبعه لإطالة العمر؟

هدفي أن أعيش حياة طويلة على أن تكون صحية ومنتجة أيضاً، لا أن أعيش في مكان أتلقى فيه رعاية دائمة.

أنظر إلى ذلك على أنه ينقسم إلى جزئين، الأول طابعه دفاعي حيث عليك أن تحدّ من فرص وقوع مصائب، وذلك من خلال التخلص من مواقع الضعف، إذ لا يتطلب الأمر أكثر من نقطة ضعيفة واحدة لتقضي عليك، مثل الإدمان على الكحول أو التعرض لحادث مروّع خلال ممارسة التزلج.

يمكن للمرء إذاً أن ينظر إلى الطيف الواسع من المخاطر، أي الأشياء التي تتسب بالموت، ويحاول الحدّ من التعرض لها. مثلاً، يمكنك الحدّ من خطر الإصابة بأمراض القلب الوعائية من خلال الانتباه إلى ما تأكله والتمارين التي تمارسها والخضوع إلى فحوصات دورية حتى تعالج المشاكل التي قد تصيبك قبل أن تتفاقم.

يمكنك مراجعة قائمة العوامل الأكثر تسبباً بالوفيات لترى أيها تحتاج لأكبر قدر من الانتباه. هذا ما أفعله، وهو ما يقود إلى دفاع استباقي، مثل الخضوع للفحوصات الدورية أو تلقي اللقاحات وإدارة المخاطر الإجمالية.

على صعيد الهجوم، الرياضة هي العصا السحرية، والدليل على ذلك هو أنك إذا مارست الرياضة باعتدال، سوف تزيد عشرات السنوات لأمد حياتك المتوقع. كما تكسب سنوات إضافية من الصحة الجيدة لأنك ستؤجل السنوات التي يبدأ فيها الشعور بالوهن لما تبقى من حياتك.

اقرأ أيضاً: ينفق مليوني دولار سنوياً على النضارة.. والآن يأخذ من دم ابنه

يمارس ثورب التمارين الهوائية وتمارين التقوية
يمارس ثورب التمارين الهوائية وتمارين التقوية المصدر: بلومبرغ

تبرز أيضاً مسألة المرونة، وهي أمر لم يفكر به كثير من الناس، وأنا منهم. لكن هذا أمر مهم جداً لأنك تفقد المرونة فيما تتقدم في السنّ، ومعها تفقد كثيراً من الأمور الأخرى. فتخسر قدرتك على الحركة وعلى التوازن، ويصبح كلّ ما تقوم به أخطر. إن نسبة عالية من المسنين يموتون نتيجة سقطات.

لذا تمارين الرياضية تنقسم إلى جزئين، التمارين الهوائية وتمارين القوة. أخصص بعض الوقت للمشي أو للمشي السريع من حين إلى آخر، كما أقضي أيضاً بعض الوقت في النادي الرياضي لتقوية العضلات، بالأخص عضلات وسط الجسم. يمكنني القيام بتمرين العقلة مرتين والضغط و15 مرة. هذا ليس بكثير، ولكنه جيد جداً بالنسبة لشخص بلغ من العمر 91 عاماً.

هناك أيضاً مسألة النظام الغذائي، فالطعام الذي تتناوله يحدث فرقاً كبيراً. النظام الغذائي الأميركي التقليدي ليس جيداً، فالناس يزدادون سمنة، مع ما يترافق ذلك من أمراض ناجمة عن زيادة الوزن. كان وزني 69 كيلوغراماً حين بلغت من العمر 17 عاماً، والآن وزني 70 كيلوغراماً. كيلوغرام واحد خلال أكثر من 70 سنة أمر جيد، ربما إذا عشت 70 سنة إضافية، قد أكسب كيلوغراماً آخر. (يعلّق ضاحكاً).


كيف تعلم أنك بلغت مرحلة الاستفادة القصوى من تمرين رياضي أونظام غذائي وبدأت بالتراجع؟

كنت أشارك في ماراثون واحد في السنة وأتدرب على الركض لحوالي سبع ساعات في الأسبوع. كنت أمارس أيضاً رياضات أخرى مثل لعب كرة المضرب ورفع الأثقال، يمكن القول إن هذا أكثر من كاف. ربما لو توقفت عند سباق 5 إلى 10 آلاف متر، لكان لا بأس بذلك. وبالطبع تسبب ذلك في تعرضي لأضرار الشمس أكثر، لذا على الأرجح تجاوزت نقطة الاستفادة القصوى.


بكم ماراثون شاركت، وما هو أفضل وقت سجلته؟

لقد شاركت في 22 سباقاً. وأفضل وقت كان ثلاث ساعات و14 دقيقة، وهذا يؤهلك لماراثون بوسطن. كان سني حينها 47 عاماً.

اقرأ أيضاً: أربعيني يدفع مليوني دولار سنوياً ليرجع بعمر جسده ربع قرن


ذكرت حتى الآن الرياضة وتمارين التمدد والنظام الغذائي وتجنب المخاطر. ماذا عن المكملات؟

أتناول ربما أربعة إلى خمسة مكملات غذائية. من الأمور التي استفدت منها كثيراً قبل 25 عاماً كان اختبار كثافة العظام الذي خضعت له أنا وزوجتي، إذ اكتشفنا أنني مصاب بانخفاض كثافة العظام، فيما كانت هي مصابة بهشاشة العظام.

لذا تناولنا "فوساماكس" (Fosamax) ثم "بونيفا" (Boniva) لثلاث سنوات، وأسهم ذلك بتغيير ملحوظ. تدرجت خلال السنوات العشرين الماضية من تناول "بونيفا" و"فوساماكس" إلى تناول مكملات الكالسيوم والمغنيزيوم والفيتامين (K) والفيتامين (D)، وقد حصلت على نتيجة مذهلة وتمكنت من حلّ هذه المشكلة بنجاح.

"فيناستيريد" (Finasteride) مكمّل غذائي جيد آخر أتناوله لمعالجة تضخم البروستات. وهذا دواء رائع لأنني منذ بدأت في تناوله لاحظت أن تساقط شعري توقف، وأنا على هذا الحال منذ أكثر من عقدين.


ماذا عن العلاجات الغريبة، مثل نقل الدم؟

أعتقد أن هذا مجال بحثي لتحديد العوامل النافعة في دم الشباب، ثمّ لمحاولة تصنيعها. حين يبدو علاج ما واعداً جداً وبه كثير من النقاط الإيجابية، أحاول تقييم ما إذا كانت له سلبيات. وفي حال وجدت أن له كثيراً من الجوانب السلبية، أنتظر وأدع أشخاصاً آخرين يخوضون التجربة.

لست تحت الضغط لتجربة أمور قد لا تنفع لأنني في وضع جيد الآن. لو كنت في حالة سيئة، لربما كنت اضطر للمخاطرة بعض الشيء لتحسين وضعي.

يقول ثورب إنه يعتمد الفلسفة نفسها لإدارة المخاطر في المجال المالي كما في حياته الخاصة
يقول ثورب إنه يعتمد الفلسفة نفسها لإدارة المخاطر في المجال المالي كما في حياته الخاصة المصدر: بلومبرغ

هل تقوم بتجاربك بنفسك أم تعتمد على النصيحة الطبية؟

هذا سؤال مهم جداً لأن هناك فيض من المعلومات، لكن جودتها تتفاوت ما بين سيئة جداً وممتازة.

لذا في البداية، على المرء أن يحلل بنفسه، فلا يمكنك أن تقبل ببساطة كلّ ما تقرأه. أغلب الناس يخطئون حين يقبلون بالمرجعية ويصدقون ما يقال، حتى لو لم تكن البحوث خاضعة لتدقيق ملائم ومنفذة بشكل صحيح.

أحاول الالتزام بالأمور التي تجتمع الأدلة على منفعتها. مثلاً بالنسبة للتدخين، أتذكر في الثمانينيات أنني كنت ذاهباً لمقابلة خبير الرياضيات ومدير صناديق التحوط جيم سيمنز لأجتمع به كي أقرر ما إذا كنت سأضيفه إلى صندوق رئيسي. ولكن غيرت رأيي ولم أذهب لأنني علمت أنه يدخن خلال الاجتماعات ولم أرغب بالتعرض للتدخين.

لم يكن ذلك مهماً في بداية الثمانينيات لأنه كان يخسر المال آنذاك، ولم ينقلب حاله حتى قرابة عام 1989 حين لم أعد أبحث عن أشخاص جدد. هو رجل ذكي جداً، ولكنني مندهش لأنه استسلم إلى مثل هذا الإدمان. على فكرة، هذه إحدى المخاطر التي أحاول تجنبها، وأعني بذلك كافة مسببات الإدمان. (ملاحظة من المحرر: لم تتمكن بلومبرغ من التواصل مع سيمنز لطلب تعليقه).


ماذا عن الأمور التي يمكن للناس شراؤها؟

لديّ ساعة "أبل" وخاتم "أورا" أحبهما كثيراً. مواصفاتهما جيدة جداً ويسهل استخدامهما. أجد العوامل المتداخلة التي تؤثّر على النتائج متشابكة ومربكة قليلاً. فإذا عدّلت أحد المتغيرات، لا يؤدي لك بالضرورة إلى تعديل واضح في المتغيرات التي تُسجّل خلال نومي في الليل.

لذا مثلاً إذا تناولت وجبة دسمة في إحدى الليالي، ربما أنام جيداً. ولكن في ليلة أخرى، قد أتناول وجبة دسمة تفسد نومي. رغم أن البشر تجمعهم كثيراً من الأمور المشتركة، إلا أن لنا قدراً كبيراً من التنوع الفردي. فما يناسب شخصاً ما وينفعه، قد لا ينفع ولا يناسب شخصاً آخر. عليك أن تكتشف خصوصياتك وكيفية التعامل معها.

يوجد كتاب يتناول هذه الأمور اسمه (Outlive) من تأليف بيتر عطية، أتفق تقريباً مع كلّ ما يرد فيه. في الواقع تعرف زوجتي عن هذه الأمور أكثر مني، هي ذكية جداً، وقد درست علم الأحياء الجزيئية، وعملت في المجال الطبي لسنوات طويلة، لذا أذهب لأسألها عند الحاجة.


ما الأخطاء التي ارتكبتها؟

ارتكبت خطأين. الأول كنت أتمنى لو أنني عرفت عن مسألة سرطان الجلد الناجمة عن التعرض لأشعة الشمس في وقت أبكر وبوضوح أكثر. تعرضت لأشعة الشمس كثيراً، صحيح أنني حظيت ببشرة جيدة من الناحية الوراثية، لكن لا شكّ كانت لتكون أفضل بكثير لو لم أتعرض إلى هذا القدر من أشعة الشمس وكنت أكثر حذراً حيال تعرضي لها.

الأمر الآخر أنني كنت أبالغ في التمارين الرياضية، فالأمور السيئة التي تعرضت لها جررتها على نفسي. مثلاً أصبت بانفتاق قرص فقري بسبب ممارستي لرفع الأثقال. وخلال الركض، تعثرت وسقطت ذات مرة فانكسر مرفقي وانفصل أحد أربطة العضلة ثلاثية الرؤوس العضدية، فاضطررت لعملية جراحية وقضاء فترة تعافي طويلة.


هل كان للشؤون المالية والمقامرة أي تأثير على طريقة تفكيرك حيال إطالة أمد الحياة؟

أعتقد أن إدارة المخاطر في المجال المالي تمتد إلى إدارة المخاطر الحياتية. مثلاً، خطر الموت بحادث سير في الولايات المتحدة يبلغ 0.01% في السنة (أي واحد من كل 10 آلاف)، لكن ذلك يعني أن الخطر يبلغ 0.8% خلال أمد الحياة. بالتالي، هذا خطر يمكنك التفكير به واحتسابه وإدارته، من خلال مثلاً احترام القوانين، والتنقل لمسافات قصيرة بدل المسافات الطويلة، وقيادة سيارات آمنة بدل السيارات الخطرة وما إلى ذلك. هكذا، يمكنك أن تخفض الخطر إلى النصف إن لم يكن أكثر.


دائماً ما تؤكد كتبك عن الأسواق ولعبة بلاك جاك على أهمية أن تكون لك أفضلية. هل لك ذلك فيما يخص صحتك؟

أحاول أن أكون طبيب نفسي قدر الإمكان. غالباً من أعرفهم ممن يعانون مشاكل لا يتمتعون بهذه القدرة. فهم لا يستشرفون ولا يفهمون كيف يساعدون أنفسهم. يعتقدون أن الآخرين سيحلون مشاكلهم. كثير يظنون أن هنالك عصا سحرية، فيعتقدون أن بإمكانهم تناول قرص دواء فتتحسن الأمور، لكن هذا الأمر لا ينفع. أعرف شخصاً خضع لجراحة تصغير المعدة. كان سميناً جداً والآن نحف كثيراً لكنه يعاني من مشاكل هضمية شتى.

لذا يمكن القول أن لدي أفضلية بما أنني أحاول التفكير بالأمور بنفسي، فأنظر إلى الأدلة التجريبية وأدير المخاطر وأعمل بجد لأقوم بالتغييرات اللازمة. فمن بعض النواحي، لا يختلف الأمر كثيراً عن الكازينوهات والأسواق.