بيتر ثيل ما يزال يتمنى أن يختفي دونالد ترمب

مساعي نخبة قطاع التقنية للاستفادة من الشعبوية اليمينية لم تحقق مرادها

بيتر ثيل يستمع إلى دونالد ترمب خلال اجتماع مع قادة صناعة التقنية في برج ترمب في نيويورك في عام 2016
بيتر ثيل يستمع إلى دونالد ترمب خلال اجتماع مع قادة صناعة التقنية في برج ترمب في نيويورك في عام 2016 المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بقلم: Max Chafkin

اجتمع دونالد ترمب ورجل الأعمال بيتر ثيل في نهاية 2016 بأقطاب قطاع التقنية، ومنهم تيم كوك من "أبل" وإيلون ماسك من "تسلا" ولاري بيج من "غوغل" وجيف بيزوس من "أمازون". شكر الرئيس المنتخب آنذاك ثيل على ما قدمه من دعم أمام الحاضرين، ثم تناول يده بشماله وربت عليها بلطف بيمينه ثم رفعها عن مستوى الطاولة في حركة من قبيل المصافحة قد توحي بالمودة أو بالانتصار.

إلا أن عهد ثيل كمستشار لترمب لم يدم طويلاً، ثم انتهت ولاية الرئيس السابق بفضيحة، دفعت ثيل وغيره من داعمي ترمب الأوائل للنأي عنه بعد مسعيين لعزله ومحاولة انقلاب فاشلة على خلفه. لكن بعد مضي سبع سنوات على ذاك الاجتماع في برج ترمب، يبدو أن رجل الأعمال المتمرّد على السائد لا يزال عالقاً في زمن تلك المصافحة الغريبة. حاول ثيل لسنوات مع بعض أقرانه التسويق لفكرة "النهج الترمبي ما بعد ترمب"، متبنين الشعبوية المثيرة للجدل التي ميّزت الرئيس السابق، فيما سعوا للابتعاد عن صاحبها.

ترمب وثيل في برج ترمب
ترمب وثيل في برج ترمب المصدر: بلومبرغ

ترمب يتصدّر

لطالما أثيرت شكوك حول نجاعة هذه الفكرة نظراً للشهرة الواسعة التي يتمتع بها ترمب، وتزداد هذه الشكوك يوماً بعد يوم. فقد أخفق مرشحون يماهون ترمب ويطرحون أنفسهم كبدلاء باستقطاب الناخبين من الرئيس السابق في السباق الرئاسي لعام 2024، وكان منهم حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، والحاكمة السابقة لجنوب كارولاينا نيكي هيلي، التي تنتقد ترمب بحدة. يتصدّر ترمب ترتيب المرشحين الجمهوريين بأكثر من 50% من الأصوات، حسب استبيانات الرأي، ويبدو أنه سيفوز بترشيح الحزب بسهولة حتى دون دخول أي مناظرة.

في ظل ترجيح ترشيح ترمب واحتمال فوزه بولاية رئاسية جديدة، غيّر ثيل توجهه. قال في مقابلة مع "ذا أتلانتيك" نُشرت حديثاً إنه لن يتدخل في انتخابات 2024، ولن يقدّم مساهمات لأي حملة، إلا أنه استدرك بأن "هناك دائماً احتمال أن أغيّر رأيي"، وبين أنه قرر إجراء هذه المقابلة كي يصعب عليه أن يغير رأيه.

أشارت المجلة إلى أن ترمب قد وصف ثيل بـ"الحقير" بسبب تردده بالتبرع لحملته. مع ذلك، بقي ثيل حذراً في ردّة فعله، ففي حين قال إن رئاسة ترمب كانت "أكثر جنوناً" و"أخطر" مما كان يتوقع، إلا أنه رفض تحميل الرئيس السابق مسؤولية أي إخفاقات بعينها. أما سبب ذلك، فهو الخشية حسب تعبيره، فقد قال "أشعر بقدر من خيبة الظن... ولكن أن أضحّي به؟ يعني ذلك أن السيد ترمب سيصيح بي".

"بيتر ثيل" تلاعب بـ"ترمب" وبالنظام الديمقراطي ليحقق المليارات دون دفع ضرائب

النهج أم صاحبه

يبدو إقرار ثيل، الملياردير الذي يجوب العالم ولا يخشى من قول الحقيقة، أنه يخشى التقريع خروجاً عن الواقع. فكما جاء في كتابي (The Contrarian)، وهو سيرة ثيل الذاتية، أنه رجل أعمال معروف باستفزازاته العلنية. لقد كتب في 2009 أنه ما عاد يؤمن بالديمقراطية، وفي 2019، رأى أنه ينبغي أن تستجوب وكالة الاستخبارات الأميركية المديرين التنفيذيين في "غوغل". كما أنه وصف المستثمر وارين بافيت العام الماضي بأنه "الجدّ المعتل اجتماعياً من ولاية أوماها"، لذا فإن موقفه المستوحى من شخصية "هاملت" حيال ترمب أمر مستغرب وذو دلالة، فهو ينبئ بمعضلة سياسية لا تقتصر على ثيل بل تمتد إلى قطاع كامل اعتقد أنه قادر على استغلال شعبية ترمب وإعادة توجيهها نحو شعبوية صديقة لقطاع التقنية. لكن كلما اقتربنا من 2024، تزداد سخافة هذا الطرح.

يسهل أن نرى لم قد ببدو "النهج الترمبي ما بعد ترمب" منطقياً لنوع معين من المستثمرين أصحاب الأفكار غير المفهومة. صحيح أن ترمب اعتاد مهاجمة الرؤساء التنفيذيين لشركات التقنية، وأنه كان يدرجهم في قائمته المعتادة من الفاشلين والأعداء، التي تضم وسائل الإعلام والديمقراطيين والجمهوريين غير الموالين له، ولكن إذا ما تجاهلت خطاباته، ونظرت إلى السوق، فسترى أن كبرى شركات وادي السليكون كانت تعيش فترة ازدهار وارتفعت أسهمها وأرباحها. لقد كانت طابعة النقد نشطة، ورغم تباهي ترمب بشنّ حملة على قطاع التقنية، إلا أن الرؤساء التنفيذيين الذين شاركوا في ذلك الاجتماع في برج ترمب، تُركوا وشأنهم بشكل عام.

لقد أُعفي جهاز "أيفون" من "أبل" من الحرب التجارية، وتخطت "فيسبوك" شكاوى لانتهاك الخصوصية ونشر معلومات مضللة دون أن تضطر لإجراء تغييرات كبرى على طريقة عملها، فيما قاد الرأسماليون المغامرون بكل سرور المستثمرين نحو سيل لا متناهٍ من العملات المشفرة المشكوك بأمرها، بلا أي اعتراض يذكر من الهيئات الناظمة الأميركية.

في غضون ذلك، كان ترمب يسوّق لمواقف مستهجنة لطالما لقيت شعبية في أوساط ثيل ودائرته الداخلية، منها الاعتقاد بأن التهديد الأكبر على المجتمع ناجم عن الأصوات المطالبة بمزيد من التنوّع العرقي والجنوسة، الذي يصفه إيلون ماسك اليوم بـ"الفيروس الدماغي" الذي جلبته اليقظة ضد التحيز التي تعرف باسم "ووك".

ارتفاع تكلفة المعيشة يدعم ترمب في ولايات أميركية متأرجحة

دعم الشعبوية اليمينية

تلقف ثيل وأقرانه هذا التوجّه من خلال احتضان الشعبوية اليمينية. وفي حين لم يتبرع بأي أموال لصالح حملة ترمب في 2020، إلا أنه أنفق مئات ملايين الدولارات خلال الدورات الانتخابية عام 2022 لدعم عدد من المرشحين، ومنهم جي دي فانس في أوهايو، وبلايك ماسترز في أريزونا، وكلاهما طرح نفسه على أنه ترمبي يشكّك بنتائج انتخابات 2020 الرئاسية ويؤيد بناء جدار حدودي.

كان المؤسس الشريك لمجموعة "أوراكل" لاري إيليسون دعم في البداية ترشح عضو مجلس الشيوخ عن جنوب كارولاينا تيم سكوت للانتخابات الرئاسية لعام 2024، فيما أيّد ماسك وديفيد ساكس، زميلا ثيل السابقان في "باي بال"، المرشح ديسانتيس.

ظهرت هذه الأفكار في قطاع الأعمال أيضاً، فقد استثمر ثيل في منصة الفيديو "رامبل" (Rumble) لـ"حرية التعبير" وموقع "رايت ستَف" (Right Stuff) للمواعدة الخاص بالمحافظين، الذي أسسه جون ماكنتي مساعد ترمب. ظهر أيضاً مفهوم الترمبية ما بعد ترمب في مقال بعنوان "بيان التفاؤل التقني" الناضح بفكر آندي راند بقلم رجل الرأسمال الجريء مارك أندريسين. ويبدو أن هذا المفهوم يفسّر كل ما قام به ماسك لتحويل "تويتر" إلى غرفة صدى خالية من كل القواعد تكاد تقتصر منفعتها على تبيان أي نظرية مؤامرة هي الرائجة حالياً.

واضح أن أياً من هذه المحاولات لم ينجح، إذ إن "تويتر" التي غيّر ماسك اسمها ليصبح "إكس" فقدت كثيراً من قيمتها، فيما انخفض سعر سهم "رامبل" بأكثر من 50% خلال الأشهر الـ12 الماضية، ويعاني موقع "رايت ستَف" في استقطاب النساء، كما أثار مقال "بيان التفاؤل التقني" استياء بعض أبرز حلفاء أندريسين. وفي حين فاز فانس بعضوية مجلس الشيوخ، خسر ماسترز في انتخابات المجلس لعام 2022، وتعرّض لضغوط للانسحاب من السباق الانتخابي لعام 2024 بما أن ترمب يفضّل أحد الموالين الآخرين له وهي كاري ليك. (ترشّح ماسترز لمجلس النواب بدل ذلك). وقد أنهى سكوت حملته الانتخابية قبل بدء الإدلاء بأي صوت، فيما يفقد ديسانتيس كثيراً من الدعم.

ترك ذلك كله وادي السليكون ليجد نفسه إما تحت القواعد الناظمة المشدّدة التي يؤيدها جو بايدن ومسؤولون في إدارته مثل رئيسة لجنة التجارة الفدرالية لينا خان، أو متعرضاً للتقلبات الشرسة للمرشح الجمهوري المحتمل. قد يشرح ذلك السبب الذي يدفع ثيل لإعطاء نفسه هامشاً من المرونة للتراجع عن تعهده بعدم التبرع لحملة ترمب في 2024. صحيح أن قادة وادي السليكون ما عادوا بمتناول يد المرشح بسهولة، إلا أنه قد يواصل محاولاته للتحكم بهم، وثيل لن يمنعه.