توافقت مجموعة عوامل فأتاحت لمزيد من المستثمرين الأفراد في الولايات المتحدة ترقية مكانة وفرص، فقد ازداد عدد المؤهلين ليكونوا ”مستثمرين معتمدين“ إلى أعلى مستوياته على الإطلاق بفضل الأسواق الصاعدة في الآونة الأخيرة، التي صاحبها ارتفاع في التضخم، وقد دعمت ذلك بعض اللوائح التنظيمية المتقادمة.
هذه الصفة تتيح للمستثمرين الأفراد الاستثمار في الأصول الأخطر والأقل تنظيماً. ويشمل ذلك الأسواق الخاصة التي كانت لفترة طويلة تقتصر على الأوقاف وصناديق التقاعد وغيرها من أنواع ”المال الذكي".
وهي تفتح أبواب درجة كانت حصرية تاريخياً في مجال الملكية الخاصة والائتمان والعقارات. لكن هذه الإتاحة الأوسع، مع ما تحمله من جاذبية الوعد بعائدات أكبر، يأتي معها سؤال جوهري: هل تنضم إلى نادٍ لمجرد أنه أتاح لك عضويته؟
تعود القواعد الحالية للاستثمار في الأسواق الخاصة إلى عام 1982، وكانت غايتها منح مجموعة صغيرة من مستثمرين، يُفترض أنهم أشد دهاءً ويثبت أنهم أكبر ملاءة، إمكانية الوصول إلى العروض الخاصة أو المحدودة.
شروط باتت ميسرة
تحتاج الشركات حديثة النشأة أوالصغيرة إلى رأس المال، لكن المستثمر العادي قد يتجنب دعمها درءاً لشدة مخاطرها. على هذا، اشترطت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية للحصول على هذه الصفة أن يكسب أكثر من 200 ألف دولار سنوياً، أو أن يفوق صافي ثروته مليون دولار. هذه العقبات أقنعت الحكومة بأن المستثمر الفرد يُرجح أن يكون لديه ما يكفي ليقوم من كبوته، إن أقدم على استثمار رديء.
لكن هذه العتبات لم تُحدّث منذ كان رونالد ريغان رئيساً. الآن يمكن لواحدة تقريباً من كل 5 أسر أميركية أن تحظى بصفة مستثمر معتمد، وفي أوائل الثمانينيات كان ذلك أسرة من كل 50. وإن حُدّثت العتبات لتعكس الملاءة المالية الراهنة، فستقفز متطلبات الدخل إلى ما يفوق 600 ألف دولار، وصافي الثروة إلى أكثر من 3 ملايين دولار. علاوة على ذلك، يرتبط بعض النمو الظاهري في صافي الثروات بالطفرة في حسابات التقاعد في مكان العمل، والتي لا يستطيع المستثمرون الاستفادة منها بسهولة دون تجشم عقوبة تخارج.
وفيما يصبح مزيد من الأميركيين مخولين للاستثمار في الأسواق الخاصة، فإن السوق الخاصة تتيح لهم الفرص، وهذه ليست مصادفة: إن أكبر مديري الأصول البديلة في العالم، الذين شهدوا في الآونة الأخيرة جفافاً في مصادر تمويلهم المؤسسي، يتحولون نحو المستثمرين الأفراد.
قال أور سكولنيك، وهو شريك في قسم الملكية الخاصة وتنوع المستثمرين لدى شركة الاستشارات ”بين آند كو“ (Bain & Co): ”إنه تحول ديمقراطي… لم تصبح بعد ميداناً متكاملاً يضمن التكافؤ بين صندوق الثروة السيادية الأكثر تطوراً على سبيل المثال والمستثمر الفرد، لكننا ماضون في هذا الاتجاه، وقد سارت الأمور بأسرع بكثير من توقعات الناس”.
الأرقام تشرح السرعة. وفقاً لبحث من”بين“، يملك المستثمرون الأفراد نحو 54% من الأصول العالمية الخاضعة للإدارة وقدرها 300 تريليون دولار، لكنهم يمثلون 16% فقط من الأصول التي تديرها الصناديق البديلة، التي تشمل صناديق التحوط والملكية الخاصة. والمستثمرون الذين يبلغون متطلبات صفة المعتمدين أو يفوقونها بعض الشيء، أي من تتراوح أصولهم بين مليون دولار و5 ملايين دولار، يخصصون نحو 1% فقط من صافي ثرواتهم للملكية الخاصة والاستثمارات المشابهة.
فرصة مواتية لمديري الأموال
يرى القطاع المتعطش للأصول فرصة سانحة ويتجه نحوها. وتسعى شركات ”بلاكستون“ و“أبولو“ و“كيه كيه ار“ وغيرها من شركات إدارة الأصول الكبيرة إلى تحقيق نمو مرتفع. لكن مع قلة توفر الأموال المؤسسية، فإنهم يريدون أو يحتاجون الأموال من المستثمرين الأثرياء.
ونرى منتجات ومنصات جديدة تظهر على نطاق واسع. بدأت ”بلاكستون“ ذلك باكراً في 2017، مع منتجات مثل "بلاكستون ريل إستيت ترست" (Blackstone Real Estate Income Trust)، المعروف اختصاراً باسم (BREIT). وقد جمعت أداة إدارة الأموال البديلة هذه أكثر من 4 مليارات دولار لصندوق بلاكستون لاستراتيجيات الملكية الخاصة، وهو صندوق ملكية خاصة جديد للأفراد الأثرياء.
ويحوم المنافسون حول المستثمرين، ومن بين أكبر الأسماء “كيه كيه آر“ و”أبولو غلوبال مانجمنت“. تتطلب كثير من المنتجات حتى الآن مستشاراً مالياً كوسيط، وبعضها لديه متطلبات استثمارية إضافية، لكن منصة تُسمى ”مونفير“ (Moonfare) تسمح للمستثمرين الأفراد الراغبين بتخصيص ما لا يقل عن 75000 دولار، بالاستثمار مباشرة في الأصول البديلة.
يلاحظ مستشارو الأثرياء قدراً من خشية فوات الفرصة بين العملاء، فيما لم تعد الشركات الناشئة سريعة في طرح أسهمها للاكتتاب العام.
قال روبرت بيكارد، رئيس الاستثمارات البديلة في شركة إدارة الثروات ”هايتاور أدفايزرز“ (Hightower Advisors): "كان الناس في التسعينيات يأتون في ملعب غولف أو حفلة كوكتيل ويقولون: مرحباً، ما هو سهمك المفضل؟ ما يحدث اليوم في الواقع هو أنه في حفلات الكوكتيل نفسها، لا يتحدث الناس بالضرورة عن الأسهم. إنهم يسألون ما الصندوق الذي تستثمر فيه؟ ما هي الاستثمارات الخاصة التي تقوم بها؟ ما هي الصفقات التي دخلتها؟ هل شاركت في جولة تمويل (سبيس إكس) الأخيرة؟“.
المستشارون يحصلون على الإثارة. فالتعامل مع الأسواق الخاصة بشكل عام هو أنك تتقبل قيود السيولة ومخاطر أكبر لتحقيق عوائد محتملة أعلى من تلك المتاحة عبر السوق العامة.
مع ذلك، في مكان تكون فيه ضوابط إعداد التقارير أكثر تراخياً، يصعب تقييم الأداء والمكونات. يساعد ذلك في تفسير استخدام تعبير صندوق ”فتات الخبز“ على سبيل الذم، والمقصود البقايا التي لم ترغب بها الأموال الذكية، والتي تُقدم للمستثمرين الأفراد عديمي الخبرة. غالباً ما تكون رسوم هذه الاستثمارات مرتفعة جداً مقارنة برسوم الاستثمارات المتاحة على نطاق واسع مثل الصناديق المتداولة في البورصة.
قال نوا دامسكي، وهو مدير لدى شركة ”مارينا ويلث أدفايزرز“ (Marina Wealth Advisors) في لوس أنجلوس: "آمل أن يكون المستشارون والعملاء حصفاء، لأنني أعتقد أن بعض هذه الفرص يمكن أن تكون جيدة… لكنني أعتقد أن كثيراً منها قد يكون فتات خبز".
هناك أيضاً جانب نفسي يجب التعامل معه. لا تبلّغ الصناديق الخاصة عموماً عن النتائج بنفس سرعة الأسهم. قال جون بوفارد، صاحب شركة ”إنكلاين ويلث أدفايزرز“ (Incline Wealth Advisors) في سينسيناتي: "إذا كان شهرك سيئاً، فستستمر معاناتك على مدى جميع أيامه الثلاثين".
وتعني القيود المفروضة على السيولة أن العملاء قد يستثمرون أموالهم اليوم، ولكنهم لن يتمكنوا من استعادتها لسنوات، لأن كثيراً من الصناديق الخاصة تحد حق المستثمرين في السحب بنسبة مئوية صغيرة من الأصول مع مرور الوقت. وقد تجلى ذلك حديثاً عندما قيد ”بلاكستون بريت“ السحب لعدة أشهر، بعد تهافت المستثمرين على سحب أموالهم وسط تراجع سوق العقارات. ويلبي الصندوق الآن متطلبات الاسترداد.
لقد دفع هذا بروس كولين، مدير الثروات في "رانشو بالوس فيرديس" بولاية كاليفورنيا، ليتجنب الاستثمارات الخاصة لبعض العملاء الذين قد يعانون من مجرد فكرة عدم القدرة على الوصول إلى أموالهم لفترات طويلة من الزمن. قال: "إذا كان الأمر سيؤثر على صحتهم النفسية أو العقلية، فلا أقدم على ذلك“.