تعكف شركات كورية جنوبية على إعادة النظر في حملتها لاستثمار 54 مليار دولار لبناء مصانع بطاريات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، وسط مخاوف من أن يلغي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الإعفاءات الضريبية المخصصة للسيارات الكهربائية.
ذكر أشخاص مطلعون، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لحساسية الموضوع، أن بعض الشركات الكورية الجنوبية أبطأت أو علّقت العمل في بعض مشاريع بناء المصانع خشية انخفاض الطلب على السيارات الكهربائية، والخطوات ذات العلاقة التي قد يتخذها ترمب عند توليه مقاليد الحكم في الولايات المتحدة.
وفي إفصاح خلال سبتمبر، أشارت شركة "بوسكو فيوتشرز إم" ( Posco Future M)، التي تُصنع أقطاب البطاريات (cathodes) لصالح شركة "جنرال موتورز" إلى أنها بصدد تأجيل استكمال مصنعها في كيبيك بسبب "ظروف محلية".
على الرغم من أن ثمة شركات لم تتخذ أي إجراء بعد، فالكثير منها يساوره "القلق" بشأن مدى خفض ترمب للحوافز الحكومية لسوق السيارات الكهربائية، وفقاً لما قاله كيني كيم، الرئيس التنفيذي لشركة "إس إن إي ريسيرش"( SNE Research)، للأبحاث في سيول التي تركز على شركات صناعة البطاريات الكورية.
هل يلغي ترمب دعم مشتري السيارات الكهربائية؟
لطالما انتقد ترمب جهود الرئيس جو بايدن لدعم السيارات الكهربائية من خلال قانون الطاقة الشهير "قانون خفض التضخم". وتتطلع الإدارة الأميركية القادمة إلى تخفيف متطلبات كفاءة الوقود، ووفقاً لتقرير نشرته "رويترز" الشهر الماضي، فقد تلغي أيضاً الائتمان الضريبي الأساسي البالغ 7500 دولار للمستهلكين.
من شأن وقف إنفاق مئات المليارات من الدولارات على الدعم والإعفاءات الضريبية وغيرها من الحوافز أن يشكل تهديداً لعشرات الآلاف من الوظائف في الولايات المتحدة ويقوّض سنوات من العمل لتحويل سلسلة التوريد العالمية للسيارات الكهربائية بعيداً عن الصين.
كما يمكن أن يؤثر ذلك على أرباح الشركات الكورية، التي تُعد شريكاً أساسياً للولايات المتحدة في جهود تقليل الاعتماد على الموردين الصينيين، فيما تعاني بالفعل من تراجع الطلب على السيارات الكهربائية وانخفاض أسعار البطاريات.
وقال بيونغ هون كيم، الرئيس التنفيذي لشركة "إيكوبرو ماتيريالز" (Ecopro Materials)، التي تورد المواد الأساسية لبطاريات السيارات الكهربائية المستخدمة لدى "فورد موتور" و"جنرال موتورز": "نتابع كل كلمة يقولها ترمب" و"لقد اعتبرنا قانون خفض التضخم قضية بالغة الأهمية حتى الآن. وإذا حدث أي تغيير في السياسة، فقد نضطر إلى تعديل استراتيجيتنا أيضاً".
قدمت إدارة بايدن الأسبوع الماضي تمويلاً بقيمة 7.5 مليار دولار لدعم مشروع مشترك بين شركتي "سامسونغ إس دي آي" (Samsung SDI) و"ستيلانتس" (Stellantis NV) لإنشاء مصانع لإنتاج خلايا البطاريات في ولاية إنديانا. ومع ذلك، سارع فريق الانتقال الرئاسي التابع لترمب إلى التشكيك في العرض. وصرح فيفيك راماسوامي، أحد الرئيسين المشاركين المرشحين لما سيُصبح قريباً "وزارة كفاءة الحكومة" في إدارة ترامب، في منشور على منصة "X"، بأن الوزارة ستخضع المنشأة للتدقيق.
استثمارات كورية في صناعة البطاريات الأميركية
أعلنت كبرى الشركات الكورية الثلاث لصناعة البطاريات -وهي "سامسونغ إس دي آي" و"إل جي إنرجي سولوشن" (LG Energy Solution) و "إس كيه أون" (SK On)- عن تأسيس 15 مصنعاً للبطاريات في الولايات المتحدة، في أكبر حملة استثمارية مقارنة بالمراكز الثلاثة الكبرى لإنتاج البطاريات عالمياً: الصين، اليابان، وكوريا الجنوبية.
أُعلن عن نصف هذه المصانع بعد توقيع قانون خفض التضخم عام 2022، مع وعد بتوفير أكثر من 20 ألف وظيفة، موزعة بشكل كبير في ما يسمى بـ"حزام البطاريات" الممتد من ميشيغان مروراً بأوهايو وكنتاكي وصولاً إلى جورجيا.
وقال بارك تاي-سونغ، نائب رئيس "الرابطة الكورية لصناعة البطاريات": "لقد ساهمت كوريا الجنوبية في خلق وظائف واستثمارات منطقة حزام الصدأ (Rust Belt)". وأضاف أن وجود مورّدي بطاريات كوريين يعد ميزة للولايات المتحدة في منافستها مع سلاسل التوريد التي تهيمن عليها الصين في مجال السيارات الكهربائية، مشيراً إلى أن الرابطة تُجري محادثات مع السلطات الأميركية لمواصلة الضغط للإبقاء على الإعفاءات الضريبية.
تشير بيانات "مبادرة إعادة التوطين" (Reshoring Initiative) إلى أن بطاريات السيارات الكهربائية شكلت حوالي نصف إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإعادة التوطين من الخارج في الولايات المتحدة بين عام 2021 والربع الأول من عام 2024. وتظهر البيانات أن الاستثمارات الكورية المباشرة وإعادة التوطين في الولايات المتحدة وفرت 20 ألفاً و360 وظيفة في أميركا الشمالية خلال عام 2023، وهو الرقم الأعلى بين جميع الدول.
سيشكل خفض الإعفاءات الضريبية ضربة قاسية لشركات صناعة البطاريات الكورية في وقتٍ تعاني فيه من ضعف الطلب على السيارات الكهربائية. فقد انخفضت أسعار الليثيوم، وهو معدن رئيسي يرتبط بسعر بيع بطاريات السيارات الكهربائية، بنحو 90% من أعلى مستوياتها في 2022 نتيجة تباطؤ الإقبال على السيارات الكهربائية عما كان متوقعاً.
شركة "إل جي إنرجي سولوشن"، الشريك الرئيسي لشركة "جنرال موتورز"، سجلت في دفاترها إعفاءات ضريبية بحوالي تريليون وون (773 مليون دولار) بموجب قانون خفض التضخم منذ بداية العام الجاري، لكن المحللين يتوقعون أن تسجل خسارة صافية للسنة المالية 2023.
كما حصلت "إس كيه أون"، شريكة "فورد"، على إعفاءات ضريبية أميركية بحوالي 211 مليار وون خلال الفصول الثلاثة الأولى من العام الجاري، لكنها سجلت خسارة تشغيلية لتلك الفترة.
"كارثة" لكوريا
تشعر الشركات الكورية بالقلق أيضاً من احتمال أن يسمح ترمب بدخول شركات البطاريات الصينية إلى الولايات المتحدة. قالت "كونتمبوراري أمبيركس تكنولوجي" الصينية (Contemporary Amperex Technology) ، إنها ستدرس بناء مصنع في الولايات المتحدة إن فتح ترمب الباب لذلك، وفقاً لما أوردته "رويترز" الشهر الماضي.
يمنع قانون الحد من التضخم حتى الآن الاستثمارات من الصين، مطالباً شركات السيارات بتقليل الاعتماد تدريجياً على استيراد المعادن الرئيسية لصناعة البطاريات من "كيانات أجنبية مثيرة للقلق".
وقال بارك تشول وان، الأستاذ بقسم هندسة السيارات في جامعة سيجونغ إن "دخول الشركات الصينية إلى الولايات المتحدة سيكون كارثة لكوريا... شركات البطاريات الصينية ستقدم أسعاراً أقل بكثير".
مع ذلك، لا يزال البعض متفائلين بأن ترمب لن يقلص الإعفاءات الضريبية لشركات صناعة البطاريات؛ نظراً لوجود معظم مصانعها في ولايات يحكمها الجمهوريون.
وقال كيتاي كيم، الرئيس التنفيذي لشركة "سونغ إيل ريسايكلينغ بارك إنديانا" (SungEel Recycling Park Indiana)، وهي شركة لإعادة تدوير البطاريات قيد الإنشاء في ويتستاون بولاية إنديانا: "لا أعتقد أن هناك احتمالاً كبيراً لتقليص المزايا الواردة في قانون خفض التضخم".
سجلت أسهم "إل جي إنرجي" ارتفاعاً بنسبة 0.3% يوم الاثنين، بينما تراجعت أسهم "سامسونغ إس دي آي" بنسبة 2.8%.
وقال بات ويلسون، مفوض وزارة التنمية الاقتصادية لولاية جورجيا، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى "بلومبرغ"، إن الولاية، التي تضم ثلاثة مصانع لشركة "إس كيه أون"، ستساعد الشركات الكورية على "تعظيم قدرتها على الوصول بكفاءة إلى المستهلكين في جميع أنحاء البلاد".
"لا تزال السوق الأميركية أهم سوق استهلاكية في العالم. الشركات الكورية كانت تدرك ذلك قبل قدوم إدارة بايدن، وهذه الحقيقة لن تتغير في ظل الإدارة الجديدة"، بحسب ويلسون.