تخلت الأسهم الأميركية عن مكاسبها في النصف ساعة الأخيرة من الجلسة في ظل قيام المستثمرين بإعادة موازنة محافظهم الاستثمارية بعد صعود تجاوزت قيمته بالفعل 4 تريليونات دولار هذا العام.
هبطت أسعار الأسهم الأميركية لليوم الثالث على التوالي، في أعقاب موجة الشراء التي قفزت بمؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500) بنسبة 10% تقريباً في ثلاثة أشهر فقط. ومع تفوق أداء الأسهم، ستحتاج صناديق الاستثمار إلى بيع أسهم عالمية بما يقرب من 22 مليار دولار، وشراء أدوات دخل ثابت بـ17 مليار دولار من أجل العودة إلى مستويات تخصيص الأصول السابقة، وفقاً لتقدير حديث من "مورغان ستانلي".
يقترب مؤشر الأسهم الأميركية من الصعود للشهر الخامس على التوالي من نوفمبر إلى مارس، وهو إنجاز لم يحققه إلا مرة واحدة فقط في القرن الحالي في 2013. والآن، يتجادل المتداولون حول ما إذا كان الطريق سيصبح أكثر صعوبة لاستمرار صعود أسعار الأسهم في ظل التقييمات المرتفعة تاريخياً.
قال كيث ليرنر من "ترويست أدفايزوري سرفيسز" (Truist Advisory Services): "ما زلنا نتوقع حدوث تراجعات سعرية طبيعية على طول المسيرة.. ومع ذلك، إلى أن يتغير وزن الأدلة، ننصح المستثمرين بمسايرة اتجاه السوق الأساسي، وهو الاتجاه الصعودي، واستغلال التراجعات كفرص".
اقترب مؤشر "إس آند بي 500" من مستوى 5200 نقطة، وأوقف سهم "إنفيديا" ارتفاعه الذي استمر ستة أيام. وانخفض سعر سهم شركة "يونايتد بارسل سرفيسز" (United Parcel Service) بأكثر من 8%، حيث رأى المستثمرون صعوبة تحقيق هدف المبيعات طويل الأجل. ارتفع سعر سهم شركة "ترمب ميديا آند تكنولوجي غروب" الناشئة التابعة للرئيس السابق دونالد ترمب في أولى جلساتها كشركة عامة تتداول أسهمها في سوق المال.
"تراجع صحي"
قال كريغ جونسون من "بايبر ساندلر" (Piper Sandler): "مع تباطؤ الزخم وتباين العمق، نعتقد أن مؤشر (إس آند بي 500) يمكن أن يستفيد من تراجع صحي بنسبة 5% على الأقل نحو متوسطه المتحرك لمدة 50 يوماً، وهو مستوى تم اختباره آخر مرة في أوائل نوفمبر".
ومع تزايد الجدل الكبير حول مدى تركيز أو اتساع نطاق ارتفاع مؤشر "إس آند بي 500" هذا العام، هناك بيانات تدعم كلا الحجتين.
بعد أن بدأ العام بمكاسب تركزت على القطاعات التي تعتمد بقوة على التكنولوجيا، امتد الصعود إلى مجموعات أخرى مثل أسهم السلع الأساسية والشركات الصناعية. ومع ذلك، وبالنظر إلى المساهمة في إجمالي العائدات، فإن 60% من المكاسب في المؤشر كانت مدفوعة بستة أسهم فقط: "إنفيديا" و"مايكروسوفت"، و"ميتا بلاتفورمز"، و"أمازون"، و"إيلي ليلي"، و"برودكوم".
مستوى جديد من المخاطرة
ضجة الذكاء الاصطناعي التي اجتاحت سوق الأسهم جعلت شركات تصنيع الرقائق مثل "إنفيديا" ذات أهمية متزايدة لارتفاع مؤشر "إس آند بي 500" الأوسع. لم تعد الأسهم رخيصة، مما يضيف مستوى جديداً من المخاطرة إلى مزيد من المكاسب في مؤشر الأسهم.
تتحرك أسهم مؤشر أشباه الموصلات في بورصة فيلادلفيا للأوراق المالية عند أسعار تبلغ حوالي ثمانية أضعاف المبيعات، وهو الأعلى منذ عقدين على الأقل، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ. وعلى النقيض من ذلك، يُتداول مؤشر "إس آند بي 500" عند حوالي 3 أضعاف المبيعات. ونسبة إلى المؤشر الأوسع، فإن مؤشر الرقائق أعلى مما كان عليه خلال ذروة الدوت كوم في عام 2000.
وبينما يستعد المتداولون لبيانات مؤشر التضخم الأكثر متابعةً من قبل الاحتياطي الفيدرالي يوم الجمعة -ستكون الأسواق حينها مغلقة- قاموا بتحليل أحدث الأرقام الاقتصادية. إذ واصلت ثقة المستهلك الأميركي استقرارها، وارتفعت طلبيات السلع المعمرة، بينما تسارع نمو أسعار المساكن بأسرع معدل منذ 2022.
قالت فيكتوريا فرنانديز، من "كروس مارك غلوبال إنفستمنتس" (Crossmark Global Investments): "نتوقع بعض الاضطرابات في السوق خلال الأرباع القادمة وسط بيانات مختلطة وسؤال حول المدة التي يعتزم الاحتياطي الفيدرالي التوقف فيها مؤقتاً (عن رفع الفائدة)". وأضافت: "لن نتفاجأ برؤية استبعاد السوق لخفض آخر لسعر الفائدة، مما يدفع العائدات إلى الارتفاع قليلاً من المستويات الحالية حيث تستمر البيانات الاقتصادية في إظهار القوة ولا تبدو المستويات الحالية مقيدة للغاية".
تيسير السياسة النقدية وأرباح الشركات
ولكي تضمن أسعار الأسهم صعودها المتواصل في الأشهر الأخيرة، يجب على البنوك المركزية العالمية تيسير السياسة النقدية العام الحالي، ويتعين على الشركات تحقيق نمو صحي في أرباحها، وفق ماركو كولانوفيتش من بنك "جيه بي مورغان".
وكتب كولانوفيتش هذا الأسبوع: "بشكل عام، إذا تبين أن البنوك المركزية أكثر ميلاً للتيسير مما هو متوقع حالياً، ولكن دون أن يكون ذلك مصحوباً بتراجع النمو، فمن الممكن اعتبار أن مكررات أرباح الأسهم الحالية تدعم الصعود". وعلى الجانب الآخر، إذا كانت الأرباح مخيبة للآمال وكانت البنوك المركزية أكثر تقييداً، فسيتحتم هبوط مضاعفات الأسهم.
سجل عملاء "بنك أوف أميركا" من المؤسسات والأفراد وصناديق التحوط جميعهم صافياً للأسهم الأميركية في الأسبوع المنتهي في 22 مارس، في حين كانت الشركات التي اشترت أسهمها هي المشتري الصافي الوحيد.
عوامل داعمة
يقترب مؤشر "إس آند بي 500" من الصعود للشهر الخامس على التوالي وتحقيق عائد سعري تراكمي حوالي 25% خلال هذه الفترة. وقد حظي هذا الارتفاع بدعم من تجاوز قوة الاقتصاد التوقعات، فضلاً عن انتقال تقديرات أرباح الشركات المستقبلية إلى مستويات قياسية، وتفوق أسهم التكنولوجيا، والتوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ في خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام، وفق ليرنر من "ترويست".
وأشار إلى أن "الزخم القوي للأسعار، كما حدث خلال الأشهر الخمسة الماضية، يميل إلى الحدوث في خضم الأسواق الصاعدة، وهو علامة على القوة الأساسية".
وأضاف ليرنر أنه في حين يبدو أن الأسواق مجهدة، فإن فترات القوة الماضية المماثلة كانت تميل أيضاً إلى أن تكون إيجابية على مدى عام، إذ ارتفعت أسعار الأسهم في كل مرة وحققت ارتفاعاً بمتوسط 14%.
قال أنتوني ساغليمبيني من "أميربرايس" (Ameriprise): "ارتفعت أسعار الأسهم في الربع الأول تحسباً لخفض الفائدة الأول.. من المحتمل أننا دخلنا بالفعل فترة انخفضت فيها احتمالات مفاجأة الاحتياطي الفيدرالي السوق من الآن فصاعداً".
بشكل عام، من المحتمل أن تواصل أسعار الأسهم الصعود حتى أواخر مارس في ظل عدم وجود دليل على تدهور فني، وفق مارك نيوتن من "فَندسترات غلوبال أدفايزورس" (Fundstrat Global Advisors).
وقال نيوتن: "ما زلت أرى أن سوق الأسهم الأميركية جذابة من الناحية الفنية، ولا أشعر بوجود مخاطر كافية تبرر عمليات البيع في هذا الوقت". وخلص إلى أن مؤشر "إس أند بي 500" قد يرتفع إلى منطقة 5350-5400 نقطة بالتأكيد في منتصف أبريل، قبل بدء تشكل عمليات جني الأرباح.
أداء أبرز المؤشرات:
- انخفض مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 0.3% في الساعة 4 مساءً بتوقيت نيويورك.
- تراجع مؤشر ناسداك 100 بنسبة 0.4%.
- هبط سعر "بتكوين" 2% إلى 69538.32 دولار.
- قيمة "إيثر" انخفضت 1.9% إلى 3561.06 دولار.
- انخفض العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار نقطتَي أساس إلى 4.23%.
- ارتفع سعر الذهب في المعاملات الفورية 0.3% إلى 2177.89 دولار للأونصة.